29 أغسطس 2010

عندما لا تُلغي نفسك فإنّ العالم كلّه لا يستطيع أن يُلغيك


مرة جديدة يشن العدو الصهيوني اعتداءً جديداً على لبنان، على مرأى ومسمع من قوات «اليونيفيل»؛ ليجد الجيش اللبناني في موقع أداء الواجب الوطني، من خلال القرار السياسي الحاسم الذي انطلق من قيادته، ومن خلال جنوده وضباطه الذين أكدوا أن رهان العدو والإدارة الأميركية على تغيير عقيدة هذا الجيش هو رهانٌ خاسر، وأن الإمكانيات التي بحوزة الجيش الوطني وإن كانت متواضعة، إلا أنها تشكل حافزاً في عملية صنع الإرادة، التي استطاع لبنان - المقاومة والشعب والجيش، أن يكون نموذجاً لها على مستوى العرب والمسلمين.

إن ما حدث في العديسة يشكل رسالة لبنانية بالغة الدقة في هذه المرحلة الصعبة التي يعيشها لبنان والمنطقة، وقد كان الجيش الباسل عنوان هذه الرسالة بعدما روى بدماء شهدائه أرض الجنوب الطاهرة، كما استطاع إيلام العدو وإيذاءه، ولا شك بأن هذه الرسالة ستترك صداها وأبعادها بما يتجاوز البلد الصغير إلى مستويات وآفاق أخرى...

ولكن تبقى المهمّة على عاتق المسئولين في لبنان أن يؤازروا حركة الجيش هذه وأن يدعموا الوحدة الكبيرة الواقعة الداخلية بمواقف ثابتة وغير متأرجحة، ليساهموا في طرد الفتنة التي تعمل لها جهات دولية معروفة تسعى لإخراج العدو من مأزقه، ولذلك فالمسئولية كبيرة أن يتصدى مَنْ في الداخل للفتنة القادمة، كما تصدى الجيش للعدو بكل بسالة وقوة.

وليس بعيداً من لبنان نرصد الهجمة الأميركية والدولية على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، لطي ملفها بالكامل من خلال الضغط على الفلسطينيين للتسليم بالشروط الإسرائيلية التي اقتضت - بفعل الضغوط الأميركية - في هذه المرحلة أن يذهب الجميع إلى مفاوضات مباشرة على الرغم من أن السلطة الفلسطينية كانت تلوح برفض هذه الخطوة ما لم تقترن بتحقيق تقدم في المفاوضات غير المباشرة.

لقد أظهرت الأيّام صورة الرئيس الأميركي (أوباما) الذي يمارس المزيد من الضغوط على السلطة الفلسطينية ويهدد بعزل الفلسطينيين إقليمياً ودولياً وبقطع المساعدات المالية عنهم إن لم يخضعوا لشروط العدوّ، ويذهبوا للمفاوضات المباشرة، وليظهر للجميع أنّ مواقف المسئولين العرب لا تنطلق من واقعهم، وإنّما من خلال الإملاءات والضغوط الأميركية في هذا المجال.

إننا نحذر من أن الخطة الأميركية الصهيونية التي أوهمت العرب والمسلمين بتجميد الزحف الاستيطاني شكّلت غطاءً للاستمرار الفعلي للاستيطان وإنهاء القضية الفلسطينية وتدميرها، ما جعل العدوّ يقوم بتسريع الخطى لتهويد القدس بالكامل، وللانتهاء من مقولة الدولة الفلسطينية القابلة للسيادة، وتمهيد السبيل لتسوية تفترض العودة إلى الخطط الصهيونية السابقة التي وضعت الأردن على رأس أولوياتها كموقع مفترض للدولة الفلسطينية عبر عدد من المقترحات، بما يُراد له أن يسير قُدُماً ليشكّل عملية ضغط على كل الملفات في المنطقة... ولتستكمل أميركا الإسرائيلية مشروعها التدميري في المنطقة الذي تتوالى فصولُهُ في العراق وأفغانستان.

وإننا في الذكرى الرابعة لانتصار لبنان على العدو في حرب تموز؛ هذا النصر الذي صنعه الله على أيدي المجاهدين الذين باعوا أنفسهم لله، وشروا بها مرضاته عزّ وجلّ، والذين وقف خلفهم كلُّ الوطن بصبر وثبات، نُدرك أننا قادرون على صنع النصر من جديد، عندما نخلص لله، ونحرّك إرادتنا في عمليّة صنع القوّة، وعندما لا تُلغي نفسك فإنّ العالم كلّه لا يستطيع أن يُلغيك...

ونؤكد هنا أن الخطة العدوانية الاستكبارية على لبنان والمنطقة لا تزال مستمرة، وبأشكال متعددة، ولذلك ندعو الجميع للحفاظ على الجهوزية السياسية والأمنية العالية لمواجهة كل أشكال العدوان.. لأننا عندما نحمي لبنان نقدم نموذجاً للأمة كلها في الحفاظ على العزة وحماية السيادة والعيش بكرامة في مواجهة كل عدوان وكل احتلال.



السيد علي محمد حسين فضل الله

ليست هناك تعليقات: