4 أغسطس 2010

نجل المرجع الراحل دعا من اختلفوا معه إلى «إعادة قراءته بعيداً من التوتر» علي فضل الله لـ «الراي»:
لا وراثة في المرجعية وسنتابع طريقه في الحوار والوحدة ودعم المقاومة



السيد علي محمد حسين فضل الله

|بيروت - من أحمد الموسوي|

أكد نجل المرجع الراحل العلامة السيد محمد حسين فضل الله رئيس «جمعية المبرات الخيرية الإسلامية» السيد علي فضل الله أن مرجعية الراحل مستمرة عبر مجموعة من العلماء والمجتهدين في مكتب الراحل الذين سيتابعون التعبير عن اجتهاده وآرائه الفقهية والذين بيّنوا جواز الاستمرار في تقليد المرجع المتوفى. ودعا فضل الله كل الذين اختلفوا مع الراحل حول قضايا وآراء فقهية إلى أن يُعيدوا قراءته من جديد بعيداً من التوتر، مؤكداً أنه ليس هناك أي مشكلة مع سائر المرجعيات الإسلامية الشيعية في النجف أو قم والتواصل معها أمر طبيعي. «الراي» التقت السيد علي فضل الله وأجرت معه الحوار الآتي: • شكّلت مرجعية الراحل السيد محمد حسين فضل الله علامة فارقة ومميزة في حركتها التجديدية والتوحيدية في الفكر الإسلامي عموماً وفي واقع المرجعية الشيعية خصوصاً. كيف يمكن الحفاظ على استمرار ما مثلته هذه المرجعية وحققته؟ - استطاع سماحة السيد أن يشق الطريق في التعامل مع النص وفهمه، واستطاع عبر ذلك أن يُقدّم الكثير من الآراء التي تحمل في طابعها صورة جديدة، وكان من المقدّر أن يُقدّم سماحته المزيد غير الذي قدمه في هذا المجال، ولكن أراد الله سبحانه وتعالى أمراً. ومن الطبيعي أن تمتد حركة الفكر التي انطلق بها وكان له دور في تأسيسها، وأن تستمر عبر الذين عاشوا معه وواكبوه في كل الميادين التي خاض فيها على مستوى الفكر والثقافة والاجتهاد والحركة بين الناس، وعلى مستوى الأسس التي انطلق بها في ما وصل إليه من اجتهاد ومن آراء. وكل ذلك الآن موجود بين أيدي الفقهاء وكل الباحثين في مجال الفقه، وسماحة السيد لم يقدم فقط آراء واجتهادات ونتائج إنما قدم أيضاً آلية استطاع عبرها الوصول إلى تلك النتائج، وبيّن القواعد التي اعتمدها. وأعتقد أن هذا الخط الاجتهادي سيترك آثاراً في الاجتهاد والفقه سواء على المستوى الشيعي أو المستوى السني، لأن حركة الاجتهاد موجودة في الفقه الشيعي وموجودة بطريقة ما في الفقه السني، ولذلك أعتقد أن هذه الحركة الاجتهادية والطريقة في التعامل مع النص وفهمه، سوف تمتدان وتستمران وستكونان في متناول كل من يريدون الوصول إلى أي حقيقة فقهية أو اجتهادية، فهو شق طريقاً وعانى في ذلك، وهناك من تعامل معه بسلبية ولكن في النهاية أثبتت الأيام الماضية، وستثبت الأيام اللاحقة، أن هذا المسار هو الذي ينبغي الاقتداء به والسير على أساسه، وهذا لا يعني أننا نلغي وجود اجتهادات أو آراء أخرى، فالاجتهاد بطبيعته يقتضي وجود تنوع، إلا أننا عبر فهمنا لفكر السيد نعتقد أن ما قدمه من اجتهاد يمتلك نضوجاً يقتضي في رأينا أن يُفهم على الأقل إذا لم يتحول رأيا يُتبنّى. • واجه السيد في حياته تحديات اثيرت في وجه شخصه وفكره. الآن الشخص رحل، فهل تتوقعون استمرار هذه التحديات في مواجهة ما تركه من فكر؟ - نعم سيواجه فكر السيد تحديات في المرحلة المقبلة كما حصل في المرحلة السابقة، ولكن طبيعة المواجهة ستختلف بطبيعة الحال لأن وجود سماحة السيد المؤثر والحاضر ربما كان يزعج بعضهم ويدفعه إلى عدم التعامل معه من موقع الفكر ولكن من موقع الوجود، فبعضهم قد تكون لديه عقدة من الشخص في حياته وهذا أمر يحصل، فكما هناك من لم يكن يقبل بآراء السيد وأفكاره كان هناك من يزعجه وجود السيد لحسابات أخرى، ومن الطبيعي حين يغادر الإنسان الحياة ألا يعود لهذه الفئة من الناس مشكلة إلا إذا شعرت بان هذا الخط سيبقى ممتداً وقد تشعر بأن المشكلة ستستمر مع آثار هذا الامتداد. أما الذين يختلفون في الرأي معه، فهذا من حقهم، وسماحة السيد كان دائماً يردد بأنه إذا كان من حقي أن اختلف معك في الرأي فمن حقك أن تختلف معي. وطبعاً التنوع في الآراء سيبقى موجوداً، ولكن أعتقد أن المرحلة المقبلة قد تشهد إعادة نظر في التعامل مع ما كان يطرحه سماحة السيد، وسنجد فهماً أكثر لطروحاته من قبل من كانوا يختلفون معه إلا الذين لديهم عقدة ذاتية، وعقدة من استمرار الخط الذي مثّله سماحته. أما الذين يعون هذا التنوع ويعتبرونه طبيعياً فهؤلاء على الأقل سوف يتعاملون بواقعية وبهدوء أكثر في التفكير بما طرحه وبالتالي قد يقتنع بعضهم بطروحاته، وآخرون سيبقون على ما هم عليه لكنهم على الأقل سوف يحترمون تلك الطروحات، وهذه دعوة مفتوحة لكل الذين اختلفوا مع سماحته، أن عليهم ان يقرأوه جيداً، يقرأوه بعيداً من التوتر الذي قد يشعر به الإنسان في داخله نتيجة الاعتقاد أن ما طرحه قد يُغيّر الدين أو يُغيّر بعض المفردات في الفقه أو العقيدة وغير ذلك. وبعيداً أيضاً عن التوتر الخارجي الذي يحصل عادة بسبب وجود رأي أو آراء في أكثر من موقع تضغط على من يريد أن يفكر في شكل هادئ. • تقصدون بالتوتر الخارجي مسألة الخلاف على المرجعية؟ - أتحدث في شكل عام، فالجو العام المحيط بالإنسان إذا كان في اتجاه معين سيضغط عليه نفسياً على الأقل، وهذا الجو العام قد يكون ناتجاً من مرجعيات أو غير مرجعيات، ومن أوضاع ضاغطة بطبيعتها نتيجة عادات معينة أو تقاليد متوارثة منذ فترة طويلة من الزمن. • إضافة إلى أنكم أحد أبنائه، كنتم أيضاً من تلامذته، هل لمستم من خلال قربكم منه، أنه كان يشير بإصبعه إلى أحد ما على صعيد تولي المرجعية من بعده؟ وعادة المراجع والأساتذة الكبار يشيرون إلى بعض التلامذة تنبؤاً بمستقبل واعد... - لا شك في أن هناك عدداً من التلامذة الذين كان لهم موقع في حياة سماحته، وهم الآن موجودون في مكتبه، والذين كتبوا أبحاثه، وكان السيد يقدر موقعهم العلمي، إلا أن اسلوب السيد كان دائماً يترك للشخص أن يُعبّر عما عنده، وما كان يفرض رأياً، عدا عن أن المرجعية الشيعية في طبيعتها تتحرك في انسياب وبهدوء عبر ما يقدمه الشخص الذي يتصدى لهذا الموضوع، بحيث تدل عليه آراؤه وأبحاثه وكتبه وآثاره، وهذا لا ينفي أن هناك مجموعة من الأشخاص الذين كانوا معه في الجانب العلمي وتابعوا معه بحثه وهو يقدرهم كل التقدير، وهؤلاء يمثلون مواقع ولهم دورهم وهم الذين يحملون المسؤولية الآن، ككيان وليس كأفراد، مسؤولية متابعة تقليد سماحة السيد، إذ سيتابعون التعبير عن اجتهاد سماحته، فكما أن الفكرة تحتاج إلى جهد، فالتطبيق أيضاً يحتاج إلى جهد ومتابعة، فهناك إذن ثلة من العلماء من الذين كتبوا أبحاثاً فقهية، وهم موضع تقدير علمي من سماحته، وهؤلاء ليسوا موجودين في لبنان فقط، هم موجودون في لبنان وخارج لبنان. • يعني مرجعية أو قيادة جماعية؟ - هم مجموعة علماء، وحين صدر البيان المتعلق باستمرار ابقاء تقليد السيد، صدر عبر عمل جماعي. وسماحة السيد كان يرى دائماً ضرورة العمل الجماعي أو المؤسسي في كل المجالات. • هذا يذكّر بدعوته لانشاء «المرجعية المؤسسة»؟ - يُذكّر بهذا الطرح، ولكننا لا نطرح أن هذا هو عنوان المرجعية المؤسسة التي تشكل طموحاً يُعمل على تحقيقه، ولا هو الطرح الذي سوف نُقدّمه للناس، ولكن هؤلاء مجموعة من الذين كانوا يدرسون عليه وكانوا يلتقونه، ويتشاور معهم، خصوصاً في الفترة الأخيرة من حياته، وهم في مواقع فقهية عالية، وأنا اشهد لسماحته بأنه كان يربي في كل موقع يتحرك فيه أناسا يفكرون معه، لا أشخاصاً يتبعونه. • في هذا السياق، طرح غياب السيد تساؤلات حول من يرث جمهور مقلديه فقهياً وسياسياً، وضمناً يبرز هنا بـ «حزب الله» الذي يقلّد السيد علي خامنئي. بماذا تجيبون؟ - لا شيء في هذا الإطار اسمه وراثة، فالناس لهم الحق في موضوع المرجعية بأن يختاروا من يهتدون به ويقلدونه، وهذا أمر طبيعي أن يحصل، والذين قلدوا سماحة السيد فعلوا ذلك لأنهم وجدوا فيه تميزاً، ولذلك نجد أن الغالبية من هؤلاء سيتابعون تقليدهم بناء على رأي فقهاء العلماء الذين يرون جواز البقاء على تقليد الميت، وهناك علماء يرون وجوب البقاء على تقليده إذا كان الإنسان يرى أنه الأعلم. فمن الطبيعي إذا أن يختار الناس الاستمرار في تقليد سماحته بناء على ذلك الرأي، وقد ينتقل بعضهم إلى تقليد مرجع حي، فهذا أمر يتعلق بالتكليف الشخصي للإنسان ومُعذّريته أمام الله سبحانه وتعالى في ما يقوم به. • صدر عن مكتب السيد بعد رحيله بيان يحدد قبل عشرة أيام بدء شهر شعبان. فهل سيحدد المكتب أيضاً بدء شهر رمضان وفق المنهجية التي وضعها السيد بالاعتماد على علم الفلك في ثبوت رؤية الهلال؟ - بطبيعة الحال ستُعتمد المنهجية نفسها التي اعتمدها سماحته، من قبل الذين كانوا معه في حياته في هذا الموضوع ويعرفون أدق التفاصيل في شأنه، وسوف يطبقون رأيه في هذا المجال وهم لا يجتهدون في هذا، ولكن سيطبقون الرأي الذي كان يراه سماحته، ولذلك أصدروا بياناً في تحديد أول شهر شعبان، وهذا سيتابع في شهر رمضان وغيره. • وستبقون في الموقع السياسي نفسه خصوصاً في موضوع العلاقة بـ «حزب الله» وتأييد المقاومة رغم بعض محطات الخلاف التي كانت قائمة؟ - سماحة السيد رسم خطاً ونحن سنتابعه وسنؤكد عبره الإسلام المنفتح، والصورة التي قدّمها للإسلام، وخصوصاً في مجال الحوار والتلاقي والوحدة الإسلامية، والجسور المفتوحة مع كل الآخرين، وفي موضوع المقاومة كخيار لتحرير الأرض في لبنان وفلسطين، وهو خيار لابد من حمايته والحفاظ عليه، وسنستمر في الحفاظ على العلاقة مع كل الواقع الإسلامي وفي مقدمه الجمهورية الإسلامية في إيران وكل الحركات الاسلامية في العالم، وسنكون حرصاء على ما كان حريصاً عليه وهو ترشيد هذه الحركات وتأكيد دعمها، وضرورة مناصرة قضايا المستضعفين في العالم، ولن نتوقف عند ما حصل سابقاً من أمور صغيرة حصلت هنا أو هناك، لأننا نعتقد أنه أمام القضايا الكبرى تذوب مثل هذه المسائل الصغيرة. وسماحة السيد رغم كل ما عاناه في حياته من القريبين أو البعيدين لم يتنكر يوماً للمبادئ هذه، وكان شديد الحرص عليها، وأذكر هنا ما قاله في لقاء مع أحد المسؤولين في الجمهورية الإسلامية «لو رجمتموني بالحجارة فأنا سوف أبقى معكم، لأني أحمل فكراً وديناً جعلني أقف مع كل القضايا التي تحمل قوة للإسلام في مواجهة كل الذين يريدون شراً بالمسلمين». • هل التقيتم «حزب الله» وبحثتم آفاق المرحلة المقبلة ووضع إطار محدد للعلاقة في مرحلة ما بعد رحيل السيد؟ - طبيعي وجود لقاءات بيننا، وقد التقينا سماحة السيد حسن نصرالله عندما جاء لتعزية العائلة، وهو أكد الوفاء لسماحة السيد وما قام به من تأييد للمقاومة ومن تقديم الحماية إليها، وتأييد لكل عمل يحافظ على قوة هذا البلد، وعلى الحضور الإسلامي في العالم. كما أكد السيد نصرالله استعداده لكل ما يساهم في تعزيز النهج الذي تركه السيد فضل الله. • وهل سيكون لكم تواصل مع المرجعيات الشيعية في النجف وقم؟ - من الطبيعي حصول ذلك ولا مشكلة في هذا الإطار مع أي مرجعية شيعية، والتواصل مطلوب ولن ننقطع عن المرجعيات الشيعية مستقبلاً كما لم ننقطع عنها في الماضي. • البيان الذي صدر عن مكتب السيد وأجاز الاستمرار في تقليد المرجع المتوفى، هل وكلاء السيد خارج لبنان، في الكويت، والسعودية، والبحرين، وغيرها من دول، كانوا في صورة هذا البيان؟ - هذا رأي فقهي موجود، وهم في الصورة وفي التوجه، والسيد عبدالله الغريفي وهو أحد العلماء البارزين في هذا المجال أصدر بياناً أكد فيه هذا الرأي الفقهي الذي له ضوابطه، وهذا البيان الذي صدر عن مكتب سماحته لم ينطلق على أساس، كما يظن بعضهم، حبس الناس وربطهم، ولكن على أساس تبيان الرأي الفقهي الموجود الذي يسمح لهؤلاء الناس بالاستمرار على تقليدهم. • هل هذا البيان يطاول أيضاً الاموال الشرعية؟ - للأموال الشرعية أصول تحكمها في الفقه الشيعي، إذ هناك ثلاثة آراء: الأول يرى أن الحق الشرعي لابد من أن يُعطى للمرجع، والرأي الثاني يقول يكفي أن يُعطى هذا الحق للمجتهد، والرأي الثالث فيه أن الحق الشرعي يُمكن ان يُعطى لمن يُحسن صرفه، ولمن يملك القدرة على تحديد موارد صرفه في الشكل الذي يتطابق مع رأي الإمامية. فإذا هناك ثلاثة آراء والأمر هذا يخضع في النهاية للتقليد الذي يرجع إليه الإنسان في موضوع مرجعيته. • سماحة السيد الراحل على أي رأي كان؟ - سماحة السيد على المستوى العلمي كان يستقرب الرأي الثالث، وكان يرى في الإمكان أن يُعطى الحق الشرعي للإنسان الذي لديه المام بالجانب الفقهي ما يسمح له بأن يحسن تحديد موارد صرف هذا الحق، وإن كان يرى بالجانب التنظيمي إمكان اعطائه للمجتهد. • ما معنى الجانب التنظيمي هنا؟ - المقصود تنظيم الأمر حتى لا تكون هناك فوضى في إدارة المال. • بوضوح، هل ستستمرون في قبول تلقي الأموال الشرعية بعد رحيل السيد؟ - بالطبع استناداً إلى الآراء الشرعية المعتبرة التي أشرنا اليها، وهناك إجازات من مراجع حاليين تجيز للمؤسسات التابعة لسماحته ذلك، على أن بعض طلابه ومن ينتمون إلى هذه المدرسة ممن يُشار اليهم بالاجتهاد يمكنهم وفق بعض المباني الفقهية ووفق رأيهم الخاص قبض الحقوق الشرعية لصرفها في مواردها المقررة شرعاً. • ما بناه السيد من مؤسسات انسانية واجتماعية ورعوية وغير ذلك، شكل تجربة فريدة بنجاحها. ولذلك، فان السؤال مطروح أيضاً حول مصير هذه المؤسسات ومصير هذه التجربة؟ - سماحة السيد بنى داخل المؤسسات القدرة على استمرارها، ولم يتعامل مع بنائها على أساس أن الفرد يُديرها، بل هيّأ لكل مؤسسة كل العناصر الداخلية التي تؤمن لها القدرة على الاستمرار، ولذلك فإن هذه المؤسسات ستستمر إن شاء الله، وسماحته جعل لهذه المؤسسات مجموعة من العلماء المؤتمنين من داخل لبنان وخارجه تشرف عليها وعلى استمرارها بما يضمن الحفاظ على هويتها، وبالتالي فإن هذه المؤسسات ستكون إن شاء الله بأيدٍ امينة، وسماحة السيد لم يفكر في حياته أن يجعل أي مؤسسة إرثاً لا لأولاده ولا لعائلته، بل كان حريصاً على أن يبني مؤسسات للناس، يديرها أشخاص مؤتمنون، ونحن على ثقة بأن المجتمع الذي أحاط بهذه المؤسسات ورعاها سوف يتابع المسيرة لأن هذه المؤسسات ترعى الفقراء والأيتام والمحتاجين والمرضى والمسنين وطالبي العلم، إلى جانب العمل الإسلامي من بناء المساجد والمراكز الثقافية والحوزات العلمية.

ليست هناك تعليقات: