29 أغسطس 2010

خط الفتنة... ووعي القيادات السياسية والدينية

في هذه الأيام بالذات يُراد للقضية الفلسطينية أن تتعرض لأبشع عملية اغتصاب سياسي منذ احتلالها حيث فتح باب التفاوض المباشر مع العدو على مصراعيه، في ظل اختلال التوازن بين المتفاوضين وحجم الدعم الذي يلقاه العدوّ الصهيوني، وتواصل عمليات الاستيطان، وهدم المنازل المقدسية، وسحق المساجد في الضفة، وتواصل الغارات على أطراف غزة...

إن المطلوب من إجراء المفاوضات في ظل هذه الأوضاع هو بكل بساطة ووضوح تذويب المسألة الفلسطينية، وتحويلها إلى مسألة اقتصادية وأمنية كما يتحدث العدو، لتبدأ الحرب الواسعة النطاق على الأطراف الممانعة في المنطقة... وقد بدأت الرسائل المتعددة التي تحمل أختاماً أميركية تارةً، وإسرائيلية أخرى، وعربية ثالثة، تلوح لفريق المقاومة والممانعة المتوعدة بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال لم تماشِ هذه التسوية وترضى بالصفقة الجديدة.

إن علينا أن لا نعتبر هذا الواقع قضاء وقدراً، لأن لدى الأمة خياراتها التي ستنتفض من خلالها على كل واقع، وقد تعلّمنا من التجارب السابقة أن الأمة قادرة على أن تصنع معادلات جديدة في الساحة إن هي تحركت بوعي ومسؤولية، وعرفت كيف تنفذ من خلال نقاط قوتها ونقاط ضعف الآخرين، وما يجري في هذا العالم من مواجهة للمشروع الاستكباري في لبنان والمنطقة يؤكد إمكانية ذلك، مع وعينا لحجم الصعوبات وصعوبة هذا الطريق الذي يعرف المجاهدون والأحرار أنه طريق ذات الشوكة.

إننا ندعو الفلسطينيين إلى وعي المخاطر التي تتعرّض لها قضيتهم، وإلى أن يتوحّدوا لمواجهة هذه المخاطر، لأن خيارهم ينبغي أن يبقى فلسطين سيدة عزيزة حرّة مستقلة، وهي العنوان الذي ينبغي التحديق به، لأن ما يُعرض عليهم له معنى واحد هو الاستسلام، في حين أن لدى الشعب والمقاومة الفلسطينية أكثر من موقع للقوة يمكنهم الاستفادة منه في معركتهم المستمرة.

ونصل إلى العراق الذي يُراد له أن يبقى ساحة التفجيرات المتنقّلة والقتل اليومي، ليقدّم التنازلات أكثر لحساب الاحتلال، وليبقى يعيش في دائرة الفتنة التي تأكل الأخضر واليابس... إننا ندعو العراقيين إلى أن يخرجوا من الدائرة المفرغة ليواجهوا معاً كل دعاة الفتنة والاحتلال.

أما إيران، فإننا في الوقت الذي نُحيّي فيه الجمهورية الإسلامية في إيران على إنجازاتها العلمية المتواصلة ومنها الإنجاز الاستراتيجي الكبير في مشروع بوشهر، إضافة إلى الإنجازات على مستوى التصنيع العسكري والسعي العلمي والجاد لغزو الفضاء، نريد للأمة كلها أن تدعم هذه الإنجازات وأن تؤمّن مظلة حماية سياسية وأمنية لها لتستفيد منها في معركة الحرية والاستقلالية التي تخوضها على مختلف الجبهات والأصعدة.

أما لبنان الذي يلوّح له العدو باستمرارٍ، بحربٍ جديدة مدمرة تستهدف أهله وبناه التحتية ووحدة أراضيه وكيانه، فهو لايزال على حاله؛ غارقٌ في حمى الانقسامات السياسية وفوضى الأوضاع الأمنية التي تشير إلى حجم الاحتقان الناجم عن البيئة السياسة المعقدة والمناخ الداخلي الملتهب، ليضاف ذلك إلى أزماته الاجتماعية المتواصلة، خاصة مشكلة الكهرباء التي يعجز المسؤولون عن حلّها أو عن تقديم إجابات مقنعة لاستمرارها.

إننا، وأمام ما جرى في الأيام الماضية من إشكالات مؤسفة بين أبناء الصف الواحد، نرفع الصوت عالياً لضرورة أن يستنفر كل الحريصين على تعميق الوحدة الإسلامية والوطنية، نفوذهم وإمكاناتهم لتفويت الفرصة على كل الذين يريدون الدخول على خط الفتنة... وهذا يستدعي مزيداً من الوعي لدى القيادات السياسية والدينية، بأن يضعوا الحوادث التي تحصل ضمن حدودها الميدانية، وعدم إعطائها طابعاً أبعد منها، لتأخذ طابعاً مذهبياً أو سياسياً، وعدم الانجرار وراء الانفعال أو توترات الشارع، لأن أيّ فتنة سوف لن يجني ثمارها إلا أولئك المتربّصون شراً بالبلد، الذي يريدون أن يتدفأوا بنار الفتنة فيه لتحقيق مشاريعهم الاستكبارية، أو الاستفادة من دخان الفتنة لتغطية المشاريع التي ترسم لهذه البقعة الحيّة من العالم، لاسيما لبنان بلد المقاومة والشعب الحيّ.

إننا ندعو كل القيادات إلى النزول إلى الشارع، والعمل على إزالة التشنج من النفوس، والذي يُخشى إن بقي مستعراً أن يستفيد منه كل الذين لا يريدون خيراً لهذا البلد، فلا يكفي الحديث عن الوحدة الوطنية والإسلامية في اللقاءات والمؤتمرات ثم لا تنزل إلى أرض الواقع.

إننا نثق بأن القيادات الواعية الحريصة على أمن هذا البلد وقوته ومقاومته ستتجاوز تداعيات ما حصل قبل أيام، مع الاستفادة منه كي لا يتكرر ويسمح للمصطادين في الماء العكر أن يتحركوا بكل حرية.

وأخيراً، نلتقي بعد أيام بذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، هذه الجريمة الكبرى بتغييب هذا العالِم الذي مثّل قيمة إسلامية كبرى، وبعث الحياة في الأمة على مختلف المستويات، ولاسيما في بثّ روح المقاومة والموقف الصلب أمام الحرمان الداخلي.

إننا نؤكد على ضرورة إبقاء هذه القضية حيّة، وتفعيل المطالبة بها بكل الوسائل المتاحة، وندعو النظام الليبي إلى أن يتحمّل مسؤوليته ويكشف عن ملابسات هذه الجريمة، والخروج من حالة اللامبالاة التي يتعامل بها مع هذه القضية الوطنية والإسلامية.



السيد علي محمد حسين فضل الله

ليست هناك تعليقات: