6 يوليو 2008

دعا إلى حوار يطل على آفاق سلاح المقاومة ويرسم استراتيجية ترفض أية وصاية وتمنع أية تحالفات تدمر الاستقلال
فضل الله: الإقرار الإسرائيلي بشروط المقاومة في التبادل عنوان لتوازن جديد ومرحلة جديدة

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه مسألة تبادل الأسرى القادمة بين العدو والمقاومة، وجاء فيه:
إن الإقرار الإسرائيلي بالشروط الأساسية للمقاومة في عملية التبادل يمثل إنجازاً في دلالاته السياسية والعملية، ويطل بلبنان ـ والأمة من خلاله ـ على مرحلة جديدة من مراحل تأكيد الهوية العربية والإسلامية في مواجهة كل المحاولات الإسرائيلية التي عملت لإسقاط هذه الهوية، وتقديم المقاومين المجاهدين للعالم كمجموعات إرهابية ينبغي على العالم كله أن يتصدى لها، كما ينبغي على مؤسسات العدو وحكومته ألا تستجيب لمطالبهم وشروطهم.
إن هذا الرضوخ لشروط المقاومة المشفوع بإقرار إسرائيلي داخلي بتجرّع غصّات الذلّ والهوان، بعد الحرب العدوانية التدميرية على لبنان في تموز العام2006م، يؤكد بأن المرحلة التي كانت تفرض فيها إسرائيل شروطها على العالم العربي والإسلامي، فيرضخ لها رضوخ العاجز أمام القوي قد ذهبت وولّت، لتطل مرحلة جديدة يعترف بها العدو ـ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ـ بأن التوازن في حركة القوة بين ما هي إمكانيات المقاومة وما هي إمكانياته، قد خلقت واقعاً جديداً لا يمكن تجاوزه أو القفز من فوقه بالتهديدات والتهاويل وحتى بشنّ الحروب التي أثبتت تجاربها الأخيرة، وخصوصاً في العدوان الأخير على لبنان، بأن كيان العدو لم يعد في الموقع الذي يستطيع من خلاله أن يشنّ حرباً سريعة وحاسمة أو أن يضرب في العمق اللبناني أو العربي أو الإسلامي من دون أن يُضرب أو من دون أن ينزف داخلياً ويدفع الأثمان مضاعفةً من حساب هيبته وقوته وعناصر ردعه التي كان يتغنّى بها حتى الأمس القريب.
إن هذا الإنجاز بكل مفاعيله السياسية والأمنية وغيرها، يشير إلى الأهمية التي ينطوي عليها فعل القوة العادلة في مواجهة العدو، وإلى أهمية أن يكون لبنان قوياً، فيصنع العزة الذاتية لنفسه ويصوغ نموذجاً من أروع نماذج الحرية والكرامة في مواجهة العدو.
ولذلك، فإننا نعتقد أن من المعيب أن يتم وضع المقاومة في خانة الاتهام أو أن يُنظر إلى سلاحها وكأنه عبء و قيد يُكبّل لبنان، بل إن الإنصاف للبنان الحر المستقل وللأمة التي نتطلع إليها أن تعيش عزيزة حرّة، يقتضينا أن نقدّر الإنجازات الكبرى والفريدة لهذه المقاومة والتي تمثّل موقعاً من مواقع الحصانة الكبرى لمشروع الأمة في مواجهة المشروع الإسرائيلي ـ الأمريكي المعادي، من دون أن نقفل أبواب الحوار حول استراتيجية المقاومة في سياق الاستراتيجية اللبنانية والعربية والإسلامية العامة، وذلك في سياق تحريك الحوار الموضوعي حول الآفاق التي تطل عليها حركة السلاح المقاوم في سياق حماية لبنان ومستقبله.
إنني وعلى الرغم من الضبابية السياسية التي تلفّ الواقع اللبناني الداخلي بفعل جملة من التراكمات السياسية والإعلامية وحتى الأمنية التي خلقت جواً معقداً في مسألة العلاقات بين الأطراف اللبنانية المتعددة وخصوصاً بين فريقي الموالاة والمعارضة... أجد أن الظروف التي نطل عليها ـ ومن نافذة عملية التبادل وإطلاق سراح أسرانا وغيرها ـ تسمح بإعادة الحوار الداخلي وتزخيمه لرسم آفاق الحلول الداخلية، وصوغ استراتيجية سياسية وأمنية تحمي لبنان من أعدائه، وتقطع الطريق على أية تحالفات من شأنها أن تدمّر الاستقلال اللبناني الذي نريده تاماً وناجزاً، لا على مستوى رفض الوصاية الأجنبية والغربية فحسب، بل على مستوى التعامل بنديّة واحترام متبادلين مع الأشقاء والأخوة من العرب والمسلمين، لأننا نعتقد بأن لبناناً قوياً وحراً ومستقلاً يخدم القضايا العربية والإسلامية، أما لبنان المرتهن لهذا الموقع العربي أو ذاك الموقع الإسلامي أو ذلك الموقع الدولي، فهو لبنان الخاضع الذي لا يخرج من أزمة إلا ويدخل في أخرى، ونعتقد أن من حقّ اللبنانيين أن يرتاحوا من كل الأزمات التي أكلت من رصيدهم الداخلي ومن موقعهم بين الأمم.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 3-7-1429 هـ الموافق: 06/07/2008 م

ليست هناك تعليقات: