19 يوليو 2008

رأى أنّ مصر مستهدفة أيضاً بقرار المحكمة الجنائية الأخير ضد الرئيس السوداني
فضل الله: تجزئة العدالة الدولية ترسم علامة استفهام حول كل المحاكم التي تأخذ عنواناً دولياً
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً علّق فيه على قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد السودان، جاء فيه:
لا يمكن النظر إلى القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية ضد السودان ورئيسه عمر البشير بمعزل عن الأهداف السياسية التي رُسمت سلفاً للمسألة السودانية منذ أريد لهذا الملف أن يبقى ملتهباً، ومنذ أريد للسودان أن يبقى ساحةً مهتزةً تضربها رياح الفوضى ويهجرها الاستقرار.
لقد عملت اللعبة الدولية منذ عقود على إبقاء السودان ممزقاً، كما عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على جعله ميداناً من ميادين الاهتزاز في القارة الأفريقية التي أرادت لها أن تتمزّق وتتفتّت تمهيداً للسيطرة الكاملة عليها ونهب ثرواتها الدفينة، وقد دخلت إسرائيل على الخط، فعملت على تغذية هذا الواقع الممزّق بطريقة سياسية تارةً، وأمنية تارةً أخرى، ونحن نلمح أصابع إسرائيلية تعبث في هذه الأيام بالملف السوداني من خلال التنسيق أمنياً واستخباراتياً مع الأمريكيين وغيرهم، لاختراق النسيج السوداني الداخلي، وللضغط على السودان ومن يجاوره بملف المياه والبترول الذي بدأت الأرقام تشير إلى توفّره بكميات مهمة وواعدة.
إننا نعتقد بأن مصر مستهدفة بشكل أساسي من خلال هذه المحاولة الجديدة الرامية إلى إدخال السودان في متاهة جديدة من متاهات اللااستقرار، حيث يُراد للمشاكل والاهتزازات أن تقترب أكثر من الساحة المصرية الداخلية، ولا يبتعد ذلك عن الرسائل التهديدية التي وجِّهت إلى مصر من خلال إسرائيل وغيرها، بأننا جاهزون للعبث بمياه النيل من خلال التهديد بإحكام القبضة على منابعه والتلويح بتسميم مياهه، أو التحكم بمساراتها في حال فكرت مصر في أن تسلك خطاً سياسياً مغايراً لما تتحرك به.
إننا، وبعيداً عن الكلام الساخر الذي يثيره البعض حول عقلية المؤامرة التي تتحكّم بواقعنا عند بروز أية خطوة من هذا النوع، نرى في اتهام المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني، محاولةً غربيةً جديدة لقطف ثمار السودان اليانعة سياسياً واقتصادياً، ووضعها في القبضة الأمريكية، وهي محاولة في غاية الخطورة، لأن الأمريكيين بدأوا يفكرون في اختراق المنطقة من موقع جديد، ومن قلب أفريقيا، بعدما أوشكت أحلامهم أن تتداعى في العراق، وهم يتلمسون الدخول إلى السودان من نافذة المحكمة الجنائية الدولية، التي استطاعت أن تخلق بيئة قلقة ومضطربة، ليس في أفريقيا فحسب، بل في طول العالم العربي وعرضه من خلال قرارها الأخير.
إننا نعلم جيداً، ومن خلال معلومات دقيقة، أن الإدارة الأمريكية حاولت أن تساوم النظام السوداني ليتخلى عن سياسته وثوابته العربية والإسلامية كي ترفع عنه هراوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتهديدات دول مجاورة وفصائل مناوئة، وعندما فشلت في ذلك، تحركت على مستوى مجلس الأمن مجدداً، وصولاً إلى المحكمة الجنائية الدولية، بهدف تطويع النظام وتخويفه، أو زعزعة الاستقرار الداخلي للسودان وجواره.
إننا نتساءل: لماذا لم تحرك المحكمة الجنائية الدولية ساكناً أمام ملفات الإبادة الجماعية المتصلة بالفلسطينيين والعراقيين وغيرهم من شعوبنا، حيث تتوالى أمام قضاتها الأرقام التي تشير إلى وفاة أكثر من مئتي فلسطيني من خلال حصار إسرائيل لغزة، ومقتل مئات الأطفال وآلاف المدنيين الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي؟ ولماذا لم تكلّف هذه المحكمة نفسها ملاحقة الرئيس الأمريكي على جرائم جيشه في العراق وأفغانستان، وعلى اختطافه الكثيرين وسجنهم في سجون عائمة أو في "غوانتانامو" وغيرها، وعلى فظائع هذا الجيش في سجن "أبو غريب" وغيرها من الفظائع في العراق، ولماذا لم تتحرك هذه المحكمة لملاحقة قادة العدو الإسرائيلي الذي قتلوا المئات في حربهم على لبنان وفي قنابلهم العنقودية التي لا تزال تقتل المدنيين اللبنانيين بين يومٍ وآخر؟...
وإذا كان ثمة من يدافع عن هذه المحكمة ويقول إنها تعمل وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، فإن ذلك يمثل الدليل القاطع على تسييسها وخضوعها للإرادة الأمريكية المسيطرة عل هذا المجلس، وهو الأمر الذي يطرح علامة استفهام كبرى حول كل المحاكم التي تأخذ عنواناً دولياً، وهي لا تسير إلا من خلال الآليات السياسية المرسومة لها من مجلس الأمن وغيره.
إننا في الوقت الذي لا نبرّىء النظام السوداني من ارتكاب أخطاء، ولا نقبل أن يُظلم أي إنسان على وجه الأرض، بصرف النظر عن دينه وعرقه أو انتمائه السياسي، لكننا نتساءل: لماذا هذه التجزئة في حركة العدالة الدولية؟ ولماذا لا تتوجه سهام المحاكمات إلا إلى معارض السياسة الأمريكية والإسرائيلية؟ ولماذا لا تنطلق العدالة الدولية لملاحقة مجرمي العالم وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي يمثل أخطر شخصية دموية في العالم أجرت الدماء أنهاراً، وجعلت الأمن والسلم العالميين والاقتصاد العالمي في خطر دائم؟! ولماذا لا يحاكم الجنود الأمريكيون الذين يقتلون ويغتصبون ويظلمون في أي مكانٍ حلّوا فيه في العالم؟ ولماذا لا يُحاكم قادة العدو الصهيوني في فلسطين؟!.
إننا أمام هذا الواقع الذي تسقط فيه القيم على مذبح الأطماع الدولية، وفي قبضة الوحشية الأمريكية، ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى أن تقول كلمتها، وأن تتحرك ميدانياً لرفض هذا الواقع الظالم الذي يُراد فرضه على السودان وعلى الأمة كلها، وأن تنطلق إلى جانبها حركة إعلامية وسياسية ودبلوماسية ضاغطة لإسقاط الخطة التي تعمل أمريكا وإسرائيل من خلالها لاستباحة المزيد من مواقعنا العربية الراسخة ومواقعنا الإسلامية الثابتة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 17-7-1429 هـ الموافق: 20/07/2008 م

ليست هناك تعليقات: