1 يوليو 2008

فضل الله يحذّر من الوصاية الأمريكية على الجيوش العربية

لا شرعية لأية سلطة تمكّن الأمريكيين من السيطرة على بلادنا أو استمرار احتلالهم

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه المحاولات الأمريكية الأخيرة لفرض وصايتها على الشعوب والجيوش العربية تحت عناوين التهدئة والتسوية بعد فشل إدارة بوش في تحقيق ذلك عبر الحروب، جاء فيه:
إن على شعوبنا والقوى الفاعلة في المنطقة أن تنتبه جيداً إلى ما تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيقه في الأشهر المتبقية من عمرها، فهي تحاول الإيحاء لمواقع الممانعة في المنطقة بأنها باتت أمام خيارين: إما التصعيد الذي يُعقب الحرب، وقد عرف الجميع كيف شُنت الحروب في المنطقة من أجل تمكين أمريكا من السيطرة على منابع النفط والمواقع الاستراتيجية، لا من أجل إسقاط الديكتاتوريات أو إحياء الديمقراطيات. وأما الخيار الثاني، وهو خيار التهدئة التي تريد الإدارة الأمريكية أن تصوغ من خلالها بعض التسويات التي تلزم الآخرين بالإقرار بمصالحها ومصالح إسرائيل على حساب شعوبنا التي دفعت في السنوات الأخيرة من دماء شبابها وشيوخها ونسائها وأطفالها ما لم تدفعه الدول أو الشعوب الأخرى، وتحملت ما تتحمله أمم الأرض قاطبةً.
ولذلك، فإننا نحذر الدول والحكومات والشعوب من الاستجابة إلى ما تحاول الإدارة الأمريكية أن تصل إليه في هذه الأيام تحت عنوان صناعة السلام بعدما عجزت عن تحقيق ذلك من خلال الحرب، ومن هذا المنطلق نرى بأنه لا شرعية لأية حكومة أو سلطة تعمل على تسهيل الأمور أمام الإدارة الأمريكية الحالية لتمكينها من تحقيق نصر سياسي على أنقاض حروبها الفاشلة التي لم تصنع إلا المزيد من الدمار الاقتصادي والسياسي والعمراني الذي امتدت نتائجه وآثاره إلى مواقع تتجاوز المنطقة.
وعلى هذا الأساس، فإننا نحذر العراقيين على وجه التحديد من الرضوخ للإغراءات أو التهديدات الأمريكية لعقد اتفاقية مع الأمريكيين تمكنهم من الاستمرار في احتلالهم للعراق تحت عناوين جديدة أو تتيح لهم التأثير على القرارات السياسية والاقتصادية للدولة من خلال القواعد العسكرية والأمنية التي يسعى الأمريكيون لتشريعها عبر اتفاقيات تسقط السيادة العراقية لحساب استمرار سلطة الهيمنة الأمريكية.
إننا وعلى الرغم من الوضع الأمني المعقّد في العراق، والذي تسبب به الاحتلال، نعتقد بأن حلّ المشكلة السياسية يمكن أن يكون المدخل الحقيقي لعراق مستقر ومستقل تأخذ فيه كل الأطياف العراقية حقوقها وتحترم التزاماتها وواجباتها، ولا يمكن للمسألة السياسية أن تسلك سبل الحل إلا بعد خروج قوات الاحتلال الأمريكية والقوى الأخرى الملحقة بها من العراق. ولذلك فإن المطلوب من السلطات العراقية الرسمية أن تمارس دورها الطبيعي في دعوة الأمريكيين إلى الخروج من العراق من دون شروط مسبقة. وإذا كان الأمريكيون يتحدثون عن تدريب الجيش العراقي، فإننا نتساءل: لماذا لا تقدّم الجيوش العربية والإسلامية من خبراتها التدريبية اللازمة للعراقيين للاستغناء عن خدمات الأمريكيين، وبناء جيش عراقي لا يحمل في جذوره العسكرية أو الأمنية أو العقيدية أي ولاء للمحتل وأي انتماء بعيد عن الالتزامات العربية والإسلامية والوطنية للعراقيين؟!
إننا في الوقت الذي ندعو السلطات العراقية أن تعمل على صياغة واحدة تقول للأمريكيين: ليس أمامكم إلا أن تخرجوا مع القوات المتعددة الجنسية من العراق، نريد لجوار العراق أن يُساهم في تحقيق هذا الهدف الذي من شأنه أن يُعيد العراق إلى موقعه الطبيعي في الأمن العربي والإسلامي وأن يحفظ وحدته واستقراره وسيادته ويصون ثرواته الطبيعية ويمنع الآخرين من نهبها وسرقتها.
كما أننا ندعو الدول العربية والإسلامية إلى عدم الاستجابة للمطالب الأمنية والعسكرية التي تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيقها من خلال حرصها على التأثير على الجيوش العربية وفرض الوصاية عليها والتدخل في خصوصياتها العقيدية والأمنية، لأننا نعرف أن أمريكا التي فشلت من خلال جيوشها المباشرة تحاول أن تحقق أهدافها باستخدام القوى المسلحة العربية والإسلامية لحسابها، وهو الأمر الذي لا ينطوي على خيانة فحسب، بل يؤدي إلى تدمير الأمن كله وإسقاط المواقع التي يعوّل الجميع عليها لصون ما يمكن صونه بعدما عبث الأمريكيون من خلال فوضاهم بواقع دولنا وشعوبنا وطوائفنا ومذاهبنا من الداخل...
إننا نرفض الوصاية الأمريكية كما نرفض غيرها من الوصايات، ولا نرى أية شرعية لأية سلطة تحاول أن تضفي طابعاً شرعياً على هذه الوصاية أو تلك، وعلى الشعوب أن تبدأ بصياغة أمنها من خلال قدراتها الذاتية أو من خلال الاستفادة من الطاقات العربية والإسلامية الأخرى بعيداً عن أي تأثير على قراراتها.



مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 18-6-1429 هـ الموافق: 22/06/2008 م

ليست هناك تعليقات: