8 أغسطس 2010

مناقب الراحل فضل الله تتألق في كلمات التأبين المركزي بقرية عالي البحرين



سعيد محمد - صحيفة الوسط البحرينية:

كان صوت المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، رحمه الله، يتغلغل (حياً ومؤثراً) في قلوب وآذان حضور حفل التأبين المركزي بقرية عالي مساء أمس، ممزوجاً بأصوات المؤثرات الحزينة التي احتواها الفيلم القصير لتنطلق كلماته: «لا أحمل في قلبي حقداً على أحد... أحبكم جميعاً لأننا نعيش معاً من أجل الأخوة في الله، ومن أجل أن نتعاون على أن يكون الحب للجميع... أن نحب كل الناس... أن نحب الذين يتفقون معنا ونتعاون معهم، ونحب الذين يختلفون معنا لنتحاور معهم»، لكن العبارة الأشد تأثيراً في النفوس هي تلك اللافتة القماشية التي كتبت عليها عبارة «أستودعكم الله».

وقد أطلت مناقب المرجع الراحل في تألق بين عبارات الكلمات الخطابية التي ألقيت مساء أمس في مجلس التأبين المركزي الذي نظمته مؤسسات قرية عالي في مأتم الحاج حسن العالي، فيما توحد مسار الدعوات إلى الاستفادة من تراث «رجل الحوار الدافئ والمحبة والسلام»، وتحويل ذكراه إلى ساحة بحث وميدان سباق فكري وعلمي وعملي لمعرفة المزيد من شخصيته في مؤتمرات وندوات علمية وجوائز تحفيزية تحمل اسمه.

وبدأ مجلس التأبين بتلاوة آي من الذكر الحكيم لروح الفقيد فيما قرأ الحضور الفاتحة وأهدوا ثوابها إلى روحه لتنطلق أولى خطب التأبين التي ألقاها باسم مؤسسات قرية عالي السيد عبدالله السيد مجيد والتي قال فيها إن «فقد العالم خسارة وثلمة في الدين، ورحيل العالم المخلص كفقيدنا الغالي خسارة كبرى ولكن الخسارة الأكبر حين نتناساه ونتجاهل منهجه، فالموت ليس خاتمة الحياة دائماً وإنما هو مفجر لحياة من نوع جديد كما الشمعة تنطفئ لكي تضيء الدرب لتنير دروباً جديدة».

ومن جانبه، قدم النائب البرلماني السيد حيدر الستري في كلمته المعنونة بـ«المرجعية والقضايا الإقليمية»، إضاءة تطرق فيها إلى دور الفقيد على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي، حيث «كان الفقيد المرجع قمة، فعلى المستوى الفكري تمكن من صوغ مفاهيم قد تكون خاصة به ومصطلحات - إذا صح التعبير - يمكن أن نصفها بالمفاهيم والمصطلحات الودية مع القديم ومع درجات الإدراك المختلفة ومع الثقافات ومع الإيديولوجيات المتباينة القادرة على انتزاع قبول الجميع وإعجابهم والتربع على عرش التعابير الإبداعية الجزلة والممتلئة والقوية والمعاصرة».

أما الباحث سالم النويدري فتناول حركة الوعي الديني في البحرين من مطلع السبعينيات إلى أواخر التسعينيات وتأثير العلامة فضل الله في رفدها وتطورها، وأشار في كلمته إلى أنه كان المطلوب منه تقديم قصيدة شعر لكنه ارتأى إرجاء الحديث العاطفي إلى مجال آخر ويكتفي بالحديث عن تنامي الوعي الديني في البحرين من مطلع الستينيات حتى أواخر السبعينيات، وقال: «اخترت هذه الفترة بالذات لكون الفترة السابقة عليها لها شئونها وهمومها ولكون الفترة اللاحقة لها مميزاتها وبحاجة إلى وقفة ووقفة».

وتحت عنوان «المبدئية والواقعية في الفكر السياسي» تحدث رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري ليشير إلى أن لبنان قدم للأمة ثلاثة مشاريع كبرى هي: السيد الصدر، حزب الله، والسيد فضل الله، مشيراً إلى أن السيد فضل الله كان مدرجاً على قائمة الإرهابيين المطلوبين لدى الولايات المتحدة الأميركية، وبعد وفاته، خرجت الأقلام من كل مكان - ومن الغربيين أنفسهم – لتشير إلى أن أحد أخطاء الإدارة الأميركية أنها أدرجت رمزاً من رموز التسامح وباباً من أبواب الحوار في العالم الإسلامي في دائرة الإرهاب، حتى أن الرئيس باراك أوباما حين يتحدث عن الحوار مع العالم الإسلامي فيقال له: مع من تتحدث إذا أغلقت الأبواب، وأدرجت مثل السيد فضل الله ضمن الإرهابيين؟ مع من تتحاور؟.

ونقل مجلس التأبين تسجيلاً هاتفياً باسم عائلة الفقيد تحدث فيه السيد علي فضل الله الذي نقل تقدير واعتزاز العائلة بشعب البحرين بكل اتجاهاتهم ممن وضعوا مكانة عالية للسيد فضل الله، فيما قدم الشيخ صادق الدرازي قصيدة شعر بهذه المناسبة، وكان ختام المجلس بلطمية للرادودين علي حمادي وعبدالأمير البلادي.

وفيما يتعلق بخطابات التأبين، قال السيد عبدالله السيد مجيد في كلمة مؤسسات القرية «إن الله منح المرجع الفقيد حضوراً وتأثيراً فاعلاً قل نظيره من قريب أو بعيد، فقد خلق سماحته مواقف جدلية وسحراً أثار الحماس في مقلديه ومعارضيه، وإن اختلفوا في اتباعه، لكنهم اتفقوا على مدى سعة علمه وسعة صدره وصلابته في الدفاع عن القضايا الوطنية والإسلامية والإنسانية ومقاومته للظلم وكل دعوة عنصرية مما جعل منه مدرسة فريدة ليجد مقلدوه في أمس الحاجة لمعرفة نورها وأصالتها ومقاومتها وآثارها والتعلم منها الانفتاح على الإنسانية جمعاء والحوار الفاعل والمسئولية الواعية والالتزام بقيم الحق والعدل ومقاومة الظلم أياً كان وفي أي مكان وممن كان والعمل بالحكمة والموعظة دون التنازل عن الثوابت والعمل بها لترسيخ القيم الإسلامية والإنسانية»، داعياً إلى «أن نجعل من ذكراه ساحة بحث وميدان سباق فكري وعلمي وعملي لمعرفة المزيد من شخصيته في مؤتمرات وندوات علمية وجوائز تحفيزية تحمل اسمه». وعن «المرجعية والقضايا الإقليمية» تحدث النائب السيد حيدر الستري عن «سمة التجديد التي عرف بها السيد فضل الله أكثر من غيره على الإطلاق، وهو تجديد أضاف الكثير إلى الإسلام والى بقية الميادين، فقد كان لتجديد السيد فضل الله حالة إبداع متدفق متحرك ومتوهج ومنطلق في شتى الصعد الحياتية والفكرية والاجتماعية والتفسير والفقه والتربية والاجتماع، وأنه رجل الحوار والحضن الدافئ المتدفق بالإنسانية والحب والسلام».

وتناول الباحث والمؤرخ سالم النويدري حركة الوعي الديني في البحرين موضحاً أن «السيد فضل الله ولفيف من تلامذة السيد الشهيد الصدر حملوا شعلة التنوير انطلاقاً من كتابه (خطوات على طريق الإسلام) وغيرها من كتبه التي تتسم بالطابع العملي ككتاب (الإسلام ومنطق القوة)، وغير ذلك من الكتب والمؤلفات التي حظيت باهتمام الشباب في الفترة من الستينيات مروراً بالسبعينيات إلى مرحلة التسعينيات، وخلق الاطلاع عليها جواً فكرياً حركياً على الشباب وأثر تأثيراً مباشراً على فكرهم وسلوكهم وتوجههم الإسلامي الذي بني على العقلانية وعدم الجنوح إلى ما يخالف هذه العقلانية بشرط الالتزام بالثوابت الإسلامية».

واستهل رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري فقرته المعنونة بـ «المبدئية والواقعية في الفكر السياسي» بالقول: «أخاطبكم لأنكم من محبي فضل الله وأنتم أهل البحرين الطيبون الذين تعرفون قيمة هذا الرجل، وآمل أن تكون البحرين منطلقاً لمشروع تمتد آثاره إلى أبعد من البحرين. إنني أقف معكم مؤبناً هذا العالم، ومشاهداً لما شاهدتم، وأستذكر أن هذه هي حياة المرجع الديني الكبير السيد فضل الله، فقد كان يعايش الحدث أولاً بأول، وعاش حدث وفاته فلم يذخر جهداً في إبداء وجهة نظره، وهذه سمة لم نعرفها من أي فقيه آخر أن تكون لديه وجهة نظر باستمرار، فخطبة الجمعة كانت عبارة عن تحليل معمق للأحداث واطلاع واسع على أوضاع الأمة الإسلامية والمجتمعات التي يهتم بها، هذا هو فضل الله... هكذا كان فضل الله».

وزاد الجمري بالقول: «إن لبنان قدم ثلاثة مشاريع كبرى، اهتم بها العالم الإسلامي والعربي، هذه المشاريع قام بها شيعة في لبنان بدأت بمشروع موسى الصدر كمؤسسات وفكر وتراث وهو مازال معنا وسيبقى وأثره الكبير ليحقق شيئاً مهماً في لبنان، وهو أن (يلبنن الشيعة)، فكانوا على الهامش لكنه جعلهم جزءاً محورياً أساسياً حين أسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وانطلقت حركة المقاومة (أمل)، حتى اختفائه في ليبيا في العام 1977 عندما حضر مؤتمراً هناك، لكنه لايزال مشروعاً كبيراً لم ولن ينتهي».

أما المشروع الثاني فذكر الجمري أنه «مشروع حزب الله، وهو مشروع المقاومة، وعندما سادت إسرائيل والإرادة الإسرائيلية في الدول العربية، وأصبحت هي التي تحدد متى تعطي الحق وتحدد لنا كل شيء، وأن الموساد يعرف كل شيء، فجاء حزب الله ليلغي هذه الفكرة، أما المشروع الثالث فهو مشروع المرجع الراحل السيد فضل الله، وهو مشروع مختلف متكامل، ليس مشروع السيد موسى الصدر، وليس مشروع حزب الله، إنما هو مشروع فضل الله الذي ينظر إلى الإسلام كحالة عامة كبيرة جداً من خلال نظرته الإسلامية العالمية التي يمكن أن تبرز في لبنان والبحرين والعراق أو في أي مكان يؤثر فيه المرجع فضل الله، ويطرح نفسه مرشداً وراعياً لمن يود أن يستزيد من هذه الرعاية، وخصوصاً أنه يرى أن بإمكان الإسلام أن يعيش دون التنازل عن القضايا الكبرى، ولهذا كلفه انحيازه للمستضعفين الكثير».

وتطرق رئيس تحرير «الوسط» إلى موقف السيد الراحل ممن يأخذ القرار لمواجهة أميركا، وأن عليه أن يدفع الثمن، وهذا ما بدا في حادثة محاولة اغتياله حينما قال: «فلنقلع عن البكاء ونقرأ الفاتحة ونواصل العمل». في تلك اللحظة وهو مستهدف وأمامه الدماء، ثم كشخص عظيم يتماسك عندما يستهدف من أفراد جماعته عندما تمنع خطبه من البث ولا تسمع كلمة واحدة عن هذا الشيء، لكنه كان يصبر ولم تسمع منه إلا أن الجميع أحبته وتلامذته ويقف معهم، وبالتالي، في حرب يوليو/ تموز من العام 2006 بدا الموقف الصامد للسيد الراحل الذي انهار أمامه كل من وقفوا ضده، فهو الذي لم ينهر ولم يهرب والحدث جلل والقصف يستهدف المربع الذي يعيش فيه، وهو بخطاباته ومواقفه ورعايته الأبوية يؤمن بأن هناك مشروعاً أكبر».

ليست هناك تعليقات: