13 يوليو 2008

يجب أن تسمع أمريكا كلاماً أوروبياً يدعوها إلى أن لا تغامر مع إيران
فضل الله: إطلاق النار السياسي على المقاومة لمنع الوصول إلى وقف حقيقي لإطلاق النار
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً علّق فيه على التهديدات والتطورات الأخيرة التي تتعرّض لها المنطقة العربية والإسلامية، جاء فيه:
إن المتتبّع لحركة السياسة الأمريكية في المنطقة يدرك أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، وعلى الرغم من المشاكل التي تعترضها في المنطقة، بدأت في الآونة الأخيرة تلعب لعبة المناورة على غير صعيد، فتدخل على خطوط بعض الأزمات في المنطقة وتمارس ضغوطاً جديدة علّها تستطيع من خلالها تحقيق تسويات موضعية لحسابها، أو أن تستفيد من الجو الإعلامي الذي يرافق رفض دول الممانعة لهذه المناورات كي تمهّد السبيل لمغامرة جديدة في المنطقة كلها.
وقد يكون من المفيد أن تسمع إدارة المحافظين الجدد نصائح أمريكية داخلية أو مواقف اعتراضية تدعوها إلى الإقلاع عن سياسة زجّ العالم في حروب جديدة، ولكن يبدو أن الحزب الديمقراطي في أمريكا يخضع بدوره لما تقرره أو ترسمه لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، وأن التباري مستمر في أمريكا حول من يثبت إخلاصه أكثر لإسرائيل، وهو الأمر الذي برز حتى على مستوى المواقف الأوروبية الأخيرة، حيث بدأنا نشهد انخفاضاً في نبرة المواقف الأوروبية المحذرة لإدارة الرئيس بوش من الدخول في مغامرة حقيقية مع إيران، على العكس من الموقف الأوروبي العام الذي سبق غزو أمريكا للعراق، الأمر الذي يشير إلى أن دول الاتحاد الأوروبي ليست في وارد الدخول في لعبة التهويل والضغط على إيران فحسب، بل بدأت تسلك خطاً سياسياً موازياً للخط الأمريكي مع خضوع تام لما تقرره إدارة المحافظين الجدد حيال أزمات المنطقة من العراق إلى أفغانستان إلى فلسطين وربما إلى لبنان.
وإن هذه المسألة توحي بالخطورة من جانبين: أولاً من حيث تعامي الدول الأوروبية عن الخطر الذي سيلحق بها وباقتصاداتها في حال شنّت أمريكا ومعها إسرائيل حرباً على إيران. وثانياً لأن هذه الدول بدأت تحدّث نفسها بأحلام أطلسية جديدة في المنطقة متوهمةً بأن ما ترسمه أمريكا يمكن لهراوة الحلف الأطلسي أن تنفذه في المنطقة العربية والإسلامية على وجه الخصوص.
وإننا في الوقت الذي نحذّر من أن تتحول هذه الدول إلى أداة أطلسية تحركها الإدارة الأمريكية بما يخدم مصلحتها ومصلحة إسرائيل، ندعو هذه الدول إلى الهمس في أذن المحافظين الجدد، وعلى رأسهم نائب الرئيس الأمريكي، بألا يتوهموا بأن خريطة المنطقة يمكن أن يُعاد تشكيلها رأساً على عقب من خلال مغامرة يمكن أن تقوم بها الإدارة الأمريكية في الأسابيع أو الأشهر الأخيرة التي تسبق نهاية عهدها وولايتها، بل إن المهمة الأساسية التي ينبغي على هذه الدول أن تقوم بها تتركّز حول البحث عميقاً في الأسباب التي جعلت العالم يشتعل اقتصادياً بعدما اشتعل أمنياً بفعل حروب المحافظين الجدد الذين لا يزالون يتوهّمون أن ثمة هدية يمكن أن يقدّموها لإسرائيل قبل رحيلهم من البيت الأبيض.
إننا نلمح في الأفق محاولة أمريكية للضغط في أكثر من موقع لإعادة خلط الأوراق وإدخال المنطقة في تجاذب سياسي وأمني بدءاً من العراق، الذي لا تزال تفكر إدارة الرئيس بوش باستخدامه كورقة ضغط ضد جيرانه من خلال السعي لتكبيله بمعاهدة أمنية تجعله قاعدة أمريكية وأطلسية مستمرة، إلى أفغانستان التي جلبت إليها قوات أطلسية جديدة فرنسية وألمانية على وجه الخصوص، وصولاً إلى فلسطين التي يُراد لها أن تسقط تماماً في القبضة الإسرائيلية... وعلى اللبنانيين أن يفكروا ملياً في الأسباب التي دفعت أمريكا ـ بوش لإعادة تحريك ملف مزارع شبعا وفي هذا الوقت بالذات، وفي ظل حديث إسرائيلي عن ضرورة توسيع نطاق التفويض المعطى لقوات "اليونيفيل" كي تمارس دوراً مناقضاً لمهمتها ومواجهاً للمقاومة...
إن ذلك كله يشير إلى أن أمريكا ـ الإدارة لا تعمل على تهدئة المناخات المحيطة بهذا الملف أو ذاك، لأنها لو كانت تسعى إلى ذلك لتحركت لإيجاد صيغة تتجاوز وقف العمليات العسكرية إلى وقف إطلاق النار، ولكانت طلبت من ربيبتها إسرائيل إيقاف اعتداءاتها وخروقاتها البحرية والبرية وانتهاكاتها الجوية في لبنان، ولكن ما نراه من إطلاق نارٍ سياسي كثيف على المقاومة يترافق مع إدخالها في لوائح الإرهاب كما فعلت بريطانيا أخيراً، ومع إيحاءات بالتسوية المشروطة المترافقة مع حرب نفسية تقودها أمريكا ومعظم الإدارات الغربية إلى جانب كيان العدو، وهو الأمر الذي ينبغي العمل لمواجهته إعلامياً وسياسياً إلى جانب الإعداد الميداني الذي يشترك فيه الجميع لمنع إسرائيل من القيام بعدوان جديد على لبنان، كما تستعد شعوب المنطقة لمنع أمريكا من أن تخرج رابحة في أية مغامرة قد تفكر بالقيام بها في هذا الموقع العربي أو ذاك الموقع الإسلامي.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 10-7-1429 هـ الموافق: 13/07/2008 م

ليست هناك تعليقات: