29 أغسطس 2010

فضل الله... باقٍ بالمنهج والمشروع

يدخل لبنان والمنطقة العربيّة والإسلاميّة في مرحلةٍ جديدةٍ بعد رحيل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، فقد طبعت المرحلة السابقة بطابعه الجهاديّ والعلميّ والتّنويريّ والفقهيّ والسياسيّ وما إلى ذلك.

لقد ملأ سماحته ـ رضوان الله تعالى عليه ـ المرحلة التي عاشها عطاءً متواصلاً استمرّ إلى آخر أيّام حياته، حيث عمل على رعاية شئون الناس، والإجابة عن أسئلتهم، والسؤال عن حال الفقراء والأيتام، ومتابعة قضايا العالم الإسلاميّ حتى آخر لحظةٍ من لحظات حياته، وكان يحاول الانتصار على المرض، كما انتصر على مشقّة الأيّام في كلّ رحلة حياته التي كانت رحلة عطاءٍ عنوانها المحبّة، هذه المحبّة التي عاشها بين يدي الله، وفاضت بها نفسه الزّكيّة الطّاهرة حبّاً للنّاس، حتى لأولئك الّذين لم يفهموه، أو حاولوا الإساءة إليه، لأنَّه كان يستهدي رسول الله (ص) والأئمّة الأطهار، وكان يردّد دائماً: «اللّهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».

لقد افتقدت السّاحة الإسلاميّة كلّها لسماحته، وشعر الجميع بحجم الفراغ في غياب هذه الشخصيّة التي حرصت على حماية الواقع الإسلاميّ ومسيرة الوحدة الإسلاميّة التي كان يعتبرها خياراً أوّلاً وأخيراً... وأنّه لا مجال للتّنازل عنه، لأنّ التّنازل والارتداد عنه يعني رهن الأمّة للأعداء، وكشفها للآخرين أمام زحف الفتن، وهجمة الطغاة، ووحشية الاحتلال.

إنّ علينا أن نقف مع كلّ قضايانا عندما نعيش أفق هذه الشّخصيّة الإسلاميّة الكبرى، لأنّ سماحته يستمرّ حيث يستمرّ العمل للإسلام ولقضايا الأمّة، ولذلك فإنّ علينا أن نقف إلى جانب الشّعب الفلسطينيّ في محنته، وفي التحدّيات الكبرى التي تواجهه، وخصوصاً في ظلّ تصاعد حدّة الهجمة التي انكشفت معالمها أخيراً في الاتفاق الأميركيّ الإسرائيليّ، الذي توضّحت معالمه في اللّقاء الأخير بين رئيس حكومة العدوّ والرّئيس الأميركيّ، لتفسح الإدارة الأميركيّة في المجال واسعاً لكيان العدوّ لكي يوسّع دائرة زحفه الاستيطانيّ، لأنّ هذه الإدارة تحتاج إلى أصوات «اللّوبي» اليهودي في الانتخابات الأميركيّة النصفيّة القادمة، ولتدخل البقيّة الباقية من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة في دائرة التهويد الذي لا يترك أمام الفلسطينيّين من خيارٍ إلا المفاضلة بين الذّبح بالسيف أو الإعدام رمياً بالرّصاص...

إنّنا ندعو شعوبنا، كما كان يدعوها سماحة السيّد (رضوان الله عليه)، إلى الوقوف إلى جانب الشّعب الفلسطينيّ، وكسر حلقة المؤامرة التي تقوم على إعطاء الفلسطينيّين الفتات مقابل توقيعهم على شطب القضيّة وإنهائها بالكامل.

وعلى شعوبنا أن تدرك حجم المؤامرة في سعي المحاور الدّوليّة إلى تحريك الفتنة في الواقع الإسلاميّ، وتعقيد العلاقات بين الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران والدّول العربيّة المجاورة لحساب العدوّ، وسعي الجهات المعقّدة لإغراق الأمة في الفتن المتحركة من خلال العمليات الإجرامية هنا وهناك، كما حصل ويحصل في العراق، ولإراحة هذا الكيان الغاصب الذي يريد لهذا الوضع أن يمهّد الطّريق لجولاته العدوانيّة القادمة.

أمّا في لبنان، فعلينا أن نكون على حذرٍ شديدٍ حيال ما تسعى بعض الدّوائر الاستكباريّة لحياكته بالتّعاون مع كيان العدوّ واستخباراته، وما الكلام الصهيونيّ الأخير حول إمكانيّة تدهور الأوضاع في لبنان في الشهور القادمة، وبالتّزامن مع صدور القرار الظنّي من المحكمة الدّوليّة، إلا تمهيد لذلك، وتهيئةٌ لأجواء الفتنة الّتي لا بدّ من أن نتصدّى لها ونعمل لوأدها في مهدها...

إنّنا نطلّ على مرحلةٍ جديدةٍ صعبةٍ، وعلينا أن نستعدّ لها على جميع المستويات، وخصوصاً أنها مرحلة معقّدة تتلبّد فيها الغيوم السياسيّة والأمنيّة في غياب الشخصيّة الإسلاميّة الرّائدة التي كانت تحتضن المقاومة وتحمي المقاومين وترعاهم، وتعيش همّ الإسلام على مستوى العالم كلّه.

إنّنا في الوقت الّذي نشعر بأهمية هذه العاطفة الكبرى، وهذا التفاعل الوجدانيّ حيال سماحته (رضوان الله تعالى عليه) من الجميع، نشعر بثقل المسئوليّة الواقعة على عاتق الجميع، والتي تستدعي حركةً دائبةً، وعملاً مسئولاً، وتخطيطاً دقيقاً على جميع المستويات.



السيد علي محمد حسين فضل الله

ليست هناك تعليقات: