1 يوليو 2008

السيد فضل الله ل"الصحافي البريطاني هامان عابدين"


نحن نرى أن مقاومة الاحتلال هي أمر حضاري وشرعي من الناحية الإسلامية



عن الهزات الأمنية التي شهدتها الساحة اللبنانية على المستوى الداخلي، ومشروعية مقاومة الاحتلال، وتوصيف الأمريكي للحركات المقاومة للإرهاب، وعن الصراع الدائر بين الشرق والغرب هل هو حضاري أم سياسي؟ وعن التفريق بين المقاومة والإرهاب، وتأثر الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية محاور المقابلة التي أجراها الصحافي البريطاني من أصل إيراني ماهان عابدين من مركز الدراسات «دراسات حول الإرهاب» مع العلامة المرجع، السيّد محمّد حسين فضل الله.
الهزات الأمنية في لبنان.


س: ما هو موقفكم تجاه الأحداث والاشتباكات التي حصلت مؤخراً في بيروت؟


ج: نحن ضدّ أيّ نوع من أنواع الاشتباكات في الواقع اللبناني، وحتى في الواقع العربي والإسلامي، لأنّنا ندعو إلى الوحدة الإسلاميّة في المجتمع الإسلامي، وإلى الوحدة الوطنية والعربية في المجتمعات الأخرى المختلطة. ولكنَّ المشكلة أن النظام الطائفي الّذي قام لبنان على أساسه، أدّى إلى أن يكون لكلِّ طائفةٍ شبه استقلال في شؤونها السياسية، ما جعل زعماء كلّ طائفة يجمعون أبناء طائفتهم حولهم لتحقيق مكاسب سياسية، وخصوصاً أنّ كل طائفة تحاول أن ترتبط بخلفيات إقليمية عربية أو إسلامية أو أوضاع دولية معيّنة، ما جعل من لبنان ساحةً لإدارة الصراعات التي تنتج مثل هذه التعقيدات والاشتباكات، ولكنّنا نرفض ذلك.


س: هل أنت متفائل بشأن العلاقات السنية الشيعية في لبنان؟


ج: أنا أتصوّر أنّه ليست هناك أيّة أسس ثقافية ومذهبية بالمعنى الديني لأيِّ خلافات بين السنَّة والشّيعة، لأنَّ قضية الخلافات المذهبية التاريخية التي عاشها المسلمون، قد مضى عليها زمنٌ طويل، وقد اعتاد المسلمون التعايش بينهم، حتّى إن المصاهرات في لبنان تزداد بين السنة والشيعة. ولكن المشكلة في لبنان هي في نظامه الطائفي الّذي يحاول أن يستغلَّ العناوين الدينية لحساب الأوضاع السياسية كما يتيح للخارج التدخّل في شؤونه، وخصوصاً أنّ أمريكا تريد أن تجعل من لبنان ساحةً لإدارة صراعاتها في المنطقة، لحماية إسرائيل التي تلتزم التزاماً مطلقاً بأمنها، إضافةً إلى بعض الدول العربية التي تلتزم الخطَّ السياسي الأمريكي من جهة، والّتي لها بعض المصالح في الارتباط ببعض الجهات المذهبية أو الدينية من جهة أخرى. لذلك من الصعب أن يكون هناك تفاؤل مطلق، ولكنّنا نعتقد أن الأوضاع لن تصل إلى مستوى الحرب الأهلية المذهبية أو الطائفية، ولكن قد تحدث بعض المشاكل كالتي حدثت في بيروت وفي البقاع.
شرعية مقاومة الاحتلال.


س: هل المقاومة في العراق وأفغانستان شرعية؟


ج: أنا أعتقد أنَّ كل مقاومة للمحتلّ هي مقاومة شرعية، ونحن لا نرى أية شرعية للاحتلال الأمريكي والبريطاني في العراق، حتى إنّ مجلس الأمن لم يعط هاتين الدولتين الشرعية القانونية لاحتلالهما، ولكنّه تعامل معهما كأمر واقع كما يتعامل مع أية دولة تفرض احتلالها على هذا البلد أو ذاك، ليفرض عليها أن تطبق قوانين الاحتلال. ولكن نحن في الوقت الذي نتحفَّظ عن بعض جهات التّكفير بالنسبة إلى طالبان في أفغانستان مثلاً، ونرفض الديكتاتور الذي كان يحكم العراق، لا نرى أنّ الحل هو في احتلال أمريكا وبريطانيا للعراق، أو في احتلال دول حلف الناتو بقيادة أمريكا لأفغانستان. ولذلك فإنّنا نرى أن مقاومة الاحتلال هي أمر حضاري وشرعي من الناحية الإسلامية.
تصنيف حزب الله حركة إرهابية.


س: في رأيكم، ما هو السبب الذي يجعل الغرب يصنِّف حزب الله كحركة إرهابية؟


ج: إنَّ الغرب بشكلٍ عام، وفي مقدّمه أمريكا، يلتزم حماية إسرائيل بشكل مطلق، باعتبار أنَّ هذا الكيان هو صنيعةُ الغرب، لأنّنا نعرف أنَّ ولادة إسرائيل كانت بمساعدة بريطانيا أثناء انتدابها لفلسطين، ثم إنَّ بريطانيا وفرنسا وأمريكا ساعدت إسرائيل في أن تتحوّل إلى دولة نووية من الدرجة الأولى، فأصبحت تملك ترسانةً نوويةً بمقدار مئتي رأس نووي. ولذلك فإنّ أمريكا ومعها الدول الغربية، بشكل عام، ولا سيما فرنسا وبريطانيا، لا توافق على وجود أيّة قوة لمواجهة أيِّ عدوان إسرائيلي، سواء كان هذا العدوان ضدّ لبنان أو في احتلالها لفلسطين، لذا، فإنّهم يعتبرون كلّ مقاومة للعدوان الإسرائيلي وللاحتلال الإسرائيلي عملاً إرهابياً، بينما يشرِّعون احتلال إسرائيل للأرض، على الرّغم من أنّ أسس الحضارة الإنسانيّة تعطي الإنسان الحقّ في الحرّيّة وفي تقرير مصيره ورفض الاحتلال بشكل عام.
كما أن الغرب في نظرته إلى ما تقوم به إسرائيل من مجازر وحشيّة يوميّة متنقلة، سواء في غزة أو في الضفة الغربية، أو في عملية مصادرة الأراضي الفلسطينية وطرد الفلسطينيين من أرضهم عبر إقامة المستوطنات الكبرى والجدار الفاصل، يقف مع إسرائيل بالمطلق، حتى في مجازرها الوحشية وفي احتلالها لفلسطين، كما أنّه يقف ضدّ مواجهة حزب الله لإسرائيل في عدوانها على لبنان، كما حدث في سنة 82 وما قبل عام ألفين. إنّ الغرب لا يريد أيّة منظمات مقاومة في العالم العربي والإسلامي، لأنّه يعتبر أن ثروات العالم العربي والإسلامي تمثّل مصالحه الاستراتيجية، وكذلك فإنّ أية مقاومة لسياسة الحكومات الغربية، وفي مقدمها أمريكا، تمسُّ بالمصالح الغربية الاستراتيجية في مصادرة الثروات العربية والإسلامية.
ولذلك، فإنّ حديثهم عن مكافحة الإرهاب هو حديثٌ يشتمل على الخداع والنفاق، بل إنّهم يتحرَّكون من أجل مكافحة المعارضة السياسية للمصالح الغربية في العالم العربي والإسلامي، ولا ينطلقون على أساس أنّ هناك مصالح للشرق عند الغرب ومصالح للغرب عند الشرق، وأنّ على الجميع أن يعملوا على أساس التوازن في احترام المصالح المتبادلة.
صراع مصالح لا حضارات.


س: هل تعتقدون أنَّ هناك صراع حضارات بين الشرق والغرب؟


ج: أنا لا أعتقد أن هناك صراع حضارات، لأنّ الحضارات تمثّل القيم الأخلاقية، والقيم الإنسانية، والقيم الروحية وما إلى ذلك، ولذلك ليس هناك صراع بين القيم الحضارية للغرب والقيم الحضارية للإسلام، بل إن هذه القيم قد تتقاطع وقد تفترق، ولكن الحلّ لا يكون أبداً بالصراع على أساس العنف، أو على أساس الاحتلال، أو على أساس الضغط على الشعوب، ولكنّه يكون بتحاور الحضارات فيما بينها على أساس المفاهيم الإنسانية المشتركة والقواعد الفلسفية التي تخضع لها هذه الحضارة أو تلك. وعلى ضوء هذا، نحن لا نفهم معنى إطلاق مصطلح "صدام الحضارات"، لأنّ الصدام الموجود الآن بين الشرق والغرب، ليس صدام حضارة بحضارة، وإنّما هو يمثّل صدام المصالح الغربية مع المصالح الاستراتيجية للشرق، ونحن ندعو إلى حوار الحضارات لا إلى الصدام فيما بينها.
بين المقاومة والإرهاب
س: في رأيك، ما هو الفرق بين المقاومة والإرهاب؟
ج: الإرهاب يمثّل اعتداء الإنسان على الإنسان في غير حال حربٍ شرعيّة أو في غير حال الدفاع عن النفس، والإرهاب هو عندما يضغط إنسان على إنسان بغير حقّ، أو عندما يقتله أو بصادر حريته لحساب مصالحه المادية. وعلى هذا الأساس، فنحن نعتبر أن أمريكا ومعها الدول الاستعمارية التي استعمرت المنطقة، تمثّل قمة الإرهاب، لأنّها فرضت قوّتها على الشعوب المستضعفة من شعوب العالم الثالث، سواء كانت شعوباً عربيةً أو إسلامية. إنّ أمريكا الآن تمارس الإرهاب في العراق وفي أفغانستان، وبشكل غير مباشر في السودان وفي الصومال، كما أنّها تمثّل الإرهاب السياسي في لبنان وفي سوريا وفي إيران.
أمّا المقاومة، فإنّها تمثّل المواجهة الشرعيّة للاحتلال؛ احتلال الأرض واحتلال الإنسان، كما أنّها تجسِّد حقّ الإنسان في تقرير مصيره، كما يحدث الآن في فلسطين وفي لبنان، وكما يحدث أيضاً في العراق وفي أفغانستان.


س: هل تعتقد أن الحضارة الإسلامية تتراجع الآن أمام الحضارة الغربية؟


ج: المشكلة في الحضارة الإسلامية تنطلق من جهة التخلّف الموجود في كثيرٍ من مناطق العالم الإسلامي في فهم الثقافة الإسلامية التي استطاعت أن تنتج الحضارة عند انطلاقة الإسلام، هذه الحضارة الّتي قال عنها البانديت نهرو في كتابه "لمحات في تاريخ العالم" بأنّها أم الحضارات الحديثة، لأنّ الحضارة الإسلامية هي التي أعطت الغرب، من خلال علمائها واكتشافاتها ومناهجها، الكثير من أصول المعرفة ومصادرها، عندما كان الغرب ينطلق لاكتساب المعرفة من خلال التأمل، وجاء الإسلام من خلال المسلمين في الأندلس، كابن رشد وغيره، ليقدموا للغرب التجربة كأساس ثانٍ للمعرفة إلى جانب التأمل.
لذلك، فإنّ الإسلام قادر على أن يصنع الحضارة، ولكنَّ المشكلة أنَّ عوامل التخلّف التي عاشها الواقع الإسلامي في تاريخه الّذي فرض عليه، والأمّيّة الثقافية، جعلت الكثيرين ممّن يديرون شؤون المسلمين، حتّى من العلماء، يتخلّفون في فهم القيم الحضارية للإسلام. كما أنّ سيطرة الغرب على مقدّرات العالم الإسلامي وفرضه الخطوط الحضارية الغربية على مسألة التربية والثقافة وما إلى ذلك، جعل الحضارة الإسلامية تتأخَّر. فالمشكلة لم تنطلق من جذور المعنى الحضاري للإسلام، وإنّما انطلقت من خلال العوامل الداخلية في تخلّف المسلمين من جهة، ومن خلال العوامل الخارجيّة في القوَّة التي فرضت على المسلمين ومنعتهم من أن يجسدوا أصول الحضارة الإسلامية في حياتهم العامة. ولكنّنا نعتقد أن تطور الأوضاع في العالم الإسلامي وتحرر المسلمين من سيطرة الغرب، يمكن أن يعيد للمسلمين دورهم في صنع الحضارة.

ليست هناك تعليقات: