22 أغسطس 2010


بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في الخطبتين:

الخطبة الأولى

البر والتكافل الاجتماعي في الإسلام

قال الله تعالى في كتابه المجيد: {ليس الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ...}[البقرة: 177].

البرّ بالنّاس سبيلنا إلى الله

يطرح القرآن الكريم في هذه الآية معادلةً واضحةً وصريحةً، ليقول لنا، وبكلّ حزم: إنّ صدق العلاقة به، حبّاً، شكراً، مسؤوليَّة، لا يمكن أن تتمَّ من خلال حسن العلاقة به فقط، رغم أهميَّتها، بل من خلال خدمة النَّاس والقيام بمسؤوليّاتهم.

فإذا أردت أن يُحبِّك الله، فلا بدَّ من أن تحرص على خدمة عياله، وإدخال السّرور إلى قلوبهم، يقول رسول الله(ص): "الخلق كلّهم عيال الله، فأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله"، وفي حديثٍ آخر عنه(ص): "من أدخل على أهل بيت مؤمنٍ سروراً، ومشى مع أخيه في حاجته".

وإذا حرصت على أن تشكر الله وتقدّر عطاءاته، فاعمل على أن تشكر النّاس وتُقدّر عطاءاتهم، وقد ورد في الحديث عن الإمام زين العابدين(ع): "أشكركم لله، أشكركم للنّاس".

كما ورد في الحديث عنه(ع): "يقول الله تبارك وتعالى لعبدٍ من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك يا ربّ.. فيقول: لم تشكرني إن لم تشكره".

وعندما تطلب التَّوفيق والعون من الله، فاعمل على أن تكون في عون أخيك في الإيمان، النّظير لك في الإنسانيَّة، فقد ورد عن رسول الله(ص): "إنّ الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه".

وإذا أردت أن توفّي الله حقّه تجاه كلّ نعمةٍ أغدق بها عليك، جمالاً، رزقاً، قوّةً، منصباً، عِلماً... فعليك أن تحرّكها في خدمة خلقه.

وإذا أراد الواحد منَّا أن يبلغ جنَّة الله ويصل إلى رضوانه ورحمته، وهذا مبتغى كلّ المؤمنين العابدين، فالسَّبيل إلى ذلك ما ورد في الآية: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِين * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات: 15-19].

مظاهر التّكافل الاجتماعيّ

والعلاقة مع الله ـ أيّها الأحبّة ـ قد تتعرَّض إلى خللٍ بسبب الذّنوب أو المعاصي، فانطلاقاً من إيمانك، فإنَّك تسعى جاهداً لتُصلح هذه العلاقة... وهنا يرشدك الله إلى الطّريق ويقول لك: توجَّه إلى الفقراء، ساعدهم، فكفَّارة الذّنب هي إطعام المساكين، وتنفيس كرب المهمومين.

وقد ورد عن عليّ(ع): "من كفَّارات الذّنوب العظام، إغاثة الملهوف، والتَّنفيس عن المكروب".

من هنا، فإنَّ من أبرز المسؤوليَّات الَّتي حدَّدها الله للنَّاس، هي حلُّ مشاكلهم، وخصوصاً الاقتصاديَّة، وقد دعاهم في أكثر من موقعٍ وفي أكثر من مستوى، إلى أن يكفل بعضهم بعضاً، وأن يتعاونوا، حتَّى لا يبقى محتاجٌ بينهم إلا وقُضيت حاجته... والله سبحانه وتعالى لم يترك الأمر، بل نظّمه من خلال الفرائض الماليَّة، ولذلك أوجب الزّكاة، وأمر رسوله بأن يبدأ بتنفيذ حكم الله بها: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التّوبة: 103]. وقد ورد في الحديث عن الصّادق(ع): "إنّ الله تعالى فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم (ما يكفيهم)، ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم". ووصف الزّكاة قائلاً: "إنّما وضعت الزّكاة اختباراً للأغنياء، ومعونةً للفقراء، ولو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم، ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، ولاستغنى بما فرض الله عزّ وجلّ له، وأنّ النّاس ما افتقروا، ولا احتاجوا، ولا جاعوا، ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء".

كما دعا الله سبحانه إلى أداء واجب الخمس، واعتبر ذلك عملاً عباديّاً واجباً، كما هي الزّكاة، وكما هي الصَّلاة، وبدأ رسول الله(ص) بتطبيقها في المجتمع الّذي انطلق منه برسالته: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[الأنفال: 41].

أمّا الصّدقة، فهي القيمة الأبرز في التّكافل الاجتماعيّ، وقد أشارت الأحاديث إلى أنّها جُنّة من النّار، وهي التي تُطفئ غضب الرّبّ، وتدفع البلاء، وتسدّ سبعين باباً من الشّرّ، وتنزل الرّزق، وتزيد في الأعمار والحسنات، وهي الّتي أشار الله إلى أنّها تقع بيده قبل أن تقع بيد الفقير والمحتاج.

وهو ما بيّنته الآية الكريمة: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ}[التّوبة: 104] .... وقد ورد في الحديث القدسيّ: "ما من شيءٍ إلا وكلت من يقبضه غيري، إلا الصّدقة، فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفاً".

أيّ قيمةٍ هي هذه القيمة، فلا نحرم أنفسنا ـ أيّها الأحبَّة ـ من هذا الفضل، بتقصيرنا عن إعطاء الصَّدقة لمستحقّيها من الفقراء والمساكين والأيتام والمعوّقين.

علّة الصّيام

ولم يكتف اللّه عزّ وجلّ بالتّذكير والتّرغيب للقيام بمسؤوليّاتنا تجاه الفقراء، بل أراد أن يربّينا على هذا العطاء ، وأكثر من هذا، أراد أن يُدخلنا التّجربة، وأن نعيش الألم الّذي يعانيه الفقير: ألم الجوع والعوز والحاجة، ولهذا رحمنا اللّه وأوجب علينا فريضة الصّيام..

فقد أراد اللّه تعالى أن يوقظ أحاسيسنا بالصّيام، وليس أقوى من الألم كدافعٍ للتحرّك تجاه الّذين يقضون حياتهم كلّها في الألم والجوع، الجوع الّذي لا ينقضي بانقضاء ساعات النّهار ومجيء وقت الغروب، ولا عند انتهاء الشّهر ومجيء العيد.

فقد ورد في حديث الإمام الصّادق(ع) عن عِلّة الصّيام: "إنّما فرض اللّه الصّيام ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع ليرحم الفقير، لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد اللّه تعالى أن يسوّي بين خلقه، وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف ويحنو عليه".

وقد حرص رسول اللّه(ص) على الإشارة إلى المسؤوليّات تجاه الفقراء والأيتام وذوي الحاجة، في خطبته في شهر رمضان، حيث قال: "وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، وتحنّنوا على أيتام النّاس يتحنّن على أيتامكم".

وحثّ في شهر رمضان على إكرام الأيتام: "من أكرم فيه يتيماً أكرمه اللّه"، والاستمرار بذلك إلى أن يستغني. وأشار(ص) إلى موقع كافل اليتيم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة"، وأشار بالسبّابة والوسطى.

وفي شهر رمضان، صدح صوت عليّ(ع) مناشداً المسلمين في وصيّته الأخيرة: "اللّه اللّه في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فإنّي سمعت رسول الله(ص) يقول: من عال يتيماً حتّى يستغني، أوجب الله له الجنّة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النّار".

التّعاون لإعانة الضّعفاء

أيّها الأحبّة..

شهر رمضان أراده اللّه أن يكون فرصتنا لنتعاون على حلّ مشاكلنا الّتي باتت تتفاقم يوماً بعد يوم نتيجة الأزمات المتعدّدة، ولا سيّما الاقتصاديّة، وهو ما يحتاج منّا إلى تكامل وتعاون من أجل أن نؤدّي مسؤوليّتنا تجاه ربّنا، وحتّى نعمل على إعانة الضّعفاء في مجتمعنا، الّذين قد يتحوّلون إلى مشكلة للمجتمع إذا ما أدار المجتمع ظهره لهم، وقد نخسر الكثير من طاقاتهم التي نحتاج إلى من يوظّفها لتؤدّي وظيفتها في الحياة.

وانطلاقاً من هذا الشّهر المبارك، شهر المواساة للفقراء والأيتام وكلّ ذوي الحاجات في المجتمع، لا بدّ من أن نبادر إلى تحمّل مسؤوليّاتنا تجاه هؤلاء، وذلك بالوقوف مع المؤسّسات التي ترعاهم، سواء في داخل المؤسّسات الخاصّة بهم، أو في مواقع تواجدهم في بيوتهم، والعمل على القيام بمبادراتٍ جماعيّة تنطلق من المساجد، ليكون في كلّ مسجد لجنة تهتم بالفقراء والمحتاجين والأيتام والمديونين، وبذلك نعيد إلى المسجد دوره الفاعل.. أو من خلال لجان في الأحياء والقرى والمدن، فلا يكفي أن نعذر إلى الله بعدم القيام بالمسؤوليّات تجاه هؤلاء، بعدم القدرة على خدمتهم، بل الإعذار يكون من خلال حثّ الأفراد والمجتمع على التّعاون إن لم يتحرّك بملء إرادته.

إنّنا نستطيع أن نقوم بالكثير عندما نتحرّك ونتعاون وننمّي قدراتنا، فيد الله مع الجماعة: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: 2]، ولا ننسى أنّ "الدّالّ على الخير كفاعله".

أيّها الأحبّة: أيّ سعادة أكبر من أن ترسم البسمة على وجه فقير، وتعيد إشراقة الأمل إلى وجه يتيم، وتنفّس عن المهموم، وتخفّف عن المكروب، بحيث يتّسع قلبك لكلّ الآخرين، وبذلك تصبح حياتك ممتدّةً في حياتهم.

أيّها الأعزّة: هذا هو ديننا، لا يقبل أن تبيت شبعان وغيرك جائع، أو أن ترتاح وغيرك يتألم.. هذا الشّعور بالآخر، وروح التّكافل والتّعاون والتطوّع والاحتضان، هو ما يفتقده الغرب الّذي لم يجد علماء الاجتماع والتّربية فيه سبيلاً للوصول إلى هذه الرّوح، إلا أن يعتبروا خدمة المجتمع والاهتمام بشؤونه بنداً مرجِّحاً لقبول الطلاب في أهمّ الجامعات والمعاهد، وبعض الوظائف، بعدما لم تفلح كلّ الوسائل الأخرى.

فنشكر الله على كلّ نعمائه وفضله، عندما أودع فينا الإحساس بالمسؤوليّة، وترك لنا النّبع الّذي ننهل منه، وجعلنا أناساً يستحقّون اسم الإنسانيّة.. ونظلّ ندعو: "اللّهمّ حبّب إلينا صحبة الفقراء، وأعنّا على صحبتهم بحسن الصّبر والقيام بمسؤوليّاتهم".

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

فلسطين: رهينة المشروع الصهيونيّ

لا تزال القضية الفلسطينية رهينة المشروع الأمريكيّ الصّهيوني، في تمييع معالمها، لتسقط بالكامل في أحضان التّهويد والإلغاء لمشروع الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة.

وفي هذا السّياق، تبرز حركة الجامعة العربيّة التي تتصرّف وكأنها أداة في يد المشروع الاستكباريّ، للضّغط على الفلسطينيّين للذهاب إلى التفاوض المباشر دون شروط مسبقة، ما يعني أنّ مبادرة الرباعيّة الدّولية التي يتمسّك بها الجانب الفلسطينيّ الرّسميّ، لن تكون إلا ورقة التّوت في نفق التّسوية الاستسلاميّة..

إنّ الخطورة تكمن في أنّ الانزلاقة الجديدة ستكون جسراً لعدوان صهيونيّ جديد، قد يكون لبنان السّاحة الّتي ينفذ منها إلى المنطقة العربيّة والإسلاميّة عموماً، إلى جانب المحكمة الدّولية التي يُراد لها ـ في اللّعبة السياسيّة الدّوليّة ـ أن تكون جزءاً من عمليّة تهيئة أجواء كبرى لمشاريع استكباريّة عدوانيّة جديدة.

الهجمة الاستكباريّة على الأمّة

وإلى جانب ذلك، ندرك تماماً أنّ الحملة الأمريكيّة ـ الأوروبيّة على الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، تحت عنوان القلق من أن يذهب المشروع النّوويّ الإيراني في اتجاهات عسكريّة، هي جزء من هذا المخطّط الرامي إلى تسليط الضّوء على حركات المقاومة والممانعة، وإظهار أنّها تمثّل الخطر على سلام المنطقة وأمنها، لإعطاء الكيان الصّهيونيّ المزيد من الفرص لتبييض صورته، والإعداد لجولاتٍ عدوانيّةٍ جديدة. ومن هنا، يمكننا أن نفهم خطورة الانسياق في اللّعبة المذهبيّة التي تسوّق لها الكثير من وسائل الإعلام، ومن الفضائيّات التي أصبحت سيفاً مسلطاً على الأمّة، في كلّ الحساسيّات والعصبيّات التي تُثار خدمةً للمشروع المعادي، وكأنّ مصائب الأمّة في تكالب الآخرين عليها لا تكفيها، حتى تُقام غرف العمليّات الإعلاميّة والسياسيّة لتهديم الهيكل الإسلاميّ على رؤوس الجميع، في عمليّة تكفيرٍ ممنهجة، تُنفق فيها الأموال الطّائلة.

العراق: للإسراع في إخراج المحتلّ

ولا تزال مأساة الجرح العراقي تفرض نفسها على الواقع، في مرحلة حبس الأنفاس والخشية من الانسحاب الأمريكي من العراق..

إنَّنا نقول للجميع: إنّ عليهم ألا يخشوا خروجاً للمحتلّ من أيِّ موقعٍ من المواقع العربيَّة والإسلاميّة، بحجّة حدوث فراغٍ لا يمكن ملؤه، لأنّنا نعتقد أنّ كلّ الحلول هي أفضل من وجود الاحتلال الّذي جلب القتل والفقر والدّمار إلى المنطقة كلّها، ولأنّ الأمّة لا يمكن أن تتنفّس هواء الحريّة والسّيادة والكرامة الحقيقيَّة تحت حراب المحتلّ.

لكن يبقى على العراقيّين مسؤوليّة كبيرة في حماية وحدتهم الدّاخليّة، والخروج من النّفق المظلم الّذي لا يزال يعيشون فيه، والّذي يترك تأثيره على ثقة النّاس بمن يحكمونهم.. حتّى يستكملوا بذلك خروج الاحتلال من أرضهم، ولا يسمحوا له بالتّلاعب بأمنهم وسياستهم، لإبقاء وجوده تحت عنوان الحاجة إليه لحفظ الاستقرار.

لبنان: للتّعاطي الجدّيّ مع قضايا النّاس

أمّا في لبنان، فإنّنا في ظلّ هذه المعمعة السّجاليّة التي لا تنتهي فصولاً حول المحكمة الدّوليّة، والإيحاءات الخارجيّة التي يُراد للبلد أن يسير في فلكها، ندعو المسؤولين جميعاً إلى تحمّل مسؤوليّاتهم في حماية البلد ووحدته، وعدم الوقوع في كمين اللّعبة الدّوليّة الساعية لإحراق لبنان أو لاستخدامه كحطب في مدافئ المنطقة ولهيبها المشتعل.

أيّها المسؤولون: إنّ هذا البلد مهدّد بانفجار شعبيّ كبير، وما نراه من هبّاتٍ مشحونة بالغضب والإحباط واليأس، قد تنذر بكوارث قادمة، ولا علاج لآلام النّاس ومشاكلهم بتقاذف المسؤوليّات بين هذا المسؤول أو ذاك، أو إدراجها في الصّراع الدائر بين المحاور السياسيّة، أو بوضعها على نارٍ هادئةٍ بانتظار انتهاء الملفّات الأخرى، بحجّة أنّ الإصلاح الجذريّ لموضوعي الكهرباء والمياه يحتاج إلى خطة طويلة!!.

إنّنا نقول: إذا كان مسؤولو هذا البلد ومترفوه يستطيعون انتظار السّنوات الطّويلة، وهم في مكاتبهم النّاعمة وفرشهم الوثيرة، والهواء المنعش يداعب أجسادهم، فإنّ غالبيّة اللّبنانيّين الذين انتخبوهم وأوصلوهم إلى مواقعهم، لن يستطيعوا صبراً.. فلا بدّ للمسؤولين من أن يفكّروا في المخارج الآنيّة بانتظار المخارج المستقبليّة، وسيجدون السّبيل إلى ذلك إن كانوا جادّين، وإلا عليهم أن يبيّنوا للنّاس الحقيقة، وليعلنوا لهم أنّهم ليسوا قادرين على حلّ مشاكلهم، ليعرف النّاس كيف يسيرون وإلى أين يسيرون، ولمن سيعطون قيادهم.

أيّها المسؤولون: إنَّ هذا الشَّعب شعبكم الّذي أتعبته الأيّام والحروب والفتن والأوضاع الاقتصاديّة الصّعبة، وإنّكم تستطيعون فعل الكثير إن أردتم، ولكن تنصرفون عنهم بحجّة انشغالكم بالقضايا الكبرى، ولكنّ أليست قضيّة هذا الشّعب في خدماته الحيويّة من القضايا الكبرى، وإلا أيّ إنسانٍ هو هذا الإنسان الّذي نريد أن نستند إليه وهو لا يجد طعاماً، ولا ماءً ولا كهرباء، ولا حتى أبسط الخدمات.

أيّها المسؤولون: اتّقوا الله في هذا الشّعب الصّابر، وفي هذه البلاد الّتي أرهقتها كلّ المحن التي أنتجتها هذه الطّبقة من المسؤولين الّذين انشغلوا بثرواتهم ومواقعهم عن قضايا النّاس الأساسيّة.. اتّقوا الله في عباده وبلاده، فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم.

التاريخ: 10 رمضان 1431 هـ الموافق: 20/08/2010 م

ليست هناك تعليقات: