25 يوليو 2008

بعد الضجّة التي أثارتها فتاواه في العالمين العربي والإسلامي
يؤكّد المرجع الشيعي العلاّمة محمد حسين فضل الله:
حجاب المرأة يفرضها في المجتمع كعقل لا كجسد


عندما تجد نفسك معتكفاً على ورقة بيضاء، وفي يدك قلمٌ لكي ينطلق في الحديث عن شخصية سبقك الكلّ إليها وفاضت أقلامهم بوصفها ورصدها في مراجع ومجلدات، يبدو الأمر في غاية الصعوبة... وسؤال واحدٌ يشلّ تفكيرك: كيف لك أن تختصر تاريخاً بكلمات؟ ولكن عندما تحمل تلك الشخصية اسم سماحة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، يسهل الأمر عليك، لأنه بكل بساطة رجلٌ لا ينتهي عنده الكلام... جمع في شخصيته "البراغماتية" و"الالتزام"، وفي اجتهاداته "التديّن" و"الاعتدال"، ولكن فتاواه كانت وما تزال الأكثر إثارةً للجدل، وكان آخرها فتوى حقّ المرأة في ضرب زوجها دفاعاً عن نفسها، والتي عارضها بشدة بعض رجال الدين في العالمين العربي والإسلامي، وخصوصاً في الأزهر وفي مجمع الفقه الإسلامي...
عن سرّ هذه الفتوى، وعن نظرته إلى المرأة العربية، ورأيه في الوضع الأمني في لبنان، وفي الزواج المدني وزواج المسيار، وغيرها من المواضيع الحياتية والدينية المهمة، تحدّث سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله بإسهاب، وهذا نصّ الحوار:
الفتاوى الشرعية والمرأة:

س: لقد أحدثت الفتوى التي أصدرتموها أخيراً، حول حقّ المرأة في ضرب زوجها في حال اعتدى عليها بالضّرب، دفاعاً عن نفسها، أحدثت جدلاً أزهرياً كبيراً، في حين اعتبرها البعض تحريضاً مباشراً على إشعال نار الخلافات الزوجية بدلاً من نشر ثقافة التسامح، فما ردّكم على ذلك؟

ج: إنّ من عارض هذه الفتوى، هو بالتأكيد لم يفهمها بمدلولها الحقيقي، لأنني عندما أفتيت بأنه من حقّ المرأة ضرب زوجها من أجل الدفاع عن نفسها في حال ضربها ظلماً، إنّما ارتكزت في ذلك إلى النصّ القرآني انطلاقاً من قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة:194]، وقوله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} [البقرة:237]، فهي إن صبرت عليه، فإنها تحصل على أجر صبرها عند الله، وإذا دافعت عن نفسها من أجل ردّ الأذى عنها، فهذا يمثّل حقّها الطبيعي كإنسانة اعتُدي عليها، خصوصاً أن مثل هذا الأمر سيحميها دون شك من العيش تحت ضغط قاسٍ قد يؤدي إلى نتائج سلبية على جسدها ونفسيتها.
وهذا رأينا أيضاً بالنسبة إلى الرجل، فإذا ضربته زوجته، أو أي أحد من أفراد عائلتها، أو أي شخص آخر، فإنّه يحقّ له تلقائياً الدفاع عن نفسه وردّ الضربة للمعتدي بالمثل. وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألة، وهي أننا نؤكد دائماً ضرورة استخدام الوسائل السلمية في الحياة الزوجية، ونركّز على ضرورة اهتمام المرأة بزوجها، في أن تُحسن معاشرته، والتصرّف في حلّ الخلافات الزوجية بالطرق المهذبة، والله سبحانه يقول: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما} [النساء:35].
إنّ ديننا شرّع لنا أن نحافظ على إنسانية المرأة
وأن نكرّس هذه الإنسانية كما نكرّس إنسانية الرجل
ولكننا هنا نسأل كل من عارض مضمون الفتوى التي تبيح للمرأة الدفاع عن نفسها، أنه لو كان لديه ابنة متزوجة، فهل سيقبل بأن تضرب ضرباً مبرّحاً، وأن تُفقأ عينها أو تُكسر يدها أو تُصاب بأمراض نفسية جرّاء خضوعها واستسلامها للأذى الذي تتعرّض له؟ لذا أقول إن المشكلة في أولئك الذين يعطون الرجل حقوقه كاملةً، ولا يقبلون بالاعتراف بأيّ حق من حقوق المرأة، أنهم لا يعترفون بإنسانية المرأة. ونحن علينا، وكما شرّع لنا ديننا، أن نحافظ على إنسانية المرأة، لا بل أن نكرّس هذه الإنسانية في مجتمعاتنا تماماً كما نكرّس إنسانية الرجل.

س: نحن نعيش في مجتمع شرقي، وعقلية الرجل العربي قد لا تسمح له بتقبّل مثل هذه الفكرة، كما أن ذكوريّته لا تسمح له بأن يتابع حياته مع امرأة ضربته، ألا تعتقدون أن مثل هذه الفتوى ستؤدي حتماً إلى أبغض الحلال بين الأزواج؟

ج: إذا كان البعض يرى أن في دفاع المرأة عن نفسها دماراً لحياتها الزوجية، وأن ذلك سيؤدي حتماً إلى الطلاق، فإنّ قلّة احترام الزوج لزوجته، ومعاملتها بعنف، وضربها، وإلصاق التهم غير الدقيقة بها، كلها أمور قد تؤدي إلى الطلاق، وإن لم تدافع المرأة عن نفسها بردّ الضربة إلى الزوج.

س: ولكن بعض من عارضكم علّل وجهة نظره بأنكم تعطون المرأة حقاً لم يمنحها الإسلام إياه، إذ إنه، وبحسب القرآن الكريم، يجوز للرجل ضرب زوجته في حالات معينة، كما في قوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ}، بينما لم يبح للمرأة مثل هذا الأمر؟

ج: لا يحقّ للرجل ضرب زوجته إلا في حالات النشوز، كأن لا تستجيب لحاجات زوجها الجنسية، لأن هذا حقّه الطبيعي بمقتضى العقد الزوجي الذي فرضته هي على نفسها، وبحسب الآية التي ذكرتها، نجد أن القرآن لا يبيح للرجل ضرب زوجته مباشرة، وإن كانت تمنعه من أخذ حقوقه الزوجية، بحيث تبدأ الآية بـ{فعظوهنّ} [النساء:34]، بمعنى أن يشرح لها الزوج مساوىء ما تفعله، ويحاول إقناعها بالتي هي أحسن حتى يعيدها إلى صوابها، وإن أصرّت على حرمانه أحد حقوقه الشرعية، فإنّ عليه أن يهجرها في المضجع كشكل من أشكال التأديب النفسي، وكإيحاء بأنها ليست موضع اهتمامه، وإن لم تنفع كل الوسائل معها، فيمكنه أن يضربها ضرباً غير مبرّح ولا مؤلم حتى يسوقها إلى درجة الطاعة.
لا بد للرجل من أن يحترم زوجته التي أوصاه الله بها
والسبب في ذلك، هو أنّ هذه المواضيع تعتبر حسّاسةً للغاية، إذ لا يمكن أن تُحلّ بين الأهل وفي المحاكم، وعلى الزوجين أن يصلا إلى الحلّ، فإما أن تطيع المرأة زوجها كما وعدته منذ البداية، وإما أن يلجأ الزوج إلى الوسائل المتاحة أمامه لوضع حدّ لهذه المشكلة، خصوصاً إذا كانا لا يفكران في الطلاق. وعدا ذلك، لا بد للرجل من أن يحترم زوجته التي أوصاه الله بها، وأن يقدّرها، وفي حال ضربها ظلماً، فهو بحكم المعتدي ومن حقّ المرأة وهي المُعتَدى عليها أن تدافع عن نفسها كما هو واضح بحسب النصّ القرآني، فيما إذا لم يكن هناك مجال للصبر والعفو والخروج من المنزل أو غير ذلك.

س: لاقت الفتوى التي تؤكّد أنه لا ولاية على المرأة إذا كانت بالغةً ورشيدةً ومستقلةً معارضة شديدة من بعض رجال الدين في الأزهر، وفي مجمع الفقه الإسلامي، فهل أصدرتم مثل هذه الفتوى نظراً إلى واقع المرأة العاملة والمستقلة مادياً اليوم، أو أنها فتوى ترتكز إلى ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؟

ج: نحن نقول إن البالغة الرشيدة كالبالغ الرشيد، والأخوان السنّة يعتبرون أن لا نكاح إلا بوليّ، بمعنى أنه لا بد من أن يكون هناك وليٌ على المرأة، وهناك الكثير من علمائنا الشيعة أيضاً يرون أنه لا بد للمرأة البكر من أن تستأذن أباها أو جدها لأبيها في زواجها، لكن إذا كان أبوها وجدّها متوفين، فهي تملك نفسها إذا كانت بالغةً رشيدةً، ولا ولاية لأحد عليها. وهناك رأي آخر، أن المرأة البالغة الرشيدة كالبالغ الرشيد، أي أنها حينما تبلغ سن الرشد تصبح مستقلةً. ولذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الشريف: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء:6]، فالمرأة مستقلة في مالها قانوناً، وليس لأحد، سواء كان جدّها أو أباها أو أخاها أو زوجها، أي علاقة فيما تملكه من المال. ونحن نقول، إنه لا فرق بين استقلال المرأة المالي واستقلالها في زواجها، بل إنّ استقلالها في زواجها أخطر من استقلالها المالي، فهي شخصية قانونية كاملة، تملك نفسها وتملك التصرّف في حياتها مئة في المئة، ولا ولاية لأحد عليها. ولكن غاية ما هناك، أننا ننصحها من باب الاستشارة أن تسأل أهل الخبرة في هذا الموضوع، من أبيها أو جدّها أو أخيها الذي لا ولاية له عليها في هذا الشأن.
القوامة محصورة بالحياة الزوجية، وبمعنى الإدارة لا بمعنى السلطة

س: نشعر من خلال كلامكم، فضلاً عن الفتاوى التي تصدرونها دائماً في حق المرأة، أنكم تحاولون تطبيق المساواة بين المرأة والرجل، فيما يؤكد البعض اللامساواة بينهما، انطلاقاً من النص القرآني الذي أعطى الذكر مثل حظّ الأنثيين، واعتبر شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل وما شابه... ألا يمكن أن يُفسّر البعض ذلك بالتناقض؟

ج: لست أنا من يؤكّد المساواة بين المرأة والرجل، وإنما الله سبحانه وتعالى هو من أكد هذا الأمر، ومع ذلك، فإنّهم يتحدثون دائماً عن اللامساواة، وخصوصاً من جهة القوامة، ولكن القوامة فيما أراه، محصورة بالحياة الزوجية، وبمعنى الإدارة لا بمعنى السلطة. فالرجل لا سلطة له على زوجته إلا بما التزمت به في عقد الزواج، كما أنه لا سلطة لها على زوجها إلا بما التزم به في عقد الزواج. أما قضية أنّ للذكر مثل حظّ الأنثيين، فهذا ينطلق من أن الإسلام كلّف الرجل بإدارة البيت الزوجي اقتصادياً، فعليه الإنفاق على زوجته حتى وإن لم تكن محتاجةً مادياً، بينما لم يُكلِّف المرأة مسؤولية الإنفاق لا على الزوج ولا على الأطفال. من هنا نقول: إن ديننا أخذ من المرأة من هنا وأعطاها من هناك.
وللمزيد من التوضيح، يمكنني أن أعطي مثالاً على ذلك، إذا كان هناك أبٌ يملك 30 ألف دولار، وأعطى بحسب الشرع 20 ألفاً إلى ابنه، و10 آلاف إلى ابنته، فليس هناك ظلم في حق الفتاة، لأن الابن لا بد من أن ينفق من العشرين ألفاً على عائلته وزوجته وأطفاله، أما الفتاة التي ورثت العشرة آلاف، فسيكون مالها لها وحدها، إذ إنها ليست مسؤولةً عن الإنفاق على عائلتها، كما أن زوجها مجبرٌ على الإنفاق عليها، وإن لم تكن بحاجة إلى المال، وهذا يعني أن هناك توازناً في التشريعات الإسلامية بين المرأة والرجل معاً.
أما فيما يخصّ شهادة الرجل التي تعادل شهادة امرأتين، فهذا ليس انتقاصاً من أهمية المرأة، وإلا لكانت شهادة المرأة غير مقبولة أصلاً، ولكن الله عزّ وجلّ علّل هذا الأمر بقوله تعالى: {أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى} [البقرة:282]، وذلك لأن المرأة قد تخضع للعاطفة ولا تكون في مثل هذه المواقف بنفس صلابة الرجل، نظراً إلى إحساسها المفرط وعاطفتها الجيّاشة. والشاهد على ذلك، أنه في البيّنة القضائية، لا يكفي شهادة عدل واحدة، بل لا بد من شهادة عدلين، وهذا لا يعني عدم احترام شهادة العدل الواحد، لأن شهادته تعني أنه إنسان مستقيم في الدين، يخاف الله، فلا يشهد شهادة زور، ولا يكذب، ومع ذلك احتياط العدالة يؤكد ضرورة وجود شاهدين. وفي الحياة الجنسية أيضاً، يجب أن يكون هناك مساواة بين المرأة والرجل، {ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف} [البقرة:228]، وهذا يعني أنّه كما للرجل حق على زوجته في أن تستجيب لحاجاته الجنسية، فللزوجة أيضاً حاجاتها وعلى الزوج أن يستجيب لها.
الأساس الاجتهادي عند السنّة والشيعة مشترك، وهو القرآن والسنّة

س: تعتبرون، سماحة السيد، أن الفتاوى التي تصدرونها ليست موجّهةً إلى الشيعة فقط، لكونها تعالج المسألة الإسلامية في بعدها الإنساني، إلا أن بعض المسلمين من غير الشيعة يرفضون بشكل قاطع مثل هذه الفتاوى التي لا تتلاءم مع طبيعة حياتهم في مجتمعات محافظة، إذا صحّ التعبير، فهل يمكن للفتوى الدينية، في رأيكم، أن تلغي العرف الاجتماعي والموروث الثقافي؟

ج: أنا أتكلم كمرجع إسلامي وليس كمرجع شيعي، لكوني لا أفرق في الأحكام الشرعية بين ما يجتهد فيه الشيعة وما يجتهد فيه السنة، لأن الأساس عندنا مشترك، وهو القرآن والسنة، لذا يجب أن تكون الفتاوى مقبولةً حتى وإن اختلفت البيئة الاجتماعية. ولكن الحاصل أن البعض لا يفرّق بين التديّن والعصبية، لذا نجد أن هناك حالات من العصبية عند بعض المتدينين من السنة والشيعة تمنعهم من تقبّل الآخر أو من التفكير العلمي الموضوعي في ما يُصدره الآخر.
كما أنّ هناك بعض السنة الذين يرفضون آراء الآخرين من السنة، فهناك أربعة مذاهب مشهورة عند السنة فقهياً، فالحنفي يختلف عن الشافعي، والشافعي يختلف عن المالكي والحنبلي، وعند الشيعة أيضاً، نرى مرجعاً شيعياً يختلف في فتاواه عن مرجع شيعي آخر، فهذه قضايا تتصل إذاً بالاجتهاد، وعدم قبول الناس بهذه الاجتهادات نتيجة عصبياتهم أو نتيجة التزاماتهم المذهبية الاجتهادية، هو أمرٌ لا يمنع المجتهد من أن يُصدر فتاواه، على طريقة قوله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف:29].
المـرأة والحجـاب:

س: كيف تردُّون سماحة السيد على بعض من يرى أن حجاب المرأة يقف عائقاً أمام تطورها في الميدان العملي، خصوصاً أنها تحاول اليوم إثبات نفسها مهنياً محلياً ودولياً؟

ج: بدايةً، أحبّ الإشارة إلى مسألة، وهي أن تغطية الوجه ليست مفروضة في تحقيق الحجاب، ويحقّ للمرأة أن تكشف وجهها وكفّيها، وحتى في رأينا قدميها أيضاً، لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها} [النور:31]، والمقصود فيما ظهر منها، أي ما تحتاج المرأة إلى إبرازه في حياتها الاجتماعية. لكن في الجانب الآخر أقول، إن الإسلام أراد للمرأة أن تعيش إنسانيتها في المجتمعات العامة، لا أن تعيش أنوثتها، لأن عالم "الأنوثة" يتصل بالغريزة، بينما عالم "الإنسانية" يتصل بالشخصية العقلية للمرأة.
عالم الأنوثة يتصل بالغريزة، بينما عالم الإنسانية يتصل بالشخصية العقلية للمرأة
لذلك نرى أن الاتجاه التاريخي للنظرة العامة إلى المرأة، منذ كان هناك امرأة وكان هناك رجل، يؤكِّد أن المرأة هي رمز الجنس والإغراء، وإن كان الرجل في بعض الأحيان رمزاً للإغراء، ولكن النظرة العامة تكرّس الفكرة التي سبق أن شرحناها. وأنا أعتقد أن هناك الكثير من الفتيات في المرحلة الثانوية والجامعية، يؤكّدن بعدما يدرسن المجتمع الذي يعشن فيه وطريقة الشباب في التعاطي معهنّ، أن نظرة الرجل إلى المرأة عبارة عن نظرة جنسية أكثر منها نظرة إنسانية. وطالما كانت الأنثى بالنسبة إلى الذكر موقعاً من مواقع إثارة الرغبة الجنسية في هذا المجال. وتأكيداً لذلك أطرح سؤالاً يفرض نفسه في هذا الإطار، وهو أن العالم يعيش اليوم حرية كبيرة، سواء العالم الغربي أو في بعض البلاد الشرقية، ولكن لماذا ما زلنا نسمع بأحداث اغتصاب، أو بتحرّشات جنسية كلامياً أو لمساً أو ما أشبه ذلك، أما المرأة، فهي لا تتحرش بالرجل، باستثناء بعض المعقّدات جنسياً.
من هنا أقول: إن الإسلام أراد أن يحفظ كرامة المرأة من خلال الحجاب، لأنها تستطيع بذلك أن تثبت نفسها في المجتمع كإنسانة وليس كمجرد صورة تجذب الرجال إليها.

س: ولكن المرأة هي في النهاية أنثى، فإلى أي مدى هي قادرة على إثبات نفسها كإنسانة دون الالتفات إلى الجانب الأنثوي الذي يميزها ويشكّل شخصيتها الحقيقية؟

ج: إنّ الإسلام لا يريد للمرأة أن تُسقط أنوثتها، وهو يتيح لها أن تمارس "أنوثتها" في المجتمع النسائي، وكذلك مع زوجها ومحارمها داخل منزلها، فالإسلام يرى أن مسألة الأنوثة تنحصر في دائرة معينة تنفتح على الجنس في إطار العلاقة الزوجية، بيد أن الإنسانية تساوي بين المرأة والرجل وتجعلها في مقام أقوى وأهم.

س: كيف تنظر إلى صورة المرأة العربية اليوم؟

ج: المرأة العربية تعيش اليوم بين مظهرين، فهناك المرأة العربية التي تعيش ثقافتها من الأفلام وقصص الحب والغرام، والتي تعتبر أن الحرية الجنسية بدرجاتها المتفاوتة هي التي تمثّل حرية المرأة، وهناك المرأة الملتزمة التي ترتدي الحجاب على أساس احترام إنسانيتها، لأنها ل تريد أن تخرج كـ"جسد"، وإنما تريد أن تخرج إلى المجتمع كعقل وإرادة وما إلى ذلك.

س: ما هي الرسالة التي توجهها إلى المرأة العربية في شكل عام؟

ج: نقول للمرأة العربية: إن الإعلام العربي، وخصوصاً في بعض الفضائيات والمجلات، يحاول أن يُقدّم المرأة كمظهر جنسي من خلال إظهار مواضع الإغراء في جسدها، في الوقت الذي لا يقدِّم الرجل بمثل هذه الصورة، رغم أن الجانب الجنسي مشترك بين الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، الأمر الذي يدل على تجاهل المرأة كقيمة عقلية وفكرية وجعلها مجرّد مظهر جنسي، واضعين بذلك إرادة المرأة وشعورها وإحساسها وعقلها في الدرجة الثانية. لذلك نحن نريد للمرأة أن تكون كالرجل، إنساناً يشارك في الثقافة والعلم، وكذلك في الحياة الاجتماعية والسياسية مع المحافظة على الجانب الأخلاقي الإنساني القيمي.
الـزواج:

س: ما هو رأيكم في تشريع الزواج المدني في لبنان، حيث إن لبنان بلد متعدد الطوائف؟

ج: في التشريع الإسلامي، يجوز للرجل المسلم، وبحسب الكثير من الاجتهادات، أن يتزوج من اليهودية أو النصرانية، أي المرأة التي تؤمن بالكتاب، سواء كان التوراة أو الإنجيل، ولكن لا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير المسلم، ولعلّ السبب في ذلك، أن الإسلام يؤمن بباقي الأديان ويعترف بموسى وعيسى، بينما لا يؤمن النصارى واليهود بالنبي محمد(ص). لذلك فإن الرجل المسلم إذا تزوج بالكتابية، فإنه يحترم مقدساتها كمسلم متديّن، أما الرجل المسيحي أو اليهودي، الذي وبحسب ديانته لا يعترف بالإسلام ونبيّه، فإنه لن يتقبل ديانة زوجته المسلمة. لذلك فالزواج المدني مرفوض، وبخاصة في زواج المسلمة من غير المسلم.

الإعلام العربي يتجاهل المرأة كقيمة عقلية وفكرية ويجعلها مجرد مظهر جنسي

س: كيف تصفون زواج المسيار من وجهة نظركم كعالم دين شيعي؟

ج: الزواج هو عقد بين الرجل والمرأة كباقي العقود التي يلتزم بها كل طرف بالحقوق الشرعية للطرف الآخر، ولكن نحن نقول إن إعلان الزواج أفضل من إخفائه.

س: أنتم من رجال الدين القلائل الذين كتبوا الشعر وأحبّ الناس قصائدهم... فهل لكم أن تخبرونا عن أكثر المواضيع التي تحبّون معالجتها من خلال كتابة الشعر؟

ج: لقد حاولت في مداخلاتي الشعرية أن أطرق كل الأبواب، سواء الأبواب الاجتماعية أو السياسية والغزلية أو ما إلى ذلك.
في السياسـة:

س: ألا ترون أن إقامة دولة علمانية في لبنان قد يكون الحلّ الأمثل لدرء خطر الطائفية الذي ينهش بالجسم اللبناني منذ عام 1860، خصوصاً أن البعض يؤكد أن رجال الدين في لبنان كانوا يلعبون دوراً في صبّ الزيت على النار من أجل تأجيج الأوضاع وحفظ مكانتهم بين اللبنانيين؟

ج: لبنان دولة علمانية وقوانينه تؤكد ذلك، أما الطائفية فليست ديناً، الطائفية قبلية عشائرية، ورجال الدين في لبنان هم واجهاتٌ لهذا النظام الطائفي، وليس لهم أي تأثير على الواقع السياسي والقانوني فيه، وهذا ما عبّرت عنه في خطبة يوم الجمعة الماضي، حينما قلت: إن الذين اجتمعوا في القمة الروحية لا يستطيعون أن يحرّكوا شيئاً في لبنان.

س: المعروف أنك صديق لمرشد الثورة الإسلامية في إيران، السيد علي الخامنئي، إلا أنه طالما كان لديكم تحفّظ على مسألة ولاية الفقيه، لماذا؟

ج: بحسب اجتهادي الشخصي، لا أرى للفقيه ولاية عامة على الناس، ولكنني أقول: إذا توقف حفظ النظام العام للمجتمع على قيادة الفقيه، فعند ذلك يمكن للمجتمع أن ينتخب الفقيه الذي يملك إدارة شؤون المجتمع، وما عدا ذلك، أنا لا أؤمن بولاية الفقيه.

س: بعد الغيمة السوداء التي مرّت على لبنان، هل تتخوّفون من حدوث فتنة سنية شيعية في لبنان؟ وكيف تعلّقون على الصورة المؤلمة التي رسمها الشباب اللبناني في تلك الأحداث؟

ج: ليس هناك خوف من حدوث فتنة سنية شيعية في لبنان، حتى وإن انطلق اللغو في ذلك من بعض رجال دين أو رجال سياسة، لأن قضية الفتنة السنية الشيعية هي مسألة تتحرك بطريقة غرائزية، وليس هناك أي امتداد للغرائز في حياة الناس، بل هي مجرد حالة أو لحظة سوف تزول. وقد سألني بعض الصحافيين أيام الحرب ما إذا كان بإمكان اللبنانيين أن يعودوا إلى ما هم عليه من مواطنية؟ فقلت: بلى، عندها قال: كيف ذلك والحرب تتحرك في الساحة المحلية؟ فأجبته بأن اللبناني تاجر، والتاجر ينسى الخسارة إذا التقى بالربح.

س: ما هي الرسالة التي توجهونها إلى الشعب اللبناني في نهاية هذا الحديث؟

لبنان دولة علمانية وقوانينه تؤكد ذلك
ج: لبنان هو بلد الثقافة والإبداع والجمال، لذلك أقول لكلّ اللبنانيين ألاّ يسمحوا للآخرين بأن يستفيدوا من خلافاتهم الداخلية، وأتوجه إليهم بالقول: إن عليكم أن ترتفعوا إلى قمم الجبال، حتى تنفتحوا على قمم الروح والعدل والجمال.

حاورته مايا الحاج

ليست هناك تعليقات: