29 أغسطس 2010

تشويه صورة حركات المقاومة لتبييض صورة العدو

في فلسطين المحتلة لايزال المشروع الأميركي الصهيوني هو هو، في تمييع قضيّة فلسطين، لتسقط بالكامل في أحضان التهويد والإلغاء لمشروع الدولة الفلسطينيّة المستقلّة؛ لأنّها لن تكون قابلةً للحياة في ظلّ توسيع المستوطنات المنهجيّ والمدروس.

وفي هذا السياق تبرز حركة الجامعة العربية كأداة في يد المشروع الاستكباري، للضغط على الفلسطينيّين للذهاب إلى المفاوضات المباشرة، نزولاً عند الشروط الصهيونية التي أكد عليها العدو منذ البداية، وهي التفاوض دون شروط مسبقة، ما يعني أن مبادرة الرباعية الدولية التي يتمسك بها الجانب الفلسطيني الرسمي لن تكون إلا ورقة التوت في نفق التسوية الاستسلامية، مع ما يعنيه ذلك من إجهاض لحقوق الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة وخارجها..

إن الخطورة تكمن في أن الانزلاقة الجديدة لن تكسر ظهر الفلسطينيين فحسب، بل ستكون جسراً للعدو لكي يذهب من خلاله بعيداً في مشاريع عدوانية جديدة، قد يكون لبنان ساحة النفاذ منها إلى المنطقة العربيّة والإسلاميّة عموماً، إلى جانب المحكمة الدولية التي يُراد لها ـ في اللعبة السياسية الدوليّة ـ أن تكون جزءاً عمليّة تهيئة أجواء كبرى لمشاريع استكباريّة عدوانيّة جديدة.

وإلى جانب ذلك ندرك تماماً أن الحملة الأميركية - الأوروبية على الجمهورية الإسلامية في إيران، تحت عنوان القلق من أن يذهب المشروع النووي الإيراني في اتجاهات عسكرية، هي جزء من هذا المخطط الرامي إلى تسليط الضوء على حركات المقاومة والممانعة، وإظهار أنها تمثل الخطر على سلام المنطقة وأمنها، لإعطاء الكيان الصهيوني المزيد من الفرص لتبييض صورته، والإعداد لجولات عدوانية جديدة، ومن هنا يمكننا أن نفهم خطورة الانسياق في اللعبة المذهبية التي تسوّق لها الكثير من وسائل الإعلام، ومن الفضائيات التي أصبحت سيفاً مسلطاً على الأمة، في كل الحساسيات والعصبيات التي تُثار خدمةً للمشروع المعادي، وكأن مصائب الأمة في تكالب الآخرين عليها لا تكفيها حتى تُقام غرف العمليات الإعلامية والسياسية لتهديم الهيكل الإسلامي على رؤوس الجميع، في عملية تكفير ممنهجة، تُنفق فيها الأموال الطائلة، التي ينبغي أن تذهب إلى الفئات الفقيرة والمنكوبة بفعل الكوارث الطبيعية التي تصيب بعض بلاد المسلمين اليوم.

وإننا نقول للجميع: إن عليهم ألا يخشوا خروجاً للمحتل من أي موقع من المواقع العربية والإسلامية، بحجة حدوث فراغ لا يمكن ملؤه، لأننا نعتقد أن كل الحلول هي أفضل من وجود الاحتلال الذي جلب القتل والفقر والدمار للمنطقة كلها، ولأن الأمة لا يمكن أن تتنفّس هواء الحرية والسيادة والكرامة الحقيقية تحت حراب المحتل.

ونحن بالمناسبة ندعو العراقيين إلى حماية وحدتهم الداخلية، والإسراع في الخطوات التي من شأنها إخراج المحتل الأميركي تماماً من أرضهم، لأن ما يعانيه العراقيون من تفجيرات وحشية ومجازر جماعية إنما يتحمّل الاحتلال مسؤوليتها بشكل مباشر أو غير مباشر... لذلك فإن كاهل الاحتلال عندما يرتفع عن صدور العراقيين فمن شأنه أن ينعكس إيجاباً على كل المواقع العربية والإسلامية المجاورة للعراق، لا بل على مستوى الأمة كلها.

أما في لبنان، فإننا في ظل هذه المعمعة السجالية التي لا تنتهي فصولاً حول المحكمة الدولية، والإيحاءات الخارجية التي يُراد للبلد أن يسير في فلكها، ندعو المسؤولين جميعاً إلى تحمّل مسؤولياتهم في حماية البلد ووحدته وعدم الوقوع في كمين اللعبة الدولية الساعية لإحراق لبنان أو لاستخدامه كحطب في مدافئ المنطقة ولهيبها المشتعل، وندعو الحكومة إلى القيام بواجباتها الأساسية المتصلة بخدمات الناس وبحياتهم اليومية، وخصوصاً الكهرباء والمياه والمواصلات، لأننا نخشى أن يتحول كل هذا الضجيج إلى مهرب يخرج فيه المسؤولون من مسؤوليات ليلقوا بتبعات تقصيرهم على الوضع السياسي العام. وفي ذلك مزيد من الإرهاق للناس وخصوصاً المستضعفين الذين حملوا أعباء البلد في أيام الحرب والأزمات ويُراد لهم أن يدفعوا الأثمان مضاعفة في المراحل اللاحقة...



علي محمد حسين فضل الله

ليست هناك تعليقات: