23 أغسطس 2010

«جمعية المبرات الخيرية»
في مرحلة ما بعد غياب مؤسسها




تعنى بالرضع والأحداث والمتسربات والأطفال العاملين والأميين



عندما بنى المرجع الكبير السيد محمد حسين فضل الله المؤسسات التي ترعى اليتيم والمعوق والفقير، اختار لادارتها أشخاصاً مؤتمنين، ووضع لها قوانين تحميها من الاستئثار الشخصي والعائلي، وأرسى لها قواعد وأسسا معينة، تؤمن لها عناصر البقاء والديمومة.
وعندما مضى في رحلته الطويلة، كان مطمئناً إلى مصير الأمانة التي أودعها القيمين على «جمعية المبرّات الخيرية»، وفي مقدمهم رئيسها ورئيس «مؤسسات السيد فضل الله» نجله السيد علي فضل الله.
جهد «السيد» مذ انطلاقة اللبنة الأساسية للجمعية في العام 1978، على تطويرها وتوسيع نطاقها ومجالاتها، فولدت السنبلة سنابل كثيرة، وامتد خيرها ليطال الكثير من المحتاجين في لبنان، بمعزل عن الدين أو الطائفة.
كان الرجل المثقل بالاهتمامات المتشعبة بين الفقه والشريعة والفلسفة ومراجعات الناس، «يسرق» الوقت ليتابع شؤون المؤسسات وشجونها. وكان يزورها من وقت إلى آخر، لتفقد العمل ميدانياً، وبث الروح المعنوية لدى المستفيدين من خدماتها. ولعل زيارته الأخيرة، قبل وفاته بأشهر قليلة، إلى «دار الأمان للمسنين» في بلدة العباسية، وعلى الرغم من مرضه وإرهاقه الشديدين، تعكس طبيعة العلاقة التي كانت تربطه بالجمعية وبالفئات التي تحتضنها.
ومن واكبه في الأيام الأخيرة التي قضاها في المستشفى، قبيل الرحيل، ينقل عنه سؤاله الملح عن الجمعية وأحوالها.
تدخل الجمعية راهناً مرحلة ما بعد غياب مؤسسها. ويحمل القيمون عليها مسؤولية كبيرة. وهي ترعى اليوم حوالى 3800 يتيم، وتضم في مدارسها الأكاديمية والمهنية 21 ألف و500 تلميذ، و450 تلميذاً من ذوي الإعاقات البصرية والسمعية والنطقية، وتدمج 350 تلميذاً من ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارسها.
كل شيء يسير في الجمعية وفق نهج مؤسسها. يؤكد ذلك مديرها العام السيد محمد باقر فضل الله الذي يقول لـ«السفير»: «صحيح أن غيابه شكل صدمة غير عادية. لأنه كان الخيمة التي تظلل المؤسسات. وكنا نأخذ برأيه عند حصول تجاذبات أو مشكلات معينة. ولكننا سنتجاوز التحديات بقوة، لأنه لم يربنا كأتباع بل كرفقاء، متمثلاً بذلك بالرسول ومن معه. فلا أذكر يوماً انه فرض علينا رأيه، بل كان يحاورنا ليقنعنا، أو ليقتنع منا. وكان يحفز العاملين والقيادات دائما، ما ينعكس إيجاباً على سير العمل».
ويؤكد فضل الله أن «الراحل عيّن لجنة تضم عدداً من الأمناء، للإشراف على العمل داخل المؤسسات، من خلال النظم الموجودة، بما يضمن استمراريتها. وهو الذي أراد للجمعية أن تنطلق كرسالة حضارية، وليس كمؤسسة تقليدية، لتجسد الإسلام عبر حركة الواقع الاجتماعي ولترفع درجة الإنسان. كان يزرع فينا القوة، ويحثنا على نقل طاقاتنا إلى من يحتاجها».
ويلفت الى «اننا أنجزنا منذ ثلاث سنوات، كل آليات العمل التنظيمية في الجمعية، وقصدناه مع عشرات الملفات، وبعد اطلاعه عليها، اطمأن لسير العمل. كما أنه ارتاح أيضاً لوضع المؤسسات الإنتاجية في الجمعية، كـ«مطعم الساحة»، ومحطات «الأيتام»، كونها بدأت تعطي ثمارها لمؤسسات رعاية الأيتام، والمراكز التعليمية في المناطق المحرومة».
ويلفت فضل الله الى أن «الجمعية هي من أكثر المؤسسات المواكبة للعصر، من خلال انخراطها في «برنامج التطوير الإداري» منذ حوالى ست سنوات، لتدريب المديرين بصورة مستمرة».
ورداً على سؤال يقول ان «الأيتام كانوا نقطة ضعف «السيد». وإذا حدث وتعرض يتيم لانزعاج أو لإشكالية في المؤسسة الرعائية، كان يتابعها حتى مرحلة الحسم. كما كان يهتم كثيراً بالمؤسسات والمراكز قيد الإنجاز، لحين انطلاقها. وكان يناشدنا ألا نطلب تبرعات من أحد، مفضلاً دعوة الناس إلى زيارة المؤسسات، وعند ذاك يكون خيار المساهمة بيدهم».
ويضيف: «كان يفرح كثيراً بالتميز الذي تحرزه أي من المؤسسات، في مجال الشهادات الرسمية، والمسابقات الفنية. وكان ينقل ذلك لزواره، من مسؤولين وسفراء، ويدعوهم الى زيارة المؤسسات. وكان يشجعنا على الانفتاح على الآخرين، والاستفادة من تجاربهم. لذا، انفتحت الجمعية على المجتمع الدولي منذ الحرب الأهلية، كالمنظمات الدولية، والسفارات والمراكز الثقافية في العالم، ومنها «المركز الثقافي البريطاني» حيث استفادت مؤسسة «الهادي للإعاقة السمعية البصرية والنطقية» من تقنيات بريطانية، لتأسيس مدرسة «البيان لإعاقات النطق والتواصل»، منذ أكثر من سنتين».
استحداث حضانة
للرضع الايتام
تضم الجمعية تسع مبرّات للأيتام والمعوّقين، وثلاث مدارس لذوي الاحتياجات الخاصة، و15 مدرسة أكاديمية، وستة معاهد مهنية وفنية، وأربعة مراكز صحية واستشفائية، و40 مركزاً ثقافياً ودينياً، ومركزا للتشخيص التربوي، ودارا للمعلمين والمعلمات، ودارا للمسنين.
وفي العام الماضي، افتتحت الجمعية حضانة «دار الفرح»، في «مبرّة السيدة خديجة الكبرى». وتضمّ مجموعة من الرضّع الأيتام والحالات الاجتماعية الصعبة، من عمر يوم حتى ثلاث سنوات.
ومن البرامج التي تعتمدها الجمعية: «برنامج الرعاية المتكاملة لتنمية القدرات» لدى الأحداث (أطفال معرّضون لخطر الانحراف) في مبرة الإمام الخوئي، لتصويب مساراتهم، وتأمين الاستلحاق المدرسي ودورات التوجيه المهني والمتابعة العائلية تسهيلاً للاندماج الاجتماعي.
كما تعتمد برامج خاصة بالتلاميذ المغتربين العائدين الى وطنهم، عبر دمجهم في صفوفها، وإكسابهم اللغة الأم، وبرامج خاصة بالمتفوقين، بالإضافة الى برنامج «إعادة المتسربات إلى التعليم النظامي»، تحت شعار «لا للإقصاء، لا للتهميش، كل فتاة لها الحق في التعلم». ومن المتوقع تعميمه ليشمل الفتيان أيضاً.
ومن البرامج أيضاً برنامج «توظيف ذوي الحاجات الخاصة»، الذين يتخرجون من الجامعات والمهنيات ولا يجدون وظائف. ويكون ذلك من خلال افتتاح مكتب للتوظيف في «مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية والنطقية» في إطار مشروع «فرصة». ويشكل المشروع صلة وصل بين المتخرجين والمؤسسات الإنتاجية. أضف الى ذلك برنامج تدريب المكفوفين على استخدام تكنولوجيا المعلومات: بطريقة «برايل»، لإعدادهم لميادين عمل تتعلق بتكنولوجيا الكمبيوتر، وصولاً إلى إقامة مركز توثيق إلكتروني، لتصفـّح الإنترنت عبر أجهزة «البرايل» والبرامج الناطقة.
كما تنفرد الجمعية ببرنامج «التدريب المهني المعجل للأطفال العاملين»، الذين لم يكملوا تعليمهم الأساسي، ويعملون في الورش المتنوعة، الى جانب برنامج محو الأمية، وتأمين معلمين لشرائح مختلفة منهم، من دون أي مقابل. ويبقى برنامج «تمكين أمهات الأيتام» اللواتي يمتلكن خبرات مهنية يمكن الاستفادة منها لزيادة مدخولهن.

فاتن قبيسي

للتبرّع، يرجي الاتصال على أحد الرقمين:
01822221، و03210316

ليست هناك تعليقات: