30 أغسطس 2010


الإمام عليّ(ع) البطل الرساليّ


بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد، وعلى آله الطّيبين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

الذّود عن رسول الله(ص)

نستكمل الحديث عن الإمام عليّ أمير المؤمنين(ع)، هذه الشَّخصية الّتي بناها رسول الله، بنى عقلها وروحها وسلوكها، حتّى أصبحت تجسيداً لعقله(ص) وشعوره وأخلاقيَّته. ونشأ عليّ(ع)، كما ذكرنا، في أحضان النبيّ(ص)، وكان يشعر بمسؤوليَّته عنه(ص) وعن المسلمين كلّهم وعن الإسلام كلّه. ولذلك، فإنّ السّيرة تؤكِّد أنَّ المعركة في بدر لم تشغل عليّاً عن رسول الله(ص)، فكان يقاتل ويصرع قادة المشركين، ثمّ يأتي إلى رسول الله(ص) ليتفقّده، وليتعرّف وضعه ويطمئنّ إلى سلامته. وهكذا كان يحمل مسؤوليّة سلامة رسول الله(ص) في تلك المعركة. ثم عندما انهزم المسلمون في الجولة الثّانية (معركة أُحد) أمام المشركين، بعد أن تركوا تعليمات رسول الله(ص) في إلتزام المواقع في جبل أُحد، الّتي كانت تمثّل مواقع الأمن للمسلمين، لمنع المشركين من الالتفاف عليهم، أصيب رسول الله(ص) في تلك المعركة، حتى شجّت جبهته، وكسرت رباعيّة أسنانه، وسقط صريعاً، وقال النّاس إنّ رسول الله(ص) قد مات، واهتزّ بعض المسلمين فقالوا: "من يذهب إلى أبي سفيان ليأخذ منه الأمان لنا". وصمد مسلمون آخرون وقالوا: " إن كان رسول الله قد قتل، فإنّ دين رسول الله باقٍ، فلنقاتل على ما قاتل عليه". ولكن، كان عليّ(ع) يحيط رسول الله(ص) في تلك الحالة، ويحميه من المشركين، خوفاً عليه من أن يأتي أحدهم ليعتدي على رسول الله(ص) في تلك الحالة. فكان في الوقت الّذي قاتل في أُحد قتال الأبطال، تشغله مهمة حماية رسول الله(ص) في تلك المعركة، حتّى حفظ رسول الله(ص)، فخرج سالماً من المعركة، ورجع إلى المدينة.

بسالة عليّ(ع) في واقعة خيبر

وفي واقعة خيبر، عندما أرسل رسول الله رجلاً يتولّى قيادة الهجوم على اليهود وعلى حصنهم في خيبر، لم يكن الرّجل على مستوى القوّة، فرجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه، أي كأنّه كان يقول لهم إنّ اليهود أقوى منّا، ولن نستطيع أن نهزمهم. ثم أرسل شخصاً آخر كالشّخص الأوّل، وعندما اندفع إلى القتال ووصل إلى الحصن، لم يستطع أن يقتحمه، فرجع مهزوماً، يجبّن أصحابه ويجبّنونه أيضاً. (مثل كثيرين من العرب في هذه الأيّام، والّذين يقولون إنّ الجيش الإسرائيليّ جيش لا يقهر، وأيضاً الّذين كانوا في عام 1948 يقولون "ليس هناك أوامر"، وكانوا ينهزمون أمام اليهود كما انهزموا سنة 1967، حين اجتاح اليهود كلّ الجيوش العربيّة الّتي دخلت المعركة). وعند ذلك، بدأت الأرجحيّة لليهود على المسلمين، لأنَّ قائدين من قادة المعركة انهزما، ولم يستطيعا أن يقتحما الحصن الّذي تحصّن به اليهود. ومعنى ذلك، أنّ المسلمين سوف يرجعون منهزمين، وكأنهم سألوا رسول الله(ص): ماذا سنفعل؟ فأجاب: "لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه اللهُ ورسوله، كرّار غير فرّار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه". فكان كلّ مسلم يتمنّاها لنفسه، غير الّذين انهزموا، ولم يكن عليّ وارداً في الحساب، لأنّه كان أرمد العين، يشتكي من عينيه، حتى لا يكاد يبصر بهما، ومن كانت حالته بهذا الشّكل، لا يمكن أن يقود المعركة، ولا يمكن أن يدخل المعركة من الأساس. وقال الرّسول (ص): " ادعوا لي عليّاً"، جيء له بعليّ (ع)، فأخذ الرّسول من بصاق فمه، ومسحه على عين عليّ(ع)، فارتدّ بصيراً. لأنّ المسألة مسألة ما أفاض الله على رسوله من كرامته ولطفه، ثمّ سلّم النبيّ الراية لعلي(ع)، فاندفع مهاجماً الحصن، فاقتحمه وقلع بابه، ثم نصب الباب جسراً يعبر إليه المسلمون إلى داخل الحصن، فدخل المسلمون، ودارت الدّائرة على اليهود، وانتصر المسلمون وانهزم اليهود.

قوّة عليّ قوّة ربّانيّة

ويقول ابن أبي الحديد، شارح النّهج، مخاطباً عليّاً(ع):

يا قالع الباب الّذي عن هزّه عجزت أكفٌّ أربعون وأربع

أي أن أربعة وأربعون شخصاً لا يمكن أن يهزّوا الباب الّذي قلعته بيمينك. وينقل عن الإمام عليّ(ع) أنه قال: "والله ما قلعت باب خيبر بقوّة بشريّة، ولكن بقوّة ربّانيّة"،لأنّ قوّة إيمان عليّ(ع) ومحبّته لله سبحانه ولرسوله (ص) ،ومسؤوليّته عن عزّة المسلمين وكرامتهم وانتصارهم، جعلت قوّته قوّةً مضاعفةً، لأنّ الإرادة الصّلبة، الحرّة، القويّة هي الّتي تقوّي الجسد. وهذا ما أشار إليه الإمام جعفر الصّادق(ع) بقوله: "ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة"، أي أنه إذا كانت إرادتك قويّةً ونيّتك سليمة، فإنّها تعطي جسدك قوّةً مضاعفة. فإنّ الجانب النّفسيّ يترك تأثيره على الجانب الجسديّ. وهكذا انتصر المسلمون، وانتصر الإسلام بعليّ(ع).

البطل الرّساليّ في كلّ المواقف

وفي معركة حُنين، اغترّ المسلمون بكثرتهم، ولم تكن لديهم خطّة واضحة {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}[التّوبة: 25[، لأنّ الكثرة ليس لها قيمة دون خطّة عسكريّة، ودون تخطيط للنّصر. ودارت الدّائرة على المسلمين، وتعرّضت حياة رسول الله(ص) للخطر، والنبيّ ينادي المسلمين ليأتوا إليه وهم منهزمون، وكان عليّ(ع) في طليعة الّذين أحاطوا برسول الله(ص)، وعملوا على حمايته، حتّى انقلب الحال وانتصر المسلمون بعد ذلك.

وقيمة عليّ(ع) أنّه كان بكلّه لله، فلم يكن يفكّر في نفسه، بل كان يفكّر في الله، وهذا ما ركّز عليه الرّسول(ص): "يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله"، فكان يحبّ الله فيتحرّك في الحياة من أجل نصرة دين الله، والإخلاص في عبادة الله، والتّضحية في سبيل الله. وهكذا كان يحبّ رسول الله(ص)، لا من جهة القرابة بين بعضهما البعض، أو المصاهرة، بل باعتبار أنّه رسول الله(ص)، وأنّ محبّته إنما تتحرّك من خلال محبّة الرّسالة، لأنها رسالة الله. وهكذا كان يحيط به (ص) بكلّه، ولذلك كان لا يغيب عن أيّ معركة يخوضها رسول الله، حتى إنّ رسول الله(ص) عندما توجّه إلى تبوك لخوض المعركة، ترك عليّاً بالمدينة، فسأل عليٌ(ع) رسول الله(ص): كيف تتركني وأنا كنت معك في جميع معارك الإسلام وحروبه؟ فعرّفه النبيّ(ص) أنّه لن تكون هناك حرب، ثم قال له: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلّا أنّه لا نبيّ بعدي". والله سبحانه وتعالى ماذا قال عن هارون في القرآن؟ قال موسى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}[طه : 29_32]، كأنّ النبي كان يريد أن يشدّ أزره بعليّ، وأن يقوّي موقفه بعليّ، وأن يشاركه عليّ في حمل مسؤوليّة الرّسالة.

ومن هنا، فإنّ عليّاً(ع) في كلّ حياته كان مع رسول الله(ص)، فكان البطل الرّسالي الّذي حمل مسؤوليّة الإسلام كلّه، ومسؤوليّة الرّسالة كلّها، ولذلك قال عنه النبيّ(ص) في واقعة الخندق: "برز الإيمان كلّه إلى الشّرك كلّه"، لأنّ الإيمان كلّه تجسّد بعليّ (ع)، كما تجسّد الشّرك كلّه في عمرو بن عبد ودّ. ولذلك، فإنّ قتل عليّ(ع) لعمرو جعل الإيمان كلّه ينتصر على الشّرك كلّه {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً}[الأحزاب: 25[. وفي بعض التّفاسير، كفى الله المؤمنين القتال بعليّ، لأنّ عليّاً هو الّذي اختصر المعركة وهزم المشركين بعد قتل عمرو، مع أنّ المسلمين كانوا يعيشون الرعب {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً* وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً }[الأحزاب: 10_ 12[

لكنّ المشكلة، أنّ الكثيرين من المسلمين لم يفهموا عليّاً ولم يعرفوا دور عليٍّ في حماية الإسلام وفي نصرة الإسلام، وكانوا بعد رسول الله يقولون إنّك لا تزال شابّاً والبعض يملكون السنّ المتقدّمة، وهل كانت القضيّة قضيّة سنوات عمرٍ، أم كانت قضيّة جهادٍ وإخلاصٍ لله ورسوله.

والحمد لله رب العالمين.

ألقيت في 19 رمضان 1430هـ


ليست هناك تعليقات: