29 أغسطس 2010

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في الخطبتين:

الخطبة الأولى

الامام الحسن(ع) .. علم وأخلاق النبوة


قال الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب: 33].

ربيب رسول الله

هو واحدٌ من أهل هذا البيت الطّاهر الّذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.. وهو أوَّل وليدٍ لعليٍّ وفاطمة(ع)، وأوّل سبطٍ للرّسول(ص)، وثاني أئمّة الهدى؛ إنّه الإمام الحسن بن عليّ(ع)، الّذي التقينا بذكرى ولادته في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك في السّنة الثّالثة للهجرة، في المدينة المنوّرة.

في سنيه السّبع الأولى، تربّى الحسن(ع) في حضن جدّه رسول الله(ص)، الّذي أحبّه كأعلى ما يكون الحبّ، وأحاطه برعايته كأعلى ما تكون الرّعاية، كما أحاط من بعده أخاه الحسين(ع)، وطبعهما بشخصيّته الرّساليّة وعظيم أخلاقه، حتّى قال عنهما: "حسن منّي وأنا من حسن.... حسين منّي وأنا من حسين".

وفي أكثر من حديث، أكَّد رسول الله(ص) وأمام النَّاس، محبّته للحسن والحسين(ع)، وموقعهما في الدّنيا والآخرة، لتنعكس محبَّةً وإجلالاً لهما في نفوس المسلمين، ولتظهر طبيعة دورهما الرّساليّ في المستقبل: "هذان ابناي، اللّهمّ إنّي أحبّهما وأحبّ من يحبّهما".. "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا".. "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة".

وقد ورد في سيرة الإمام الحسن(ع)، أنّه كان وهو ابن سبع سنين، يحضر مجلس رسول الله، فيسمع ما جاء به الوحي، فيحفظه، ويأتي إلى أمّه الزّهراء، فيلقي لها ما حفظه.. وكان عليّ(ع) يتعجَّب عندما يجد عندها علماً بما نزل على رسول الله(ص)، دون أن تكون حاضرةً في المسجد، فيسألها عن ذلك، فتقول: من ولدي الحسن...

في مدرسة فاطمة وعليّ

وعاش الحسن(ع) مع الزّهراء الأمّ، المدرسة والقدوة. كان يتطلّع إليها وهي تقوم اللّيل وتدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، حتى سألها: "يا أمَّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟"، فقالت له: "يا بنيّ، الجار ثم الدّار".

أيُّ بيت هو هذا البيت؟ بيت عليّ وفاطمة والحسن والحسين الّذي يفيض حبّاً للنّاس.. وأيّ عائلة هي تلك العائلة الّتي تتدفّق منها ينابيع العطاء، وشعارها: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}[الإنسان: 9] ؟.. وأيّ وسامٍ هو أعلى من هذا الوسام الذي حصلت عليه: {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}[الإنسان:12].

أمّا عليّ الأب، ذلك القلب الكبير، وباب مدينة علم الرّسول، وقدوة المجاهدين، فقد أعطى ولده من عقله وفكره وجهاده الكثير الكثير، فانطلق الحسن معه، آخذاً منه ذوبانه في الله، وشجاعته وصبره وأخلاقه وإيمانه..

نشأ الإمام الحسن(ع) مع أبيه أمير المؤمنين(ع)، وكان لا يرى حوله همّاً إلا همّ الإسلام وإبقاءه قويّاً.. وخَبر من أبيه الحكمة في القرار المسؤول؛ فالمهادنة خيار إذا اقتضت مصلحة الإسلام ذلك، وهي عنوان قوّةٍ لا ضعف، أمّا إذا اقتضت مصلحة الإسلام الحرب، فموقعه في مقدّمة الجيش.

وكان عليّ(ع) يرى في الحسن(ع) موقعاً متقدّماً في العلم والحكمة وحسن التّدبير للأمور، والإدارة للواقع السياسيّ والاجتماعيّ، لذا كان يعتمد عليه في المهمّات الصّعبة. وعندما كان المسلمون يقصدونه(ع) ليجيبهم عن بعض المسائل وحلّ بعض المشاكل، كان يرشدهم إلى الحسن(ع).

أبعاد الصّلح مع معاوية

واستشهد أمير المؤمنين(ع)، فانتقلت مسؤوليَّة الإمامة إلى الإمام الحسن(ع) ، وكانت الحرب التي فُرضت على أبيه عليّ(ع) لا تزال مفتوحةً مع معاوية، فدرس الحسن(ع) الوضع جيِّداً، ووجد أنَّ المعركة مع معاوية لن تكون رابحةً لو انطلق بها، بسبب التَّعقيدات الّتي كانت موجودةً في المجتمع آنذاك، والمال الّذي أغدقه معاوية، وجيشه المنهك بالحروب الطّويلة. فاتّخذ الإمام قراره، وأوقف الحرب وصالح معاوية، صالحه لا على أساس الاعتراف بشرعيَّة خلافته الّتي لا تملك أيَّ أساسٍ من الشّرعيَّة الإسلاميَّة، بل كون النّتائج السلبيّة للمعركة كثيرة جداً، وثمنها سيكون باهظاً على المسلمين، خصوصاً عندما تسقط كلّ الطّليعة الإسلاميّة المعارضة الّتي يعوّل عليها بكلّ نهضة مستقبليّة مرتقبة.

لم يكن الإمام ضعيفاً كما راح البعض يتحدَّث، وهو الَّذي خبرته الحروب، لكنَّه القويّ الّذي رأى المصلحة الإسلاميَّة في أن يصالح، كي تهدأ الأمَّة، ويساهم هذا الهدوء في تعريفها حقيقة النّظام الأمويّ، ولتهيئة الظّروف لمرحلةٍ قادمةٍ سيقوم بها الحسين(ع).

التصدّي لأمور المجتمع

وهكذا انتقل الإمام الحسن(ع) من الكوفة، مركز خلافة أبيه، إلى المدينة، لمتابعة دوره الرّساليّ، وإصلاح الانحراف الّذي وصل إليه الواقع الإسلاميّ العام.. كان الإمام(ع) يعلم حجم الفساد الّذي آلت إليه الأمور في مجتمع المسلمين، ويدرك حجم النَّقص في البناء الفكريّ والرّوحيّ وفي الوعي السياسيّ الّذي أدَّى إلى ما أدَّى إليه، فقدَّم من خلال سلوكه وأخلاقه ومواقفه، إضافةً إلى علمه، حيث كان مقصداً للعلماء من كلّ أنحاء العالم الإسلاميّ ومهبط أفئدتهم، قدّم أنموذجاً أشار إليه الإمام زين العابدين(ع) حين قال عنه: "كان الحسن أعبد النّاس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم... وكان(ع) إذا قام في صلاته، ترتعد فرائصه بين يدي ربِّه عزَّ وجلّ.. وكان إذا ذكر الجنَّة والنَّار، اضطرب اضطراب السَّليم، وسأل الله الجنَّة، وتعوَّذ به من النَّار.. وكان لا يقرأ من كتاب الله عزَّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا...} إلا قال: لبّيك اللّهمَّ لبَّيك..."، لأنّه كان يشعر بأنّ الله يناديه الآن.

أراد الإمام(ع) من خلال هذا الجوّ الرّوحيّ، أن يربِّي النَّاس على كيفيَّة ذكر الله، فإذا ذكروه، أن لا يذكروه ذكر الغافلين، وإذا قرؤوا القرآن، أن لا يقرؤوه قراءة اللامبالين، وإذا ذكروا المرور على الصِّراط والوقوف بين يدي الله، أن لا يمرّوا على ذلك مرور السّاهين، بل أن يشعروا بالخوف من الموقف المهيب بين يديه {يومَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُون* إلا مَنْ أتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليم}[الشّعراء : 88ـ89]، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[النّحل: 111].

وتنقل سيرة الإمام الحسن(ع)، أنَّه كان إذا دخل المسجد، لا يدخله كما يدخل الواحد منّا إلى بيته، فكان يقف بباب المسجد، ويرفع رأسه إلى السّماء ويقول: "إلهي ضيفك ببابك ـ مسكينك ببابك، فقيرك ببابك ـيا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، يا كريم...".

إنّه الدّخول الواعي إلى المسجد، المسجد الّذي لا تحدّه جدرانه، بل يمتدّ واسعاً في كلّ آفاق الرّحمة الإلهيّة، والعطاء اللامحدود.

وهكذا أيّها الأحبّة، لم يقتصر دور الإمام(ع) على بناء علاقته بالله، بل سعى في خدمة النّاس والاهتمام بحاجاتهم وشؤونهم، فكان لا يقصده محتاج إلا وخرج بأكثر مما يرغب.. فقد ورد في سيرته، أنّ رجلاً أتاه في حاجة، فقال له: "اكتب حاجتك في رقعةٍ وارفعها إلينا"، كي لا يجد ذلّ السّؤال في وجهه، فرفعها إليه، فأضعفها له، أي أعطاه ضعفي المبلغ الّذي طلبه، فقال له بعض جلسائه: "ما كان أعظم بركة الرّقعة عليه يا بن رسول الله"، فقال(ع): "بركتها علينا أعظم حين جعلنا للمعروف أهلاً".

الأخلاقيَّة الموجِّهة

وعندما قيل له: عرِّف لنا السِّياسة كما تراها، وهو كان لا يراها إلا خدمةً للنّاس، فقال: "هي أن ترعى حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات، فأمَّا حقوق الله، فأداء ما طلب، والاجتناب عمَّا نهى ـ وفي ذلك خدمة للنَّاس وللحياة ـ وأمَّا حقوق الأحياء، فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخَّر عن خدمة أمَّتك، وأن تخلص لوليِّ الأمر ما أخلص لأمَّته، وأن ترفع عقيرتك ـ صوتك ـ في وجهه إذا ما حاد عن الطّريق السّويّ. وأمّا حقوق الأموات، فهي أن تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم، فإنّ لهم ربّاً يحاسبهم".

وعندما واجه الإمام(ع) من يختلفون معه، ممن كانوا يشتمونه أو يسبّونه لعقدةٍ في نفوسهم، علّم أمّته الأسلوب الأمثل في التّعامل مع هؤلاء، وتمثّل ذلك من خلال سلوكه مع ذلك الرّجل الشّاميّ الّذي سبّه وسبّ أباه لعقدةٍ تربّى عليها، فبادره الإمام(ع) بالابتسامة والتّكريم واستضافه ثلاثة أيّام، فخرج من عنده وهو يقول العبارة المشهورة: "أشهد أنّك خليفة الله في الأرض، الله أعلم حيث يجعل رسالته.. لقد كنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ الخلق إليّ"..

أيُّها الأحبَّة: ونحن نستعيد ذكرى ولادة الإمام الحسن(ع)، نشعر كم نحن بحاجةٍ لنستحضر كلَّ سيرته الغنيَّة، نستدعي منها ما يعيننا على أمر مجتمعنا اليوم، حيث طغيان الأهواء، وسيطرة المصالح الذاتيَّة، وبروز العصبيَّات العمياء والفتن، فنتعلَّم من الإمام كيف يمكن أن ننزع الحقد والشّرّ من نفوس الآخرين، ونحوّل الأعداء منهم إلى أصدقاء، ونزيل التوتّر والانفعال من ساحة حياتهم، بحيث نتحرَّك من حيث تحرَّك: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصّلت: 34].. "لا يكن أفضل ما نلت في دنياك بلوغ لذّةٍ أو شفاء غيظ، بل إطفاء باطل أو إحياء حقّ"..

ونتعلّم من الإمام الحسن إحياء قيمة الإحساس بإنسانيّة الآخر، ولا سيَّما إذا كان الآخر فقيراً مستضعفاً، لا حول له ولا قوّة، والّذي، للأسف، يضطهد في كثير من الأحيان، لفقره ولوضاعة نسبه ولدونيّة موقعه، رغم أنّه قد يكون في القمّة بأخلاقه وإيمانه وتقواه، وهذا ما أشار إليه الإمام في حديثه: "من أراد عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً من غير سلطان، وغنى من غير مال، وطاعةً من غير بذل، فليتحوَّل من ذلِّ معصيةِ الله إلى عزِّ طاعته"، {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]..

وأخيراً، لا بدَّ لنا من أن نستعيد وصيَّته ونحن في أجواء هذا الشَّهر المبارك، لنعظ أنفسنا بما كان الإمام يعظ به أصحابه، فيقول: "استعدَّ لسفرك، وحصِّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنَّك تطلب الدّنيا والموت يطلبك... واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوّتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك".

الالتزام بخطّ الإمام(ع)

هذا هو الإمام الحسن، الصَّابر، العابد، والطَّائع لربِّه، الّذي أخلص حياته لله. فهل لنا، نحن الّذين نلتزم بإمامته، أن نفكِّر كيف نكون في حياتنا في خطّه، حتّى تكون علاقتنا به علاقة العمل والمسؤوليَّة، أو نكون بعيدين عن الصّورة الّتي أشار إليها عندما قال له رجل: إنّي من شيعتكم يا بن رسول الله.. فقال له الإمام(ع): "يا عبد الله، إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك، فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبةً شريفةً لست من أهلها".

والسّلام على الحسن بن عليّ، يوم ولد، ويوم انتقل إلى رحاب ربِّه، ويوم يبعث حيّاً..

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

مؤامرة لتذويب القضية الفلسطينيّة

وفي هذه الأيّام بالذّات يُراد للقضيّة الفلسطينيّة أن تتعرَّض لأبشع عمليَّة اغتصابٍ سياسيّ منذ احتلالها، حيث فتح باب التفاوض المباشر مع العدوّ على مصراعيه، في ظل اختلال التوازن بين المتفاوضين، وحجم الدّعم الّذي يلقاه العدوّ الصّهيونيّ، وتواصل عمليّات الاستيطان، وهدم المنازل المقدسيَّة، وسحق المساجد في الضفَّة، وتواصل الغارات على أطراف غزّة..

إنّ المطلوب من إجراء المفاوضات في ظلّ هذه الأوضاع، هو بكلّ بساطة ووضوح، تذويب المسألة الفلسطينيّة، وتحويلها إلى مسألةٍ اقتصاديّةٍ وأمنيّةٍ كما يتحدّث العدو، لتبدأ الحرب الواسعة النطاق على الأطراف الممانعة في المنطقة.. وقد بدأت الرّسائل المتعدّدة التي تحمل أختاماً أمريكيّةً تارةً، وإسرائيليّةً أخرى، وعربيّةً ثالثة، تلوح لفريق المقاومة والممانعة، متوعِّدة إيَّاها بالويل والثّبور وعظائم الأمور، في حال لم تماشِ هذه التَّسوية وترض بالصَّفقة الجديدة.

خيارات المواجهة

إنّ علينا أن لا نعتبر هذا الواقع قضاءً وقدراً، لأنّ لدى الأمّة خياراتها التي ستنتفض من خلالها على كلّ واقع، وقد تعلّمنا من التّجارب السّابقة، أنّ الأمّة قادرة على أن تصنع معادلاتٍ جديدةً في السّاحة إن هي تحرّكت بوعي ومسؤوليّة، وعرفت كيف تنفذ من خلال نقاط قوّتها ونقاط ضعف الآخرين، وما يجري في هذا العالم من مواجهةٍ للمشروع الاستكباريّ في لبنان والمنطقة، يؤكّد إمكانيّة ذلك، مع وعينا لحجم الصّعوبات ووعورة هذا الطّريق الّذي يعرف المجاهدون والأحرار أنّه طريق ذات الشّوكة.

إنّنا ندعو الفلسطينيّين إلى وعي المخاطر الّتي تتعرّض لها قضيّتهم، وإلى أن يتوحّدوا لمواجهة هذه المخاطر، لأنّ خيارهم ينبغي أن يبقى فلسطين سيّدة عزيزة حرّة مستقلّة، وهي العنوان الّذي ينبغي التّحديق به، لأنّ ما يُعرض عليهم له معنى واحد، هو الاستسلام، في حين أنّ لدى الشّعب والمقاومة الفلسطينيّة أكثر من موقعٍ للقوّة يمكنهم الاستفادة منه في معركتهم المستمرّة.

مواقع الأمّة في دائرة الاستهداف

ونصل إلى العراق، الّذي يُراد له أن يبقى ساحة التّفجيرات المتنقّلة والقتل اليوميّ، ليقدّم التّنازلات أكثر لحساب الاحتلال، وليبقى يعيش في دائرة الفتنة الّتي تأكل الأخضر واليابس.. إنّنا ندعو العراقيّين إلى أن يخرجوا من الدّائرة المفرغة، ليواجهوا معاً كلّ دعاة الفتنة والاحتلال.

أمّا إيران، فإنّنا في الوقت الّذي نُحيّي الجمهوريّة الإسلاميّة على إنجازاتها العلميّة المتواصلة، ومنها الإنجاز الاستراتيجيّ الكبير في مشروع بوشهر، إضافةً إلى الإنجازات على مستوى التّصنيع العسكريّ والسّعي العلميّ والجادّ لغزو الفضاء، نريد للأمّة كلّها أن تدعم هذه الإنجازات، وأن تؤمّن مظلّة حماية سياسيّة وأمنيّة لها، لتستفيد منها في معركة الحريّة والاستقلاليّة الّتي تخوضها على مختلف الجبهات والأصعدة.

لبنان: للجم الفتنة

أمّا لبنان الّذي يلوّح له العدوّ باستمرارٍ، بحربٍ جديدة مدمّرة تستهدف أهله وبناه التحتيّة ووحدة أراضيه وكيانه، فهو لا يزال على حاله؛ غارقٌ في حمى الانقسامات السياسيّة وفوضى الأوضاع الأمنيّة التي تشير إلى حجم الاحتقان النّاجم عن البيئة السياسيّة المعقّدة، والمناخ الدّاخليّ الملتهب، ليضاف ذلك إلى أزماته الاجتماعيّة المتواصلة، وخصوصاً مشكلة الكهرباء الّتي يعجز المسؤولون عن حلّها، أو عن تقديم إجابات مقنعة لاستمرارها.

إنّنا، وأمام ما جرى في الأيّام الماضية من إشكالاتٍ مؤسفة بين أبناء الصفّ الواحد، نرفع الصّوت عالياً لضرورة أن يستنفر كلُّ الحريصين على تعميق الوحدة الإسلاميَّة والوطنيَّة، وأن يحرِّكوا نفوذهم وإمكاناتهم لتفويت الفرصة على كلِّ الّذين يريدون الدّخول على خطّ الفتنة.. وهذا يستدعي مزيداً من الوعي لدى القيادات السياسيّة والدّينيّة، بأن يضعوا الحوادث الّتي تحصل ضمن حدودها الميدانيّة، وعدم إعطائها طابعاً أبعد منها، لتأخذ طابعاً مذهبيّاً أو سياسيّاً، وعدم الانجرار وراء الانفعال أو توتّرات الشّارع، لأنّ أيّ فتنة سوف لن يجني ثمارها إلا أولئك المتربّصون شرّاً بالبلد، الذي يريدون أن يتدفؤوا بنار الفتنة فيه لتحقيق مشاريعهم الاستكباريّة، أو الاستفادة من دخان الفتنة لتغطية المشاريع الّتي ترسم لهذه البقعة الحيّة من العالم، ولا سيّما لبنان، بلد المقاومة والشّعب الحيّ.

إنّنا ندعو كلّ القيادات إلى النزول إلى الشّارع، والعمل على إزالة التشنّج من النفوس، والّذي يُخشى إن بقي مستعراً، أن يستفيد منه كلّ الّذين لا يريدون خيراً لهذا البلد، فلا يكفي الحديث عن الوحدة الوطنيَّة والإسلاميَّة في اللّقاءات والمؤتمرات، دون أن يتمّ النّزول إلى أرض الواقع لتطبيقها.

إنّنا نثق بأنّ القيادات الواعية الحريصة على أمن هذا البلد وقوّته ومقاومته، ستتجاوز تداعيات ما حصل قبل أيّام، مع الاستفادة منه كي لا يتكرّر ويسمح للمصطادين في الماء العكر أن يتحرّكوا بكلّ حريّة.

الامام الصّدر: القضيّة الحيّة

وأخيراً، نلتقي بعد أيّام بذكرى تغييب الإمام السيِّد موسى الصَّدر ورفيقيه، هذه الجريمة الكبرى بتغييب هذا العالِم الّذي مثّل قيمةً إسلاميّةً كبرى، وبعث الحياة في الأمّة على مختلف المستويات، ولا سيّما في بثّ روح المقاومة والموقف الصّلب أمام الحرمان الدّاخليّ.

إنّنا نؤكّد ضرورة إبقاء هذه القضيّة حيّة، وتفعيل المطالبة بها بكلّ الوسائل المتاحة، وندعو النّظام اللّيبـيّ إلى أن يتحمّل مسؤوليّته، ويكشف عن ملابسات هذه الجريمة، والخروج من حالة اللامبالاة التي يتعامل بها مع هذه القضيّة الوطنيّة والإسلاميّة.


التاريخ: 17 رمضان 1431 هـ الموافق: 27/08/2010 م

ليست هناك تعليقات: