30 سبتمبر 2010


العلامة السيِّد علي فضل الله لـ"السِّياسة" الكويتيَّة:
هناك سعيٌ لإغراق العالمين العربيّ والإسلاميّ بالفتنة السنّيّة - الشّيعيّة ولا ضربة لإيران


أكَّد العلامة السيِّد علي فضل الله، نجل المرجع الدّينيّ الإسلاميّ الرّاحل، السيد محمد حسين فضل الله، أنّه لم يطرح نفسه كمرجعيّةٍ على المستوى الدّينيّ، وأنّه حريصٌ على أن يبقى بيته مفتوحاً للحوار ولتقبّل النّصح ومساعدة النّاس، لأنّ هذا هو النّهج الصّحيح للإسلام الّذي يريده العالم.

السيِّد فضل الله، وفي حوارٍ أجرته معه "السّياسة" عشيَّة زيارته الكويت، رأى أنَّ المنطقة تواجه تحدّياتٍ كبيرة، بدءاً من محاولة إسقاط القضيَّة الفلسطينيَّة، إلى التَّحضير لأجواء الفتنة المذهبيَّة السنيَّة والشيعيَّة، بقصد الإساءة إلى الإسلام وصورته، داعياً العالمين العربيّ والإسلاميّ إلى تفهّم ما يجري من حولهما ووضع الأولويات لتجاوزه، وقال إنّه ليس متشائماً لما يجري، معترفاً بوجود نقاط ضعفٍ يحاول الأعداء النّفاذ منها، ولكن في المقابل، هناك نقاط ضوء يجب الاستفادة منها.

كما دعا السيّد علي فضل الله اللّبنانيّين إلى التنبّه إلى ما يخطّط لهم، وإن كانوا في نهاية الأمر محكومين بالتّوافق عاجلاً أو آجلاً. وقال إنَّ اتّفاق الدّوحة خير دليلٍ على عودتهم إلى الحوار بعد كلّ الّذي جرى بينهم، كاشفاً أنَّ هناك من يريد من الدّخان اللّبنانيّ أن يغطّي على ما يجري في المنطقة.

وهذا نصّ الحوار:

المرجعيَّة والتَّقليد

*بعد غياب والدكم، سماحة المرجع الشّيعيّ السيّد محمد حسين فضل الله، كيف انتقلت المهمّات والمسؤوليّات الّتي كان يضطلع بها إليكم، وهل جرى تقليدكم بحسب أعراف الشّريعة، أم ماذا؟

ـ لقد تابعت مع المرحوم الوالد طوال حياته كلّ ما كان يقوم به من مسؤوليّات، كنت فيها دائماً إلى جانبه، في تسيير الأمور في لبنان وخارجه، كما لازمته طيلة فترة مرضه، متابعاً جميع القضايا، وفي الوقت نفسه، كنت معه في صلاة الجمعة، وكنت أواظب على الحضور إلى المسجد، بعد أن تعذّر عليه ذلك بسبب المرض، وكنت أمثّله في جميع المناسبات، في لبنان وخارجه، أو في المؤتمرات الّتي كان يفترض حضوره فيها.

هذا الاستمرار في المتابعة، هو استمرار طبيعيّ بالنّسبة إليّ. أمّا في ما يتعلّق بموضوع المرجعيّة، فأنا لم أطرح نفسي كمرجعيّةٍ على المستوى الدّينيّ، وإن كان من الطّبيعيّ لكلّ إنسانٍ يشتغل في المجال الدّينيّ، وله حضوره المعنويّ في هذا المجال، أن يطمح ليكون في موقع المرجعيَّة. ولكنّ هذا الأمر ليس مطروحاً الآن. وفي النّهاية، الإنسان يقدّم نظرته في القضايا الفقهيّة، والنّاس هي الّتي تحكم على هذا الجانب، هل تقلّد أو لا تقلّد.

لأمر مرهون بالمستقبل، ولكنّه ليس مطروحاً الآن، ولست بوارد أن أطرح نفسي كمرجعيّة، مع العلم أنّ لديّ مشاركاتي في الجانب الفقهيّ، وقد كتبت أول تقريرات أبحاث سماحة السيد الفقهية.

أمّا على مستوى المؤسّسات، فلقد كان لي دوري بالمشاركة فيها، وكنت أشغل صفة نائب الرّئيس، أي أنّي كنت نائباً للسيّد في جميع المؤسّسات، كما كنت رئيساً لجمعيّة المبرّات الخيرية، ورئيساً لجمعيّاتٍ أخرى، وأنا أتابع المسؤوليّة في هذا الإطار.

بالتَّأكيد، نحن حريصون على أن يبقى هذا البيت مفتوحاً.. أن يبقى بيتاً للحوار، ولتقبّل النّصح، ومساعدة النَّاس في احتياجاتهم، وفي الإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم بقلبٍ مفتوح، وبالأسلوب نفسه الّذي اتّبعه سماحته، لأنّ هذا هو نهج الإسلام الّذي يريده العالم.

الفتنة المذهبيَّة

*لقد كان للسيِّد فضل الله قراءة متنوِّرة لما يدور حولنا في المنطقة، كيف ترى الصّورة الآن؟ وما مدى انعكاسها على لبنان في ظلِّ التّوتّر القائم؟

ـ المنطقة الآن تواجه تحدِّياتٍ كبيرة، ولا سيَّما على مستوى القضيَّة الفلسطينيَّة، والعمل على إسقاط هذه القضيَّة وإدخالها في المتاهات. ومع الأسف، هناك استفادة من التّناقضات الموجودة في الشّارع العربيّ، على مستوى علاقة الدّول العربيّة بعضها مع بعض، الّتي هي علاقة غير مبنيَّة على مستوى التَّعاون في القضايا الّتي تجري في المنطقة، وإنّما على الصّراع الّذي يظهر في المحاور الموجودة في العالم العربيّ والإسلاميّ، إضافةً إلى أجواء الفتنة السنّيّة - الشّيعيّة الّتي يُراد للعالم العربيّ أن يغرق فيها، إلى جانب الفتن الكثيرة الّتي يُراد لها أن تحصل في لبنان، أو في مصر، أو في العالم الإسلاميّ. هناك سعيٌ لإشغال العالمين العربيّ والإسلاميّ بعضهما ببعض، حتَّى نغفل عن مواجهة التحدِّيات الّتي تؤدِّي إلى الفتنة، أو إلى ما يُساء إلى الإسلام وصورة الإسلام، واعتباره داعية عنفٍ وذبحٍ وقتلٍ، أو في ما يواجه المنطقة من التحدّيات المتأتّية من الوضع الفلسطينيّ أو غير ذلك.

لذلك، نحن ندعو العالم العربيَّ والإسلاميَّ ليفهم ماذا يجري من حوله، ويضع الأولويَّات لتجاوزها. من الطّبيعيّ أن تحصل الخلافات السياسيّة، ولكن علينا أن نبرّد هذه الخلافات، وننطلق من الصّورة الّتي انطلق منها الإمام عليّ(ع)، ونفكّر بما يجري من حولنا في ما يرسم للمنطقة ولقضيّة فلسطين بشكلٍ خاصّ.

نحن لا ننظر بتشاؤم إلى ما يجري في المنطقة، ونعتقد أنَّ هناك نقاط ضعفٍ في العالمين العربيّ والإسلاميّ بدأنا نلمسها، لكنَّ هناك سعياً من قبل المسؤولين في هذه الدّول لتفويت الفتنة السنّيّة - الشيعيّة أكثر من السّابق، وهناك نقاط ضوءٍ موجودة، لكن لا بدَّ من الاستفادة منها.

أجواء التوتّر في لبنان

*شهد لبنان في الأسابيع الماضية توتّراً كاد يؤدّي إلى الفتنة، على خلفيّة ما جرى في برج أبي حيدر، نتيجة المواقف المتشنّجة، إلى درجة أشعرت النّاس بخطر حدوث فتنةٍ مذهبيّةٍ في البلد. ما وصيّتك للّبنانيّين في ظلّ هذه الأجواء، وماذا تقول لهم بعد الّذي جرى؟

ـ على اللّبنانيّين ألَّا يحوّلوا المشكلات الّتي تحصل إلى فتنة، لأنّ المشكلات تحصل باستمرار، وليس بالضّرورة أن نسبغ عليها طابع الفتنة المذهبيّة والطّائفيّة. يجب أن نضع الأمور بحدودها، ولا نعطيها أكبر من حجمها، أن نلتفت دائماً إلى أنَّ كلماتنا مسؤوليَّة. وندعو اللّبنانيّين إلى أن يكونوا بمستوى الوعي، وألا يسمحوا للفتنة أن تظهر. في الواقع، لقد جرَّب اللّبنانيّون الفتن الطّائفيّة والمذهبيّة الّتي أرهقت البلد، وجعلته يعاني مشكلاتٍ اقتصاديّةً هي نتاج كلِّ الحروب والفتن. وهناك نوعٌ من الإساءة في إدارة الوضع الاقتصاديّ في بعض الحالات. في النِّهاية، قدر هذا البلد أن يتجاوز التحديات المتجددة، واللّبنانيون محكومون بالتَّوافق، وهم سيتوافقون عاجلاً أو آجلاً، لذا عليهم أن يوفِّروا على أنفسهم الفتنة، وأن يجلسوا مع بعضهم البعض، وعليهم أن لا يسمحوا للفتنة أن تدخل في واقعهم، وعليهم دائماً أن يتنبّهوا إلى أنَّ الفتن في لبنان ليست على حساب اللّبنانيِّين، وإذا ما حصلت، فهناك فتنةٌ سيستفيد منها هذا أو ذاك، لأنَّ الآخرين يريدون للدّخان اللّبنانيّ أن يغطِّي على ما يجري في المنطقة، وأن يسوّق لما يُراد له أن يحصل على مستوى المنطقة. فعلى اللّبنانيِّين أن يكونوا واعين لما يخطِّط لهم، ونعتقد أنَّهم أصبحوا أكثر وعياً وأكثر مسؤوليَّةً في هذا الإطار، نحن لا نشعر الآن، حتّى في الأجواء الّتي تصاعدت مؤخّراً، بأنّ الفتنة ستحصل، لأنّ لبنان محكوم بضوابط، وبالتّالي، لا مجال لتحقيق الفتنة في لبنان، وليس من أحدٍ له مصلحة بفتنةٍ مذهبيّة.

الكويت قطعت الطَّريق على الفتنة

* سماحتكم بصدد القيام بزيارة لدولة الكويت، كيف تنظرون إلى الأوضاع في هذا البلد؟ وما تعليقكم على الأحداث المذهبيَّة الّتي حصلت مؤخَّراً؟ً وهل أنتم مرتاحون لطريقة معالجتها؟

ـ نحن دائماً نقدِّر حيويَّة الكويت، وحيويَّة مسؤوليها وشعبها، ونرى دائماً أنَّ هذا الأمر يمثّل صورةً وأنموذجاً يُحتذى في المنطقة. فمن يشاهد البرلمان الكويتيّ، يجد حيويّةً غير موجودة في بعض دول الخليج، قد تكون هناك بعض الحريَّات في هذه الدّول، لكن ليس كما هي في الكويت، فالتطوّر الموجود داخل الكويت، يعكس الحيويَّة الموجودة عند الشَّعب الكويتيّ.

وما يجب الإشادة به، هي هذه المسؤوليَّة الّتي تقوم بها الكويت تجاه الفقراء والأيتام، وحبّها لأعمال الخير، مما قد يكون موجوداً عند بعض دول الخليج، ولكن ليس بالمستوى الموجود عند الكويتيِّين. هذا طبعاً يشعرنا بالاعتزاز الكبير، وبهذه الحكمة لدى القيادة الكويتيَّة، بدءاً من سموِّ أمير الكويت الشَّيخ صباح الأحمد الصَّباح، الّذي برز بشكلٍ واضح في المرحلة الأخيرة بحكمته في إدارة الواقع في الكويت، وعدم السَّماح للتوتّرات الَّتي قد يسعى البعض إليها، حفاظاً على وحدة الشَّعب الكويتيّ، ولا سيَّما عندما أمسك بزمام الأمر، ومنع الفتنة الّتي كنّا نخشى من تفاقمها، لأنّنا كنّا نعتقد أنّ ما حدث كان أمراً خطيراً، فيه إساءة إلى رسول الله، وإلى القرآن الكريم، كما أنَّ فيه إساءةً إلى زوجات رسول الله(ص) وصحابته.

وقد بدا الشَّعب الكويتيّ واعياً وصلباً في حرصه على وحدته، وعدم السَّماح للَّذين يريدون أن يصطادوا في الماء العكر، وبالتَّالي، فإنَّه فوَّت الفتنة الّتي كان يُراد لها أن تسوَّق، ليس في الكويت فحسب، بل على مستوى الخليج والمنطقة، ودائماً نحن ننتظر المزيد من الكويت ومن حكومتها وشعبها.

لا ضربة لإيران

* يزداد الحديث عن ضربةٍ متوقّعةٍ ضدَّ إيران، هل يساورك مثل هذا الشّعور، وكيف تستطيع إيران تجاوز الحصار المفروض عليها؟

لا أعتقد أنّ هناك ضربةً قادمة ضدَّ إيران، هناك ضغط عليها، وسعي جادّ لزيادة هذا الضّغط. وأعتقد أنّ الحكومة والقيادة الإيرانيّتين، عندهما من الوعي ما يجعلهما تعرفان كيف تتجاوزان ما يُراد له إضعاف إيران ودورها، كما أنّ إيران أيضاً سوف تتجاوز كلّ ما يمكن أن يتحوّل إلى مشكلةٍ بينها وبين جيرانها في المنطقة، والإيرانيّون يملكون القدرة على عدم الرّضوخ للضّغوط، وأيضاً يملكون الحكمة بأن لا يسمحوا للضّغوط بأن تستمرّ عليهم، ولهذا نراهم يديرون الأمور بطريقةٍ لا تحدث مشكلاتٍ مع جيرانهم الخليجيّين.

حاوره: صبحي الدّبيسي

جريدة "السياسة"

التاريخ: 20 شوّال 1431 هـ الموافق: 28/09/2010 م



السيد المظلة الحامية

د.حمزة الحسن

لا أدَّعي أنّني أعرف السيّد، ولكن التقيته وقرأت كتاباته. كنَّا من جيلٍ نبحث عن عمامة متميّزة تعرف الجيل، وقد وجدناها في السيّد الرّاحل، ولهذا كان فقده خسارة.

نحن كطائفةٍ شيعيّة عندما نعرض التشيّع للآخر، فإنّنا نعرض صورةً نمطيّة، ولكنّ السيّد غيّر هذه الصّورة النمطيّة للتّشيّع.

حتَّى المنتج الثّقافيّ والفقهيّ الّذي قدَّمه كان متنوِّعاً، فالبيئة الّتي عاش فيها تعطيك صورةً أخرى للتنوّع، ولهذا كان المنتج الَّذي قدَّمه مختلفاً، وينظر إليه بصورة مختلفة.

ولأنَّ التنوّع ضرورة لأيِّ مذهبٍ أو طائفة، ولا نريد أن نُختزَلَ في صورة نمطيَّة واحدة، فنحن جزء من هذا التنوّع. لقد حرّك السيّد مياهاً راكدة، وسوف تعرف قيمته بعد افتقاده، ومنبع الحاجة، أنّ السيّد كان جسراً للآخر، ويمثّل مظلّةً للجميع.

وكان السيّد وحدويّاً بحقّ، وفي عمقه كان داعيةً للوحدة، لا من أجل أن يعترف الآخر بإسلامه، بل كان يؤلمه أن يرى المسلمين متفرّقين. كان يحبّ فلسطين، فهو وارث مدرسةٍ، ابتداءً بالشَّهيد الأوَّل وشرف الدّين وموسى الصّدر ومحسن الأمين، وهي مدرسة وحدويّة.

قيل عنه إنّه عاش للنّاس ومن أجلهم، كان يصلّي بهم ويزور ضعفاءهم. أعطاهم فرصةً مختلفةً عن بقيّة المراجع، عاش للنّاس واقترب منهم، كان حقّاً يعيش معهم، وكانوا جزءاً من برنامجه اليوميّ.

كان السيِّد مجدِّداً، ولا يمكن أن يكون المجدِّد مجدِّداً، إلا إذا كان صاحب قضيَّةٍ ومتَّصلاً بالشَّأن العام. كان مجاهداً، وتعرَّض للمخاطر ومحاولات الاغتيال، وكان مطَّلعاً على الواقع وعلى فكر الآخر.

أفكار السيِّد كانت موجودةً لدى غيره، ولكنَّهم لم يكونوا يملكون الجرأة على الإفصاح بها. وما حدث للسيّد كان قد حدث لمن قبله مثل السيّد محسن الأمين.

السيِّد صنع مظلَّةً حاميةً للمقاومة والعاملين في الحركة الإسلاميَّة، وأشعر بأنَّ هذه المظلَّة تقلَّصت بوفاته.

التاريخ: 29 رمضان 1431 هـ الموافق: 08/09/2010 م



العالم المعلّم للجيل الاسلامي

فرج نجم

الحديث عن قامةٍ بحجم المرجع السيّد محمد حسين فضل الله وعلوّه ومكانته، يثير في النّفس شجوناً، لما لهذا الرّجل من تأثيرٍ وأثرٍ فيّ شخصيّاً، وكذلك في جيلي، ممن تعاطى وتأثَّر بما أنتجه الرَّاحل من الفقه وأصوله، والأدب وأجناسه، وكذلك ممن غمرهم الحراك السياسيّ في منطقتنا المضطربة فكريّاً ومنهجيّاً .

أنا ممن راقب ظاهرة السيِّد فضل الله منذ التِّسعينات، وأقول ممن وقفوا على ضفَّة التّخندق، ولم يقحمه أو يجرفه ـ ولله الحمد ـ التعصّب والتَّمذهب، حتى إنَّ أحد الإخوة الغيارى من الشّيعة، سألني ـ في الثَّمانينات ـ في حيرةٍ إن كنت من السَّادلة أو القابضة، فأخبرته حينها أنّي من السّادلة، فحمد الله لي على اتّباعي لمذهب الآل، ولكنّه لم يكن يعرف أنّ المالكيّة السنّة والإباضيَّة أيضاً يسدلون، فلقد كنت ممن استحثّهم السيّد بجرأته، وأصبحت لا أخشى الغوص في البحث عن أجوبةٍ لأسئلةٍ حرجةٍ وملحّة في الدّين والدّنيا كانت تدور فى العلن وفي الكواليس.

كان الفقيد علامةً فارقةً، من حيث إنّه تحوّل منهلاً ورافداً للعلم والحكمة والرّجاحة والاعتدال في كلِّ شيء بالنِّسبة إليّ. والأهمّ أنّه كان العالم المعلّم الّذي نراه صورةً ونسمعه صوتاً، في وقتٍ كان بعض أقرانه إمّا صورةً بلا صوت، أو صوتاً بلا صورة.

كان يعيش بين الفقراء، بل إنّه سخّر حياته لهم .. يحاكيهم ويخفّف عنهم، وعنّا، نحن الّذين مللنا تشدّد المذاهب وعسر أساليبها.

قرّب بين المسلمين وغيرهم، فكان وحدويّ المزاج ـ كما وصفه أحد الكتّاب ـ تقريبـيّ الهوى، عاش على مائدة القرآن وتكلّم بمفرداته، فأصاب وأخطأ، وكان محمّديّ المسلك ورحمةً للعالمين، ولم يكن منكفئاً على الماضي، بل عارك الحاضر وراهن على المستقبل.

لقد جعل التشيّع مدرسةً للفكر والثَّقافة والتعدّد، عوضاً عن الصّورة النّمطيَّة الخاطئة من تشكيكٍ وتطبيرٍ وعزلة، فتصدَّى بشجاعةٍ وثباتٍ لتلك الرّوايات الّتي كان لها الأثر في فرقة المسلمين، فاستحقّ عليها بامتياز صفة بطل التّقريب، غير عابئ بضغط العوام وإغراء الحكّام.

كما كان صديقاً للمرأة، وأنيساً لها، عندما توحّش عليها الرّجل، واستغول على حقوقها وآدميّتها، فلم يرها السيّد عورةً في الصّورة والصّوت، ولا متعةً أو متاعاً ـ كما هو المعهود في مجتمعاتنا ـ بل رآها الإنسانة كما كرّمها خالقها.

لقد نفّرنا من الخزعبلات والخرافات الّتي ابتلي بها تراثنا، والّتي أساءت إلى الرّسالة المحمديّة الطّاهرة، ووضع حدّاً بيننا وبينها.

ويجب أن نتذكَّر رقَّته ـ في حين تفاخر نظراؤه وأنداده بالشدَّة ـ حيث دعا إلى السَّلام والوئام والتَّعايش مع الآخر.. فقال الشِّعر، وتحدَّث عن المسرح والغناء في سلاسةٍ ومحبَّة .

وفي الأوان نفسه، تصدَّى بحزمٍ للعربدة والظّلم والطّغيان، سواء الدّاخليّ، أو الخارجيّ المتمثِّل بالامبرياليَّة الأمريكيَّة وربيبتها الصّهيونيَّة، وكيانها العنصريّ في فلسطين السّليبة الّتي أحبّها ولم ينساها حتّى آخر لحظةٍ من عمره الشريف.

رحل عنّا السيّد فضل الله، ولكن سيبقى معنا تراثه الّذي سيحيا بيننا ما حيينا.. رحل بعد أن قال كلمته فى جيله.. وختم أمانته الّتى أملاها عليه ضميره.. ورفع راية العلم والإيمان.. ومدَّ يده مصافحاً الشّارع الإسلاميّ دون شروط.. رحمه الله فى هذا اليوم الّذي قيّضه الله لي ولجيلي لنقول كلمتنا فيه.

التاريخ: 29 رمضان 1431 هـ الموافق: 08/09/2010 م


29 سبتمبر 2010

بعد المرجع فضل الله
السيد علي الخامنئي يحرّم الإساءة لرموز أخواننا السنّة زوجات النبي والصحابة


أصدر قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد علي الخامنئي فتوى حرّم بموجبها الإساءة لزوج النبي الأكرم أم المؤمنين السيدة عائشة أو النيل من الرموز الاسلامية لأهل السنة والجماعة.

جاء ذلك في اجابة على استفتاء وجهه جمع من علماء ومثقفي الاحساء في أعقاب الإساءات الأخيرة التي وجهها رجل الدين الكويتي المقيم في لندن الشيخ ياسر الحبيب للسيدة عائشة.

وكان المستفتون طالبوا السيد الخامنئي بإبداء رأيه حول ما ورد من "اهانة صريحة وتحقير بكلمات بذيئة ومسيئة لزوج الرسول ام المؤمنين السيدة عائشة".

وقال الخامنئي جوابا على ذلك "يحرم النيل من رموز إخواننا السنة فضلاً عن اتهام زوج النبي بما يخل بشرفها بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء وخصوصاً سيدهم الرسول الأعظم ".

وكان السيد الخامنئي أكد في كلمة ألقاها في محافظة كردستان العام الماضي أن"الشخص الشيعي الذي يسئ لمقدسات اهل السنة فهو عميل للعدو حتى و إن كان جاهلا".

ياتي ذلك تاكيدا للفتوى الذي أصدرها الخامنئي عام 2006م ردا على سؤال وجه إليه حول حكم سب الصحابة والخلفاء الراشدين وذلك بقوله "إن أي قول أو فعل أو سلوك يعطي الحجة والذريعة للأعداء أو يؤدي إلى الفرقة والانقسام بين المسلمين هو بالقطع حرام شرعا‏".

نص الإستفتاء
بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي الحسيني دام ظله الوارف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،

تمر الامة الاسلامية بأزمة منهج يؤدي الى اثارت الفتن بين ابناء المذاهب الاسلامية ، وعدم رعا ية الأولويات لوحدة صف المسلمين ، مما يكون منشا لفتن داخلية وتشتيت الجهد الاسلامي في المسائل الحساسة والمصيرية ، ويؤدي الى صرف النظر عن الانجازات التي تحققت على يد ابناء الامة الاسلامية في فلسطين ولبنان والعراق وتركيا وايران والدول الاسلامية ، ومن افرازات هذا المنهج المتطرف طرح ما يوجب الاساءة الى رموز ومقدسات اتباع الطائفة السنية الكريمة بصورة متعمدة ومكررة .

فما هو رأي سماحتكم في ما يطرح في بعض وسائل الاعلام من فضائيات وانترنت من قبل بعض المنتسبين الى العلم من اهانة صريحة وتحقير بكلمات بذيئة ومسيئة لزوج الرسول صلى الله عليه واله ام المؤمنين السيدة عائشة واتهامها بما يخل بالشرف والكرامة لأزواج النبي امهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن.

لذا نرجو من سماحتكم التكرم ببيان الموقف الشرعي بوضوح لما سببته الاثارات المسيئة من اضطراب وسط المجتمع الاسلامي وخلق حالة من التوتر النفسي بين المسلمين من اتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وسائر المسلمين من المذاهب الاسلامية ، علما ان هذه الاساءات استغلت وبصورة منهجية من بعض المغرضين ومثيري الفتن في بعض الفضائيات والانترنت لتشويش وارباك الساحة الاسلامية واثارة الفتنة بين المسلمين .

ختاما دمتم عزا وذخرا للاسلام والمسلمين .

التوقيع

جمع من علماء ومثقفي الاحساء
4 / شوال / 1431هـــــ


الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يحرم النيل من رموز إخواننا السنة فضلاً عن اتهام زوج النبي (صلى الله عليه وآله) بما يخل بشرفها بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء وخصوصاً سيدهم الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله).

موفقين لكل خير



تقيم حسينية المبارك بمحافظة القطيف الأربعاء القادم "الحفل المركزي" لتأبين المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله(رض) وذلك بمشاركة نخبة من المشايخ الفضلاء والشخصيات البارزة ، تحت عنوان: "الفقيه الإنسان" ، المكان: حسينية المبارك بالقطيف. الزمان: مساء الأربعاء 21 شوال، الساعة الثامنة. وسيتم توزيع كتاب عن الراحل الكبير معد من قبل اللجنة المنظمة.

28 سبتمبر 2010

السيد علي فضل الله استقبل وفداً من الجماعة الإسلاميَّة ووفداً علمائيّاً من صيدا:
لإغلاق المنافذ على السَّاعين للفتنة المذهبيَّة

أكَّد العلامة السيِّد علي فضل الله، ضرورة إغلاق كلِّ المنافذ أمام الّذين يسعون لإثارة الفتنة المذهبيَّة في لبنان، داعياً إلى توضيح ما يجري للنَّاس، وأنّه خلاف سياسيّ، مشدِّداً على كشف اللّعبة السَّاعية لمذهبة القضايا السياسيّة.

استقبل سماحته وفداً من الجماعة الإسلاميّة، ضمّ عضو مجلس الأمناء في الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين، الشّيخ أحمد العمري، وعضو المكتب السياسيّ الشّيخ محمد العمري، والشّيخ وائل نجم.

وجرى في خلال اللّقاء عرضٌ للأوضاع العامّة في لبنان، وخصوصاً ما يجري على السّاحة الإسلاميّة من محاولاتٍ لإيقاع الفتنة بين المسلمين السنّة والشّيعة..

وأشار الشّيخ أحمد العمري إلى الدّور الكبير الّذي كان يتحرّك من خلاله سماحة المرجع الرَّاحل، السيِّد محمد حسين فضل الله، لوأد الفتنة في الواقع الإسلاميّ، مشدِّداً على استمرار هذه المدرسة في أداء هذا الدَّور الوحدويّ الَّذي يمثِّل عنصر حمايةٍ كبيرةٍ للواقع الإسلاميّ.

وأثنى سماحته على المواقف الأخيرة للسيِّد علي فضل الله، في تأكيد فتوى والده بحرمة التعرّض للصّحابة ولأمّهات المؤمنين، ومواقفه في القضايا المتعلّقة برفض إثارة الحساسيّات بين المسلمين، مؤكّداً الدّور الكبير لهذه المدرسة المتنوّرة، وخصوصاً في هذه المرحلة الّتي يستخدم فيها العنوان المذهبيّ كغطاء لإشعال الخلاف الّذي هو في الأصل خلاف سياسيّ.

وتحدَّث سماحة السيِّد علي فضل الله، مشيراً إلى ضرورة استنفار كلِّ الجهود لإغلاق المنافذ على كلِّ أولئك الَّذين يسعون لإثارة الفتنة بين المسلمين السنَّة والشِّيعة، مشدِّداً على أهميّة العمل لكشف اللُّعبة، وإخراج المسألة من دائرة المذهبيَّة الَّتي يسعى لها الكثيرون، لأنَّ الخطَّة المرسومة تقوم على مذهبة القضايا السياسيَّة.

وأكَّد سماحته استمرار العمل لتنقية الدِّين من أجواء الخرافات والغلوّ، وحماية مسيرة الوحدة الإسلاميَّة بالمواقف والحركة الميدانيَّة.

وكان العلامة السيِّد علي فضل الله، استقبل وفداً علمائيّاً من مدينة صيدا، برئاسة إمام مسجد الغفران، الشّيخ حسام العيلاني، حيث جرى بحثٌ في الآليّات المفترضة لحماية الوحدة الإسلاميّة، وخصوصاً في ظلّ الأجواء غير المريحة في لبنان.

وشكر الشّيخ العيلاني السيّد علي فضل الله على مواقفه الأخيرة في دعم الوحدة الإسلاميّة، ورفض الإساءة إلى أمّهات المؤمنين الّتي صدرت عن البعض، مشدّداً على دور العلماء الوحدويّين في حماية الوحدة الإسلاميّة، ورفض الإثارة المستمرّة للغرائز المذهبيّة، للتّغطية على ما يجري من محاولاتٍ تستهدف القضيّة الفلسطينيّة تحديداً.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 19شوال 143 هـ الموافق: 27/09/2010 م


العوّا يحاضر عن الفكر الوحدويّ للمرجع فضل الله(رض)


أكّد الشّيخ الدكتور محمّد سليم العوّا، الأمين العام السّابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنّ سماحة العلامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض)، انطلق بفكره الوحدويّ الإسلاميّ، واستمرّ ثابتاً عليه طيلة 58 عاماً متواصلةً، من خلال مواقفه وأحاديثه ومؤلّفاته وأعماله من دون تغييرٍ أو تبديل.

جاء ذلك في خلال المحاضرة الّتي ألقاها الدّكتور العوّا في المركز الإسلاميّ الثّقافيّ في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور حشد كبير من العلماء والمثقفين والمهتمّين، غصّت به قاعة المركز.

وقدّم رئيس المركز، السيّد شفيق الموسوي، معرّفاً بالمحاضر والمسؤوليَّات الّتي يتولاها.

وبعدها، تحدَّث الدّكتور العوّا، حيث أكَّد أنّه منذ الثّلث الثّاني للقرن العشرين وحتّى اليوم، لا هاجس عند العلماء العاملين المخلصين إلا وحدة الأمّة، وأنّ ملايين المسلمين يتفاعلون مع هذا التوجه الوحدويّ، كما يعيشون الشّعور الوحدويّ ويعملون على نشره، لكنّهم دائماً يتطلّعون إلى القيادة الّتي تعمل من أجله بصدقٍ وإخلاص.

ودعا العوّا المسلمين الى أن يكون كلٌّ منهم في موقعه، قائداً يعمل من أجل الوحدة، فكلّ إنسانٍ مسؤول، محاسبٌ أأأأأمام الله عزّ وجلّ إن لم يعمل من أجل هذه الوحدة، لذا عليه أن ينظر في أيّ كفّتي ميزانه الخاصّ ستكون مشاعره الوحدويّة، ثم دعوته إلى الوحدة، وعمله في نطاقها.

ورأى العوّا أنَّ العلماء أدركوا منذ اللّحظة الأولى، أنَّ الوحدة السياسيَّة أمر لا قِبل لهم بتحقيقه، فاختاروا مجالهم الَّذي هم فيه ينجحون، وملعبهم الَّذي يستطيعون فيه أن يصيبوا الأهداف كلَّها من دون أن يخسروا شيئاً، وهو المجال الفكريّ والثّقافيّ والفقهيّ والدّينيّ، فسعوا من خلاله إلى بناء وحدة هذه الأمّة.

وتحدَّث حول نقاط اللِّقاء بين مدرسة أهل البيت(ع) ومدرسة أهل السنَّة، والَّتي عمل المجمع العالميّ للتَّقريب بين المذاهب ـ الّذي كان السيّد فضل الله أحد الأعضاء المؤسّسين له ـ على تأكيدها. وقد اتَّخذ المجمع قراراً منذ سنواتٍ بإصدار مجموعةٍ من كتب الحديث الّتي يتَّفق فيها أهل السنَّة والشِّيعة، فصدر منها 28 كتاباً، حيث تبيَّن من خلال الإحصاء الّذي تمّ، أنّ 92 في المائة من النّصوص متّفق عليها، داعياً إلى العمل على نشر هذه الكتب في الأسواق ولو بسعرٍ رمزيّ.

وعرض الدّكتور العوّا لمواقف العلامة المرجع فضل الله(رض) الوحدويَّة، مؤكِّداً أنَّ فكره الوحدويّ الإسلاميّ، يُركِّز على أنَّ من شروط النَّجاح أن تكون هناك قلوب مفتوحة على الله تبارك وتعالى، فعلى كلّ مسلمٍ أن يراجع نفسه لتحقيق الآمال بالوصول إلى هذه الوحدة.

التاريخ: 16 شوّال 1431 هـ الموافق: 24/09/2010 م


27 سبتمبر 2010

كمال الهلباوي يعتبر العلامة المرجع فضل الله ظاهرة نادرة يصعب تكرارها


تحدث المفكر الاسلامي المصري الدكتور كمال الهلباوي ضمن حفل التأبين الذي اقامه مركز الابرار الإسلامي في لندن يوم الخميس الموافق 8 يوليو 2010م بأن الراحل شكل ظاهرة يندر أن تتكرر سواء بين السنة أو الشيعة لأنه عالم نذر حياته بشكل كامل لله.

وقال الهلباوي: نحن لا نتكلم عن عالم له اجتهادات وترك آثارا وله تلاميذ، بل نتحدث عن ظاهرة يندر أن يتكرر سواء بين السنة أو الشيعة، نتكلم عن عالم نذر حياته بشكل كامل لله.

وأضاف: هناك الكثير من العلماء والعمائم والطرابيش يحمل علما ولكن ماذا ينفع ذلك العلم إذا لم يتحول إلى مواقف في أيام الصعوبات، وما قيمة هذا العلم إن لم يتحول إلى رؤية وموقف.

ويضيف: ولذلك عندما قرأت ما كتبه السيد حسن نصر الله حول السيد فضل الله شعرت أنني أمام جبل صامد، وأمام تحديات تسعى لاقتلاعه وباقتلاعه تقتلع الإسلام.

وتحدث الهلباوي عن لقاءه بالسيد الراحل ،قائلا: عندما التقيناه وجلسنا معه وجدنا روحا من التسامي والأخوة والأبوة وهي روح عظيمة لا توجد لدى الكثيرين ممن يحمل العلم ، فهو وقف شامخا بين العلماء بعلمه وموقفه.

ويضيف: عندما تدرس تاريخ حركة المقاومة الإسلامية مثل حزب الله في لبنان وترى السيد حسن يتحدث عن السيد فضل الله ويقول بأنه: أستاذنا الكبير، تتلمذنا على يديه، وتحت منبره .... إلخ. تعرف أنه حقا رجل عظيم.

ويضيف: وعندما نقرأ حديث رسول الله (ص): "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به". ونحن نشهد أن السيد فضل الله حصل على الأمور الثلاث، فالعلم النافع هو ما تركه من آثار وعلوم ينتفع بها طلبة العلم من بعده.

وقال الهلباوي: هناك الكثيرين ممن ألفوا كتبا وحصلوا عليها جوائز من الحكام والملوك، بل حتى جائزة نوبل، ولكن ما هي فائدة تلك الكتب، أنها توضع على الرفوف.

ويضيف: أما الصدقة الجارية هي تلك المشاريع الخيرية التي خلفها وراءه، والولد الصالح ما رأيناه من أبنائه الصالحين الذين هم على درجة من الفضل والعلم والصلاح.

وأضاف: إن أحسن تحريك للمجتمع هو مقاومة الظلم والعدوان، فعندما يتمثل العالم أو الشيخ في حركة من أبرز حركات المقاومة في العصر الحديث، فإن ذلك يكفيه.

وفي ختام حديثه ، قال : نحسب أن الرجل قد فاز بفضل الله عليه بخدمته للأمة الإسلامية، وإعداده الرجال الأشداء، فعندما يتمثل الإنسان مصاديق ذلك في مشاريع وكيانات ورجال، فإنه يكون قد حقق مقولة رسول الله (ص)..ندعو الله أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يملأ مكانه بمن يخلفه سواء من أهل بيته أو من طلابه.

مفكر ليبي :
السيد جعل التشيع مدرسة للفكر والثقافة والتعدد عوضاً عن الصورة النمطية



قال الباحث والمفكر الليبي الدكتور فرج نجم إن " الحديث عن قامة بحجم وعلو ومكانة السيد فضل الله تثير في النفس شجوناً لما لهذا الرجل من تأثير وأثر علي شخصيا، وكذلك على جيلي ممن تعاطى وتأثر بما أنتجه الراحل من الفقه وأصوله والأدب وأجناسه، وكذلك ممن غمرهم الحراك السياسي في منطقتنا المضطربة فكرياً ومنهجياً " .

واضاف الدكتور فرج نجم ضمن حفل التأبين الذي أقامة مركز الابرار في لندن أقامت يوم الخميس 8 يوليو 2010م إنه ممن راقب ظاهرة السيد فضل الله منذ التسعينيات، مضيفاً: " وأقول ممن وقفوا على ضفة التخندق ولم يقحم أو يجرفه – ولله الحمد – التعصب والتمذهب، حتى أن أحد الإخوة الغيارى من الشيعة سألني - في الثمانينات - في حيرة إن كنت من السادلة أم القابضة فأخبرته حينها من السادلة فحمد الله لي على أتباعي لمذهب الآل، ولكنه لم يكن يعرف بأن المالكية السنة والإباضية أيضا يسدلون .. فلقد كنت ممن استحثهم السيد بجرأته وأصبحت لا أخشى الغوص في البحث عن أجوبة لأسئلة حرجة وملحة في الدين والدنيا كانت تدور فى العلن وفى الكواليس ".

وأضاف: "كان الفقيد علامة فارقة من حيث أنه جسّد منهلاً ورافداً للعلم والحكمة والرجاحة والاعتدال في كل شيء بالنسبة لي. والأهم أنه كان العالم المعلم الذي نراه صورة ونسمعه صوتاً في وقت كان فيه بعض أقرانه أما صورة بلا صوت أو صوت بلا صورة ".

مضيفاً: " كان يعيش بين الفقراء .. بل سخر حياته لهم .. يحاكيهم ويخفف عنهم، وعنا، نحن الذين مللنا تشدد المذاهب وعسر أساليبها " .

وقال نجم : " لقد قرب بين المسلمين وغيرهم، فكان وحدوي المزاج - كما وصفه أحد الكتاب – تقريبي الهوى، عاش على مائدة القرآن وتكلم بمفردات القرآن، فأصاب وأخطأ، وكان محمدي المسلك ورحمة للعالمين، ولم يكن منكفئاً على الماضي بل عارك الحاضر وراهن على المستقبل " .

وأضاف: "لقد جعل التشيع مدرسة للفكر والثقافة والتعدد عوضاً على الصورة النمطية الخاطئة من تشكيك وتطبير وعزلة، فتصدى بشجاعة وثبات لتلك الروايات التي كان لها الأثر في فرقة المسلمين فاستحق عليها بامتياز بطل التقريب غير عابئاً بضغط العوام وإغراء الحكام ".

ويضيف: "كما كان صديقاً للمرأة وأنيساً لها عندما توحش عليها الرجل واستغول على حقوقها وأدميتها، فلم يرها السيد عورة في الصورة والصوت ولا متعة أو متاع - كما هو المعهود في مجتمعاتنا - بل رآها الإنسانة كما كرمها خالقها " .

وقال: " لقد نفرنا من الخزعبلات والخرافات التي ابتلي بها تراثنا والتي أساءت إلى الرسالة المحمدية الطاهرة، ووضع حداً بيننا وبينها ".

ويضيف: "ويجب أن نتذكر رقته – في حين تفاخر نظرائه وأنداده بالشدة – حيث دعا إلى السلام والوئام والتعايش مع الآخر .. فقال الشعر وتحدث عن المسرح والغناء في سلاسة ومحبة ، وفي نفس الآوان تصدى بحزم للعربدة والظلم والطغيان سواء الداخلي أو الخارجي المتمثل في الامبريالية الأمريكية وربيبتها الصهيونية وكيانها العنصري في فلسطين السليبة التي أحبها ولم ينساها حتى أخر لحظة من عمره المعطى" .

وفي ختام كلمته قال نجم : "رحل عنا السيد فضل الله ولكن سيبقى معنا تراثه الذي سيحيى بيننا ما حيينا.. رحل بعد أن قال كلمته فى جيله .. وختم أمانته التى أملاها عليه ضميره .. ورفع راية العلم والإيمان .. ومد يده مصافحا الشارع الإسلامي دون شروط .. رحمه الله فى هذا اليوم الذي قيضه الله لي ولجيلي لنقول كلمتنا فيه".
مجموعة من علماء نيجيريا يقدمون التعزية برحيل العلامة المرجع فضل الله


قدم مجموعة من علماء المسلمين الشيعة في نيجيريا التعازي برحيل المرجع الديني آية الله العظمى الامام السيد محمد حسين فضل الله الذي إنتقل إلى رحاب الله مطلع شهر يوليو الماضي.

وقد أستقبل العلامة السيد علي فضل الله الوفد النيجيري من مؤسسة الرسول الاعظم (ص)في مكتبه يوم أمس في بيروت .

وضمَّ الوفد العلماء: صالح محمّد الثّاني، محمّد بشير دلّول، محمّد نوردس.
رئيس جامعة المصطفى آية الله عارفي:
افتقدنا برحيله عالماً وفقيهاً ومجاهداً

قال رجل الدين الإيراني ورئيس جامعة المصطفى العالمية آية الله الشيخ عارفي أنّ السّاحة العلميّة الإسلاميّة وساحة العمل الإسلاميّ، افتقدتا برحيل آية الله العظمى المرجع السيد محمد حسين فضل الله عالماً وفقيهاً ومجاهداً كان له الأثر في مختلف السّاحات الإسلاميّة.

ودعا عارفي أن يعوّض الله على الأمّة عن هذه الخسارة، بعلماء ومجاهدين يسيرون على نهج السيد فضل الله ويسلكون سبيله.

وكان الشيخ عارفي وضمن وفد علمائي من الجمهورية الإسلامية في إيران قد زار مؤخراً العلامة السيد علي فضل الله في بيروت مقدماً التعازي برحيل والده.

وقد قام الوفد بزيارة الضريح الطاهر في مسجد الامامين الحسنين وقرآءة الفاتحة على روح المقدس فضل الله.

برلماني ألماني يشيد بإستمرار منهج الانفتاح والحوار الذي أسسه الراحل


أشاد رئيس اللّجنة الخارجيّة في البرلمان الألمانيّ، روبرخيت بولينز بالدور الكبير للمرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله في نهجه الساعي دائماً إلى الحوار والانفتاح .

وأعرب بولينز عن ارتياحه لاستمرار العمل وفق هذا النهج الّذي أرسى قواعده سماحة المرجع الرّاحل السيد فضل الله، مشيراً إلى حرص بلاده على
تعزيز علاقات الصّداقة والتّعاون مع لبنان واللّبنانيّين.

وكان روبرخيت بولينز قد ألتقى العلامة السيد علي فضل الله في بيروت يوم أمس ، حيث جرى عرضٌ للأوضاع العامّة في لبنان والمنطقة، في ظلّ التّوتّر الحاصل على أكثر من مستوى وفي غير ساحة.

العلامة السيد علي فضل الله زار الرئيس سليم الحص:
الشحن المذهبي يدخلنا في فتنة سيكون الجميع وقوداً لها


استقبل الرئيس الدكتور سليم الحص، قبل ظهر اليوم في دارته في عائشة بكار، العلامة السيد علي فضل الله، على رأس وفد ضمّه والدكتور السيد محمد رضا فضل الله، السيد نجيب فضل الله، والمستشار السياسي والإعلامي هاني عبد الله.

إثر اللقاء، قال العلامة فضل الله: "أتينا لزيارة الرئيس سليم الحص للاطمئنان إلى صحته، ولأننا نعتقد أنه يمثل قيمة وطنية وإنسانية وإسلامية كبرى، وأن الاطمئنان إلى صحته هو جزء من الاطمئنان إلى سلامة البلد واستقراره".

أضاف: "وكانت مناسبةً تداولنا في خلالها مع دولته في الأوضاع اللبنانية والوطنية والإسلامية بشكل عام، وقد لمسنا لديه حرصاً على البلد وأهله، ووعياً عميقاً للمخاطر التي تتهدّد البلد جرّاء ازدياد وتيرة التصعيد في الخطاب السياسي الّذي أخذ منحى طائفياً ومذهبياً مرعباً في الآونة الأخيرة، بحيث وصل إلى مستويات باتت تهدّد وحدة البلد ووحدة أهله ومصالحهم الوطنيّة".

وأكّد "أن وجهات النظر كانت متّفقةً حول ضرورة وعي الأفرقاء اللبنانيين، وتنبّههم على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والسياسيّة، إلى ضرورة العمل السريع على تبريد أجواء الاحتقان المذهبي والطائفي، لأن الخطر يتهدّد الجميع، واللجوء إلى المنطق العقلاني في التعامل مع هذه القضايا المصيرية والحساسة، من شأنه أن يجنب البلد المزيد من الخضّات، هو في غنى عنها اليوم".

وقال: "إن استمرار الشحن المذهبي بجرعات كبيرة، كالّتي سقى منها بعض السياسيين الشّعب اللبناني في خلال الأيام الماضية، سوف يدخلنا في فتنةٍ لن تصيب أحداً دون الآخر، بل سيكون الجميع وقوداً لها، وإن التشاطر في هذه المسائل لن يجدي أحداً نفعاً، بل الحكمة تقتضي أن يعي الجميع مسؤوليتهم، والمخاطر التي يمكن أن تنتج عن هكذا أجواء وهكذا خطاب".

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 15 شوال 1431 هـ الموافق: 23/09/2010 م


بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في الخطبتين:

المفهوم الإسلاميّ للجمال


يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

بسم الله الرحمن الرحيم

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر : 64].

قيمة الجمال

للجمال قيمة لا يختلف النّاس حولها... فهو يرضي روح الإنسان ويملأ كيانه، وينعش حياته، إن في الشّكل الخارجيّ في تناسق الأبعاد أو انسجام الألوان أو تناغم الأصوات، أو في البعد الدّاخليّ، من خلال جمال العقل وجمال الرّوح وجمال الأخلاق وجمال القلب، وجمال الإيمان والسّلوك.

فالجمال يُعبَّر عنه في كلّ ما يصدر عنّا أو من حولنا، فلكلّ شيءٍ صورته الجميلة أو عكسها، فالهيئة، والكلام، والموقف، واللّغة... كلّها إمّا أن يرتفع بها الجمال فتسمو وترقى، أو تنحطّ مع القبح والبشاعة.

وللجمال موقعه الكبير لكونه يشير إلى صفةٍ من صفات الله عزّ وجلّ، واسمٍ من أسمائه الحسنى، فالله جميل في ذاته، فهو{نور السَّماوات والأرض}[النّور: 35]، وجميل في أسمائه، فله من الأسماء أحسنها وأكملها، وله من الصّفات أجملها: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف: 180].

والله جميل في كلامه، فالقرآن كتابه، هو سيِّد الكتب رحمةً وعذوبةً وجمالاً، كلّ آياته تنتهي بلحنٍ جماليّ فيه تناسق التّعابير، حتّى تخاله شعراً وما هو بشعر، وهو فوق كلّ نثر. والملفت أنّ هذا الجمال هو مرافق لكلِّ آيات القرآن، فنلمس الجمال في الآيات التّرغيبيّة: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ* قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً* وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً* عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً}[الإنسان: 15- 18].

وكذلك نلمس الجمال في الآيات التّرهيبيّة: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه* خُذُوهُ فَغُلُّوه* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ}[الحاقة: 28-32].

كما ونلمس الجمال في آيات الحرب كما نلمسه في آيات السّلم، وفي الآيات الّتي تتحدّث عن حالات التوتّر أو حالات الهدوء، فكلّ آيات القرآن تفيض سلاسةً وعذوبةً وجمالاً.

الجمال صورة الإنسان

والجمال أيضاً صورتنا... هو صورة الإنسان عندما خلقه الله: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[التّغابن: 3].

أمّا في الكون، فالأمر لا يستدعي أن نبحث كثيراً وبعيداً، ففي الطبيعة القريبة منّا، ندرك الجمال بأبهى صوره وأروعها: تناسبٌ في الأشكال، وانسجام في الألوان، اللّون الأخضر يتناسق مع لون التّراب ولون صفحة السّماء، وكذا كلّ الألوان الأخرى، مع تدرّجاتها الّتي لا حصر لها... في الكون كلِّه أنت لا ترى حولك أيّ نشازٍ أو خلل جماليّ، إلا ما تدخَّل به الإنسان.

وللإشارة إلى كلّ جمال الكون، كان النّداء من الله أن انظروا وتأمّلوا: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}[ق: 6]... {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وإلى السّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وإلى الجبالِ كيفَ نُصِبَتْ* وإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17-20]...

وإذا كانت النّظرة الإلهيّة إلى الجمال بهذه الرّوعة، فلماذا نظهر كمسلمين بأنّنا غير معنيّين بإظهار هذه الصّورة؟ إنّ المسلمين، أيّها الأحبّة، بعيدون عن ذلك، فيما يأمرهم الله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: 31].

هو أمرٌ واضحٌ من الله لكلِّ عباده بالتزيّن، وتأكيد الأمر أكثر أثناء توجّههم إلى الصَّلاة في بيوت الله. في رأيكم، أيّ دلالةٍ هي أبرز من هذه الدّلالة؟! ثم لو كان الإسلام يتناقض مع الجمال، لما كنّا وقفنا على العديد من الأحاديث التي حثَّت على نظافة البيوت والطّرقات، وتلك التي اعتبرت غرس الأشجار صدقة، وإزالة الأذى عن الطّريق صدقة... كما وفي كلّ مناسبة، لا يتوانى الإسلام عن دعوتنا إلى التزيّن في المظهر واللّباس. جاء عن أمير المؤمنين(ع): "ليتزيّن أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه، كما يتزيَّن للغريب الّذي يحبّ أن يراه في أحسن هيئة".

الإسلام يدعو إلى التجمّل

وأكثر الإسلام من الدّعوة إلى التّجمّل، واستبق ما قد تؤول إليه حال النَّاس، فأكَّد عدم حبّ البؤس والتَّباؤس.. فقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص): "إنّ الله جميل يحبُّ الجمال، ويحبُّ أن يرى أثر نعمته على عبده"، وعندما سُئِلَ كيف؟ قال: "ينظِّف ثوبه، ويطيِّب ريحه، ويُحسِّن داره". وعنه(ص): "أحسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتَّى تكونوا كأنَّكم شامة في النَّاس". وعندما أبصر رسول الله رجلاً شعثاً رأسه، وسخة ثيابه، استنكر ذلك وقال: "من الدّين المتعة". وقد ورد عن أبي عبد الله(ع): "البس وتجمَّل، فإنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال، وليكنْ من حلال".

وقد دخل الإسلام في التَّفاصيل، عندما قال رسول الله(ص): "ليأخذ أحدكم من شاربه، والشَّعر الَّذي في أنفه، وليتعاهد نفسه، فإنَّ ذلك يزيد في جماله"، وقد ورد عنه أيضاً: "من اتَّخذ شعراً، فليحسن ولايته أو ليجزّه".

ورسول الله(ص) كان، وكما تذكر سيرته، يحرص على حسن السَّمت وجمال الشَّكل واللّباس، وكان يحبّ اللّباس الأبيض، وكان يقول: "البسوا البياض، فإنَّه أطيب وأطهر"، وكان له لباس يلبسه في العيدين والجمعة، وعند استقبال الوفود، وكان يعرف بطيب الرّائحة، وكان ينفق في الطّيب أكثر مما ينفق في الطّعام...

تجلّيات الجمال

هذا في جانب الشّكل والمظهر الخارجيّ، ولكنّ الإسلام ـ ومن خلال تربيته لنا على الاتّزان. لم يكتف بذلك، بل راح يَتحدّث عن كلّ ما يتمّم جمال المظهر، ليحدّثنا عن جمالٍ آخر، ولذا كان الدّعاء: "اللّهمّ فكما حسَّنت خَلقي فحسِّن خُلقي"، كما وأشار إلى لباس التَّقوى، حيث يقول القرآن الكريم: {ولباسُ التَّقْوَى ذلكَ خير}[الأعراف: 26]، ولباس التَّقوى ما هو إلا جمال الدَّاخل.

وعمَّم الإسلام مفهوم الجمال، ليكون ‏الجمال جمال اللِّقاء، في الابتسامة وطلاقة الوجه، قال رسول الله(ص): "إنَّكم لن تسعوا النَّاس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر".

والجمال جمال الأخلاق، والتَّواضع هو زينته: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً}[الفرقان: 64].

والجمال جمال العقل، والفكر السَّليم زينته... وتكرُّ سبَّحة الدَّعوة إلى إقران الجمال بكلِّ شيء، فالصَّبر ينبغي أن يكون جميلاً، وهو الصَّبر بلا شكوى أو تأفّف...

وجمال اللّسان هو بصواب القول بالحقّ والخير أو الصّمت... وجمال العبد الطّاعة... وجمال المعروف في إغاثة الملهوف وتنفيس المكروب... وجمال المؤمن في ورعه... وجمال الرّوح بالشّكر وصفاء النيّة... وجمال الإحسان ترك الامتنان والأذى... وجمال الجدال: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل: 125]. وحتّى في الهجر، فالجمال مطلوب، قال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً}[المزمّل: 10]، وهو الإعراض الّذي لا عتب فيه ولا مخاصمة... وجمال النّقد الوعظ سرّاً .

هذا هو الإسلام أيّها الأحبّة... ترك لنا الإرث الكبير لنستهدي به، وليكون لنا منارةً تساعدنا على التّطبيق.

تناقضٌ في الواقع الإسلاميّ

ولا يخفى على أحدٍ أنّ المسلمين السّابقين عاشوا الجمال في تاريخهم المضيء، فبرزوا في مجال الفنّ، وأبدعوا حضارةً شعَّت على الكثير من الحضارات، والأمثلة كثيرة ما زالت ماثلةً في الشَّرق والغرب، وهي تُدهش الأنظار وتحيِّر الفنَّانين .

وفي هذا نقول: لا عذر أبداً في ما هو حال المسلمين اليوم.. في أماكنهم العامَّة.. في الشَّوارع والطّرقات، وحتّى في أماكن عباداتهم وأقدسها.

إنّ المسلمين اليوم، أيّها الأحبّة، في تناقضٍ بين ما يأمر به دينهم وبين واقعهم... إنَّهم يحرمون أنفسهم من الاستفادة من هذه القيمة، والّتي عليهم أن يعيشوها لذاتها، وليس ليبرهنوا لأحدٍ أنّهم كذلك، يعيشون قيمة الجمال بذاتها، ليس للتّباري في مسابقاتٍ تستخفّ بالعقل وبالعمل وبالإبداع.. والحديث يقول: "قيمة كلِّ امرئٍ ما يحسنه".

كلّ هذا مع ضرورة وعيهم بأنّ الفوضى في الشّكل، وسوء المظهر إلى حدّ القبح أحياناً، يُفسِدُ الكثير من أهدافهم الرّساليّة لنشر الدّين والخير.

نعم، هذه الصّورة قد تكون حاجزاً يمنع الآخرين من النّظر إلى الإسلام نظرةً إيجابيّة.. لأنّ البعض قد لا يفرّق بين كون هذا ناشئاً عن المسلمين أو عن الإسلام.

دعوة إلى التّوازن

وإنّنا في الوقت الّذي نطالب بتمسّك المسلمين بقيمة الجمال لكلّ ما ذكرنا، ليكون الجمال هو طابع أشكالهم وبيوتهم، ومظهر مدنهم وقراهم، وعنوان حياتهم، ندعوهم إلى عدم الابتعاد عمَّا أوصى به الإسلام.. فالإسلام أوصى بالتَّوازن وعدم المبالغة أو الاستغراق في هذه الأمور. وهذا ما نشهده حاصلاً اليوم لدى البعض، تأثّراً بنمط عيشٍ فرضه الآخرون عليهم، فصرنا نشهد اللّهاث وراء صيحات الجمال، والهوس في عمليات التجميل والتجمّل، وبالتّالي عدم الرّضا، لأنّ هناك من يقرِّر مواصفات ومقاييس لهذا الجمال، بحجّة روح العصر.. وليس هو من روح العصر، بل من ابتكارهم، لإشغال النّاس عن قيمهم ومبادئهم والقضايا الأساسيّة، بحيث يستغرقون بالشّكل وينسون المضمون.

الجمال مطلوب، ولكن ليس إلى حدّ الإسراف أو عدم التّوازن.. فالجمال قيمة لا يمكن أن تبرز وحدها، بل هي تشعّ ويتألّق بريقها وسط قيم التعقّل والتّواضع والرّزانة والوقار والرّضا والقناعة، والأهمّ هو الالتزام الدّقيق بالأحكام الشّرعيّة، وهذا ما لا بدّ من تأكيده.

أيّها الأحبّة: هذا هو الجمال الّذي نفهمه وندعو إليه، وهو الّذي ينبغي أن نعيشه في حياتنا الدّنيا، وصولاً إلى حياتنا الأخرويّة، حيث الجمال لا جمال فوقه:

{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً* عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا* إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا}[الإنسان:20-22].

ليكن الجمال شاملاً، جمال الشّكل الّذي لا يكون على حساب جمال العقل والقلب والرّوح، ولا أن يشغلنا جمال العقل والرّوح عن جمال الشّكل.. وبذلك نحقّق النّظرة الإسلاميّة الّتي تتوازن فيها المادّة مع الروح، والباطن مع الظّاهر، لتكون الحياة بذلك أرقى وأعلى وأجمل.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

لعبة المفاوضات لتهجير الفلسطينيّين

في فلسطينَ المحتلّة، تنكشفُ لعبةُ المفاوضاتِ المباشرة، لتفصحَ عن مخطَّطٍ خطيرٍ يرمي إلى تهجيرِ الفلسطينيّينَ من داخلِ الأراضي الفلسطينيّةِ المحتلّةِ منذُ العام 1948، وهو الأمرُ الّذي دعا إليه وزيرُ خارجيَّةِ العدوِّ (ليبرمان)، فيما تحدَّثَ رئيسُ وزراءِ العدوِّ السَّابقِ عن أنَّ الإدارةَ الأمريكيّةَ كانت وعدَتْ باستيعابِ مئةِ ألفِ لاجئٍ فلسطينيٍّ، ما يوحي بأنَّ مسألةَ حقِّ العودةِ هي من المسائلِ الّتي لا وجودَ لها على طاولةِ المفاوضات، وأنَّ التّوطينَ والتّهجيرَ هما الأساسُ في حركةِ اللّعبةِ الدّوليّةِ، والّتي تدورُ رحاها على أجسادِ الفلسطينيّينَ وحقوقِهم ومستقبلِ أجيالِهم..

ولعلَّ من المخجلِ أنَّه في الوقتِ الّذي يكرّرُ مسؤولو العدوِّ إعلانَهم عن استئنافِ الاستيطانِ، ورفضِ حتّى طرحِ التّجميدِ الشّكليِّ له، يُعلنُ رئيسُ السّلطةِ الفلسطينيّةِ أن لا بديلَ من التّفاوضِ، ويتحدّثُ العربُ على مستوى الأنظمةِ، أو في ساحةِ الجامعةِ العربيَّةِ، عن ضرورةِ إتاحةِ الفرصةِ أكثرَ لعمليَّاتِ التَّفاوضِ الجارية.. والكلُّ يستذكرُ الدَّعواتِ الرَّسميَّةَ العربيَّةَ في عهدِ شارون، والَّتي دعت إلى إعطائِهِ المزيدَ من الفرصِ والوقتِ، وكأنَّ المطلوبَ أن يحظى العدوُّ بكلِّ الفرصِ وكلِّ الوقتِ ليُمعنَ في سياسةِ البطشِ والاعتقالِ، وفي اقتحامِ المسجدِ الأقصى وتدنيسِه، وتجريفِ حقولِ الفلسطينيّينَ وتهديمِ بيوتِهِم ـ كما يحصلُ في الضفّةِ الغربيّةِ والقدسِ في هذه الأيَّامِ ـ بينما يُراد للفلسطينيين أن يلوذوا بالسَّكينةِ تحتَ ضغطِ النّصائحِ العربيّةِ الرّسميَّةِ الّتي تحوّلَتْ إلى سيفٍ مسلطٍ عليهم، وأعطَتِ العدوَّ حجّةً سياسيّةً جديدةً أمامَ العالم، عنوانُها أنَّ العربَ موافقون على كلِّ ما يجري، فلماذا يكونُ الغربُ ملكيّاً أكثرَ من الملك؟!

إنَّنا نشعرُ بخطورةِ ما يجري على السّاحةِ الفلسطينيّةِ، وخصوصاً أنَّ الإدارةَ الأمريكيَّةَ تستعجلُ حلاً، أيَّ حلٍّ لحسابِ مصالحِها وطموحاتِها ومصالحِ العدوِّ، فيما العربَ على مستوى الكثيرِ من الأنظمةِ، يستعجلونَ غسلَ اليدِ من دمِ هذا الصدّيقِ. ولذلك فعلى الأمَّةِ على مستوى الشّعوبِ والطَّلائعِ الواعيةِ وأصحابِ الضّمائرِ الحيّة، أن يتحرّكُوا على جميعِ المستوياتِ لمنعِ المؤامرةِ الكبرى من أن تحقّقَ أهدافَها وغاياتِها في ساحةِ المنطقة، وفي الميدانِ الفلسطينيِّ على وجهِ الخصوص، وأن لا تغيب تحت كل هذا الدخان الذي يُراد له أن يحجب الرؤية عن الخلافات الداخلية والفتن المتنقّلة.

حملة استكباريّة منظّمة على المنطقة

وفي جانبٍ آخر، علينا مراقبةُ ما يجري على مستوى وكالةِ الطَّاقةِ الدَّوليَّةِ الّتي تحوَّلَتْ إلى منبرٍ سياسيٍّ ضدَّ الجمهوريَّةِ الإسلاميَّةِ في إيران، والَّتي فتحَتْ كلَّ مواقعِهَا ومفاعلاتِهَا النّوويَّةِ أمامَ الوكالة، بينما رفضَ كيانُ العدوِّ وضعَ مواقعِهِ النّوويَّةِ العسكريَّةِ تحتَ مراقبةِ الوكالة...

ونحنُ نلاحظُ أنَّه كلَّما أبدت إيرانُ تجاوباً أكثر، وانفتحَتْ على الحوارِ، وتجاوزَتْ بعضَ الشّروطِ، عملَ الأمريكيّون على تعقيدِ الأمورِ أكثر، وفرضِ شروطٍ جديدةٍ، بما قد يفضي إلى تشديدِ الحصارِ أكثرَ على إيران، بحجّةِ عدمِ الوثوقِ بنواياها، بينما رأيْنَا إدارةَ أوباما تحذِّرُ الدّولَ العربيّةَ ـ قبلَ أيّامٍ ـ من أنَّها تخاطرُ بإفشالِ عمليّةِ التّسويةِ إذا واصلَتْ ضغوطَها على الوكالةِ الدّوليّةِ للطّاقةِ الذرّيّةِ لبحثِ البرنامجِ النّوويِّ الصّهيونيِّ.. كما أنَّ ما تتعرّضُ له إيرانُ من تفجيراتٍ آثمةٍ واعتداءاتٍ ظالمة، وآخرُها ما حدثَ في مهاباد، لا يمكنُ فصلُهُ عمَّا تتعرَّضُ له إيرانُ من ضغوطٍ وتهديدات..

إنَّ عليْنا رصدَ ذلك كلِّهِ في إطارِ الحملةِ الدّوليَّةِ المنظّمةِ على المنطقةِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ وعلى مواقعِ الممانعةِ فيها، لأنَّنا نخشى من أن تعملَ محاورُ الاستكبارِ العالميِّ على تحريكِ الفتن، ولا سيّما الفتن المذهبيّة لإشغال تلك القوى بمشاكلها، لتكونَ بديلاً من الاحتلالِ المباشرِ الَّذي تهاوَتْ تجربتُهُ في العراقِ وأفغانستان..

لبنان: لتبديد أجواء التوتر والانفعال

ونعود إلى لبنان الّذي نأملُ أن تكونَ النّفوسُ قد هدأَتْ فيه، بعد جولةِ الانفعالِ الأخيرةِ الّتي جعلَتِ البلدَ يعيشُ على صفيحٍ ساخنٍ من التّصريحاتِ والتّصريحاتِ المضادّة، الّتي لم تخلُ من التّهديد والوعيد، والّتي حاولَ البعضُ من خلالِها أن يُقحمَ الجانبَ المذهبيَّ في الحركةِ السياسيّةِ، ليشحنَ النّفوسَ مجدّداً، أو يثيرَ الحساسيّاتِ في كلِّ الاتّجاهات.

إنَّنا نقولُ للمسؤولين في لبنان: لقد تعب النّاسُ من كلِّ هذا الضَّجيج، وأصبحوا على قناعةٍ تامّةٍ بأنَّ الأفخاخَ الأمنيّةَ والسّياسيّةَ والمذهبيّةَ والطّائفيّةَ الّتي توضعُ هنا وهناك، لن يستفيدَ منها أحد، وستعودُ بالشّرِّ على الجميع...

ولذلك، فإنَّ عليكم أيُّها المسؤولون، ألا تهربوا إلى الأمامِ من خلالِ التّلويحِ بسلاحِ الفتنة، بل أن تتحمَّلوا مسوؤليَّاتِكم في إزالة الإحباط الّذي يعيشه النّاس، والخوف على حاضرهم ومستقبلهم، لتكون الكلمة الطيِّبة والأسلوب الأحسن هما أسلوب التَّخاطب السياسيّ، والسَّبيل إلى معالجة كلِّ القضايا الّتي يُخشَى أن تهدّد أمنه واستقراره من خلال النّظر بمسؤوليّة إلى كلّ ما يُحاك في الخارج مما لا ينبغي النّظر إليه ببراءة، بل بعين الحذر، لأنّنا لا نثق بما يدّعيه الخارج من حرصه على هذا البلد.

أيُّها المسؤولون، عودوا إلى رشدِكم، فلن تَحلَّ مشاحناتُكم المشاكل، بل ستزيدُها تعقيداً، اتّقُوا اللهَ في عبادِهِ وبلادِهِ، فإنّكم مسؤولون حتَّى عن البقاعِ والبهائم..

أيُّها اللّبنانيُّون: كونوا الواعين، حتَّى لا تتحوَّلوا إلى أداةٍ تستخدم من قبل المواقع السياسيَّة لخدمة مصالحهم الذّاتيَّة، أو تحقيقاً لأهدافٍ لا علاقة لكم بها، ولا تجرِّبوا ما جرَّبتموه طويلاً، فالمؤمن لا يُلدَغُ من جحرٍ مرَّتين.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 16 شوّال 1431 هـ الموافق: 24/09/2010 م


رحيل العلامة المرجع فضل الله في وسائل الإعلام الفرنسيَّة

إعداد: غِنى مونّس


تناولت وسائل الإعلام الفرنسيّة نبأ رحيل العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(قده) بكثيرٍ من الاهتمام. وكان لقب سماحته "المرشد الرّوحي لحزب الله" في أغلب الصّحف الفرنسيّة، إذ كان العنوان المشترك بينها: "آية الله فضل الله، المرشد الرّوحيّ القديم لحزب الله، توفّي"، (ومنها صحيفة (Le Monde ،" وفاة المرشد الرّوحي للشّيعة في لبنان" (Le Nouvel Observateur)، و"وفاة آية الله متنفّذ(Le Figaro)... وكان العنوان الأكثر لفتاً للنّظر: "آية الله العظمى فضل الله، العالم الدّينيّ الّذي تحدَّى نماذج الغرب..."، وهو ما أورده الموقع الإلكترونيّ للقناة التلفزيونيّة(France 24) ، بينما عنونَ راديو (RFI) مقالته على موقعه الإلكترونيّ: "حتّى بعد وفاته، آية الله فضل الله يثير الجدل"، في إشارةٍ منه إلى ردود الفعل على مقالة السّفيرة البريطانيّة في لبنان فرانسيس غاي، في مدوّنتها على الإنترنت بعد وفاة الرّاحل الكبير(قده)، وأيضاً تعليق الصحافيّة الأميركيّة اللّبنانيّة الأصل أوكتافيا نصر على موقع تويتر .(Twitter)

وقد تناولت وسائل الإعلام هذه في مقالاتها، مسيرة المرجع الرَّاحل(قده)، بدءاً بحياته في النّجف ودراسته فيها، ثمّ انتقاله إلى لبنان وعمله الدّينيّ التّوعويّ هناك، مروراً بفترة الثّمانينات، حيث كان يعدّ "المرشد الرّوحيّ لحزب الله في سنوات نشأته الأولى .. ."

بعدها، انتقلت هذه الوسائل إلى التّركيز على الاختلاف والتّمايز الواضح بين آية الله فضل الله وحزب الله، وهو ما اعتبرته "شقّاً أو هوَّةً فصلت بينهما"، تحت "التّأثير القويّ لطهران على حزب الله"، موضحةً أنَّ ذلك لم يمنع سماحة السيّد(قده) من "مناصرة الثّورة الإسلاميّة في إيران، والكفاح المسلّح ضدّ إسرائيل"(AFP, Le Figaro, Libération).

وذكرت معظم هذه الصّحف والوسائل الإعلاميّة، التّوصيف الغربيّ والأمريكيّ الّذي أطلق على سماحة السيِّد(قده): "الإرهابيّ"، بعد اتّهامه بذلك من قِبلِ الأمريكيّين، وحلوله على لائحة "الإرهابيّين العالميّين" الّتي أعلنتها الولايات المتّحدة الأميركيّة في عهد الرّئيس الأمريكيّ الأسبق بيل كلينتون عام 1995.

هذا الوصف السّلبيّ، لم يمنع أغلب الصّحف والوسائل الإعلاميّة من وصف سماحته بـ: "الوجه الشّيعيّ الأبرز في لبنان، آسيا وبلاد الخليج"، ومن الاعتراف بأنَّه كان مشهوراً بآرائه المعتدلة، ولا سيَّما فيما يتعلّق بمسائل المرأة (France 24, Le Nouvel Observateur)، فهذا "العالم الدّينيّ المحبوب، ذو اللّحية البيضاء والوجه الهادئ" (France 24, Le Nouvel Observateur) كان منفتحاً، حيث أصدر مجموعةً من الفتاوى الّتي تناصر المرأة، وتجيز لها "استخدام العنف للدّفاع عن نفسها في حالات العنف المنـزليّ" (Le Figaro)، وكذلك حرَّم العادة الشّيعيّة الّتي تقضي بإراقة الدّماء في مراسم عاشوراء (التّطبير).

وأكّدت أغلب هذه الصّحف والوسائل الإعلاميّة، مواقف سماحة السيّد(قده) في مناهضة السّياسة الأميركيّة وكشف ألاعيبها في الشّرقين الأوسط والأدنى، حيث كانت خطب الجمعة أفضل مناسبةٍ لنقد سياسة الولايات المتّحدة الأميركيّة في الشّرق الأوسط، ولا سيَّما من جهة تحالفها مع إسرائيل، وقد "تناول في آخر خطبة جمعةٍ له، مسألة الاستيطان في القدس الشّرقيّة، وانتقد الولايات المتّحدة الأميركيّة في دعمها المتواصل للعدوّ الصّهيونيّ".

ورغم إشارة معظم الصّحف ووسائل الإعلام الفرنسية إلى دور سماحته في أزمة الرّهائن الأميركيّة في الثّمانينات، ذاكرةً اتّهامه من قبل الإعلام الأميركيّ بأنَّه كان الأساس في اختطاف الرّهائن الأميركيّين في لبنان "من قبل جماعاتٍ أصوليّةٍ منتميةٍ إلى إيران" (Le Figaro, Le Monde, France 24)، إلا أنَّ التّمادي في الاتّهام لم يبلغ بها المدى الّذي وصلت إليه صحيفة (Le Figaro) الّتي تفرَّدت بالإشارة إلى ذلك في عنوانها: "وفاة الشّيخ فضل الله، الّذي كان في قلب عمليّة اختطاف الغربيّين في لبنان". إلا أنَّ هذا كلَّه لم يمنع بعض الصّحف (Libération, La Tribune, Le Monde) من الإشارة أيضاً إلى أنَّ بعض وسائل الإعلام الأخرى تناولت دوره كوسيطٍ في هذه الأزمة، مؤكِّدةً أنّ دوره في هذه المرحلة لم يتَّضح أبداً.

وحدها صحيفة (Le Nouvel Observateur) تناولت موقف سماحة السيّد (قده) في هذه الأزمة بوضوح، فأعلنت أنَّه كان قد تنصَّل من مسألة خطف الرّهائن، وأنَّه أكَّد معارضته لهذا النّوع من التصرّفات، ونادى في مناسباتٍ عدَّةٍ بإطلاق سراح هؤلاء الرّهائن.

أمّا القناة التّلفزيونيّة (France 24)، فتفرّدت، وعبر موقعها الإلكترونيّ على الشَّبكة العنكبوتيَّة، بالإشارة إلى بروز اعتدال سماحته(قده) أمام الغرب، ومناهضته للإرهاب، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، حيث كان من أوائل العلماء المسلمين الدّاعين إلى محاكمة القائمين على مجزرة قتل المدنيّين، والّتي قامت بها القاعدة. وأشارت (France 24) إلى أنّ بعض الغربيّين، الّذين لم يفهموا أبداً السيّد فضل الله، يقدِّرون أنَّ موته قد يخلي السّاحة أمام تيّارٍ شيعيّ أكثر أصوليّةً وأكثر تأييداً لإيران، مؤكِّدةً أنَّ "السيّد فضل الله كان وجهاً معقّداً وغير لطيف بالنّسبة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة".

وتوافقت معظم الصّحف ووسائل الإعلام على الإشارة إلى أنّ سماحة المرجع الرّاحل، الّذي ألَّف الكثير من الكتب الفقهيّة، كان معروفاً بحسِّه العمليّ وتأييده للحوار وانفتاحه على التطوّر العلميّ، ولا سيَّما "فيما يتعلّق بإعلان أوّل شهر رمضان، شهر الصّوم عند المسلمين، حيث اعتمد على الحسابات الفلكيّة، مخالفاً بذلك التّقاليد التي تقضي برؤية الهلال بالعين المجرّدة" (France 24)، وكذلك جرأته في تفسير النّصّ الإسلاميّ (الاجتهاد، وهو مسألة خاصّة بالشّيعة) (AFP, France Soir) .

ومن الجدير ذكره، أنَّ الصّحف الفرنسيَّة، ووسائل الإعلام الفرنسيَّة عموماً، تابعت تفاصيل وفاة العلامة المرجع السيِّد فضل الله(قده) منذ اللّحظة الأولى، كما واكبت إجراءات الجنازة والتَّشييع باهتمامٍ استثنائيّ لا يُمنح في العادة إلاَّ لشخصيّاتٍ أو مرجعيّاتٍ استثنائيّة، كما كان الحال عند وفاة الإمام الخمينيّ(قده).

موقع مؤسسة الفكر الاسلامي المعاصر

التاريخ: 9 شوال 1431 هـ الموافق: 17/09/2010 م


19 سبتمبر 2010

المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض):
نحرّم سبّ أمهات المؤمنين والإساءة إليهنّ ونعتبره مخالفاً للخطّ الإسلامي الأصيل

شكلت آراء وفتاوى سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) منهجاً إسلامياً وحدويّاً، أكد ضرورة وعي المسلمين لخطورة إثارة وتأجيج الفتن والحساسيات المذهبية التي تمزّق واقعهم، وتخدم مخططات ومشاريع أعداء الامة، ومن هذا المنطلق حرّم سماحته سبّ أمهات المؤمنين والصحابة، معتبراً ان أسلوب السبّ يخالف منهج أمير المؤمنين(ع)، والذي يتمثّل في تقديم المصلحة الإسلامية العليا على أي مصالح شخصية أو ثانوية..

وفي ما يلي نقدم إجابة سماحته(رض) على أسئلة طرحتها جريدة "عكاظ" السعودية حول مسألة سبّ الصحابة وأمهات المؤمنين، وذلك بتاريخ 28 صفر 1429 هـ الموافق06-03-2008 م..

س: ما هو موقفكم من سبّ الصحابة، بمن فيهم أبو بكر وعمر وعائشة؟

ج: أنا شخصياً أحرِّم سبّ أي صحابي، لأن الله سبحانه وتعالى تحدث عن الصحابة بقوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعاً سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً} [الفتح:29]، وإن كان لنا رأي في مسألة الإمامة والخلافة، أما في مسألة السبّ، فقد قلت إن هذا يحرم على أي مسلم، وأنا أسجل هذا في كل استفتاء يأتيني، بأنه يحرم سبّ أي صحابي بمن فيهم الخلفاء. وأنا أنقل كلمة عن الإمام علي(ع) عندما كان في طريقه إلى صفين، وسمع قوماً من أهل العراق يسبون أهل الشام، فقال لهم: "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبِّكم إياهم: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغيِّ والعدوان من لهج به". وهذا النص موجود في نهج البلاغة.

وفي هذا المجال، أحب أن أتحدّث عن أسلوب الإمام علي(ع) في تعامله مع الخلفاء، الذين يعتقد الشيعة أنهم هم الذين نازعوه حقه، ففي كتابه لأهل مصر قال: "فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر يبايعونه، فأمسكت يدي، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه".

لذلك نحن نتعاطى مع الخلفاء في مسألة الخلافة كما تعاطى الإمام علي بن أبي طالب(ع) الذي كان منفتحاً عليهم وكان يعاونهم ويشير عليهم بكل ما فيه مصلحة لهم. وهناك حديث عن الإمام جعفر الصادق(ع) يخاطب فيه بعض المسلمين من الشيعة: "ما أيسر ما رضي الناس منكم، كفوا ألسنتكم عنهم". أما أمهات المؤمنين، فنحن نحرّم سبهنّ، ونقول إنّه لا بد من إكرامهنّ إكراماً لرسول الله(ص)، وأنا أنقل بيتاً من قصيدة لأحد علمائنا المتوفّى قبل مئة سنة، واسمه السيد محمد باقر حجة الإسلام. يقول:

فيا حميـرا سبّك محرّمُ لأجل عينٍ ألف عين تكرمُ

لذلك نحن نحرِّم سبّ أمهات المؤمنين والإساءة إليهن، كما نحرِّم سب الصحابة، وقد أصدرنا فتوى في ذلك انتشرت في العالم.

س: هل هذا الموقف نابع من معارضتك لمبدأ السبّ، أم أنه مراعاة لمشاعر أهل السنة، أم أنه نابع من إيمانك وقناعتك بعلو مكانة هؤلاء الصحابة؟

ج: هذا ينبع من الخط الإسلامي الأصيل الذي نؤمن به، وهو أنه لا يجوز سبّ أي مسلم، ولاسيما إذا كان صحابياً، لأن السبّ يمثل انحرافاً عن الخط الإسلامي الأصيل. الحوار بشكل مباشر يؤدي إلى جوٍّ حميم بين المتحاورين ويقرِّب المسألة بينهم من الناحية النفسية والعقلية والفكرية

س: ولكننا حين نتحدث مع عقلاء الشيعة عن مسألة سبّ الصحابة، يقولون: هذا موقف للغلاة من أهل مذهبنا، وليس موقفاً للمذهب نفسه، لكن الإشكال هو أننا نجد الازدراء بالصحابة في مصنفات أركان المذهب الكبار؟

ج: من الطبيعي أنّ التراكمات التاريخية والتفاعلات النفسية الشخصية قد تركت تأثيراً سلبياً في مسألة النظرة إلى الخلفاء، انطلاقاً مما يعتبره الشيعة مسألة ظلامة لأهل البيت(ع). فنحن نتصور أن المسألة تتحرك من خلال هذه التراكمات التاريخية والتفاعلات الشخصية، وكما نجد أن هناك بعض الشيعة يبررون السب واللعن، نجد أيضاً أن هناك بعض إخواننا من أهل السنة يكفِّرون الشيعة، حتى إنني سمعت من بعضهم أن اليهود والنصارى أفضل من الشيعة، لأن اليهود والنصارى أهل كتاب والشيعة من المشركين. هناك تراكمات لا بد لنا من معالجتها.

ولذلك أنا كنت أقول إن دعوتي إلى الحوار الإسلامي ـ الإسلامي تنطلق من أننا نستطيع أن نصحِّح الأخطاء وأن نزيل التعقيدات الموجودة لدى هذا المذهب أو ذاك من خلال الحوار، لأنّ الحوار بشكل مباشر يؤدِّي إلى جوٍّ حميم بين المتحاورين ويقرب المسألة بينهم من الناحية النفسية والعقلية والفكرية.


بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في الخطبتين:


الخطبة الأولى

مجاهدة الذنوب: طريقٌ إلى رضوان الله


قال سبحانه في كتابه الكريم: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}(الأنعام:120).

وقال سبحانه: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:81).

الصّيام عن المحرَّمات

انتهى شهر رمضان، وانتهى معه الصِّيام الواجب عن الطَّعام والشّراب وبقيّة المفطرات، لكنَّ الصّيام الواجب عن المحرَّمات، والَّذي هو هدف شهر رمضان، لم ولن ينتهي، فهو دائمٌ وممتدّ طوال العمر، جاء به الأنبياء والرّسل للابتعاد عن الحرام في الفكر والقول والفعل والمعاملة، وصولاً إلى المأكل، والمشرب، والملبس وكلّ ما حرَّم الله.. فهدف هذا الصِّيام هو الوقوف عند حدود الله، وعدم تجاوزها، لأنَّ تجاوزها هلاكٌ، والتقيّد بها نجاةٌ في الدّنيا والآخرة.. وهذا ما أشار إليه الله تعالى عندما تحدَّث عن رسالة رسوله(ص) :{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(الأعراف:157). وهذا ما أراد الله تعالى لرسوله أن يبيّنه للنّاس بعدما قال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(الأعراف:33).

مظاهر الذّنوب

والذّنوب، أيّها الأحبّة، تتنوَّع في مواقعها، وتختلف في أحجامها ونتائجها؛ فمنها ما هو متعلّق بالقلب، ومنها ما هو متعلّق بالجوارح، ومنها ما خفي، ومنها ما هو ظاهر وبادٍ للعيان، منها الكبير ومنها الصَّغير...

وكثيرة هي مظاهر الذّنوب: هي تركٌ للواجبات، هي غيبةٌ ونميمة، وهي حسدٌ وبغيٌ وكذبٌ وسوءُ خلق ومخالفةٌ للنّظام..

هي قتلٌ للنّفس المحترمة، وعقوقٌ بالوالدين، وظلمٌ وطغيانٌ واستبداد..

هي سرقة وربا وتلاعب بالمكاييل والموازين.. هي قطيعة رحم، وإساءة إلى جار، وكفر بالإحسان.

هي غشٌّ وخداعٌ واستخفافٌ بالنَّاس، وإساءَةٌ إلى كراماتهم... وأخطرها الشّرك بالله، واليأس من رَوحه، والقنوط من رحمته، والأمن من مكره.

والذّنوب تتحوّل، فالذّنب الصّغير قد يصبح كبيراً، بالإصرار عليه.. والذّنب الكبير لا يبقى كبيراً بالاستغفار والتّوبة منه.

إنّ الذّنوب، أيّها الأحبّة، هي كلّ أمراض المجتمع الفكريّة والروحيّة والعمليّة، وعلى كلّ المستويات الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فقد ورد عن الإمام عليّ(ع): "الذنوب الداء، والدّواء الاستغفار، والشّفاء أن لا تعود"...

والبعد عن الذّنوب هو ما يدعو إليه كلّ عاقلٍ وواعٍ يريد الحياة العزيزة والكريمة.. ولذا جاء في حديث عليّ(ع): "لو لم ينهَ الله سبحانه وتعالى عن محارمِه، لوجب أن يجتبنها العاقل".. وقال: "إذا رغبت في المكارم، فاجتنب المحارم"... فالله لم يحرّم إلاّ ما هو قبيح ومضرّ بالفرد والمجتمع.

وقد ورد في حديث الإمام الصّادق(ع): "من يموت بالذّنوب، أكثر ممن يموت بالآجال"، ولذا كان دعاء عليّ(ع): "اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم.. اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تنـزل النقم.. اللّهمّ اغفر لي الذّنوب التي تحبس الدّعاء.. اللّهمّ اغفر لي الذّنوب التي تنـزل البلاء.. اللّهمّ اغفر لي الذّنوب التي تقطع الرّجاء".

والذّنوب ـ أيّها الأحبّة ـ كما تسيء إلى واقعنا الحياتيّ في الدّنيا، فهي السّبب في توتير علاقتنا بالله، حيث إنَّ أقلَّ الواجب لله، أن لا نستعين بنعمه على معاصيه، وهو ما ورد في الحديث عن الإمام عليّ(ع): "لو لم يتواعد الله سبحانه على معصيته (بالعقاب)، لوجب أن لا يُعصى شُكراً لنعمته". فالتّعبير عن شكر المنعم، هو باجتناب المحارم...

وعندما نصل إلى الآخرة، فإنَّ الذّنوب ستكون هي الحاجز الّذي يمنعنا من الوصول إلى رضوان الله، وهي الّتي تؤدّي إلى النّار، لذلك كان النّداء من الله للمؤمنين: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:81). لذا ورد في الحديث عن عليّ(ع): "عجبت لأقوامٍ يحتمون الطّعام مخافة الأذى, كيف لا يحتمون الذّنوب مخافة النّار؟".

البيئة الحاضنة للذنوب

أيّها الأحبَّة: هناك عددٌ من التحدّيات الّتي تواجهنا في عملنا الدَّؤوب، من أجل ترك الذّنوب وعدم الوقوع في المعاصي.

ففي هذا العصر، تكثر المغريات الّتي تقدِّم الحرام للنّاس على طبقٍ من فضّة، وتسهّل لهم الوصول إليه، حتّى أصبح الحرام هو القاعدة وليس الاستثناء. ومشكلة هذا العصر، أنّه يفرض نمطاً من العيش ينظر النّاس إليه على أنّه هو الصّحيح، ويعتبرون من لا يتجاوب معه متخلّفاً وخارجاً عن العصر وبعيداً عن الحضارة ومتطلّباتها...

ولهذا المفهوم سطوة كبيرة علينا وعلى أجيالنا في المجتمع، ويقع الكثيرون تحت تأثيره... وقد ساهمت في تعزيزه الكثير من وسائل الإعلام والاتّصال وغياب دور الأهل، والّذي كان يؤدي دوراً أساسيّاً في وقاية الأولاد من كلّ هذه المؤثّرات، بحيث كان الأهل يضعون الضّوابط لأولادهم بعدم الاختلاط أو السّهر مطوّلاً خارج البيت، خشية اللّهو والعبث ورفاق السّوء الّذين قد يسهّلون الحرام، أو بمنع الاستعمال السّلبيّ لوسائل الإعلام والاتّصال هذه... ولكنّ الأهل اليوم باتوا عاجزين عن الإحاطة بما يجري، لا بل غائبين، أو أنّهم غَيَّبوا أنفسهم، فلم يلتفتوا إلى أنّ للحرام مقدِّماتٍ توفّرها بيئاتٌ حاضنة، والبيئة هذه الأيّام قد تكون المسلسلات أو مواقع الإنترنت أو الجلسات والرّحلات وغيرها، وما يصاحب ذلك من مضامين في لهو الحديث واللّغو من أغانٍ وموسيقى وغير ذلك...

إنّ عدم التفات الأهل إلى خطورة وجود أولادهم في مثل هذه البيئات.. سيجعل حالهم معهم كما قال الشّاعر:

ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء

أيّها الأحبّة: الوقاية لأنفسنا وأولادنا، ثمّ الوقاية للمجتمع .. وهذا ما دعانا إليه الله عزّ وجلّ عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التَّحريم: 6).

وتزداد المشكلة، بحيث إنّنا أضحينا نبرّر الانحراف إذا وقع في المجتمع.. فإذا تحدّث البعض عن انحراف شابّ في سلوكٍ معيَّن، يُقال لهم: هذا شابّ في مقتبل العمر، من حقِّه أن يعيش حياته الخاصَّة وأن ينعم بملذات الحياة، فهو لا يزال في بدايتها.. وإذا أرادت فتاة أن تتحجّب يقال لها: "لم العجلة؟ الحياة امامك"، وإذا عمل أحدٌ عملاً محرّماً، يُبرَّر خطؤه بالقول: "ما عمله بسيطٌ نسبةً إلى ما يعمله الآخرون"، أو "هل نسيتم أعمال الخير الكثيرة الّتي قام بها"، وغير ذلك من التّبريرات، حتّى الحميّة التي تجعل الإنسان غيوراً على الدّين، لم نعد نجدها بالصّورة المطلوبة، فصرنا نمرّ على الحرام مرور الكرام، ونجامل الّذين يقومون به.

عدم الاستخفاف بالذَّنب

وفي الحديث عن الذّنوب داخل المجتمع، نلتقي بأكثر من التّبرير... نلتقي بالاستخفاف بالذّنب وباستصغاره، بحيث لا يرى الإنسان أنّه أذنب مع الله، وأصبحت عندنا كلمات نردّدها: "إنّ الله غفور رحيم"، ونسي أنّ الله يراقب ويحاسب وقد يعاقب، أو يقول "إنّ الله لا يمكن أن ينـزل إلى مستواي حتّى يحاسبني"، أو: "ليوم الله بيهوِّن الله"..

هذا كلّه رغم ما حذَّرت منه الأحاديث، ومنها ما ورد عن رسول الله(ص): "لا تنظر إلى صغر المعصية، بل انظر إلى من عصيت"، وفي حديث عليّ(ع): "أشدّ الذّنوب ما استهان به صاحبه". وورد أيضاً عن الرسول(ص) : "إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنّه ذبابٌ مرَّ على أنفه".

وقد ورد عن رسول الله(ص)، في مواجهته لمنطق الّذين يستصغرون المعاصي ولا يبالون بها ولا يلتفتون إلى وجودها، أنّ رسول الله(ص) نزل بأرضٍ قرعاء، فقال لأصحابه: "ائتونا بحطب. فقالوا: يا رسول الله نحن بأرضٍ قرعاء ما بها من حطب. قال: فليأت كلّ إنسانٍ بما قدر عليه، فجاؤوا به حتّى رموا بين يديه بعضه على بعضه". قال رسول الله(ص) :"هكذا تجتمع الذنوب". ثم قال: "إيّاك والمحقّرات من الذّنوب، فانّ لكلِّ شيءٍ طالباً، ألا وإنَّ طالبها يكتب ما قدَّموا وآثارهم، وكلّ شيء أحصيناه في إمامٍ مبين".

السَّتر على معاصي الآخرين

أيّها الأحبّة: إنّ علينا أن نشعر بالجرم الكبير عندما نسيء إلى علاقتنا بالله، فأيّ ذنبٍ، ومهما كان صغيراً، يجب أن يشعرنا بالأزمة حتّى نعالجه، ولهذا نحن مدعوّون، وفي كلّ المعاصي، أن نستتر ولا نجاهر بها، وذلك كنوعٍ من العلاج، على طريقة (أن نحسب حساب خطّ الرّجعة)، والحديث يأمرنا بكلّ وضوح: "فإذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا".

وأمّا إذا ما ارتكب أحدٌ غيرنا الذّنوب والفواحش، فسترها منّا واجب، فلا نستنكرها بالعلن ولا بالإعلام كما هو حاصل اليوم، إلا في حال ظهرت وأصبحت بالتّالي تحتاج إلى ردّ فعلٍ لمواجهتها، وهذا ما أشار إليه الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(النّور: 19). وعن أمير المؤمنين(ع) أنّ النّبيّ(ص) قال له: "لو رأيت رجلاً على فاحشة؟ قال عليّ: أستره، قال الرّسول(ص): إن رأيته ثانياً؟ قال عليّ: أستره بإزاري وردائي، إلى ثلاث مرّات، فقال النبيّ(ص): لا فتى إلا عليّ، وقال: استروا على إخوانكم".

واجب التّوجيه والإرشاد

إنَّ من واجبنا كأفرادٍ أن نحمي ليس فقط أنفسنا، بل مجتمعنا أيضاً.. فمسؤوليّتنا كبيرة في التنبّه إلى ما يتمّ غزونا به، ومطلوبٌ تجميع القوى وأخذ المبادرات، وتفعيل ذلك من خلال التّوجيه والإرشاد في البيوت والمساجد، ومن خلال الجمعيّات والمؤسّسات والبلديّات، ووصولاً إلى القوانين، وكلّ ذلك بأسلوبٍ واع. فمن واجبنا أن نحمي أنفسنا من الذّنوب، كما نحمي أنفسنا من الأمراض الجسديّة، فنتائجها أخطر وأكبر، ومن حقِّنا أن نعترض عمّا يهدّد أمننا وأمن أولادنا الرّوحيّ والإيمانيّ والاجتماعيّ والأخرويّ، ولنطالب بما يلزمنا من تأمين مساحاتٍ للّهو البريء وللرّياضة والفنون الرّاقية التي تهذّب النّفس وتريحها، لا التي تنحدر بها إلى مزالق الذّنوب.

أيّها الأحبّة.. لا تخدعنّكم الدّنيا، ولا يغرّنّكم بالله الغرور.. صوموا عن الذّنوب... اللّهمّ حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الرّاشدين.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

مصادقة أمريكية على تهويد القدس

مع انتهاء أجواء العيد، تتسارع التطوّرات على السّاحة الإقليميّة والعالميّة، ويدخل الواقع الإسلاميّ في مرحلةٍ حرجة بدأت معالمها تظهر على أكثر من صعيد.

ففي فلسطين المحتلّة، يسارع الصَّهاينة، ومعهم الأميركيّون، إلى جولةٍ جديدةٍ من المفاوضات مع السّلطة الفلسطينيّة في قلب القدس المحتلّة، لتكون الرّسالة السياسيّة الحاسمة قد وصلت إلى العالمين العربيّ والإسلاميّ، بأنّ المصادقة المبدئيّة على تهويد القدس قد بدأت فعلاً، وخصوصاً مع إعلان العدوّ، أنّ خطّةً تشمل بناء 1300 وحدة سكنيّة استيطانيّة في القدس المحتلّة أوشكت أن تبدأ، إلى جانب إعلان رئيس حكومة العدوّ بأنّ الزّحف الاستيطانيّ سيستمرّ، وسيأخذ أبعاداً جديدةً مع استمرار المفاوضات، فيما تتحدّث أوساط متعدّدة عن رضوخ السّلطة الفلسطينيّة لهذا المنطق، بعد سلسلةٍ من الضّغوط الأميركيّة، الّتي انضمّت إليها ضغوط عربيّة موازية، وخصوصاً لجهة التسليم بيهوديّة الكيان الّتي أعلن المبعوث الأميركيّ عن تبنّيها، ليشير إلى الفلسطينيّين بضرورة ترتيب أوضاعهم وفق مقتضيات الوضع الصّهيونيّ، ونزولاً عند شروط العدوّ المذلّة...

الإثارة المذهبية تخدم مشروع العدو

إنّ ذلك كلّه يوحي بأنّ الإدارة الأميركيّة تعمل لإقفال الملفّ الفلسطينيّ بمشروع حربٍ واسعة النّطاق في المنطقة، يدخل فيها العنوان المذهبيّ على الخطّ، مشفوعاً بحملات التّخويف من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وبرنامجها النّوويّ السّلميّ، والّذي أثارته مجدّداً وكالة الطّاقة الذّرّية بطريقةٍ مريبة، ما يدفع المنطقة إلى عقد صفقات تسلّحٍ جديدةٍ مع الإدارة الأميركيّة، بحجّة التصدّي للخطر الإيرانيّ، وهو الأمر الّذي أعلن العدوّ موافقته عليه، وعمل على التّرويج له في وسائل إعلامه، لأنَّ الخطّة هي تخويف المسلمين بالمسلمين، واستثارة الأوضاع بحملاتٍ أخرى إعلاميّة وسياسيّة ودينيّة، يدخل فيها بعض الموتورين على الخطّ، في سياق حملة شتائم تهدف إلى إيقاد نيران الفتنة المذهبيّة في الواقع الإسلاميّ لحساب العدوّ الّذي بدأ يمنّي النفس إلى أنّ خطّته الجهنميّة تأخذ طريقها إلى النّجاح.

إنّنا ندعو الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، إلى تلمّس مواقع الخطر في الهجوم الدّوليّ والصّهيونيّ على فلسطين وقضيّتها، وفي السَّعي لإثارة الفتنة في الواقع الإسلاميّ، لتنطلق طلائع الوعي في الأمّة، فتقطع الطّريق على محور الاستكبار العالميّ، وعلى كلِّ من يعمل لخدمته بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ولتعمل على صون وحدة الأمَّة، ومنع اللاعبين الكبار وعملائهم الصِّغار من العبث بهذه الوحدة أو تعريضها للخطر.

حملات تستهدف الإسلام

وإلى جانب ذلك، تبرز الهجمة الدَّوليَّة على الكيان الإسلاميِّ كلِّه، في الدّعوة إلى حرق القرآن، وفي القوانين الّتي بدأت تطلُّ برأسها في بعض الدّول الأوروبيَّة، لجهة منع النِّقاب، وهي القوانين الّتي تمثِّل المقدِّمات الطّبيعيَّة لحملاتٍ أخرى قادمة تستهدف الشَّخصيَّة الإسلاميَّة في عناوين ومعطياتٍ جديدة... وصولاً إلى الاستهداف المباشر للوجود الإسلاميّ على الأرض الإسلاميَّة، كما يحصل في كشمير الّتي لا تزال تنـزف دماءً، وتئنُّ تحت وطأة حملات القمع الّتي استهدفت أهلها الّذين هبّوا للتَّظاهر دفاعاً عن القرآن الكريم، في مشهدٍ يشبه المشهد الأفغانيّ بمعطياته القديمة والجديدة، وفي دلالاتٍ جديدةٍ على أنَّ اعتراف المسلمين بالآخرين، وسعيهم للتّعايش معهم، لم يمنع هؤلاء من اضطهادهم أكثر، واحتلال بلادهم، ونهب خيراتهم وثرواتهم..

لبنان: تحذير من أبواق الفتنة

أمّا في لبنان، فهناك من ينفخ ببوق الفتنة، مدفوعاً إلى ذلك بتأثيراتٍ خارجيّةٍ، وبعصبيّةٍ سياسيّةٍ وحزبيّة، ما يعرِّض الوحدة الوطنيَّة لمزيدٍ من الأخطار، ويضع البلد على أبواب مرحلةٍ معقّدةٍ وخطيرة..

إنّنا نحذِّر من شغف البعض بافتعال المشاكل، ومن تحضير الأجواء سياسيّاً وإعلاميّاً لأزماتٍ وفتنٍ قادمة، لأنَّ من شأن ذلك العبث بمسيرة السِّلم الأهليّ كلّها، وتهيئة الأرض الدّاخليَّة لعدوانٍ صهيونيّ قادم، أو لفتنٍ تصيب تعايش أبناء الوطن الواحد في الصّميم..

هذا، ويجب أن لا يغيب عن بال المسؤولين، صعوبة الوضع المعيشيّ والاقتصاديّ الّذي يرزح تحت وطأته المواطن اللّبنانيّ، وخصوصاً أنّنا على أبواب عامٍ دراسيّ جديد، يجهد فيه الأهل للحصول على ما يقيهم الغرق أكثر في التزاماتٍ لا يقدرون على تأمينها إلا بشقّ الأنفس.

التقيّد بأنظمة السّير حكم شرعيّ

وأخيراً، لا بدّ لنا مع ازدياد حوادث السّير، بحيث بلغ عدد ضحاياها من القتلى والجرحى والمعوّقين المئات، وأمام هذا الواقع الّذي نفقد من خلاله الكثير من الأحبّة، ومن الطّاقات الحيّة من أبناء هذا البلد، لا بدّ من أن ندعو الدّولة في البداية، إلى التشدّد في القيام بمسؤوليّاتها، وذلك بالتشدّد في منح رخص القيادة، فلا تُعطى كيفما كان، إلى جانب التشدّد في وضع قوانين حازمة للسّير، والرّقابة في تطبيقها، وأيضاً في إزالة كلّ ما يعيق حركة السّير ويؤدّي إلى حصول تلك الحوادث، والعمل على استصدار تنظيمٍ فعّالٍ لحركة السيّارات والشّاحنات في الطّرق الدّوليّة والأوتوسترادات.

كما ندعو كلّ أحبائنا من المواطنين، إلى التقيّد بأنظمة السّير، وعدم تجاوز السّرعة القانونيّة، وهذا حكم شرعيّ، فلا يجوز شرعاً تجاوز أنظمة السّير، ولا يجوز مخالفة السّرعة المحدّدة، كما لا يجوز عدم استعمال كلّ وسائل الأمان في السيّارة.. فالّذي يقود السيّارة هو مسؤول عن حياته، ولا حقّ له بأن يغامر بها، كما هو مسؤول عن حياة الّذين معه في السيّارة، ومن حوله ممن يسيرون في الطّريق، ولتكن القاعدة في قيادة السيّارة هي حماية النّفس وكلّ الآخرين.

وهنا لا بدّ من الالتفات إلى المسؤوليّة الشرعيّة التي يتحمّلها الإنسان عند قيادته السيّارة تجاه كلّ الّذين وضعوا أنفسهم وحياتهم تحت سلطة قيادته، فلا ينبغي للمزاج ولا الرّغبة في السّرعة أن يكونا الحاكمَين في ذلك.

أيّها الأحبّة: إنّ حياتكم غالية على قلوبنا وقلوب كلّ المحبّين لكم، وهي غالية قبل ذلك عند ربّكم، ولا سيّما عندما تكون في خطّ طاعة الله وخطّ رضاه، فلا تضيّعوها.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 9 شوَّال 1431 هـ الموافق: 17/09/2010 م