1 يوليو 2008


في دعوةٍ إلى مسلمي فرنسا للفاعليّة من موقع مواطنيّتهم الفرنسيّة
فضل الله: لا يجوز أن يكون ستّة ملايين مسلم على هامش السياسة الفرنسيّة

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً وجّهه إلى مسلمي فرنسا على أثر خلافات حادّة في أوساط الجالية الإسلاميّة هناك. جاء فيه:
شهدت فرنسا في الآونة الأخيرة خلافات حادّة في أوساط الجالية الإسلامية تتصل بأكثر من مسألة، وفي الخصوص مسألة التمثيل داخل مجلس مسلمي فرنسا. ومع تقديرنا لضرورة تنظيم الوجود الإسلامي في الغرب وفي فرنسا بالتحديد، وبصرف النظر عن طبيعة الإطار التمثيلي لهذا الوجود، فإننا ومن موقع المسؤولية الدينيّة، ومن موقع حرصنا على صورة المسلمين الحضاريّة وموقعهم المميّز، نؤكّد على عدّة أمور:
أوّلاً: إن مصالح المسلمين في فرنسا يحددها المسلمون الفرنسيّون أنفسهم، لا هذه الدولة أو تلك؛ إذ مهما بلغ الحرص على تلك المصالح، فإنها لا تؤدي- وهو ما حدث بالفعل- إلا إلى انقسامات مؤذية تشلّ أوضاع الجالية وتشغلها عن قضاياها الأساسية، وهو ما يتيح تسلل قوى وشخصيات عديدة إلى التأثير على مصالح مسلمي فرنسا أو الإضرار بها.
لذا فإن على الفئات الواعية والمخلصة من أبناء الجالية الإسلامية في فرنسا العمل بكل الوسائل لتجاوز ذيول الخلافات الحادة بين الهيئات الممثّلة للمسلمين، والتي تهدّد مصالح الجالية وتسبّب صراعات إسلامية داخلية، في وقت تبدو فيه الحاجة إلى الوحدة بالغة الأهمية، وخصوصاً في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرّض لها الإسلام في أوروبا اليوم.
ثانياً: لا بدّ لمسلمي فرنسا من الانطلاق من مواطنيّتهم الفرنسية وعيشها بالكامل أسوة بالفرنسيين الآخرين، مع تأكيدهم على هويتهم الإسلامية، حيث لا تناقض ما بين المجالين إلا في بعض الأذهان، ومن هنا فإن هموم مسلمي فرنسا وقضاياهم لا تنفصل أبداً عن هموم الفرنسيين وقضاياهم، فالمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تكاد تكون واحدة، ما يتطلب الاهتمام بها وطرح الحلول بشأنها، وذلك على قاعدة أنهم مواطنون فرنسيون يتأثرون كغيرهم من مواطنيهم بالمشكلات نفسها، فيحدّدون مطالبهم بما هي مطالب تخدم مصلحة الشعب الفرنسي، وبذلك يؤكدون انتمائهم الوطني، وينفتحون ـ من موقعهم الإسلامي والإنساني ـ على قضايا المسلمين والإنسان خارج خصوصيّتهم الفرنسيّة.
ومن هذا المنطلق، فإنّ من واجب مسلمي فرنسا المساهمة بفعالية في التأثير، ليس فقط في السياسة الداخليّة الفرنسيّة، بل التأثير في رسم السياسة الوطنية العامة لفرنسا على المستوى الخارجي أيضاً، ممّا يتّصل بعمق القيمة الإنسانيّة لحركة فرنسا، ولاسيّما أنّ مبادئ الثورة الفرنسيّة ركّزت على قيم الحرّية والعدالة للشعوب.
إننا ندعو مسلمي فرنسا إلى إيجاد الصيغة المناسبة التي تمكنهم من القيام بدور مؤثر في السياسة الفرنسية على أساس الالتزام بالقوانين الفرنسية، وهو أمر محق وعادل وقانوني؛ إذ لا يجوز أبداً لنحو ستة ملايين نسمة أن يكونوا على الهامش الفرنسي، ممّا يولّد مشكلات يبقى الجميع بغنى عنها.
أخيراً: إننا في هذا الإطار لا نتحدث من موقع طائفي، ولا نثير أي حساسية، علماً أن فرنسا لا تزال كاثوليكية في العمق، على الرغم من الإعلان عن علمانيّتها... إنما تعنينا مسألة المساواة في الحقوق والواجبات، ويؤلمنا ما تعيشه الجالية الإسلامية من أوضاع صعبة، نتيجة ما مارسته ـ وبحرّية تامة ـ الدعاية الصهيونية من تشويه صورة المسلمين، وتعقيد أمورهم، فاتهموا ومن دون وجه حق، بممارسة العنف والإرهاب حيناً، وبالتخلّف والهمجية حيناً آخر، على الرغم من أنهم يحتلون الموقع الثاني في فرنسا. وإذا كنا ندعو الحكومة الفرنسية إلى تحمل مسؤولياتها على هذا الصعيد، فإننا في المقابل ندعو المسلمين إلى أن يعملوا لتصحيح الصورة الإسلامية من خلال إظهار معالم هويتهم الحضارية والثقافية والإنسانية إلى أبعد الحدود.



مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 25-6-1429 هـ الموافق: 29/06/2008 م

ليست هناك تعليقات: