20 أكتوبر 2008

استقبل وزير الأوقاف اليمني
فضل الله: اليمن يمثّل الموقع الاستراتيجي المهم جغرافياً وسياسياً

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وزير الأوقاف اليمني، الشيخ حمود الهتار، يرافقه سفير اليمن في بيروت، فيصل أمين أبوراس، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العربية والإسلامية العامة والوضع في اليمن، وأشار سماحته إلى أن تاريخ الشعب اليمني هو تاريخ الانفتاح والتسامح، وإلى أنّه الشعب الذي تعيش الحرية في داخل شخصيته، وفي تعاطي بعضه مع بعض، مشيراً إلى حوارات المذاهب ولقاءات الفئات السياسية والمذهبية في النطاق العربي والإسلامي الجامع.
وشدّد سماحته على ضرورة أن تتحلى الحكومة بسعة الصدر تجاه الآخرين، وأن يغلب منطق الحوار على منطق الانفعال الذي قد ينطلق من هنا وهناك، وخصوصاً في الوقت الذي نشهد محاولات استكبارية دؤوبة لجعل الدول العربية والإسلامية تتمزق داخلياً وتتفتت سياسياً، فتبقى مواقع استهلاك ومراكز خدمات للعالم المستكبر الذي لم يتوانَ عن ملاحقة أهدافه الساعية إلى زرع الشقاق والفوضى في مناطقنا، حتى مع بروز المشكلة الاقتصادية العالمية ككارثة تهدد مجتمعاته قبل أن تهدد مجتمعاتنا.
وأكّد سماحته أن اليمن يمثل الموقع الاستراتيجي المهم جغرافياً وسياسياً، وأن المطلوب حفظ هذا الموقع في خط الوحدة الإسلامية، من خلال إدارة الحوار الداخلي بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.



مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 21-10-1429 الموافق: 20/10/2008
في معرض استقباله مفتي القدس
فضل الله: نحتاج إلى جهد عربي يواكب الجهد الفلسطيني حتى نحمي القدس ونحفظ القضية


استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، ووزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني الشيخ جمال بواطنة، يرافقهما وكيل وزارة الأوقاف صلاح زحيكه.
وكانت جولة أفق في الوضع الفلسطيني العام، ومعاناة الشعب الفلسطيني في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية، وحملات الحصار والتجويع والتهويد التي تشن ضد الفلسطينيين.
وأكّد سماحة السيد فضل الله في خلال اللقاء، أن قضية فلسطين لا تزال تمثل القضية العربية والإسلامية والإنسانية الكبرى، حيث لا تزال تختصر في أحداثها وتطوراتها وتأثيراتها كل المرحلة السياسية في المنطقة، مشيراً إلى أن عنوان القدس والمسجد الأقصى لا يزال يفرض نفسه على العالم بحركته الفلسطينية العربية والإسلامية، على الرغم من كل محاولات التهويد، لأن صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على الاحتفاظ بهويته وثوابته، شكّل العلامة الفارقة في الحفاظ على القضية التي لا يمكن أن تموت مع تقادم الزمن.
وأكّد سماحته أن قضية القدس وفلسطين تحتاج إلى جهد عربي وإسلامي يواكب الجهد الفلسطيني الداخلي، ويحفظ جهاد الفلسطينيين المستمر، مشيراً إلى أن تقصير الدول العربية والإسلامية مع الفلسطينيين هو تقصير مع الذات، لأن أي ضعف يطاول القضية الفلسطينية ينعكس سلباً على صورة العرب والمسلمين، كما أن قوة الموقع الفلسطيني تمثل معياراً بارزاً لقوة العرب والمسلمين.
وشدّد سماحته على أن حجم التآمر على القدس وقضية فلسطين كان أكبر بكثير من حجم الرد العربي والإسلامي، مشيراً إلى أن أفضل تضامن يمكن أن يحصل مع الشعب الفلسطيني يتمثل بتوحد العرب والمسلمين والأمة في مواجهة أعدائها.
وأكّد سماحته أن المشكلة تكمن في أن الذين يشرفون على شؤون الأمة ـ بعامة ـ هم من حراس الاستكبار العالمي، إلى المستوى الذي أصبحت المقاومة عندهم تمثل تهمة يعمل محور الاعتدال العربي على التبرؤ منها، أو التخلص من تأثيراتها، أو التملص من إنجازاتها، في الوقت الذي عملت إسرائيل على دفع الفلسطينيين نحو اليأس، لجعل الشباب الفلسطيني يستسلم للقدر الاستكباري والاحتلالي الذي يُطوّق خياراته في ظل الكبوة العربية والإسلامية القاتلة.
وشدّد سماحته على أن الشعب الفلسطيني بكل منظماته وفئاته وفصائله لا يملك خياراً إلا الوحدة، محذراً من دخول الكثير من الأمراض السياسية العربية إلى فلسطين، ومن بينها تلك الأمراض التي لاحقت الفلسطينيين في لبنان قبل العام 1982، مؤكداً أن السكوت العربي والإسلامي على حصار غزة، وكذلك على الحفريات التي تتم تحت المسجد الأقصى، يمثل جريمة سياسية كبرى، فضلاً عن مفاعيله الدينية والإنسانية والاجتماعية وغيرها.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 21-10-1429 الموافق: 20/10/2008
في معرض استقباله لوفد من حركة غزة الحرة التي كسرت حصار غزة
فضل الله: حركتكم شكّلت خطاً جديداً في الصراع مع إسرائيل وأحرجت العالم

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله في دارته بحارة حريك، وفداً من حركة غزة الحرة التي شاركت في كسر الحصار عن غزة، حيث عرضوا لسماحته الظروف والأجواء التي رافقت مسيرة السفينة البحرية التي حملت على متنها العديد من الشخصيات من مختلف دول العالم، في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة.
وقد رحّب سماحته في الوفد قائلاً: إننا ننظر باحترام وتقدير كبيرين لكل من يسعى إلى رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في غزة، لأننا نعتقد أن غزة تمثل أكبر سجن في العالم، حيث لا يموت في هذا السجن الأعداد المتواصلة من الفلسطينيين فقط ممن لا تصل لهم حاجاتهم الصحية الدوائية والغذائية، بل إن الذي يموت في غزة هو ضمير هذا العالم المتحجّر الذي لا يتطلع إلى الآخرين إلا من زاوية المصالح المادية، ولا يؤثّر في هذا الضمير إلا ما يمس مصالحه وأوضاعه في الأسواق والبورصات، وفي الأسواق الاستهلاكية التي ينظر إلى الشعوب وخصوصاً شعوبنا من خلالها.
ورأى سماحته أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية تختص بشعب بعينه أو فئة بشرية معينة، ولكنها تمثل القضية الأنصع للمظلومية في هذا العصر، وصحيح أن لهذه القضية بعدها العربي الكبير، وبعدها الإسلامي المميّز، إلا أنها أصبحت تمثل قضية إنسانية بحجم العالم. ومن هنا فنحن ننظر بتقدير كبير إلى كل من يعمل على احتضان هذه القضية على المستويات السياسية أو الإعلامية وكذلك الميدانية، وقد رأينا في بعض الأقلام الغربية الحرة، كما في بعض الأقلام الفرنسية التي عوقبت على ضميرها الحيّ وفكرها الواعي المنفتح، مما قد نفتقد له في واقعنا العربي والإسلامي، وممن يستحق الاحتضان والصداقة والمؤازرة أكثر من أولئك الذين يملأون الدنيا ضجيجاً في واقعنا في كل يوم وهم يتحدثون عن قرارات الأمم المتحدة، وعن الحقوق المشروعة للفلسطينيين فيما لا تقترب فيه الحركة السياسية الميدانية من حدود الكلمات وآفاقها.
وشدّد سماحته على ضرورة أن يخرج العرب والمسلمون من دائرة التقصير حيال الطلائع الحرة والواعية من الغربيين التي ساندت قضاياهم، وأن يبادروا إلى التقرّب من هؤلاء وتكريمهم والاستفادة من تجاربهم في المسألة الفلسطينية وغيرها.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 21-10-1429 الموافق: 20/10/2008
في معرض استقباله لسفيرة النرويج
فضل الله يدعو لتحالف عالمي لمكافحة الإرهاب الاقتصادي

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، سفيرة النروج في لبنان، "أودليس نورهايم"، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، وتطورات الأزمة الاقتصادية العالمية، إضافةً إلى العلاقات اللبنانية ـ النروجية.
ونقلت السفيرة إلى سماحة السيد فضل الله، تقدير حكومتها لمواقف سماحته الداعية إلى الحوار ومعالجة القضايا برويّة وانفتاح كما حصل لدى بروز أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد(ص) في الدول الاسكندنافية، مشددة على أن "ما يطرحه السيد فضل الله حول ضرورة الحوار ونبذ العنف في علاقات الشعوب هو أمرٌ مهم جداً وهو محل تقدير كبير عندنا". كما أثنت السفيرة على مواقف سماحته في مجال الدفاع عن المرأة ورفض استخدام العنف ضدها.
من جهته، أكد سماحة السيد فضل الله أن مشاكل العالم الكثيرة باتت تتطلب من كل الأطراف، وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي، أن تتحدث مع الجميع، مشيراً إلى ضرورة أن يدخل الاتحاد الأوروبي من خلال قنواته السياسية المختصة في حوار مع الحركات الإسلامية التي لها رؤيتها، وخصوصاً في الساحة الفلسطينية، والتي لا يمكن استمرار النظر إليها كمنظمات عنفية، بل كحركات سياسية وحركات مقاومة مشروعة ضد المحتل.
وشدد سماحته على أن خطأ أوروبا الكبير تمثل في انقيادها من خلال حلف الأطلسي لأمريكا، وخصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي انعكس مزيداً من الويلات والمآسي والحروب في العالم، لأن الإدارة الأمريكية ولاسيما إدارة جورج بوش الإبن، أباحت الاحتلال ودمّرت علاقات الدول والشعوب بعضها ببعض، تحت عنوان مكافحة الإرهاب ومن خلال تسويقها للحروب الاستباقية.
وأكد سماحته أن العالم بات يمثل قرية واحدة وأن أية مشكلة في أي بقعة من العالم قد تمتد تأثيراتها إلى مواقع أخرى، وقد رأينا كيف أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي انطلقت في أمريكا أصابت اقتصادات كبرى أخرى، وخصوصاً في أوروبا واليابان، متوقعاً سقوط الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العالم، داعياً إلى تفاهم كل الأقطاب في العالم حول حماية النظام الاقتصادي العالمي وحماية البشرية من الأخطار المحدقة بها بفعل الفساد وسياسة النهب الاقتصادي الممنهج.
واقترح سماحته قيام تحالف عالمي لمكافحة الإرهاب الاقتصادي، بحيث تتركز مهمة هذا التحالف على التأسيس لنظام اقتصادي عالمي يرفض سياسة التوحش الاقتصادي ومصادرة ثروات الشعوب، ويعمل لعدالة أكثر في المجالات الاقتصادية والتي لا بد من أن تنعكس آثارها الإيجابية على الملفات السياسية والاجتماعية وغيرها، مشيراً إلى أن في الإسلام مخزوناً تشريعياً في المسألة الاقتصادية يمكن أن يساعد البشرية في الخلاص من أزمتها الراهنة وأزماتها المستجدة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 14-10-1429 الموافق: 13/10/2008
في معرض استقباله لمفتي الديار المصرية وفي حضور السفير المصري
فضل الله: مسيرة الوحدة الإسلامية لا تلغي أحداً بل تصنع القوة للأمة


استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، مفتي الديار المصرية الدكتور، الشيخ علي جمعة، على رأس وفد ضمه والسفير المصري وأركان السفارة المصرية في بيروت، والزميل، الدكتور يحيى الكعكي، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العربية والإسلامية وسبل حماية الوحدة الإسلامية من خلال استلهام تجربة دار التقريب في مصر والتجارب الوحدوية الأخرى.وشدد المفتي جمعة على أن ما يجمع السنة والشيعة هو الكثير، وأن القضايا الخلافية فيما بينهم قليلة جداً، مشيراً إلى أن الحوار بين الطرفين على مستوى النخبة لم يتوقف يوماً، وهو يدار من خلال قلوب مفتوحة وبنيات طيبة في غالب الأحيان.وأكد جمعة وجود محاولات عالمية متعددة لإضعاف الساحة الإسلامية، مشدداً على وجوب اعتماد آلية عملية تستخدمها النخبة وتعمل بها في سبيل ترجمة الجهود الوحدوية ومسائل التقريب في الميدان العملي.من جهته، أكد سماحة السيد فضل الله أن على المسلمين أن يتحاوروا ويتعاونوا من أجل أن يكون الإسلام قوة في العالم، وحتى تتحول الأمة الإسلامية إلى أمة فاعلة في القرارات العالمية، مشدداً على أن الوحدة لا تلغي أحداً، بل تصنع القوة في واقع الأمة.وأكد سماحته أن مصر بعلمائها ومثقفيها، وبطلائعها الواعية المنفتحة، كانت دائماً إلى جانب خط الوسطية في الأمة، وقد أدت دوراً مميزاً على صعيد التقريب بين المذاهب الإسلامية، وكانت لها بصمات كبيرة في هذا المجال، وبدءاً من الشيخ محمد عبده وصولاً إلى المشايخ محمود شلتوت وعبد المجيد سليم وحسن البنا و محمد الغزالي وغيرهم، وذلك إضافةً إلى الإصدارات المصرية في رسائل التقريب ورسالة الإسلام، والتي اتّسمت بالعلمية والموضوعية، وأعطت الدليل الحاسم على إمكان نجاح تجارب الوحدة على المستوى العملي وفي الصعيد الفقهي الميداني، بما يقطع الطريق على كل محاولات العبث بأمن الأمة الداخلي ووحدتها ومناعتها.وأشار سماحته إلى أن الكبار من علماء الأمة ومنهم العلماء المصريين، عرفوا مسبقاً بأن ضعف الأمة وتراجعها يمكن أن ينطلق من خطين: الأول ويتمثل بمقاربة القضايا الخلافية من طريق إنتاج الحساسيات والأحقاد أو حتى المجاملات. والثاني من خلال تغليب الغوص في القضايا الهامشية على حساب قضايا الأمة. ولذلك عملوا على مواجهة المؤامرة من خلال العمل لصون الإسلام كله بعيداً من الأطر المذهبية الضيقة، وحثوا الأمة على التطلع إلى ما يجري في العالم من زاوية القضايا الكبرى، ولذلك فيجدر بنا أن نسلك طريق هؤلاء في خط التقريب وفي مسار قضايانا التي تحتاج إلى عمل العاملين، وخصوصاً العلماء، لا إلى سجال المساجلين وخطاب المتخاصمين.وشدد سماحته على أن مسيرة الوحدة الإسلامية تحتاج إلى جهود الجميع لكي ينهضوا بها وأن المسؤولية لا يمكن أن تقع على عاتق جهة بعينها، أو دولة بنفسها، حتى يمكن أن نحاسبها لوحدها إذا أخطأت أو نحمّلها المسؤولية كاملةً إذا ارتكبت هفوةً هنا أو عجزت عن تأدية رسالتها المفترضة... ولذلك فإن المطلوب هو أن يسلك الجميع خط الوحدة، وخصوصاً العلماء، وأن يتقوا الله في كلماتهم، ثم أن يأخذوا في الاعتبار القاعدة الشعبية في كل ما يصدر عنهم، وفي التأثيرات السلبية التي قد تنتج من الخطاب الذي لا يتّسم بنفس وحدوي، وخصوصاً بعدما عمل الاستكبار العالمي على زرع الفتن والأحقاد في الأرض العربية والإسلامية إلى المستوى الذي تسللت فيه خطط الآخرين وبرامجهم التدميرية إلى الكثير من وسائل الإعلام في الأمة، والتي انخرطت في لعبة التفريق والتمزيق من حيث أرادت أو لم ترد.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 19-10-1429 الموافق: 18/10/2008

12 أكتوبر 2008

في مقاربة فكرية وسياسية واقتصادية للأزمة الاقتصادية العالمية
فضل الله: الأنظمة المتوحشة منعت الإنسان من التحكم بما صنعه ولا حلول نهائية أو قوالب جاهزة عند علماء المسلمين


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً توقّف فيه عند الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم، مقارباً لها من زوايا عدة، وجاء فيه:
لقد بات من الواضح أنّ ثمّة منعطفات خطيرة يمرّ بها العالم في العقود، بل في السنوات القليلة الماضية، وهي تمثّل كوارث كُبرى لا تهدّد دولاً أو جماعات بخصوصها، بل تلاحق البشريّة وتخلّ بتوازن حركتها في الأرض؛ بدءاً من كارثة الاحتباس الحراري التي لا تزال بعض الدول تقف موقف اللامبالاة من تداعياتها، إلى سباق التسلّح بأسلحة الدمار الشامل، إلى الحروب الكارثيّة التي أصابت توازن العالم، وليس آخرها الكارثة الاقتصاديّة العالميّة التي لا يُعرف إلى الآن لها مدىً أو يُحصر لها تداعيات.
ولعلّنا نرى بأنّ الثنائيّة القطبيّة التي سادت خلال القرن الماضي بعامّة، لم تكن إلا عنصر توازنٍ نسبيّ يحكم حركة الطغيان الذي يُمكن أن تؤجّجها الأحاديّة، ولم تكن هذه القطبيّة عنصر تحفيز للبشريّة في التحرّك نحو ما يؤمّن لها توازن وجودها وتطوّرها في المجالات كافّة.
وإنّنا إذ نتوقّف اليوم أمام الكارثة الاقتصاديّة العالميّة، فلسنا في موقع تقديم حلول جاهزة لأزمة عالميّة بالغة التعقيد؛ لأنّنا نعتقد أنّ ذلك شأن الخبراء في هذا الميدان؛ إلا أنّنا نلفت إلى نقاط عدّة، باتت غير خفيّة نشعر بأهمّيتها أكثر من أيّ وقتٍ مضى:
أوّلاً: لا يُمكن للإنسان العاقل أن يتحرّك من خلال عقدة الثأر، تجاه ما يصيب العالم اليوم؛ لأنّنا نعتبر أنّ هذا الأمر هو غير أخلاقيّ ولا إنسانيّ ـ بالدرجة الأولى ـ، كما أنّ المسألة هي شأنٌ عالميّ، وإن كان مجال التسبّب بها ينطلق في واقعٍ معيّن.
ثانياً: إنّ إحدى أهمّ المشاكل التي كُنّا نشير إليها مراراً هي في الاستكبار العالمي الذي يجعل الإنسان يخرج من دائرة إنسانيّته إلى دائرة التوحّش، ما يؤدّي ـ بالتالي ـ إلى توحّشٍ في الأنظمة التي تحكم الإنسان حتّى لا يعود يتحكّم هو بها وهي صنيعته وإبداعه؛ الأمر الذي يُشير إلى أنّ الأكثر خطورةً في حركة الأنظمة السياسية أو الاقتصاديّة أو غيرها، هو غياب القيم الأخلاقيّة عن حركتها، والتي هي ـ أوّلاً وأخيراً ـ قيم إنسانيّة تحاكي فطرته البسيطة، أيّاً كان الدِّينُ الذي يُنادي بها ويدعو إليها.
ثالثاً: لقد كان من نتيجة غياب منظومة القيم عن أنظمة العالم، أن تحكّم الجشع والأنانيّة والغريزة والهوى الشرّير، بحركة العالم، فبات الإنسان يُنتج الشرّ باسم الحضارة، ويحرّك الفساد باسم التمدّن، ويدمّر العالم باسم الترفيه، ويؤسّس للفوضى باسم البناء... ولم تعد مفاهيم الصدق والأمانة والإخلاص وحبّ الآخر والرحمة به سوى مفردات تستخدمها أجهزة التخطيط لأجل السيطرة على عقول السذّج من أجل خدمة المصالح الاستكبارية لفئات محدودة من البشر، ويستحكم بها الطمع والجشع، وتخلط بين الطموحات الشخصيّة ومصالح الشعوب. وأوّل ما يتطّرق إلى الذهن قوله تعالى ـ وهو يتحدّث عن إحدى سننه في التاريخ ـ: {ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعض الذي عملوا لعلّهم يرجعون} [الروم:41].
رابعاً: على أساس هذه السنّة الكونيّة، ولأنّ البلايا التي تعصف بالبشريّة هي فرصةٌ للتأمّل والتفكّر، وهي حافزٌ للذات لكي تعود إلى بعض أصالتها، فإنّ العالم كلّه اليوم مدعوّ إلى إعادة النظر في أنظمته السياسية والاقتصاديّة، بل حتّى في فلسفاته التي ترتكز عليها تلك الأنظمة، من فلسفة تمجّد الفرد حتّى تكاد تُلغي المجتمع إلى فلسفة تسحق الفرد باسم مصلحة المجتمع، ومن فلسفة تنظّر إلى الحرّية حتّى إلى مستوى تدمير الإنسان والحياة وإلى فلسفةٍ تخنق الإنسان حتّى لا يكاد يتنفّس.. وهذه الإعادة تستدعي من الجميع الخروج من إطار الاستكبار المعرفي إلى التعاون الحضاري المشترك بهدف دارسة كلّ الأطروحات، وأهمّها الإسلام، كحركة في سبيل التجديد الذي يتحرّك على شكل حوار الفكر والتجربة معاً بين الإسلام من جهة والغرب من جهة ثانية؛ لأنّنا نعتقد أنّ الإسلام يقوم على رؤية تحاكي أكثر من بُعدٍ في الإنسان؛ فتتوازن لديه الفرديّة بالاجتماعيّة، ويمتزج فيه الجانب الروحيّ بالجانب المادّي، وتحضر فيه الدنيا والآخرة، كما أنّ التشريع الإسلاميّ في عالم المعاملات يرتكز إلى قواعد إنسانيّة عقلائيّة، ولا يكتسب خصوصيّة تشريعيّة إسلاميّة، ولذلك كانت المعاملات في الإسلام إمضائيّة لما أنتجه الناس في معاملاتهم، ما أفسح في المجال لتطوّر هذا المجال تبعاً لتطوّر حاجات الإنسان فيه، وكان الإسلام ينبّه ـ وهو يمضي ما عليه الناس ـ إلى بعض القواعد التي تحكم توازن الحقوق؛ وكان حتّى في تحريمه للربا منطلقاً من حيثيّات واقعيّة ترصد طبيعة المفاسد المترتّبة عليها، في الجانب الاقتصادي، كما في الجانب القيمي الأخلاقي..
وعلى كلّ حال، فلسنا هنا في مجال استعراض كثير من التفاصيل في هذا المجال؛ إلا أنّنا نلفت إلى أنّ ثمّة قاعدة عريضة في الإسلام يُمكن للإنسان ـ أيّاً كان ـ أن يلتقي عليها، ويستفيد منها، ما يعني، بالضرورة، إمكان نشوء حوار وتعاون فعلي بين الإسلام وبين الغرب في حلّ مشكلات عالميّة تأخذ مداها.
وإنّنا نثمّن في هذا المجال الدعوات التي أطلقها بعض رؤساء التحرير في بعض الصحف في الغرب، إلى قراءة القرآن والاستفادة من طروحاته في حلّ الأزمة الاقتصادية العالمية، أو في التنظير لنظام اقتصادي متماسك.
خامساً: ما أشرنا إليه في النقطة السابقة، لا يعني أنّ ثمّة قوالب جاهزة لدى علماء المسلمين، أو أنّ هناك نهائيّة في المضمون الإسلامي في هذه القضيّة أو تلك؛ لأنّنا نعتقد أنّ باب الاجتهاد مفتوح، وهذا ما يعني ـ بالضرورة ـ لانهائيّة كثير من الأفكار الاجتهاديّة؛ لأنّها ـ أوّلاً وأخيراً ـ فكر الذين أنتجوها؛ ونحن نعتقد أنّ هذا أحد أهمّ عناصر القوّة في طرح مسألة الحوار بين الإسلام والغرب؛ لأنّ ذلك يُبقي الإسلام في دائرة المواكبة للمتغيّرات الحاصلة في العصر، كما يُبقي المسلمين وغيرهم ـ لأنّنا لا نعتقد بالكهنوت في دائرة الإسلام ـ في دائرة الحركة المستمرّة المتحفّزة للإبداع والتفكير، ولاسيّما في عالم المعاملات وأنظمة الإدارة والحكم والاقتصاد.
سادساً: إنّ ما يجري يوحي إلى كلّ الشعوب، ولاسيّما إلينا نحن المسلمين، بأن نُعيد إنتاج القوّة، من دون أن نسقط أمام الأطروحات التي شعرنا أنّها قمّة التطوّر البشري، سواء في الميدان الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الأمني أو ما إلى ذلك؛ كعنصر من عناصر الاستقلال في التفكير، وفي التجربة، وهذا ما من شأنه أن يُبقينا، ويبقي البشريّة، في حال ارتقاء وتطوّر؛ لأنّ إحدى منزلقات البشريّة تكمن في شلّ الطاقات والتجارب عن أن تتحرّك وتأخذ دورها بين تجارب الشعوب وحركة التطوّر لدى البشر.
وأخيراً: لقد بات من الواضح للجميع أنّ الاستكبار ـ في كلّ أبعاده ومجالاته ـ هو آفّةٌ كُبرى، تدعو الإنسان إلى الطغيان والتوحّش، وتمنعه من وعي موقعه بين الشعوب، وبين الأمم، وفي حركة التاريخ؛ فالله تعالى يقول: {وتلك الأيّام نداولها بين الناس}، وهذا ما ينبغي أن يدفعنا إلى ترك التصنيف بين العوالم، من عالم أوّل إلى ثالث ورابع..، وأن تتحرّك الدول والشعوب على قاعدة قوله تعالى: {يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} [الحجرات:13]، بأن تنطلق الحضارة لتحاور أختها، بدلاً من ابتداع نظريّات التصادم والتدمير، التي قد يُبدعها الإنسان لتعيد إنتاج الوحش حتّى في أشدّ حالاته ضعفاً.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 13-10-1429 هـ الموافق: 12/10/2008 م

11 أكتوبر 2008

في معرض استقباله سفير باكستان في لبنان
فضل الله: استباحة الطيران الأمريكي لباكستان كاستباحة إسرائيل للأجواء اللبنانية

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد فضل الله، سفير باكستان المعيّن في لبنان "ناوابرادا أمينيلا ريزاني"، حيث جرى عرضٌ لعدد من القضايا الإسلامية، وخصوصاً الوضع في باكستان، والعلاقات الباكستانية ـ الهندية، إضافةً إلى قضية كشمير، وتطورات الوضع في المنطقة على ضوء التداعيات الأمنية والسياسية التي تسبب بها الغزو الأمريكي لأفغانستان.
وأكد سماحة السيد فضل الله، أن مسألة استقرار باكستان هي من المسائل التي ينبغي أن تشكّل أولوية في حركة السلطات الباكستانية والدول المجاورة، مشيراً إلى أهمية باكستان كقاعدة إسلامية علمية، استطاعت أن تصل إلى مستويات علمية متقدمة، من خلال علمائها المتخصصين في كافة المجالات، وليس في المجال النووي فحسب، بل إن العلماء الباكستانيين لهم مواقعهم المتقدمة، ويحظون باحترام وتقدير حتى في الدوائر العلمية الأوروبية والغربية.
وأشار سماحته إلى أن معاناة باكستان في السنوات الأخيرة، انطلقت من خلال الغزو الأمريكي لأفغانستان، وإقحام السلطات الباكستانية فيما يسمى "الحرب على الإرهاب"، الأمر الذي أدخل باكستان في حال من الفوضى الأمنية والسياسية، أحدثت اهتزازاً أمنياً مستمراً تستفيد منه إسرائيل التي تريد للدول الإسلامية، وخصوصاً تلك التي تمتلك إمكانات علمية، وفيها أدمغة علمية واعدة، ألا تشعر بأي استقرار، وأن تحول مشاكلها الداخلية دون تحقيق ما تصبو إليه من مواصلة تطورها ونموها وحصولها على القوة اللازمة في مواجهة الأعداء.
ورأى سماحته أن استباحة الطيران الحربي الأمريكي للأجواء الباكستانية، وقيامه بعمليات عدوانية داخل الأراضي الباكستانية، يشبه إلى حدّ كبير الاستباحة الإسرائيلية للأراضي العربية، وخصوصاً لبنان، مشيراً إلى الغارات الأمريكية التي قتلت وأبادت عائلات بأكملها تحت عنوان ملاحقة الإرهابيين... مؤكداً أن أمريكا ـ الإدارة لا تحترم سيادة الدول، وليس لها صداقات ثابتة في العالم إلا صداقتها لإسرائيل.
وأضاف سماحته: إننا نتألم من هذه الفوضى التي تعيشها الساحة الباكستانية، مشيراً إلى بعض ما يحدث من تفجيرات داخلية، ومن اغتيالات تتصل بجوانب سياسية تارةً، ومذهبية أخرى، مؤكداً أننا نشعر بكثير من الألم لسقوط المسلمين ضحايا لهذا العنف الدامي الذي تسبب به التخلف من جهة، والاستكبار الأمريكي من جهة ثانية، مشدداً على ضرورة أن يسعى الجميع إلى احتواء أية خلافات بين السنة والشيعة داخل باكستان وخارجها، "خصوصاً وأن الساحة الباكستانية تشهد تعاوناً سياسياً وتنسيقاً إسلامياً بين كثير من الخطوط السياسية السنية والشيعية بما لا يتحدث عنه الإعلام بشكل واضح".
وشدد سماحته على أن قضية كشمير تمثل الجرح الإسلامي النازف الذي يشبه إلى حدٍ كبير الجرح النازف في فلسطين، وأنها ينبغي أن تنال الاهتمام اللازم من قِبَل المسلمين جميعاً كقضية إسلامية أساسية تهم ملايين المسلمين الذين يعيشون المعاناة المتواصلة جراء الاحتلال وضغوطه المتصاعدة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 9-10-1429 الموافق: 08/10/2008
أضعنا شخصيتنا الوطنية بعدما أدمنّا الآخر وعملنا بالوحي القادم من الخارج
فضل الله: لماذا يُعيد هذا اللبنان إنتاج زعاماته بالقاعدة نفسها وبالنسق نفسه؟

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفد مديري المؤسسات في جمعية المبرات الخيرية، بعد ترحيب سماحته بالوفد تحدّث عارضاً لأهم المشكلات التي تعاني منها الأمة، ومما جاء في كلمته:
لعلّ مشكلتنا في الشرق في شكل عام، وفي الشرق العربي والإسلامي على وجه الخصوص، أننا نفكر في الآخرين أكثر مما نفكر في أنفسنا، وأكثر من ذلك ثمة من يتطلع إلى خيارات الآخرين ليحدد خياراته على أساس ما يتخذونه من قرارات، ولهذا استمعنا في لبنان إلى كلمات من بعض المواقع الدبلوماسية الأوروبية تقول لنا إن اللبنانيين يسألوننا عما نريد ولا يعملون لما يريدونه هم، وكأن المسألة أصبحت في النطاق الذي أدمنت فيه ذهنيتنا الآخر وذابت فيه، إلى المستوى الذي باتت فيه إيحاءات الآخرين خطوطاً سياسية لها مناصروها ولها مساراتها في واقعنا المحلي.
أضاف: إننا في لبنان في خضم هذا الوحي القادم من الخارج والذي تعمل به نماذج من الطبقة السياسية في شكل تلقائي حتى من دون قراءة واقعية لتأثيراته وسلبياته عليها في كثير من الأحيان، وبذلك أدمنت هذه النماذج الخضوع لهذا الآتي إلينا من الخارج، سواء تقدم إلى الساحة من نافذة الجوار أم من خلف البحار، وتلك هي الطامة الكبرى، ذلك أننا أدمنا الآخر إلى المستوى الذي تناسينا فيه شخصيتنا الوطنية وهدّمنا فيه الكثير من أسوارنا المحلية، ولذلك قلت: إنني أحمل مصباح ديوجين في النهار لأعثر على لبناني فلا ألمح إلا أمريكي أو سوري أو إيراني أو سعودي أو مصري وما إلى ذلك... ولا أريد أن أتكلم بلغة التعميم المطلقة، ولكنها الظاهرة التي فرضت نفسها على هذا اللبنان إلى المستوى الذي غاب اللبناني في أصالته وكاد أن يتمرد على جنسيته.
وتابع سماحته: لماذا لم يتجدد هذا اللبنان بروحه وعقليته، ولماذا تصر هذه الساحة الداخلية على أن تعيد إنتاج زعاماتها وفق القاعدة نفسها، والنسق نفسه، فلا وجوه جديدة فاعلة في حياتنا السياسية ولا دماء جديدة تجري في الشرايين السياسية اللبنانية، وحتى إذا جاد الزمان علينا ببعض الوجوه في النطاق السياسي أو الأدبي أو الثقافي أو الديني عملنا على رجمهم بالحجارة، أو زرعنا أمامهم الأشواك المذهبية والطائفية حتى يتمذهبوا ويتطيّفوا ـ في حسابات الآخرين ـ على نحو يُسقط إبداعهم ويحتوي فرادتهم ونجاحهم ويضغط على خصوصيتهم العلمية المميزة.
ودعا سماحته إلى التمرد على هذا الواقع، وإلى رفض هذه البيئة التي كاد أن يطغى الجانب السياسي فيها على الجوانب الثقافية والإبداعية فيقتلعها أو يشوّه صورتها.
ودعا سماحته الأجيال التربوية والثقافية وكل العاملين في المؤسسات اللبنانية المنتجة، سواء أكانوا في مؤسسات أهلية أو رسمية، إلى العودة للقاعدة الأساسية في مسألة الإبداع التي تنطلق من رصد حاجاتنا والانطلاق من مسألة المعرفة بالذات وما تريد بدلاً من التطلع إلى الآخر بعقلية الاندهاش والاستغراب، مع كوننا نعلم نقاط ضعف الآخرين ومآسيهم وبؤسهم.
يتـيــم
من جهة ثانية، استقبل سماحته النائب السابق، الدكتور حسين يتيم، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العامة، وخصوصاً الأوضاع الاجتماعية والسياسية في العاصمة بيروت... وشدد سماحته على أولوية ترتيب العلاقات الإسلامية على المستوى السني والشيعي، وخصوصاً في بيروت، مؤكداً ضرورة العمل في النطاق الميداني لصون هذه العلاقات وحمايتها، لأن الأولوية دائماً هي للوحدة الداخلية، وخصوصاً وحدة السنة والشيعة في الخط الإسلامي وفي خط مقاومة الاحتلال ومواجهة كل محاولات التفريق بين المسلمين.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 8-10- 1429 الموافق: 07/10/2008
فضل الله عرض شؤون العراق مع وزير التربية العراقي


استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في دارته في حارة حريك، وزير التربية العراقي خضير الخزاعي، وجرى عرض مفصل لتطورات الأوضاع في العراق، ولاسيما الشأن التربوي وما يعانيه من مشاكل، حيث وضعه في أجواء المشاريع التربوية المعتمدة من قِبَل الحكومة، وقد أكد سماحته على أهمية إيلاء الشأن التربوي العناية اللازمة، من خلال تطوير المناهج التربوية لمواكبة تطورات العصر، مشدداً على ضرورة محاربة الأميّة العلمية والثقافية في العالم العربي والإسلامي.
وتطرق البحث إلى الشأن السياسي العراقي، وكان تأكيد من سماحته على ضرورة الحفاظ على استقلال العراق وسيادته عند مناقشة أيّ مشروع أو اتفاقية تتعلّق بمستقبل هذا البلد، والتنبّه لكافة التفاصيل التي يحاول الاحتلال الأمريكي أن يختبئ في مضامينها في محاولة لتمرير مشروعه التسلطي على المنطقة، وشدد سماحته على السعي الحثيث للمحافظة على وحدة الشعب العراقي والعمل الجاد والدؤوب لإخراجه من محنه السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.



مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 7-10-1429 الموافق: 06/10/2008
فضل الله: الحرب على لبنان هجوم شنّته إسرائيل بالوكالة عن الولايات المتحدة
القرار 1701 فخٌ أميركي قد يقود إلى حربٍ جديدة


مثلما يؤكد الباحث السياسي جمال سنكري في كتابه (فضل الله، تكوين قائد شيعي متطرف)، فإن السيد محمد حسين فضل الله لا يعد أهم منظِّر للحركات الإسلامية المعاصرة في لبنان فحسب، ولكنه يعتبر أحد أكثر المفكرين تأثيراً في العالم العربي أيضاً.
وكما يقول الشيخ نعيم قاسم، أحد مؤسّسي حزب الله، والرجل الثاني فيه حالياً، فإن اسم السيد فضل الله ظل، طوال السنوات الأولى من عمر الحزب، لصيقاً جداً به. فلقد كان رمزاً لكثير من المفاهيم الأيديولوجية، ووجه المنظمة عن طريق رؤية ناضجة للإسلام.
ويكتنـز فضل الله، الذي منح لقب آية الله في عام 1986 من قبل آية الله الخميني نفسه، أعمالاً واسعةً حول الإسلام تحمل عناوين باتت معروفةً، مثل (الإسلام ومنطق السلطة) الصادر عام 197، والذي يستخدم فيه عبارة حزب الله لأول مرة.
صحيفة (الموندو) الأسبانية التقت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وأجرت معه الحوار التالي:
س: ما هو تقييمك للحرب الأخيرة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي؟
ج: الحرب ضد لبنان كانت حرباً أمريكية بواسطة الآلة الحربية الإسرائيلية، فلقد خطط الأمريكيون للقضاء على المقاومة، لأنها تشكل قوةً حالت دون نجاح سياستهم في لبنان، ناهيك عن أنّ الولايات المتحدة تحاول أن تجعل إسرائيل القوة الوحيدة المسيطرة في المنطقة، وهو العامل الأساس الذي وجدت بسببه المقاومة.
لذلك، فإن (كوندوليزا رايس) عندما أتت إلى المنطقة، لم تتكلم عن الجنديين الإسرائيليين المحتجزين من قبل حزب الله، وإنما عن مشروع الإدارة الأمريكية بإيجاد شرق أوسط جديد. فلقد ظنوا أن هذه الحرب ستشكل أداةً لفرض خطتهم، حتى إن البعض من الإسرائيليين أقروا بأنه قد جرى استغلالهم من قبل واشنطن.
س: ما رأيكم في القرار 1701، الذي ثبَّت وقف الأعمال العدائية في هذه المواجهة المفتوحة؟
ج: القرار 1701 هو مؤامرة وفخٌ أميركي، لأنه عبارة عن وثيقة غامضة تسمح لإسرائيل بتأويلها وفقاً لمصالحها. إنه نص يمكن أن يقود إلى حرب أخرى.
س: هل أنتم مع وجود قوات أسبانية في الجنوب اللبناني أو ضدّ ذلك؟
ج: نحن نحترم الأسبان لأنهم يتبعون سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة، وهذه السياسة أقرب إلى الشعب العربي من سياسات البلدان الأوروبية الأخرى. ولذلك فإنني لا أعتقد أنّ القوات الأسبانية المشاركة في قوات اليونيفيل تواجه أي مشكلة، ونحن متأكدون من أن المقاومة لن تلحق أي ضرر بأولئك الجنود.
س: لكن ما الذي سيحصل إذا ما وجدت تلك القوات نفسها، في لحظة ما، متورطةً في محاولة لنـزع سلاح حزب الله؟
ج: إن أي محاولة في هذا الاتجاه ستثير رد فعل دفاعي من جانب المقاومة، ولا أعتقد أن القوات الدولية مستعدة لأن تدخل جنودها في حرب مع الشعب اللبناني، لأنهم جنود سلام، وليسوا جنود حرب.
س: لقد أكد السيد حسن نصر الله بنفسه، أنه لو كان يتوقع رد الفعل الإسرائيلي، لما كان أمر بأسر الجنديين الإسرائيليين. هل كان ذلك العمل يستحق العناء؟
ج: إنه سؤال ينبغي توجيهه إلى حزب الله نفسه. لكن المقاومة كانت قد حققت نجاحات في أعمال مماثلة في الماضي. وحتى شارون، الذي كان ميالاً إلى الحرب، قبل بتبادل الأسرى، ولذلك اعتقدوا أن عملية 12 (يونيو) ما كانت لتؤدي إلى حرب.
س: في 5 أغسطس الماضي، وجه مفكر ليبي إصلاحي يدعى دكتور محمد حوني، انتقاداً شديد اللهجة على صفحات موقع إيلاف الإلكتروني، وأشار إلى أن مصطلح المقاومة يستخدم بصورة تعسفية في المنطقة، وأضاف بأنه لم يجلب سوى الدمار لهذه المنطقة؟
ج: لقد رسّخت المقاومة سياسة القوة القادرة على مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. فلقد كان العرب يظنون حتى وقت قريب، أن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الذي لا يقهر. كان لديهم خوف، ولكنّ المقاومة تمكّنت من تحقيق انتصار كبير أمام جيش النخبة، ولقد كتب رجال المقاومة بذلك صفحةً جديدةً في تاريخ العالم العربي.
من هنا تأتي التظاهرات التضامنية الكبيرة التي خرجت في شوارع الكثير من البلدان العربية وغير العربية، حيث انتقد المواطنون هناك موقف الأنظمة الحاكمة فيها. صحيح أن اللبنانيين تعرّضوا لدمار هائل، لكن الإسرائيليين تعرضوا لدمار مماثل أيضاً. والناس الذين يتكلمون كما يتكلم ذلك المثقّف، هم مثالٌ للعربي الواهن الذي لم ينتصر أبداً، وذاك يمثّل سلوكاً اعتيادياً لدى أنظمة كثيرة في المنطقة.
س: حوني انتقد تحديداً اللجوء إلى العمليات الانتحارية، وأكّد أنها (أسلوب قتال بربري)؟
ج: أعتقد أن أي حركة تهاجم أهدافاً مدنية ضد الإنسانية، ولذلك أصدرت فتوى تدين هجمات(11أيلول/سبتمبر)، مع أنني ضد سياسة الولايات المتحدة، ذلك أنه لا يمكن تبرير هذا النوع من الأعمال، كما أنني أدنت اعتداءات مدريد ولندن والدار البيضاء. ولكن ينبغي التمييز بين تلك الأعمال ومقاومة المحتل التي يقوم بها المقاومون الفلسطينيون، أو المقاومون في العراق أو لبنان. فالتاريخ مليء بأمثلة تشرِّع الدفاع عن الأمة والحرية.
إضافةً إلى ذلك، لا بد من شجب سلوك جورج بوش، الذي يقدِّم، بحروبه الاستباقية، ودعمه المعلن لإسرائيل، أجنحةً للإرهاب العالمي.
س: يحمل أحد أعمالك عنوان "الحوار بين الإسلام والمسيحية". هل تعتقد بضرورة أن يكون هناك تبادل أوسع بين كلتا الحضارتين لمنع ما يسمى "صدام الحضارات"؟
ج: يمثّل الحوار الطريق الأمثل لتذويب الاختلافات بين الشعوب، أمّا العنف فإنّه يعقّد الأمور، ولذلك نحن نعارض الإرهاب. وفي هذه المناسبة، لا بد من أن أعرب عن امتناني للموقف الحضاري لرئيس الحكومة الأسبانية خوسيه لويس رودريغيز ثباتيرو، الذي يدافع عن سياسة الالتقاء بين المسيحية والإسلام.
س: هل فاجأتكم الأزمة التي اندلعت جراء الرسومات الكاريكاتورية للنبي محمد؟
ج: لقد أظهرت هذه الرسوم أنّ ثمة أناساً كثيرين في الغرب يجهلون الصورة الحقيقية للنبي(ص) وللإسلام. ولهذا قلنا ونقول لهم، إنه ينبغي السعي إلى معرفة الإسلام من مصادره الحقيقية، وليس مما كتبه أعداء هذا الدين. كما نطلب من المسلمين الذين يعيشون في تلك البلدان، أن يشرحوا الصورة الحقيقية للنبي محمد(ص) والإسلام.
س: في المكتبة المعروفة التي أقيمت في الضاحية الجنوبية من بيروت، بوسع المرء قراءة عناوين لسياسيين إسرائيليين مثل بنيامين نتانياهو، أو لشيوعيين مثل كارل ماركس. لماذا هذه الكتب؟
ج: أعتقد أنه لا يمكن فهم العلاقة بين العالم الغربي والإسلام من دون معرفة ما يجري في الساحة الدولية، لذلك يتعين علينا معرفة العدوّ، وبهذه الطريقة يصبح بإمكاننا من التصدي له.
س: حين سجِّل الاعتداء على الضريح الشيعي المقدس في مدينة سامراء العراقية، الذي شجع بشكل حاد الصراع الداخلي الذي يعصف بالبلاد، أكدتم أن الحرب الأهلية تشجعها الولايات المتحدة. كيف تبرر ذلك الاتهام؟
ج: هناك الكثير من المعلومات التي تثبت أن الأميركيين يدعمون الإرهابيين لخلق حجج تسمح لهم بالبقاء زمناً أطول في ذلك البلد والسيطرة على نفطه. والعراق يمثّل الجسر للولايات المتحدة في المنطقة. لذلك فإنّ الأميركيين مسؤولون عن كل ما يجري، بما في ذلك قتل آلاف المدنيين.
س: صرَّحت في عام 1970م، أن (الثورة) في إيران هي الحلم الأكبر لأولئك الذين كرسوا حياتهم للعمل من أجل الإسلام. ألم ترتكب تلك (الثورة) أخطاءً؟
ج: لا نستطيع التكلم عن أخطاء. ما حدث هو أن بعض الأهداف، مثلما يحصل لكل ثورة تطرح أهدافاً كبيرةً، لم يتمكنوا من بلوغها، لكن الحصيلة إيجابية للغاية.


ترجمة: باسل أبو حمدة/عن (الموندو) ـ أسبانيا
البيان (الإمارات) 26 أيلول 2008
القدس أم القضايا

لأن القدس يجب أن تبقى في بُعدها الديني والسياسي والأمني حية في حركة الواقع الإسلامي حتى يأذن الله بإنقاذها مسجداً ومدينةً من مخالب الصهيونية والاستكبار العالمي، وكالة "مهر الإيرانية" سألت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله عن طرق وآفاق إحياء يوم القدس.
نص الأسئلة:

س1: كيف يمكن أن نتعاطى مع يوم القدس العالمي، بحيث نجعل منه مناسبة لإطلاق طاقات الشعوب العربية والإسلامية من أجل تحرير فلسطين وإنقاذ شعبها من جرائم الصهيونية؟
ج1: لعل المشكلة هي في الإعلام العربي والإسلامي والدولي الذي اعتبر أن يوم القدس العالمي في شكل عام حالةً إيرانية خاصة، تماماً كما هي المناسبات المحلية في إيران، ولقد نتج هذا الشعور من عدّة عوامل منها: التعقيدات السياسية التي أحاطت بالقضية الفلسطينية واعتراف بعض الدول العربية والإسلامية رسمياً بإسرائيل، إضافة إلى الاعتراف الواقعي في البُعد الاقتصادي بالدولة اليهودية من قبل دول عربية أخرى، والتحركات الأمريكية في إيجاد محور سياسي عربي صديق لإسرائيل مـما يسمى بمحور الاعتدال العربي والذي دفعت به الولايات المتحدة إلى إطلاق المواقف المعادية ضد إيران، باعتبارها الخطر المستقبلي على العالم العربي. وهكذا قامت بعض الأنظمة العربية والإسلامية بمنع شعوبها من الاحتفال بهذا اليوم وإهماله لإبعاده عن الذاكرة الإسلامية، ما أدى إلى جعل مسألة القدس مسألةً تفصيلية في القضية الفلسطينية بعيدةً من جانب القداسة في مضمونها الديني المرتبط بالالتزام الإسلامي. ولذلك، فإنّ استعادة هذا اليوم ترتبط بإحياء القضية الفلسطينية في الذهنية الإسلامية وفي حركة الانتفاضة وفاعلية المقاومة، كما ترتبط بالتركيز الإعلامي على إحياء هذا اليوم في لبنان وفي فلسطين من أجل إبقاء القدس في بُعدها الديني والسياسي والأمني حيّة في حركة الواقع، حتى يأذن الله بإنقاذها مسجداً ومدينةً وقضيةً من مخالب الصهيونية والاستكبار العالمي، وهذا ما ينبغي لنا أن نعمل له.
ليست المنظمات الدولية وحدها هي التي لا تحرك ساكناً إزاء جرائم إسرائيل الوحشية، بل ثمة صمت في منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية.

س2: كيف يمكن لنا أن نواجه التحديات الكبرى في ظلّ هذا الصمت؟
ج2: إن أغلب المنظمات الدولية، بما فيها منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية "وعدم الانحياز"، قد تحوّلت إلى محاور سياسية خاضعة للإدارة الأمريكية ومنفتحة على الدولة اليهودية على أكثر من صعيد اقتصادي وسياسي، مع إبقاء المسألة الفلسطينية وخصوصاً قضية القدس في نطاق المشاعر السطحية التي لا تمثِّل أية فاعلية، حتى على مستوى مجابهة الخطر الذي يتعرض له المسجد الأقصى في عمليات الحفر الإسرائيلية، بل إنّهم أنكروا على المجاهدين المقدسيين عملياتهم الاستشهادية النوعية ضد العدو، باعتبارها عمليات عبثية. ولذلك فإنّ الاعتماد على هذه المنظمات لا يحقق للقضية شيئاً، ولا يدعم هذا اليوم القدسيّ الذي يعيد الذكرى إلى الواجهة التحريرية الجهادية في المسؤولية الإسلامية للعالم، وتحرير الشعوب.

س3: المسلمون يعملون لتحرير فلسطين، فهل ثمة مؤشرات وعلامات توحي بإمكان القضاء على الكيان الصهيوني وبناء كيان فلسطيني مقابل هذا الكيان؟
ج3: إنّ مواجهة التحديات تنطلق من الإصرار على دعم القضية الفلسطينية وإبقائها حية في حركة الواقع في العالم الإسلامي، والوقوف مع المجاهدين في المقاومة وإعادة الانتفاضة في مواقف الشعب الفلسطيني، والعمل على وحدته في سبيل حماية القضية، وإطلاق الضغط الشعبي عبر وسائل الإعلام ومختلف الأساليب الأخرى، ضد الأنظمة المتخاذلة المهزومة وضد السياسة الأمريكية وحلفائها من الأوروبيين، وتقديم اليهود للعالم بالطريقة التي تحدث بها عنهم القرآن الكريم، بأنّهم أعداء الذين آمنوا والإنسانية كلّها في ذهنيتهم العنصرية.

4- هل أصبحت قضية القدس مناسبة لا يتذكرها المسلمون إلا في يوم واحد من السنة؟
ج4: لقد أصبحت إسرائيل في العالم كلّه حقيقةً سياسية واقعة تدعمها أكثر الدول الغربية وغيرها من خلال الهيمنة الأمريكية على العالم، وهذا ما لاحظناه في المؤتمر الذي انعقد في إيطاليا بعد عدوان تموز الإسرائيلي على لبنان، إضافة إلى الترسانة النووية والصاروخية والطائرات المتطورة والقنابل الذكية التي تملكها إسرائيل، ما يجعل عملية القضاء على هذه الدولة الغاصبة الظالمة مسألةً لا تخلو من الصعوبة الكبرى لارتباطها بالواقع الدولي كلّه، وخصوصاً أن معظم العالم العربي والإسلامي قد أقام سلاماً فعلياً أو واقعياً معها رغم سيطرتها على فلسطين كلّها. ولذلك لا بد من إبقاء مسألة القدس كهدف مستقبلي يتحرك في عملية صناعة القوة من جهة، وفي انتظار الظروف الملائمة من جهة أخرى.
من المؤسف أن يوم القدس تحول إلى مناسبة احتفالية استعراضية في بعض البلدان الإسلامية في ما يدخل في ضباب إعلامي في مدى السنة، وفي حال نسيان الأخطار المحيطة بهذه القضية المقدسة في مضمونها الروحي والسياسي والأمني، الأمر الذي يحمّل كل المسؤولين المسلمين مسؤولية الاستمرار في تحويل يوم القدس إلى حركة مقاومة فاعلة على مستوى العالم كلّه.
المرجع الشيعي فضل الله لـ "أوان": الطائفية يصنعها زعماء المذاهب

أجرت صحيفة "أوان" الكويتية حواراً مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه شؤوناً لبنانية، وخلفيات دعوة الشيخ القرضاوي حول وجود بدع عند الشيعة. وهذا نصّ الحوار:

آفاق الحوار الوطني في لبنان
* لقد انطلق حوار جديد بين القوى السياسية المتنازعة في لبنان برعاية رئيس الجمهورية، هل هو، في رأيكم، حوار بالوكالة عن القوى الدولية المتصارعة في لبنان، أو أنه حوار لبناني سيؤدي إلى مصالحة وطنية فعلية، كان من بشائرها الاجتماع الأخير بين وزراء ونواب من حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي؟

ـ عندما ندرس الظروف السياسيّة التي تحيط بلبنان، من خلال علاقتها بأزمة المنطقة، من حيث الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع العربي ـ العربي، أو من خلال التعقيدات المحليّة، فإننا نرى أن مسألة الحوار، كمسألة «اتفاق الدوحة»، انطلقت من الخشية من أن يتحوّل الوضع اللبناني، في خلفيّاته الخارجية، ومواقعه الإقليميّة والمحلية، إلى حرب أهليّة تتمثل بالحروب الصغيرة، سواء كانت فرديّةً أو جماعيّةً، ومنها ما حدث في 7 مايو (أيار) الماضي، والذي حاول الكثيرون أن يوظّفوه لخلق فتنة سنيّة شيعيّة، ولا يزال الكثيرون يتحدثون عن هذا الأمر بطريقة التصريح تارةً، والتلميح تارةً أخرى.
وعليه، فالمسألة كلها تُختصر بأنه يُراد من الواقع اللبناني، من خلال المصالح الدولية، والأوضاع العربية، مع المفردات المحلية، إيجاد حال من السلم الذي يبقى على السطح، تماماً كما كان «اتفاق الطائف» الذي لم يكن حلاً لمشكلة لبنان، بل كان حلاً لمشكلة الحرب، لأن دوره كان إيقاف الحرب.. ولذلك، فإننا، من خلال دراستنا للخلفيات التي تكمن وراء كثير من أطراف الحوار، في علاقاتها بالواقع الدولي والإقليمي، لا نرى ما يوحي بأن الحوار سوف ينزل إلى العمق في ماهية الوحدة الوطنية اللبنانية، وذلك لأنّ النادي السياسي اللبناني، بتنوّعاته، لا يملك الكثير من الحرية السياسيّة التي تمكّنه من حسم الأمور بنحوٍ يعود معه لبنان بلداً موحّداً ومتعاوناً من دون أي تعقيدات...
الحوار في لبنان لن ينـزل إلى العمق في ماهية الوحدة الوطنية، لأن النادي السياسي اللبناني بتنوعاته لا يملك حرية حسم الأمور السياسية
إن أزمة لبنان من خلال طبيعة القيادات السياسيّة ـ إن كان هناك قيادات بالمعنى الصحيح ـ مرتبطة بأزمة المنطقة... ونحن نعرف أن المنطقة لا تزال في حالٍ من المراوحة، وخصوصاً في ظلّ نهاية عهد الإدارة الأميركية الحالية، وتطلّع الجميع إلى مرحلة الإدارة الجديدة في خطوطها السياسية، التي قد تمثل امتداداً للإدارة الحالية أو ربما تمثّل بعض التغيير فيها... هذا مع ملاحظة الوضع الجديد الذي حصل في الحركة الأميركية التي امتدّت معها الحركة الأوروبية في مواجهة الاتحاد الروسي، وتطويق روسيا مخافة أن تتحوّل إلى اتحاد سوفييتي جديد، من حيث القوة، ومن حيث تأثيرها في العالم، من خلال تحالفاتها المتنوّعة.
أنا أتصوّر أن الحوار اللبناني ـ اللبناني هو حوار من أجل منع الحرب، وليس حواراً من أجل منع التمزّق اللبناني السياسي.

فتنة السُنة والشيعة
* بالنسبة إلى واقع العالم الإسلامي؛ في العراق تسود فتنة مذهبية بأشكال مختلفة، بينما في لبنان نسمع عن أنّ الفتنة موجودة، ولكنها موجودة عملياً في عقول بعض السياسيين الذين يثيرون بعض العصبيات المذهبية والسياسية، أما على أرض الواقع، فليست هناك قناعة أو ممارسة لدى السنة أو الشيعة تشير إلى أنهم يعيشون مثل هذه الفتنة المذهبية؟

ـ في تصوّري، إذا خرجنا من دائرة المحزَّبين والفئات التي تعيش على موائد الزعامات السياسيّة المذهبيّة، فإننا نرى أن الشعب المسلم، من السنّة والشيعة، لا يفكر في أي فتنة تعطّل له مصالحه، لأن المسلمين فريقان: فريقٌ يعيش الحرمان كأقسى ما يكون، وفريق يتحرّك في المواقع الاقتصادية. وأعتقد أن كلا الفريقين يتداخلان فيما بينهما، إذ هناك شيعة وسنّة في داخل واقع المحرومين، وكذلك هناك شيعة وسنّة في المواقع الاقتصادية.. ولذلك، فإنني لا أتصوّر أن هؤلاء الناس، في هذا الجانب أو ذاك، يفكّرون في إحداث أي فتنة دامية... ولكن، ربما تتحرّك بعض الخطوط الصغيرة أو الكبيرة التي يثيرها الذين يعملون على تلويث الأجواء السياسيّة، لخلق بعض الحساسيّات في هذا المجال، ليحرّكوا الحديث عند الانتصار السياسي لأحد الفريقين عن هزيمة الطائفة التي ينتمي إليها الفريق المهزوم، كالحديث عن هزيمة الطائفة السنيّة عندما ينتصر الشيعة، أو هزيمة الطائفة الشيعيّة عندما ينتصر السنّة.
أنا لا أتصوّر أن هناك فتنةً على المستوى الشعبي، ما خلا بعض الحساسيّات التي قد تحيط بها بعض الظروف، والتي قد تدفع إلى قتالٍ فردي هنا أو محدود هناك. ولذلك، لم يستطع هؤلاء الذين يحرّكون الفتنة أن يصنعوا حرباً أهلية بين السنّة والشيعة.
الحوار اللبناني ـ اللبناني هو حوار من أجل منع الحرب وليس لمنع التمزّق اللبناني السياسي
لذلك، أنا لا أخشى من فتنةٍ سنيّة شيعيّة، من خلال الشروط المحليّة للفتنة، ولكن الخوف الذي يمكن أن يحصل هو من بعض المواقع الإقليميّة التي تهتمّ بالجانب المذهبي، والتي تفكّر في احتواء المذهب على مستوى العالم العربي لحساب سياساتها، أو من خلال التوظيف الأميركي لهذه المواقع، أو من خلال بعض التعقيدات التي تعيشها بعض قياداتها الأمنيّة أو السياسيّة في هذا المجال. ولكنني أتصوّر أن لبنان، مهما امتدّت به الأوضاع المذهبيّة والطائفيّة، فإنه لن يواجه أي فتنة كبرى تؤدّي إلى حرب أهليّة، سواء بين السنّة والشيعة، أو بين المسيحيّين والمسلمين، إلا إذا كانت الأوضاع الدوليّة تخطّط للاستفادة من حرب لبنانيّة بين الأديان والمذاهب والأحزاب والاتجاهات السياسيّة في المنطقة، ولكن في وقت محدود...

محاولات التقريب بين المذاهب الإسلامية
* في موضوع الوحدة الإسلاميّة، هناك محاولات كثيرة حصلت للتقريب بين المذاهب، وأنشئت مؤسّسات ومجامع لذلك، ما هو تقييمكم لهذه التجربة التي لم يظهر أنها حققت نتائج عملية ملموسة؟

ـ أنا أعتقد أن غالبية علماء الدين لا يزالون يعيشون تعقيدات التاريخ، بحيث يستعيدون سلبيّاته بما يقومون من تثقيف قاعدتهم بالقضايا المذهبيّة، سواء من خلال التكفير، أو من خلال فتاوى الإساءة إلى بعض المقدّسات لدى بعض المذاهب.
لذلك، فإننا نجد أن علماء الدين في العالم الإسلامي، عموماً، يعملون على إبقاء هذا الاهتزاز الداخلي الإسلامي المذهبي، بأساليب متعدّدة... وفي الوقت الذي نشجّع مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية، نجد أنها أقرب إلى الاجتماعات الاحتفالية منها إلى المؤتمرات التي تدرس الأمور دراسةً علميةً، بحيث تضع الجميع أمام مواقع اللقاء بشكل علمي وموضوعي عميق، وتفتح أبواب الحوار بشكل جادّ في ما يختلفون فيه.
نحن نعرف أن حركة التقريب التي أنشأها مجموعة من العلماء في مصر، وعلى رأسهم الشيخ محمد تقي التوني، وبرعاية المرجع الإسلامي الشيعي السيّد حسين البروجردي، والشيخ محمد شلتوت، والشيخ عبد المجيد سليم، وهم من علماء الأزهر الكبار، ومن المثقفين المخلصين للخط الإسلامي، على هدى الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وقد مثّلت هذه الحركة تجربةً رائعةً جداً في مسألة التقريب، إذ بدأوا بإصدار مجلة «رسالة الإسلام»، والتي كان الشيعة يطرحون فيها كل أفكارهم، كما كان السنّة يطرحون فيها كل أفكارهم، وبطريقة علميّة موضوعيّة، قادت المجموعتين إلى الإحساس بوجود وحدة إسلامية تتنوّع فيها الاجتهادات، سواء داخل المذهب الشيعي أو داخل المذاهب السنيّة، ولعلّ هذا أدّى إلى أن يصدر الشيخ المرحوم محمود شلتوت الفتوى بجواز التعبّد بالمذهب الشيعي.

الردّ على موقف القرضاوي
* أين هي الوحدة الإسلامية بين ما تقوله سماحتكم وتعملون له، وبين ما يقول به رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي وما يعمل له؟

ـ إنّ البعض يتهم الشيخ القرضاوي بأنه يتحدّث عن الوحدة الإسلاميّة في خطاباته، لكنه عملياً يمارس دوراً مغايراً، عندما يحاول أن يركّز على بعض السلبيّات الموجودة في الواقع الشيعي ويردّدها أكثر من مرة، وأيضاً عندما يرفض أن يتحرّك أي حوار على المستوى الشعبي بين الشيعة والسنّة، بحيث قد يقنع شيعي سنيّاً بالتشيّع، أو يقنع سنيّ شيعياً بالتسنّن مثلاً... ولكنه لا يتحدّث، على سبيل المثال، عن آلاف الكتب التي تصدر وتكفّر الشيعة أو تتحدث عن دعوة الشيعة إلى التسنّن وترك التشيّع... وبقطع النظر عن الخطأ أو الصواب في هذا المجال، فإن تعبيره عن هذا النوع من أنواع الحوار الذي قد يحدث في الساحة الإسلامية بين السنّة والشيعة، بأنه غزو ثقافي، يوحي وكأن هناك حرباً يحاول الشيعة إثارتها ضد السنّة. ونحن نعرف أن مسألة الغزو ليست واردةً لا في عقول السنّة ولا في عقول الشيعة، وإن كان هناك بعض السلبيّات عند الشيعة قد يتعقّد منها السنّة، أو بعض السلبيات عند السنّة قد يتعقّد منها الشيعة.
إن مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية أقرب إلى الاجتماعات الاحتفالية
ونحن كنّا، مع كثير من المخلصين، نتحدّث عن محاولة تخفيف هذه السلبيّات من أجل إزالتها وإبقاء القضيّة الشيعيّة ـ السنيّة في الموقع الاجتهادي الذي يتحرّك فيه العلماء من هنا وهناك، ليدرسوا الأمور الخلافيّة بعقل علمي منفتح، وذلك انطلاقاً من قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} [النساء:59]، ولاسيما أمام التحديات الكبرى التي تواجه الإسلام كلّه، فيما نتابعه ونشاهده ممّا يقوم به الغرب، من خلال نشر الصور المسيئة إلى النبيّ(ص)، وفي موضوع فيلم «فتنة» في هولندا، وفي الهجوم الذي ينطلق من مواقع كثيرة بإشراف الصهيونيّة، لإيجاد هوّة بين السنّة والشيعة، لمحاربة الإسلام كلّه والمسلمين كلّهم. ونحن نعلم أنه عندما سقط الاتحاد السوفييتي واجتمع قادة الحلف الأطلسي وسألوا من هو العدو الجديد، قيل إن العدو الجديد هو الإسلام، وقد قال القائد الأعلى السابق لقوات الحلف الأطلسي آنذاك: «إننا ربحنا الحرب الباردة، وها نحن نعود اليوم بعد 70 سنة من الصراعات الضالة إلى محور الصراع القائم منذ 1300 سنة، إنها المجابهة الكبيرة مع الإسلام»، لأنهم يعتبرون أن الإسلام كله يمثل خطراً على بنيتهم الثقافية والسياسية، ولا يفرقون في ذلك بين السنة والشيعة.
لذلك، كنا ندعو إلى محاولة تجميد بعض الخلافات الثانويّة من أجل البحث في الخلافات الأساسيّة، والتي يستغلّها أعداء الإسلام بشكل عام. لذلك، نحن نتصوّر أن صديقنا الشيخ القرضاوي يحاول بين وقت وآخر أن يثير مثل هذه السلبيّات، من خلال الحديث عن الشيعة، من دون أن يثير أي سلبيّات في الجانب الآخر. ثمّ إنّه عبّر عن الشيعة بأنهم «مبتدعة»، علماً أن الابتداع في المصطلح الفقهي هو عبارة عن الابتداع في العقيدة، ونحن كنا نتمنّى أن يقدّم الشيخ القرضاوي، بصفته عالماً مهتمّاً بالقضايا الإسلاميّة، دراسةً عن البدع التي يرتكز عليها الشيعة، ليدخل في حوار حول ذلك مع علماء الشيعة الذين يلتقي بهم بين وقت وآخر ويحضر مؤتمراتهم، مع الإشارة إلى أننا كنا قد استبشرنا خيراً بتأسيس اتحاد علماء الإسلام، الذي كان يمكن أن يطرح مثل هذه الأمور في داخله. ومن المستغرب ما يطرحه الشيخ القرضاوي من أنّ الشيعة هم من الفئات المبتدِعة، وأنهم يعتبرون القرآن ناقصاً ومحرّفاً، وإن كان لا ينكر إسلامهم، في الوقت الذي نجد قدامى العلماء من الشيعة، يصرحون بأن هذا هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لم يزد فيه حرف ولم يُنقص منه حرف.
وإذا كان بعض الناس يقولون إن الشيعة يستعملون التقيّة، فإننا نقول إن التقيّة كانت تستعمل في مقابل الحفاظ على الحياة، أو القضايا الحيويّة المهمّة. ونحن نرى أن الشيعة قد نشروا كل كتبهم، سواء منها ما يخالف التقيّة أو ما يوافقها.
وهناك نصّ ورد عن أحد أئمة أهل البيت(ع) يقول فيه: "إن التقية لا تجوز إذا استلزمت فساداً في الدين"، ولاسيما فيما يتصل بالثوابت العقيدية، أما ما يردده بعض الناس، من اتهام العلماء الذين يتحدثون عن القضايا الإسلامية بأن كلامهم يأتي على سبيل التقية، فهو يمثل نوعاً من أنواع الإساءة المتعمدة إلى العلماء الطليعيين المنفتحين الوحدويين العاملين على تأكيد الوحدة الإسلامية بصدق وإخلاص، ومن يتحدث بهذه الطريقة، قد ينطلق من خلفيات مضادة لحركة الوحدة الإسلامية.
ومن جهة أخرى، هناك إجماع من علماء الشيعة، ماضياً وحاضراً، على أن الله تكفّل بحفظ القرآن الكريم، وذلك قوله تعالى: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون} [الحجر:9]. ونحن نقرأ في أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين يعتقد الشيعة بهم وبإمامتهم، أنهم أرشدوا شيعتهم في مسألة تصحيح الأحاديث المرويّة عن النبي(ص) وعنهم(ع) بعرضها على القرآن، وقالوا: «فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار»، أو: «ما خالف كتاب الله فهو زخرف»، ما يدلّ على أن الأئمة(ع) كانوا يريدون للشيعة أن يعتبروا أنّ القرآن هو الكتاب الذي لا نقص فيه، وإلا فكيف يطلبون من شيعتهم أن يعرضوا كل ما يصلهم من أحاديث عن النبي وعنهم على القرآن؟
إن المشكلة في الواقع الإسلامي، أنّه ليس هناك حوار علمي موضوعيّ بين العلماء، بحيث يعيشون الذهنيّة العلميّة الموضوعيّة، ونحن نعيش في عالم حضاري يُتقبَّل فيه الرأي الآخر، ويُعترف فيه بالإنسان الآخر، وحتى إنه ليس هناك شيء لا يقبل الناس الجدال فيه، إلا المسألة اليهوديّة، وذلك لأنّ الصهاينة استطاعوا أن يحصلوا على قرار من الأمم المتحدة بتجريم معاداة الساميّة أو تجريم النقاش حول قضية «الهولوكوست»، وإلا فإن كل شيء في العالم الآن، سواء على المستوى الديني أو الفلسفي أو السياسي أو الاقتصادي، قابل للنقاش.
وقد أعلنت في محاضرة ألقيتها في الجامعة الأميركية في بيروت، قبل سنين، أنه ليس هناك مقدّسات في الحوار، لأن الله سبحانه وتعالى حاور إبليس وحاور الملائكة، والقرآن حاور الجميع، حاور الملحدين والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين... لذلك، أعتقد أن مؤتمرات التقريب ينبغي أن تختصر هذه الاحتفالات، وأن يجتمع مجموعة من العلماء المتخصّصين في جلسات مغلقة، ويطرحوا الخلافات الفقهيّة والكلاميّة، ليدرسوها دراسةً موضوعيّةً بالطريقة التي يمكن أن يتوحّدوا فيها على قاعدة إسلاميّة واحدة، أو يتقاربوا فيها على أساس التركيز على مواقع اللقاء، والتفاهم حول مواقع الخلاف.

لقد كنا نتمنى من الشيخ القرضاوي الذي يتحدث عن الغزو الشيعي، أن يتحدث عن خطر التنصير والإلحاد على الواقع الإسلامي كله، حيث كان عليه أن يثير الحديث عن ذلك إلى جانب ما يعتبره اختراقاً للمجتمع الإسلامي السني.
ونحن نعتبر أن الاختلافات بين المذاهب الإسلامية في بعض الآراء، لا ينبغي أن يُنظر إلى الحوار حولها بأنّه غزو من هذه الجهة لتلك. إننا في عصر يعيش فيه العالم الحوار في كل شيء، ولكننا نؤكد أن يكون الحوار علمياً وموضوعياً لا يعتمد على الإساءة إلى هذا الفريق أو ذاك. ونريد لدعاة الوحدة الإسلامية ميدانياً، أن لا تكون كلماتهم مصدراً للإثارة التي قد تؤدي إلى الفتنة، مع احترامنا لسماحة الشيخ القرضاوي في دعواته الوحدوية في كثير من التصريحات والمواقف.

العلاقات الإيرانية ـ العربية
* الملاحظ أن دور إيران المتعاظم كان ولا يزال منذ انتصار ثورتها يثير مخاوف جيرانها من دول عربية وغير عربية، والبعض يجد فيها «بعبعاً» لا يمكن الركون إليه. إلى أي مدى يمكن أن نشهد مستقبلاً ذوبان هذا الوضع بما يجعل إيران منسجمةً في إطار واقع إسلامي موحَّد؟

ـ إنّني أتصوّر أن المسألة بين إيران والعالم العربي ليست مسألةً مذهبيّةً، وإن كان البعض يحاول أن يستغلّ الاختلاف المذهبي، ولاسيما من خلال بعض السلبيّات التي قد تصدر في إيران مثلاً، كما قد تصدر في العالم العربي من خلال بعض فتاوى التكفير وما إلى ذلك. والمسألة هي من المسائل السياسيّة، وخصوصاً في ظلّ الصراع بين أميركا وإيران. ونحن نلاحظ أن إيران تحاول أن تتقرّب من دول الخليج، حتى إنها حضرت أحد مؤتمرات مجلس التعاون الخليجي، والزيارات بين مسؤولي دول الخليج ومسؤولي إيران متتابعة، وهناك عرض إيراني على دول الخليج في شأن العلاقات الاقتصادية والسياسيّة وما إلى ذلك، ولكن أميركا هي التي تخلق المشكلة، نتيجة صراعها مع إيران والتزامها بإسرائيل، وخصوصاً بالنسبة إلى قضية المشروع النووي الذي تؤكّد إيران أنه مشروع سلمي، وتتهمها أميركا والاتحاد الأوروبي بأنه مشروع عسكري، ولذلك، تقوم وزيرة الخارجية الأمريكية (رايس) ونائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، بزيارات إلى هيئات الاعتدال العربي، لمحاولة الإيحاء بأن إسرائيل صديقة وإيران عدوّة.
ونحن نعرف أن إسرائيل تملك ترسانة نوويّة ذريّة، بحيث إنها تستطيع أن تهدّد المنطقة كلها، وهي لم توقّع على معاهدة حظر الأسلحة النوويّة، بينما وقّعت إيران عليها، مع وجود بعض التعقيدات بينها وبين الوكالة من وقت لآخر. لذلك، فإن أميركا تحاول الإيحاء إلى بعض الدول العربية، بأن إيران هي الخطر وهي المشكلة، ولكننا لم نلاحظ أي خطر. هم يتحدّثون عن تدخّل إيران في العراق، لكننا نتساءل: إن تدخّل إيران في العراق هو من أجل مواجهة الاحتلال الأميركي، فهل إن الاحتلال الأميركي يمثل، عند العرب، الصديق الذي يملك شرعيّة الوجود في العراق؟!

* لماذا لا يتحدّثون عن التدخل الأميركي في العراق، أو التدخّل البريطاني في العراق؟

ـ إن الحديث عن التدخّل الإيراني في العراق، سواء كان يشتمل على بعض السلبيّات أو لا، معناه أنّ من يتحدّث بذلك، وإنما يسجّل نقاطاً سلبيّةً على هذا التدخّل، لكونه يسيء إلى الوجود الأميركي.
أنا أعتقد أن إيران لا تمثّل خطراً على أي بلد عربي، لكن العلاقات المتوترة بينها وبين أميركا، هي التي أصبحت تعقّد علاقاتها مع أكثر من بلد عربي، علماً أن إيران كانت أسبق من الدول العربية في الاعتراف بالوضع الجديد في العراق، وهي كانت قد عانت ما عانته من خلال الحرب العراقيّة الإيرانيّة التي فرضت عليها.
لذلك، أنا أتصوّر أن المسألة ليست مذهبيّة، وإن كانت القضايا المذهبيّة أحد الأسلحة التي تحارَب بها إيران في العالم العربي، لتعقيد الشعوب العربية منها، ولكنّ المسألة سياسيّة بامتياز. وأنا أتصوّر أنه سيتغيّر كل هذا الوضع، إذا انطلقت العلاقات الأميركية ـ الإيرانيّة في الاتجاه السلمي.

المشروع الشيعي
* البعض يقول إن ما يحصل في المنطقة هو حرب بين مشروعين: المشروع الأميركي الإسرائيلي، والمشروع الشيعي. هل هناك فعلاً مشروع شيعي في المنطقة؟

ـ أنا أقول: ماذا يمثّل الشيعة في العالم العربي والإسلامي؟ إنهم يمثلون أقليّةً، ولذلك فإن الحديث عن مشروع شيعي يمثل نكتة سياسيّةً سخيفةً، لأنه ليست هناك أي ظروف في أي منطقة يسكنها الشيعة، سواء في العراق أو في لبنان أو إيران، يملك الشيعة من خلالها أن يصادروا الواقع السياسي والاقتصادي في المنطقة، على أساس دولي لا على أساس إقليمي أو على أساس محلي.
ولذا، فإن الحديث عن هلال شيعي، أو عن سيطرة شيعية، هو حديث غير واقعي. نعم، إن أميركا تحاول، من خلال احتلالها العراق وأفغانستان، وحتى من خلال تحرّكها في لبنان وسوريا، أن تنطلق في استراتيجيتها للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنيّة والسياسيّة. وإلا، لو قلنا إنّ العراق فيه غالبية شيعيّة، فهل هناك غالبيّة شيعيّة في أفغانستان؟! إن أميركا تحارب السنّة والشيعة لمصلحة استراتيجيتها في المنطقة، والمسألة ليست أن هناك صراعاً شيعيّاً عربياً، بل إنّ الشيعة ـ وليس كلهم ـ يرفضون الاحتلال الأميركي لأي بلد مسلم وعربي، ويرفضون السياسة الأميركية في البلدان الإسلامية والعربية، كما هناك سنّة يرفضون هذا الاحتلال، وأنا أزعم أن شعوبنا ترفض الاحتلال بشكل حاسم وعلى اختلاف مذاهبها وألوانها وانتماءاتها.

المواطنة قبل المذهب
* نلاحظ أن هناك إقبالاً إعلامياً كويتيّاً عليكم، ما سرُّ كل هذا الحب؟ وماذا تقول للكويت بسُنتها وشيعتها وأحزابها وشعبها؟

ـ أعتقد أن هناك نوعاً من الحكمة في إدارة المسألة السياسيّة في الكويت، وأن القائمين على شؤون الكويت يعملون على أساس إيجاد وحدة بين المسلمين في دولتهم. ولذلك، لقد كان شعاري مع كل أصدقائنا في الكويت هو: "لا تطالبوا بحقوق الشيعة أو حقوق السُنة، ولكن طالبوا بحقوق المواطَنة الكويتيّة..."، ودعوتي الدائمة للمسلمين السنّة والشيعة في الكويت، كما في خارجها، أن يتحركوا من خلال الوحدة الإسلامية، ليحفظوا أوطانهم ومجتمعاتهم، ويصونوا أنفسهم، وليكونوا يداً واحدة على أعداء الأمة والدين، وليعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا، وأن يعملوا على حل كل الخلافات بالطريقة العلمية الموضوعية بعيداً عن التشنج والاتهامات السلبية.

بيروت ـ طارق ترشيشي

6 أكتوبر 2008

استقبل نائب الأمين العام لحزب الله وبحث معه في المصالحة الداخلية وتهديدات العدو
فضل الله: لتوفير مناخات النجاح للمصالحات بين اللبنانيين بما يعزز القدرة على مواجهة أي عدوان خارجي

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، حيث جرى عرضٌ لتطورات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، وآفاق المرحلة المقبلة في ظلّ التداعيات المتواصلة على المستويات الاقتصادية والسياسية في العالم وتأثيراتها الحالية المتوقعة على الوضع في المنطقة بعامة، وفي لبنان على وجه الخصوص.
كما وضع الشيخ قاسم سماحته في أجواء المصالحة الداخلية الجارية على كافة المستويات، وجرى البحث تفصيلاً في التهديدات الإسرائيلية المتواصلة للبنان، وسبل مواجهتها والتنبّه إلى ما يضمره العدو في ظلّ تصاعد حدة الأزمة السياسية داخل كيانه، وإعلانه المتواصل عن تمامية استعداداته للقيام بعدوان جديد على لبنان.
ورأى سماحة السيد فضل الله أن تهديدات العدو تندرج في سياقين: الأول يرتبط بخوف إسرائيل من إقدام المقاومة على تنفيذ عملية نوعية ضد العدو، والثاني يتعلق في الامتعاض الإسرائيلي من جهوزية الساحة اللبنانية على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية وغيرها لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل، ومنع العدو من تحقيق أي من الأهداف التي يتطلع إليها، وخصوصاً بعد الإخفاقات التي لحقت به خلال عدوان تموز من العام 2006م.
وشدد سماحته على أن يتركّز العمل داخلياً على تعزيز أجواء المصالحة، وتوفير مناخات النجاح للّقاءات التصالحية كافة، بما يعزز من قدرة الساحة اللبنانية الداخلية على الصمود في وجه أي عدوان خارجي وأي اعتداء إسرائيلي محتمل.
ورأى سماحته أن الساحة الداخلية مهيّأة لكثير من الانفراجات التي من شأنها أن تعمّق أجواء التفاهم الداخلي الذي ينبغي أن يتكرّس على كل المستويات، وخصوصاً في المرحلة التي تسبق الانتخابات النيابية، من دون أن يعني ذلك أن البلد أصبح في مرحلة التوازن والهدوء التام، وخصوصاً أن ثمة قوى ترتبط بمرجعيات خارجية لا تزال تعمل على اختراق الأوضاع بالمزيد من التفجيرات أو بالعمل لتعقيدات أمنية وسياسية قادمة، مؤكداً على اللبنانيين ألا يناموا على حرير في ظلّ التعقيدات التي تشترك فيها عناصر خارجية وداخلية، والتي قد تفرض عليهم مواجهة الواقع بالمزيد من الحذر الذي لا يبتعد عن السعي الجاد والحثيث لتركيز الوحدة الوطنية في كل المجالات، الأمر الذي يستدعي اندفاع الجميع لاحتواء السلبيات التي يمكن أن يحركها البعض في الداخل والخارج.
وشدد سماحته على أن يستغل اللبنانيون التطورات الحاصلة في المنطقة والعالم لترتيب العلاقات الداخلية بين الأطراف المتعددين بما يحمي سلام البلد وأمنه ويقطع الطريق على أية محاولات خارجية للعودة بالبلد إلى أجواء التقاتل والتنازع، مؤكداً ضرورة استخدام الخطاب الهادىء والمتوازن كسبيل وحيد لحل المشاكل العالقة أو التوترات السياسية التي قد تطل برأسها بين الحين والآخر.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 7-10-1429 الموافق: 06/10/2008
استقبل وفد من منظمـة "اليـازا"
فضل الله: إن منح رخص قيادة لمن لا يستحقها حرام وخيانة

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفداً كبيراً من منظمة اليازا التي تعنى بشؤون السير وحوادثه، وجرى عرض لنشاطات المنظمة والصعوبات التي لا تزال تعرقل فاعلية عملها، ومنها الخروقات الكبيرة في إعطاء رخص القيادة من دون أهلية، وحتى من دون امتحانات جدّية.
بدوره، أشاد سماحة السيد فضل الله بعمل المنظمة الذي يحمي حياة الإنسان من نفسه ومن الآخرين، مؤكداً على الموقف الإسلامي الشرعي الذي يوجب حفظ النظام العام للناس، ومذكّراً بفتواه الشرعية التي توجب احترام قانون السير، كما اعتبر سماحته أن ما يمارسه البعض من إعطاء رخص قيادة من دون امتحانات أو لمن لا يستحقها هو حرام وخيانة، وكل جهة تعطي هذه الرخص غير المستحقة هي جهة خائنة لمسؤولياتها التي حمّلها المجتمع إياها.
ودعا سماحته كافة المواطنين إلى أن يتحمّلوا مسؤولياتهم في حفظ أمن بعضهم البعض، مؤكداً على أهمية تطوير قانون السير من خلال مناقشة قانون السير المقترح في المجلس النيابي وإقراره بسرعة، بما يتناسب مع المخاطر المتلاحقة والتي تتطوّر بشكل ملحوظ بفعل تطوّر المركبات الآلية وتزايدها.



مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 27-9-1429 الموافق: 27/09/2008
فضل الله عرض لقضية الموقوفين الإسلاميين مع وفد من أهاليهم


استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في دارته بحارة حريك، وفداً من لجنة أهالي الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية، حيث وضعوه في أجواء تحركهم الآيل إلى معالجة ملف أبنائهم من الموقوفين الذين طالت فترة احتجازهم، وأغلبهم من دون تحقيقات قضائية أو محاكمات، مؤكدين على ضرورة إبعاد هذه القضية عن التسييس، وأبدوا الخشية من أن تكون هناك بعض الخلفيات السياسية المعقّدة التي تضغط باتجاه تعقيد الحلّ لهذه المشكلة.
من جهته، دعا سماحة السيد فضل الله إلى التعجيل بالبتّ في أمر المحاكمات التي تطال عدداً كبيراً من اللبنانيين، سواء من الإسلاميين أو غيرهم، وخصوصاً أولئك الذين طالت فترة احتجازهم من دون محاكمات أو تحقيق، وشدد على أنه لا يجوز أن يؤخذ البريء بذنب المجرم، ولاسيما أن العديد من الدوائر المعنية تتحدث أن ثمة أبرياء كثر بين هؤلاء المسجونين، ولم تظهر براءتهم بفعل التأخير في متابعة أوضاعهم وملفاتهم.
وأشار سماحته إلى الرسائل التي تصله من داخل السجون والتي تتحدث عن تمييز في المعاملة، وسوء في التعاطي حيال بعض القناعات السياسية أو الدينية لبعض المساجين، إضافة إلى الواقع الصحي الرديء، الأمر الذي ينعكس ليس على إدارة السجون فحسب، بل على سمعة الدولة اللبنانية برمتها، وهو ما أثارته جهات نقابية ومنظمات دولية. لذلك، فإننا نؤكد على المعنيين في الدولة المسارعة إلى ترتيب وضع السجون بما يليق بسمعة البلد على مستوى احترام الحقوق المدنية والإنسانية للمساجين.
وشدد سماحته على رفض التعاطي بخلفيات سياسية تمييزية بين السجناء، داعياً الجهات الرسمية وغير الرسمية من كافة الفئات اللبنانية إلى إيلاء مسألة المساجين الأهمية اللازمة بالنظر إلى تأثيرها الكبير على واقع البلد الاجتماعي وسمعته السياسية والأخلاقية.


مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 27-9-1429 الموافق: 27/09/2008
أبدى خشيته على الساحة اللبنانية من حال الانقسام العربي
فضل الله: لحوار جامع شامل يُسقط الرهانات على عودة الاهتزاز الأمني والسياسي إلى مستوياته السابقة

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً علّق فيه على التطورات الأخيرة في المنطقة، جاء فيه: إن ثمة أموراً كثيرة تتغيّر في المنطقة، وثمة تطورات كبرى في العالم بدأت ترخي بثقلها على الوضع فيها. وقد بدأ ذلك ينعكس على الوضع في لبنان بطريقة وأخرى، ولكن المشكلة أن ذلك كله يحدث من دون أن يكون هناك سقف سياسي وامني يمنع المتغيّرات من أن تحمل معها تطورات درامية على المستوى الأمني تحديداً.
وقال: كنا ننتظر أن تنعكس المتغيّرات العالمية، وخصوصاً تلك التي أصابت الولايات المتحدة الأميركية ومشروعها الإمبراطوري في الصميم، انفراجاً في العلاقات العربية ـ العربية، ولكننا رأينا، في المقابل، أن بعض المحاور الدولية تقدّمت خطوة في اتجاه هذا الموقع العربي أو الإسلامي، وتراجعت الدول العربية خطوات عن ترميم علاقاتها، وبدأت مرحلة جديدة من المشاحنات، وسط رهانات متصاعدة على أن يفضي التوتر السياسي والاهتزازات الأمنية تراجعاً في موقف هذه الدولة أو تلك، أو انهياراً في التزاماتها. ولكن الذي حصل هو بروز ثغرة من الانكشاف الأمني أمام إسرائيل، وربما يراهن البعض على أن يفتح هذا الانكشاف ثغرة في الجدار السياسي ينفذ منها الوسطاء الدوليون لإقامة ما يسمى علاقات سلام بين الدول العربية وإسرائيل، من دون أن تعود العلاقات العربية ـ العربية إلى مساراتها الطبيعية، أو ربما قد يراهن الكثيرون على أن تعيد إسرائيل جسور العلاقات بين الدول العربية إلى عهودها السابقة، شريطة أن تبنى هذه الجسور على قاعدة الاعتراف العربي الحاسم والكامل بالعدوّ وباغتصاب فلسطين.
أضاف: إنه لمن دواعي الأسف والأسى أن تهوي العلاقات العربية ـ العربية إلى هذا المنحدر والهاوية، في الوقت الذي يعلن المسؤولون الصهاينة، وعلى رأسهم رئيس وزراء العدوّ المستقيل، أن مقولة إسرائيل الكبرى سقطت تماماً، وانه لو أدخل كل جيشه إلى لبنان في حرب تموز السابقة لما تغيّرت الصورة عما هي عليه الآن من هزيمة إسرائيل وتراجعها، وأن الحرب الكلاسيكية قد ولّت من العالم"..
إن ما يثير العجب في الصورة الحالية للواقع العربي أن مَن هم في خانة الأعداء التاريخيين للأمة يعترفون بعجزهم وضعفهم، ومن هم في خانة التآمر ألاستكباري عليها منذ عقود يقرّون بفشلهم وتراجعهم وانتكاسة مشروعهم، من دون أن يعني ذلك أي شيء لهذه الدولة أو تلك على مستوى حال النهوض والوقوف مع قضايا الأمة ولملمة الساحة العربية الداخلية، والتفكير جديّاً في السبل التي يمكن من خلالها أن يعود الدور العربي إلى الواجهة، ليتناغم مع دور إسلامي أكبر، وليرسم صورة حيّة لأمة هي في أمسّ الحاجة إلى المشاركة في قرارات العالم، وخصوصاً في المرحلة التي تتداعى فيها مواقع عالمية، وتضطرب فيها العلاقات الدولية، وتهتز فيها ثقة المحاور الاستكبارية بعضها ببعض.
تابع: ولعل ما يبعث على التعجّب أكثر هو تلك الرؤية المأساوية التي لا تزال تعشش في خلفيات بعض القوى السياسية العربية، التي لا ترى دوراً للعرب إلا على هوامش دور الآخرين، أو أنها لا تتحرك لصوغ إستراتيجية تحمي القضايا العربية والإسلامية بقدر ما تتطلّع إلى دور عربي يتوسّم العودة إلى مستوى الفاعلية من خلال إسرائيل أو من خلال جبهة تضم كل التناقضات والمتضادات، وقد استمعنا قبل أيام إلى مسؤول عربي يقترح قيام جبهة سياسية في المنطقة تضم العرب وإسرائيل وإيران وتركيا.
وقال: إننا نلاحظ أن العرب، في معظم نماذجهم السياسية الرسمية، قد قرروا أن يخرجوا من دائرة الفعل إلى دوائر الانفعال بإزاء ما يجري من تطورات في العالم، وأن يتمردوا على حال التواصل في ما بينهم، ويتوافقوا على تشييد حصون من الخصام والعداوة بين بعضهم، وهو الأمر الذي يثير الخوف ليس على مستوى تراجع وضياع الدور والنفوذ وانسحاق الطموحات بإعادة إنتاج الدور العربي وسقوط الجامعة العربية سقوطاً سريعاً فحسب، بل إن ذلك يدعو إلى الخوف الحقيقي في لبنان على الساحة اللبنانية، لأن ملامح الرسائل التي لا تحمل أي نوع من أنواع المودة قد بدأت تصل عناوينها إلى لبنان، ليعود ساحة منفتحة على النزاعات العربية، وليعود الخطاب اللبناني إلى مستوياته الأولى التي يناشد فيها العرب أن يعودوا إلى مستوى العلاقات السابقة في ما بينهم، بعدما كان العرب يناشدون اللبنانيين أن يعودوا إلى رشدهم ويصوغوا وحدتهم ويحفظوا بلدهم.
وخلص إلى القول: إننا، أمام هذا الواقع، ندعو اللبنانيين إلى العمل الجاد والمسؤول لصون وحدتهم وحماية واقعهم، من خلال الحوار الجامع والشامل الذي يؤسس لمرحلة توافق حقيقية تُسقط كل الرهانات الداخلية والخارجية على عودة الاهتزاز الأمني والسياسي إلى مستوياته وأوضاعه السابقة، وتقطع الطريق على كل الساعين لاختراق الساحة الداخلية باستغلال الأوضاع والظروف العربية الراهنة، ولأن عدم الإسراع في الوصول إلى حلول من خلال الحوار الداخلي سوف يُفضي إلى فراغ يستغلّه المستغلّون، وقد تصل المسألة إلى المستوى الذي تأكل فيه الخلافات العربية ـ العربية وفاق اللبنانيين وتفاهماتهم الداخلية.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 6-10-1429 هـ الموافق: 05/10/2008 م
لاحظ تصاعد الحملات التشويهية التي تفوح منها رائحة العنصرية ضد المسلمين في أوروبا
فضل الله يدعو إلى وقف السجال المذهبي لمصلحة الوجود الإسلامي في أوروبا "الذي يتعرض للخطر"


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه الهجمات والحملات الأخيرة في بعض الدول الأوروبية ضد المسلمين، جاء فيه:
كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات المضادة للإسلام في أوروبا، والحملات الإعلامية والتشهيرية ضد أتباعه، وبدأنا نسمع صرخات تفوح منها رائحة العنصرية ضد المسلمين في عدد من البلدان الأوروبية، وخصوصاً في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا. وقد بدأت المؤتمرات تُعقد هناك تحت عنوان "التنديد بانتشار الإسلام" كما يحصل في هذه الأيام في كولونيا بألمانيا، وبدأ العمل لتحشيد الشخصيات الأوروبية من هذا البلد أو ذاك، وخصوصاً تلك التي تنتمي إلى اليمين المتطرف لمواجهة ما يسمونه انتشار الإسلام، وبدأ الحديث عن مشروع قانون يُعد له في إيطاليا لحظر بناء المساجد، مع دعوات صريحة إلى العمل "للحد من نمو الإسلام في قلب عالم المسيحية الكاثوليكية"، إلى غيرها من المواقف التي اعتبر أصحابها أن وجود المساجد في أوروبا هو "استعمار لا حدود له لثقافتنا" كما يزعمون...
إننا نلاحظ أن هذه المواقف التي تتسم بالعنصرية ولا تعترف بالتعددية الثقافية والحضارية في بلاد قامت قوانينها على ذلك، وانطلقت ثوراتها تحت هذه العناوين، ما كانت لتأخذ هذا الحجم أو لتصل إلى هذا المستوى من المواجهة المباشرة مع المسلمين، وإلى احتقار الثقافة الإسلامية وحتى إلى مستوى الاستعداد للإساءة المباشرة للمسلمين، لولا عملية الشحن التي تمارسها الكثير من وسائل الإعلام الغربية والأوروبية، ولولا حملات التشويش والتشويه التي قامت بها شخصيات أوروبية سياسية وغير سياسية تحت عنوان احترام حرية التعبير، هذه الحرية التي تصبح مقدسة في الغرب عندما تتوجه سهام الاتهامات إلى الإسلام والمسلمين، وكذلك إلى العرب بعامة.
ومن الخطورة في مكان أن تراوح نسبة النظرة السلبية إلى المسلمين في البلدان الأوروبية الأساسية ما بين 25% و52% بالمئة وفق استطلاعات الرأي الأخيرة، وهو الأمر الذي ينبغي أن يفتح عيون المسلمين وقادتهم على الأسباب الكامنة وراء ذلك، وحول المدى الذي حققته الحملات المعادية التي عملت على التخويف من الإسلام، وكذلك حول التأثيرات السلبية للدعاية الإعلامية المضادة للإسلام والمسلمين، وتقصير العرب والمسلمين في الدفاع عن قضاياهم ودينهم وثقافتهم.
كما أن ذلك يدعونا إلى الالتفات إلى حجم الهجمة التي تستهدف الإسلام في مرتكزاته العقيدية وفي مكوّناته الأساسية وفي المنتمين إليه، وهو الأمر الذي ينبغي أن يضعه الدعاة إلى الإسلام والعاملون للوحدة الإسلامية نصب أعينهم، ليعرفوا أن القضية تصل إلى مستوى الهجوم على الإسلام كله بعيداً من العناوين المذهبية، وليبذلوا جهودهم في سبيل الحفاظ على الوجود الإسلامي في أوروبا، لأننا نتطلع إلى هذا الوجود من زاوية الحفاظ على الانتشار الحضاري الإسلامي في العالم ومن موقع التحاور والتعارف والتلاقح مع الثقافات والحضارات الغربية، ولأن الخلافات المذهبية والسياسية الحادة بين المسلمين تغري الآخرين بالقيام بهجوم نوعي ومتواصل ضد الإسلام.
وإن المسؤولية تقع على عاتق المسلمين الأوروبيين كي يرسموا الخطط والبرامج ويضعوا الآلية العملية لمواجهة موجات الكراهية المتصاعدة ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا، باعتمادهم على الوسائل العلمية والحضارية والحوارية في مسألة الدفاع عن إسلامهم، وبسعيهم لتحصيل حقوقهم وحماية أوضاعهم من ضمن قوانين البلدان الأوروبية، وبتصرفهم الذي ينبغي أن ينطلق من كونهم متجذرين في أوروبا وليسوا طارئين على هذا البلد الأوروبي أو ذاك، فهم يحملون الجنسية التي يخلصون لها باندماجهم مع الآخرين مع احتفاظهم بشخصيتهم الإسلامية.
إننا ندعو المسلمين في الجاليات الإسلامية في أوروبا إلى مزيد من التعاون والانفتاح على الشعوب الأوروبية، وإلى إبراز القيم الحضارية الإسلامية في التعاون مع الآخرين بما يعزز من الفرص التي تقود إلى إغناء التجربة الحضارية، والتي يمكن أن يكونوا سفراءها في مسألة التقارب والتعاون والتحاور بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وأن لا ينطلقوا من العقدة التي تنظر إلى الغرب على أساس أنه لا يتعاون معهم ويرفضهم أو أنه يمثل السبب الرئيس لمشاكلهم، بل أن يعيدوا النظر في أساليب حركتهم وتعاطيهم مع الآخرين.
إننا في الوقت الذي نؤكد على المسلمين في أوروبا ألا ينهزموا أمام شعارات الرفض لهم وأساليب الدعاية التي تتهمهم باستخدام الأساليب العنفية أو الإرهابية، ونؤكد عليهم ألا ينجرفوا في خطوط التكفير أو التطرف وألا يستجيبوا لمحاولات استفزازهم بطريقة انفعالية غير مدروسة، نؤكد أنه على السلطات الأوروبية أن تتحمل مسؤولياتها اتجاه مواطنيها، ولاسيما المسلمين منهم، وأن تمنحهم حقوقهم المشروعة عبادياً وسياسياً وثقافياً، ونؤكد في الوقت نفسه وجوب التعاون مع الجمعيات والشخصيات والمؤسسات الأوروبية المنفتحة، وخصوصاً تلك التي وقفت لتدافع عن المسلمين وحقوقهم في شكل صريح وعلني، لأننا نعتقد أن قضية الحرية لا تتجزّأ وأن الدفاع عن القيم الإنسانية يمثل انتصاراً للبشرية كلها ولمسيرة تقدمها، ولا يمثل بالضرورة انتصاراً لمعتقد بعينه أو لمجموعة بشرية محددة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 28-9-1429 هـ الموافق: 28/09/2008 م