23 يوليو 2008

دعا الطبقة السياسية إلى إعطاء الأولوية للملفات التربوية والاقتصادية والاجتماعية
فضل الله: التجربة التربوية اللبنانية غنية بمؤسساتها المتنوعة شريطة إبعاد السياسيين عنها

تحدّث سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في اللقاء السنوي الأول مع العاملين والإداريين في جمعية المبرات، في قاعة الزهراء(ع) في حارة حريك، عن واقع العملية التربوية في لبنان، ومما جاء في كلمته:
إن الإسلام عندما انطلق من خلال رسالة النبي محمد(ص)، فيما أنزله الله عليه من وحي، أراد للإنسان أن يتحمل مسؤوليته في كل طاقة من الطاقات التي يمتلكها، فالطاقة التي يمتلكها الإنسان ليست امتيازاً، بل هي مسؤولية ـ يتحملها ـ ولسوف يسألنا الله جميعاً عن طاقاتنا كيف استخدمناها، وفي أي من المجالات التي تهم الإنسان وتخدم بني البشر. كما أن الله سيسألنا ويحاسبنا على ما فرّطنا فيه من طاقاتنا، لأنّ هدر الطاقات هو من أخطر وأفظع أنواع الهدر، وقد يمثل تقصيراً في مكان وخيانةً في مكان آخر، بالنظر إلى المهمة التي تتسم بها حركة الإنسان هنا وهناك.
ومن هنا حرص الإسلام على تقدير إمكانات أي إنسان ورفض احتقار أي شخص بحجة أنه ينتمي إلى هذه الطبقة الاجتماعية التي قد ينظر الناس إليها نظرةً دونية، لأن أي شخص وأي عامل تبقى له مكانته المهمة التي تنطلق من خلال ما يقدمه للناس ـ في موقعه ـ بصرف النظر عن ماهية هذا الموقع، فالناس محتاجون لبعضهم، ومسألة التعاون فيما بينهم أساسية للحفاظ على المسيرة الإنسانية العامة... ومن هنا رأينا كيف أن الإسلام اهتمّ بالعمّال والموظفين وأراد للمشرفين عليهم أن يحسنوا إليهم على مستوى احترامهم وعلى مستوى احترام حقوقهم وتقدير عطاءاتهم.
إن مجتمع الموظفين هو حياة المؤسسات، فلولاهم لما استطاعت هذه المؤسسة أو تلك أن تنهض، وعلى المؤسسات العامة والخاصة أن تعمل دائماً على دراسة أوضاع الموظفين لرفع مستواهم المعيشي بما يحفظ كرامتهم وعزتهم ويؤمّن لهم العيش الكريم، وتلك هي مسؤولية الدولة التي تضع السياق القانوني العام لحركة المؤسسات، كما هي مسؤولية المؤسسات نفسها، التي يتوجب عليها الابتعاد عن كل أشكال الاستغلال للموظفين والعمّال، أو التعمية على حقوقهم أو تقييدهم بشروط قد تسقط حقوقهم أو تمنعهم من المطالبة بها.
إن ثمة مشكلة نعيشها في لبنان تنطلق من هذا التداخل القاتل والذي يتعمده الكثيرون، معتمدين على ما أسس له نظام المحاصصة بين الأمور ذات الطابع الاجتماعي مع الأمور التي تتصل بالدين أو بالجانب السياسي، حيث أن أية مشكلة في جانب تنعكس على الجوانب الأخرى بالمستوى الذي يخلق مشاكل متجددة في البلد ويُحدث أزمة في علاقة المواطنين بعضهم ببعض، وهو الأمر الذي ينبغي تداركه في هذه المرحلة التي يتحدث فيها الجميع عن إعادة صوغ الوحدة الوطنية بالطريقة التي تحفظ توازن البلد وتطل به على استقرار وسلام جديدين.
إننا في الوقت الذي نرفض منطق تسييس الأمور الاجتماعية، نرفض أيضاً إقحام الخطوط السياسية في المواقع التربوية، لأننا نتطلع إلى وحدة تربوية داخلية في لبنان، وإن تنوّعت المؤسسات التعليمية والتربوية، لأننا لا نزال نعتقد إنّ هذا التنوع ـ الذي بات يمثل سمةً أساسية في لبنان ـ يمكن أن يُغني التجربة اللبنانية ويحركها في طرق الإبداع شريطة أن يتنفّس الجميع في جو الحرية المنضبطة والمسؤولة، وعلى أساس أن يبتعد السياسيون فلا يفرضوا ذواتهم وأهدافهم في داخل العملية التربوية التي تنطلق بها المؤسسات المتعددة في لبنان.
إننا ندعو إلى ورشة اجتماعية وتربوية في لبنان وعلى كل المستويات، ونريد للجميع أن يدخل إلى هذه الورشة ويعمل فيها من زاوية أن الحروب والمشاكل اقتحمت علينا بيوتنا ومؤسساتنا وحاولت أن تخرّب الإنسان فينا، كما أن الوضع الاقتصادي الصعب فرض نفسه على المجتمع، الأمر الذي يُحتّم على جميع المعنيين والطبقة السياسية على وجه الخصوص، أن تجعل المسألة الاجتماعية والاقتصادية في رأس أولوياتها بعدما أحرقت المراحل السابقة لحساب هذا الموقع أو ذاك وفرضت أولويات الأشخاص والأحزاب والطوائف والمذاهب نفسها على حساب أولويات الوطن والبناء الوطني العام.

ليست هناك تعليقات: