25 أكتوبر 2009

نتفهم حرص الدول الأوروبية على أمنها وندعو المسلمين إلى احترام ذلك
فضل الله: على الإدارات الأوروبيّة الخروج من دائرة التهويل على الجالية المسلمة والتجسس عليها والتخويف من الإسلام

أكّد العلامة المرجع، السيّد محمَّد حسين فضل الله، أننا نتفّهم حرص الإدارات الأوروبية والسلطات في بريطانيا على الحفاظ على أمن بلدانهم، ولكننا نشعر بخطورة حملات التجسّس على المسلمين، واعتبارهم مدانين حتى يثبت العكس، ودعا سماحته هذه السلطات إلى توضيح ذلك كلِّه ورفض الحملات الدعائية السلبية والاعتداءات التي تمارس ضد الجالية المسلمة في أوروبا، محذراً من تقاطع هذه الأفعال مع دعوات سابقة لرئيس الكيان الصهيوني الذي حذّر فيها من أسلمة أوروبا.

ودعا سماحته هذه الإدارات إلى الخروج من دائرة التهويل على المسلمين في أوروبا، والتخويف من الإسلام، داعياً المسلمين في البلدان الأوروبية إلى مواصلة نشاطهم الحواري والحضاري في البلدان الغربية، واحترام أمن هذه البلدان، وإظهار الصورة الحضارية المشرقة للإسلام في احترامه لحقوق الناس وحياتهم.

أدلى سماحته بتصريح تناول فيه ما تتعرض له الجالية الإسلامية في بعض الدول الأوروبية وخصوصاً بريطانياً، وجاء في تصريحه:

يتعرض المسلمون في كثير من المواقع الأوروبية، وخصوصاً في بريطانيا، لجملة من التحديات، التي تتصل بالتشويه الإعلامي المتعمّد الذي يستهدفهم، أو بالمضايقات التي يتعرضون لها بحجة مكافحة الإرهاب، والحرص على قيام بيئة معادية للإرهاب في الأماكن التي تقطن فيها الجالية الإسلامية، وصولاً إلى الاعتداءات المباشرة على ممتلكاتهم أو حتى على أرواحهم كما حدث في ألمانيا قبل شهور في الجريمة التي اقترفها ألماني من أصل روسي عندما قام بطعن المسلمة المصرية، مروة الشربيني، حتى الموت بدافع من الكراهية والتوجيه الإعلامي السلبي ضد المسلمين، وهو الأمر الذي ترك آثاره الخطيرة في حركة الجالية المسلمة في أوروبا بعامة وفي بعض المواقع، كبريطانيا على وجه التحديد التي قُتل فيها الشاب القطري محمد الماجد في العام الفائت على يد أحد المتعصبين العنصريين؛ ما أثار ويثير الكثير من علامات الاستفهام حول المدى الذي تنسجم فيه أفعال بعض الدوائر الأوروبية مع القوانين الأوروبية، وشعارات حقوق الإنسان التي تطلقها، لا بل عناوين الحرية والمساواة التي تفاخر بعض الدول الأوروبية كفرنسا، بأن الثورة الفرنسية قد أحدثت نقلة نوعية عالمية من خلال حرصها على احترام هذه العناوين.

ولعلّ ما يبعث على الاستغراب يكمن في أن بعض الأحزاب القومية في أوروبا تجاهر في ممارساتها العنصرية ضد المسلمين، وتمارس أنواعاً من العنف ضدهم، من دون أن تعطي السلطات أي تبرير حول هذه الأعمال أو حيال الحرية المعطاة لهؤلاء في استهداف المسلمين، وان كانت هذه السلطات تعكف بين الحين والآخر على إصدار مواقف الاستنكار في مواجهة هذه الممارسات، كما يحدث في بريطانيا على وجه الخصوص، ولكن من دون أن يتحول ذلك إلى موقف عملي تؤمِّن من خلاله هذه السلطات الحماية الكافية للمسلمين، لإشعارهم بأنهم ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وأن حقوقهم محترمة تماماً كما هي حقوق الآخرين، واللافت أن بعض الإعلام الأوروبي يروج لهؤلاء ولأفكارهم.

إننا نستغرب فعلاً كيف يمكن لهذه الإدارات أن تسكت أمام الحملات المتواصلة التي تستهدف الجالية المسلمة، وخصوصاً في بريطانيا، تارة من خلال منظمات تحمل عنوان: "وقف أسلمة أوروبا"، وهو العنوان نفسه الذي أطلقه رئيس الكيان الصهيوني قبل سنوات محذراً الأوروبيين من اجتياح المهاجرين المسلمين لبلدانهم، وطوراً تحت عنوان "الدفاع عن اللغة الانكليزية" وكأن المسلمين يتنكرون لهذه اللغة، ولسائر الثقافات واللغات الغربية، مع أن الدراسات الغربية واستطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز دراسات بحثية غربية في بريطانيا على وجه التحديد أشارت إلى أن المحصّلة لهذه الدراسات أكدت أن المسلمين مواطنون "مثاليون" وأنهم يدينون العنف والتطرف والإقصاء، وأنّ ذلك يُثبت استعدادهم للاندماج أكثر في المجتمعات الأوروبية، على عكس الدعاية المضادة التي تتحرك فيها أجهزة إعلامية ودعائية معادية ويرتبط بعضها بالصهيونية العالمية، التي تحاول الإيحاء بأن البيئة الإسلامية في أوروبا هي بيئة معادية، وغير قابلة للاندماج، وأنها منتج مثالي للتطرف والإرهاب.

إننا نتفهم تماماً أن تسعى السلطات البريطانية، وغيرها من الإدارات الأوروبية إلى توفير أفضل مناخات الحماية الأمنية لمواطنيها، ولمن يقصد هذه البلدان، وقد دعونا مراراً المسلمين وغيرهم إلى احترام أمن هذه البلدان، ولكننا نشعر بكثير من الخطورة حيال إقدام هذه السلطات على دعوة الأساتذة الجامعيين وأساتذة المدارس وحتى الأئمة للتجسس على طلابهم وأتباعهم من المسلمين، وقد سبق ذلك دعوة أحد الوزراء البريطانيين الآباء المسلمين إلى التجسس على أبنائهم، وقد تحدثتْ شخصياتٌ ووسائلُ إعلام بريطانية مؤخراً بأنّ برنامج التجسس على المسلمين والمسمى "برنامج منع تطرف العنف" يمثل :أكبر برنامج تجسس عرفته بريطانيا في الأزمنة الحديثة".

إننا، وأمام اتساع نطاق هذه الظاهرة الخطيرة التي يظهر فيها المسلم في الصورة الإعلامية الغربية الموجّهة أو في بعض البرامج الأمنية والسياسية بأنه مُدان حتى يثبت العكس، ندعو الإدارات الغربية، وخصوصاً السلطات البريطانية، إلى توضيح وكشف هذه الممارسات أمام المسلمين، وعدم الاكتفاء بإصدار بيانات النفي التي قد تمثل بيانات إثبات بطريقة وأخرى، كما ندعو بعض وسائل الإعلام الغربية إلى إخراج نفسها من هذا النفق المظلم الذي تشنّ من خلاله حملات دعائية منظمة ضد الجالية الإسلامية، لأن من شأن ذلك أن يُعقّد العلاقة مع المسلمين أكثر، ليفسح في المجال لولادة حركات عنفية خطيرة، قد تنطلق كرد فعل على هذه الممارسات التي لا تشرّف الأوروبيين ولا تراثهم الثقافي والحضاري في مسألة حقوق الإنسان.

إننا ندعو الإدارات الغربية إلى الخروج من دائرة التهويل التي تمارسها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ضد المسلمين، كما ندعوها إلى نبذ سياسة التخويف من الإسلام، ونؤكد عليها السعي للحفاظ على أمنها السياسي والاجتماعي والاقتصادي من خلال احترامها الحضاري والإنساني للخصوصيات الإسلامية، وتعاونها مع الجالية الإسلامية والحوار معها على المستويات كافة، كما ندعو المسلمين إلى مواصلة نشاطهم الحضاري والحواري والانفتاحي في البلدان الغربية كافة، وعدم اللجوء إلى أعمال العنف، واحترام أمن هذه البلدان، والعمل على حماية مواطنيها، وتوفير أفضل مناخات الثقة والتعاون معهم، وإظهار الصورة الحضارية المشرقة للإسلام الذي حثّ على احترام أرواح الناس وحقوقهم، وأثبت أنه دين الرحمة والسماح، على الرغم مما أثير ضده من حملات تشويه ظالمة انطلقت من الخارج، وممارسات انفعالية وردود فعل وحشية انطلقت من الداخل، فالإسلام دين السلام الذي يحتضن كل حركات الخير في البشرية وينفتح على دعاة المحبة والرحمة في كل مكان وزمان.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

التاريخ: 07 ذو القعدة 1430 هـ الموافق: 25/10/2009 م
رأى أنّ أيّ اعتداءٍ على مسيرة الوحدة الإسلاميّة هو بمثابة العدوان على الإسلام نفسه
فضل الله معلّقاً على التّفجير الانتحاريّ في إيران: أيّ مسعى لإخراج إيران من خطّ المواجهة مع العدوّ إلى خطوط الفتنة هو مسعى فاشل

رأى العلامة المرجع، السيّد محمَّد حسين فضل الله، أنّ أيّ اعتداءٍ على مسيرة الوحدة الإسلاميّة يجب وضعه في سياق الاعتداء على الإسلام نفسه، متسائلاً عن الجهة المستفيدة من الاعتداء على رؤساء العشائر السنيّة والشّيعيّة وقادة الحرس الثّوريّ في إقليم سيستان بلوشستان في إيران، مؤكّداً أنّ أيّ مسعى لإخراج إيران من دائرة المواجهة مع العدوّ الإسرائيليّ إلى دائرة الفتنة الدّاخليّة في الأمّة، هو مسعى فاشل، ودعا سماحته القيادات والمرجعيّات الإسلاميّة السنيّة والشيعيّة، ليس إلى استنكار هذا الاعتداء فقط، بل إلى العمل السّريع لرفد مسيرة الوحدة الإسلاميّة بلقاءات وحدويّة تتحدّى المجرمين، وترسم للأمّة سلامها الاجتماعيّ الداخليّ في مواجهة الحرب المفروضة عليها بالاحتلال والهيمنة.

أدلى سماحته بتصريحٍ علّق فيه على التّفجير الانتحاريّ في إيران، وجاء في التصريح:

إنّ ما تعرّضت له الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، من خلال هذا الهجوم الإجراميّ الّذي استهدف مسعى للخير، ولتوحيد الصّفوف الإسلاميّة، وتعزيز خطوط الوحدة الإسلاميّة في محافظة سيستان بلوشستان، يمثّل غاية العدوان، وهو هجومٌ غادرٌ على الوحدة الإسلاميّة ودعاتها والسّاعين لها لحساب أعداء الأمّة، وعلى رأسهم الكيان الصّهيونيّ والمحور الاستكباريّ العالميّ الّذي تقوده أمريكا والصهيونيّة العالميّة.

إنّنا نتساءل كما تساءل الكثيرون: من هي الجهة المستفيدة من هذا الاعتداء، ومن يقف وراء التّخطيط لجريمةٍ بهذا المستوى؛ هل هي العناوين والأسماء التي تطلّ على الواجهة بين حينٍ وآخر، أو تلك الّتي تحمل مفرداتٍ توحي بأنّها تنتمي إلى الإسلام، والإسلام براء من أفعالٍ لا تمتّ إلى مفاهيمه وقيمه بصلة، ومن مسميّات لا تسعى إلا لخدمة أعداء الأمّة والدّين.

إنّنا نضع أيّ اعتداء على مسيرة الوحدة الإسلاميّة، وأيّ محاولةٍ لمنع هذه المسيرة من التقدّم إلى الأمام، ومن تحقيق أهدافها، في سياق الاعتداء على الإسلام نفسه، وعلى القيم الرّساليّة السّامية التي أراد الله تعالى للمسلمين أن يستلهموها من خلال وحدتهم ورصّ صفوفهم، والإعداد لمواجهة عدوّهم، وقد امتزجت في هذه الجريمة الدّماء الزكيّة للمسلمين السنّة والشّيعة، في مشهدٍ يؤكّد أنّ يد الإجرام لا تفرّق بين مذهبٍ ومذهب، في سعيها لتأجيج الفتنة، ومنع المخلصين للوحدة من الوصول إلى الغاية الإسلاميّة المنشودة. ولكنّ الإيحاء بالوحدة فرض نفسه حتى على صنّاع الجريمة، وأولئك الّذين خطّطوا لها من بعيد، والذين يسدون الخدمات للهجمات التكفيرية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

إنّنا نؤكّد أنّ المسعى الذي يتحرك به البعض لإخراج الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران من دائرة مواجهة العدوّ الإسرائيليّ، إلى دائرة الفتنة الداخلية، وإلى أتون الفوضى التي تعيشها المنطقة، هو مسعى فاشل، كما أنّ الحركة التي تقودها بعض الجهات لإراحة العدوّ الإسرائيليّ، من خلال السعي لإشغال الأمّة بمشاكلها الداخليّة، هي حركة فاشلة ولن يُكتب لها النّجاح، لأنّنا نعرف أنَّ القيادات الإسلاميَّة في إيران تدرك حجم المؤامرة، وتعمل بحكمتها ووعيها لتوجيه الأمَّة والشّعب إلى ما يجعلهما يعيشان مع القضايا الكبرى وعدم الانزلاق إلى المهاوي التي خطّط لها من يقف وراء هذا الاعتداء الآثم.

إنّني من موقعي الشّرعيّ، أدعو المرجعيات الإسلامية، والقيادات الإسلامية، من سنيّة وشيعيّة، إلى إدانة هذه الجريمة التي أثلجت قلب العدوّ الإسرائيليّ، كما آلمت نفوس وقلوب المسلمين جميعاً، كما أدعو هذه القيادات إلى التنبّه لخطورة ما يخطّط له الأعداء من سعي لقطع الطريق على كل المساعي الوحدويّة الإسلاميّة، ومن محاولاتٍ لزرع بذور الفتنة في مواقع جديدة في العالم الإسلامي، ومن عملٍ يلتقي بالخطّة الاستكبارية الجهنّمية التي تريد لديار المسلمين أن تتحوّل إلى مواقع للفوضى والتّقاتل والتنازع، لأنّ لسان حال أعداء الأمّة ممّن تجمّعوا على أرضها بجيوشهم الأطلسيّة وخطواتهم الاحتلاليّة، هو: لا بأس بأن تحترق كلّ البلاد الإسلاميّة في غياب الاستقرار والأمان الذي لا تناله هذه الجيوش المحتلّة، وهذه القوى التي سعت ولا تزال تسعى للهيمنة على المنطقة ومواقعها الاستراتيجيّة وعلى طرق النّفط فيها.

إنّ القيادات الإسلاميّة مدعوّة ليس لاستنكار هذا العدوان الآثم فقط، بل للعمل سريعاً لتعزيز مسيرة الوحدة الإسلاميّة بلقاءات وحدويّة عمليّة تتحدّى المجرمين، وترسم الطريق لسلام أهليّ دائم في مجتمعات الأمّة، في مواجهة الحرب المفروضة عليها بالاحتلال والهيمنة وسرقة الثّروات ومصادرة القرارات.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

التاريخ: 30 شوال 1430 هـ الموافق: 19/10/2009 م
في موقفٍ له بشأن حال السّقوط التي تعانيها الأمّة والاستقالة من مواجهة التحدّيات
فضل الله: يجب شرعاً إطلاق حركة المقاومة مجدّداً، بعد تأصيلها في الأدبيّات الشّرعيّة والحركة العسكريّة

دعا العلامة المرجع، السيّد محمَّد حسين فضل الله، إلى تأصيل فعل المقاومة والتّحرير في حركة الأمّة، ولا سيّما العسكريّة منها، من خلال الأدبيّات الفقهيّة التي تمّ التّوافق عليها في مدى تاريخ التّفكير الفقهيّ الإسلاميّ، مشيراً إلى أنّ ما يواجهه الفلسطينيّون من إعلان العدوّ الحرب عليهم، ومن اغتصاب أرضهم، يفرض من باب المشروعيّة، بل من باب الوجوب الشّرعيّ، إطلاق المقاومة المسلّحة ضدّ هذه الحرب المعلنة.

وشدّد سماحته على ضرورة انخراط الحركات الإسلاميّة وغير الإسلاميّة في خطّ المقاومة ضدّ العدوّ، مؤكّداً أنّ الإسلاميّين وغيرهم لا يخطئون عندما تصوّب بنادقهم نحو الكيان الصهيونيّ.

ودعا سماحته إلى معالجة الحالة التي تعيشها الأمَّة، والّتي تظهر أبرز معطياتها من خلال: الاستقالة من مواجهة التّحدّيات، وفقدان الثّقة بالنّفس، والعمل على تكريس حال الانقسام داخل الأمّة.

أدلى سماحته ببيانٍ تطرّق فيه إلى المشاكل التي تعتري الأمَّة، مقدّماً تصوّره للحلول وكيفيّة مواجهة هذه المشاكل، وجاء في البيان:

لقد بات واضحاً أنّ كلّ ما يجري اليوم على عالمنا الإسلاميّ والعربيّ، من ويلاتٍ ومحنٍ ومؤامراتٍ وفتنٍ وانقسامات، لا يُمكن عزله عن حال السّقوط التي تعيشها الأمّة من أقصاها إلى أقصاها، والّتي عبّرت عن نفسها في أكثر من اتّجاه:

الأوّل: الاستقالة من مواجهة التّحدّيات الّتي تفرضها كلّ القضايا الكُبرى، والرّضا بالعيش خارج إطار الفاعليّة التّاريخيّة، ليأخذ العالم العربيّ والإسلاميّ، عموماً، دور المنفعل بما تتحرّك به القوى الكُبرى المستكبرة، بدءاً من قضيّة احتلال فلسطين، إلى حركة الاحتلالات الّتي تتابعت تجاه أكثر من بلدٍ إسلاميّ أو عربيّ، وآخرها ما شهدناه من احتلال الولايات المتّحدة الأمريكيّة لأفغانستان، ثمّ العراق.

وفي هذا الاتّجاه، فقدنا أيَّ شعورٍ بضرورة العمل الإسلاميّ أو العربيّ المشترك للتّحرير في امتداد المواقع المحتلّة في العالم العربيّ والإسلاميّ.

الثّاني: فقدان الثّقة بالنّفس إلى الدّرجة التي سلّم فيها كثيرٌ من العرب والمسلمين إراداتهم لحركة الإرادة الدوليّة، وأصبحوا يخافون من أن يُضبَطوا متلبّسين بورقةٍ من أوراق القوّة؛ وهذا الّذي انعكس ضغطاً في أكثر من مجالٍ على قوى المقاومة والممانعة للتخلّي عن أوراق القوّة، ودفع أحياناً إلى التّواطؤ مع العدوّ عليها؛ وهذا الاتّجاه شهدنا نحواً منه تجاه المقاومة الفلسطينيّة واللّبنانيّة، أو تجاه المقاومة العراقيّة التي تصوّب بندقيّتها نحو الاحتلال الأمريكيّ فقط.

الثّالث: العمل على تكريس حال الانقسام داخل الأمَّة، والسّماح للاعبين الدّوليّين وغيرهم باللّعب على أوتار الخلاف المذهبيّ أو العرقيّ في أكثر من مجالٍ عربيّ وإسلاميّ، ما أدّى ـ بالتّالي ـ إلى حال انكشافٍ للأمّة في كثيرٍ من مواقعها أمام مخطّطات العدوّ الإسرائيلي، ومن ورائه القوى المستكبرة التي جعلت سياساتها في المنطقة تتحرّك في فلك السياسة الإسرائيليّة بشكلٍ وبآخر.

وقد رأينا كيف انساق كثيرٌ من العرب إلى اللّعبة الاستكباريّة، ليخترعوا لهم عدوّاً جديداً اسمه إيران، في ظلّ حال الإثارة المذهبيّة تارةً والقوميّة أخرى، ما أمّن حالة تغطيةً لكلّ ما يُراد أن يُطبخ على نارٍ هادئة تجاه قضيّة فلسطين بالذّات، إضافةً إلى ما يتحرّك في العراق وأفغانستان وما إلى ذلك.

وقد بدأ كلّ ذلك يؤثّر سلباً في ذهنيّة الأمّة، وكأنّ الشّعوب اليوم أصبحت أيضاً تخاف من تبعات امتلاك أيّ ورقةٍ من أوراق القوّة، سواء من خلال المقاومة، أو من خلال مشاريع الاكتفاء الذاتيّ، كما نشهده في مسألة الملفّ النوويّ السّلميّ الإيرانيّ؛ إلى الدّرجة الّتي أصبح الكثيرون منّا يبرّرون قهر الأعداء لهم وظلمهم وتدميرهم، وكلّ حالات الدّفع لفرض الأمر الواقع عليهم، والتّنكّر لكلّ المواثيق والعهود التي تمّ الاتفاق عليها سابقاً ـ بقطع النّظر عن تقويمنا لها ـ؛ وكأنّ جزءاً كبيراً في الأمّة أصبح يتحرّك بذهنيّة الإنسان المقهور والمسلوب الذي يُغري الآخرين بإذلاله أكثر، واستعماره أكثر، واحتلاله أكثر.

وإنّنا أمام هذا المشهد الّذي نرى تداعياته المستقبليّة على أمّتنا بأمّ العين، نرى لزاماً على الطّلائع الواعية في الأمّة التحرّك على أكثر من مستوى وصعيد:

أوّلاً: استعادة الأصالة الثّقافيّة والفكريّة التي تؤكّد عناصر القوّة في شخصيّة الأمّة، وتؤكّد أيضاً عزّتها وكرامتها بين الأمم، وقدرتها على أن تحقّق مستوى طليعيّاً في الفاعليّة التّاريخيّة في بناء الإنسان والمستقبل، على أساس القيم الأخلاقيّة والرّوحيّة التي أكّدتها الرّسالات السّماويّة، ولا سيّما الإسلام الحنيف. وهذا ما ينبغي أن ينزل من صفوف النّخبة إلى واقع الشّعوب؛ ليؤسّس لاحقاً لتجانسٍ في الحركة، بحيث تتكامل فيها القيادات مع قواعدها الحركيّة.

ثانياً: تأكيد أهمّية وجود التنوّع في حركة الأمّة، سواء في المستوى الفكريّ أو الحركيّ، والعمل على ضبط حركة هذا التنوّع ضمن توحيد الأهداف الكُبرى الّتي ينبغي أن يسعى إليها الجميع، كلٌٌّ من خلال موقعه وخصوصيّاته.

ثالثاً: تصدّي الحركات الإسلاميَّة والطّلائع الواعية في الأمّة للشّأن العامّ بالنّحو القويّ والفاعل، ما يشكّل أرضيّةً مؤاتيةً للضّغط على حركة الأنظمة السياسيّة في بلادنا، في الاتّجاهات التي تجعلها ترقى إلى مستوى الشّعوب؛ فتقلّ بذلك الفجوة بين حركة الحكومات وتطلّعات الشّعوب؛ وهذا يتطلّب أن يأخذ الإسلاميّون وغيرهم بأسباب المعاصرة، سواء في الخطاب أو في الحركة، من موقع الأصالة التي تتحرّك وفق مسار الاجتهاد المتجدّد؛ لأنّ ذلك يمثّل أساساً مهمّاً في المساهمة بفاعليّة في قلب الواقع السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والأمنيّ وما إلى ذلك، بعيداً عن مقاربته من خارج أدواته؛ وقد طرحنا سابقاً أنَّ الأصل هو العمل على تغيير الواقع بأدوات الواقع، وهو معنى الواقعيّة.

رابعاً: تأصيل فعل المقاومة والتّحرير في حركة الأمّة، ولا سيّما العسكريّة؛ وذلك من خلال الأدبيّات الفقهيّة التي تمّ التّوافق عليها في مدى تاريخ التّفكير الفقهيّ الإسلاميّ، دون فرقٍ بين السنّيّ والشّيعيّ وغيرهما، ولا سيّما أنّ أحداً اليوم لا يُناقش أبداً في أحقيّة أيّ شعبٍ أو أمّة في أن يُدافعوا عن أنفسهم عندما تُعلَنُ الحرب عليهم، أو عندما تُحتلّ أرضهم، وذلك بأن يردّوا العدوان بمثله، وأن يقاوموا احتلال الأرض في عمليّة التّحرير بكلّ الوسائل المُمكنة. والّذي يحصل اليوم، هو أنّ العدوّ الإسرائيليّ يُعلن حالة الحرب على الفلسطينيّين من جهة، وعلى الأمّة من جهةٍ أخرى، ما يفرض من باب المشروعيّة، بل من باب الوجوب الشّرعيّ، العمل على إطلاق حركة المقاومة المسلّحة من جديد ضدّ هذه الحرب المعلنة، كحركة ردّ عدوانٍ ووقايةٍ في المستقبل، هذا فضلاً عن وجوب تحرّك أشكال أخرى للمقاومة على المستوى السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والأمنيّ وما إلى ذلك.

إنّ من السّذاجة بمكانٍ النّوم باطمئنان إلى جانب هذا العدوّ الّذي أثبت أنّه رمز العدوان الأوّل على الإنسان والمقدّسات ـ والإنسان من أقدس المقدّسات في الإسلام وسائر الأديان ـ وأنّه هو الّذي يتحرّك في خطّة دائمةٍ لتدمير واقع الأمّة، عربيّاً وإسلاميّاً، وأنّه ليس بالّذي يُمكن الرّكون إليه في أيّ عمليّة تفاوض أو اتّفاق أو ما إلى ذلك؛ لأنّ أهدافه التوسّعية لا زالت هي هي، واستكباره العنصريّ يكمن في عمق أدبيّاته الدينيّة وغيرها، وروحه التّدميريّة متأصّلة في جذوره، بما يجعله حركةً متجدّدة في العداء للإنسانيّة والقيم الرساليّة القائمة على العدل والخير والتّسامح للإنسان كلّه.

خامساً: إنّنا ـ ضمن هذا المسار ـ ندعو الحركات الإسلاميّة كلّها، وغير الإسلاميّة أيضاً، ودون استثناء، إلى الانخراط في خطّ المقاومة ضدّ هذا العدوّ؛ والّذي أثبتت الوقائع والتّجارب أنّه ميزان حركة كلّ القوى الكبرى المستكبرة السياسيّة والاحتلاليّة وغيرها، في كلّ مواقعنا العربيّة والإسلاميّة. ولذلك، لا يخطئ الإسلاميّون، مهما اختلفوا يميناً وشمالاً، عندما يصوّبون البندقيّة نحو الكيان الصّهيوني الغاصب؛ وسيجدون في الطّريق، أنّ كلّ حالات الاختلاف المذهبيّ أو الدّينيّ أو الفكريّ أو السياسيّ، لا يُمكن أن تقف عائقاً أمام إنتاج حالة مقاومةٍ شاملةٍ في الأمّة، بل إنّها تُكسب الأمّة تنوّعاً في عمليّة بناء القوّة في مواقع مختلفة.


مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

التاريخ: 29 شوال 1430 هـ الموافق: 18/10/2009 م





19 أكتوبر 2009


فضل الله: سفيرة أميركا تحكم لبنان

وصف العلامة اللبناني السيد محمد حسين فضل الله السفيرة الأميركية في بيروت ميشال سيسون بأنها "حاكم لبنان بلا منازع".

أن العلامة فضل الله أوضح في حديث أدلى به الى الجزيرة نت أن "السياسات الأميركية هي سبب كل ما يحدث في هذا البلد من مشاكل واضطرابات ".
وخاطب فضل الله باراك أوباما قائلا "قلت لإيران بأنك تريد أفعالا لا أقوالا ونحن نقول لك نريد منك أفعالا لا أقوالا ".
وأضاف "سعيك لتحقيق السلام يفترض حيادية وأنت لست كذلك بل أنت منحاز لإسرائيل ".
وبخصوص المفاوضات الأميركية الإيرانية الحالية يرى فضل الله "أن الأميركيين يحاورون إيران لأنها قوية والقوي لا يحترم إلا قويا, لذا لا ضربة إسرائيلية أو أميركية في الوقت الحاضر ضد المواقع النووية الإيرانية ".
وعن الأوضاع في العراق الذي ولد وعاش فيه قبل عودته إلى لبنان, قال العلامة فضل الله "أرى أن العراق الطائفي لا يمكن أن يعيش, ولا بد أن يكون العراق وطنيا يلتقي فيه كل أبنائه من كافة الأطياف على أساس بناء الدولة النزيهة والحاضنة للجميع ".
وبشأن المصالحة مع البعثيين رأى فضل الله "أن المشكلة معهم تكمن في أن أيدي أغلبهم ملطخة بدماء العراقيين الأبرياء ".
وأما بخصوص المصالحة العربية فرأى "أنها مجرد وهم ولا تمثل الحقيقة وإنما هي مصالحة سطحية ولن تتطور لأن أغلب حكام العرب الرسميين خدم أميركا ".
واعتبر فضل الله أن خطر الفتنة المذهبية قائم وجدي, قائلا إن "الغرب وبعض عملائه من الدول العربية المعتدلة يحاولون إثارة الفتنة السنية الشيعية لأهداف لا علاقة لها بمصلحة المسلمين والعرب ".
ولم يبد فضل الله تفاؤلا كبيرا إزاء تقرير غولدستون الذي أقر في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة, واعتبر أن القوى الدولية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأميركية رضيت بالإجرام الإسرائيلي حين وقع, وهي شريكة في سفك دماء الفلسطينيين, وتلك القوى لن تسمح لهذا التقرير بالتحول إلى وسيلة إدانة لإسرائيل على جرائمها .
ووجه فضل الله نصيحة للشعب الفلسطيني في الداخل تمنى فيها له ألا يتوقف عن المقاومة مهما كانت الصعوبات, لأن إرباك إسرائيل هو الوسيلة الوحيدة لتحرير الأرض والمقدسات .

9 أكتوبر 2009


فضل الله: السلطة الفلسطينية ابعدت قادة العدو عن المثول امام المحكمة الدولية

استنكر العلامة محمد حسين فضل الله الفضيحة الكبرى التي تمثلت بطلب السلطة الفلسطينية تأجيل البحث في تقرير غولدستون حول العدوان الصهوني على غزة.

أن السيد فضل الله أبدى, في خطبتي صلاة الجمعة اليوم من على منبر مسجد الامامين الحسنين(ع) في حارة حريك في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت, استغرابه "كيف ان الضحية تعمل لتبرئة جلادها ومنع محاسبته ومحاكمته امام العالم من خلال أول وثيقة دولية ممهورة بتوقيع قاض يهودي ", معتبرا ان "السلطة الفلسطينية قامت بما لم يجرؤ عليه احد بإبعاد مسؤولي العدو وقيادات جيشه عن المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية ".
ودعا "الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية والإسلامية لإيقاف حركة المهزلة السياسية التي يدخل فيها الحكام قضية فلسطين في متاهات التآمر الدولي والإقليمي وحتى في حركة الأطماع الشخصية ", مشيرا ان "ما حصل هدفه إعلان إطلاق يد إسرائيل في أن تشن حربا جديدة على غزة لا بل أن توسع من دائرة عدوانها لتش حروبا ربما خارج فلسطين المحتلة ".
ورأى السيد فضل الله ان "بعض الدول العربية والاسلامية تواطأت لتمرير فضيحة تقرير غولدستون ", محذرا ان "امريكا تعمل لتعميم المشهد الذي يجري في افغانستان واليمن والعراق على اكثر من دولة عربية واسلامية لبث واطالة امد الفتنة بما يخدم المصالح الامريكية والصهيونية ".
من جهة ثانية قال العلامة فضل الله ان "امريكا تعمل لاطالة الازمة السياسية في لبنان وتعرقل قيام حكومة وحدة وطنية ", واضاف ان "فرنسا تظهر للعالم انها مهتمة بشؤون العالم العربي فيما هي ترعى المصالح الصهيونية في المنطقة ", آملا ان "تنعكس اجواء القمة السورية السعودية ايجابا على الوضع في لبنان ".
وفيما استنكر العلامة فضل الله الحوادث الامنية المتنقلة " دعا اللبنانيين الى "معالجة جذرية لهذه التجاوزات من خلال تحمل الجميع مسؤولياتهم في ضبط هذه الظاهرة ".