27 ديسمبر 2010

في توضيح لمكتب السيّد علي فضل الله :
السيّد الراحل لم ينف أنّ السيّدة الزّهراء(ع) ظلمت

أرسل مكتب سماحة العلامة السيّد علي فضل الله بياناً إلى صحيفة الوطن الكويتيّة، صحّح فيه بعض المعلومات الخاطئة الّتي أوردتها الصّحيفة، عندما نسبت إليه أنه قال : "إنّ السيّد ينفي أنّ السيدة الزهراء(ع) ظلمت"، والصّحيح أنّ سماحة السيد علي فضل الله قال: "إنّ السيّد لا ينفي أنّ السيّدة الزّهراء(ع) ظلمت"، وفيما يلي نص البيان:

جانب إدارة تحرير صحيفة الوطن الكويتية الغرّاء

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد..

جاء في النصّ الذي أوردته صحيفتكم الكريمة في المقابلة الّتي أجراها الزّميل عبّاس دشتي مع سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، أنّ سماحته قال: "لذا فإنّ السيّد ينفي أنّ السيدة الزهراء(ع) ظلمت"، والصّحيح أنّ السيّد علي قال: "إنّ السيّد لا ينفي أنّ السيّدة الزّهراء(ع) ظلمت"، وهو النّصّ المثبت في بداية الفقرة الّتي بيّن فيها سماحته موقف والده المرجع الرّاحل(قده). وجاء فيه: "إنّ السيّد لم يشكّ في مظلوميّة السيّدة الزّهراء(ع) في حياتها، وهذا يعرفه الكلّ من خلال خطبتها".

كما نلفت عنايتكم الكريمة، وعناية قرّاء صحيفة الوطن المحترمة، إلى أنّ العنوان الوارد في الصّفحة الأولى، والمتضمّن حادثة الاعتداء على السيّدة الزّهراء(ع)، لم يكن متناسباً ومنسجماً على الإطلاق مع مضمون حديث سماحته.

لذا نامل من جانبكم نشر هذا التّوضيح، شاكرين تعاونكم.

المكتب الإعلاميّ لسماحة السيد علي فضل الله

التاريخ: 20 محرّم 1432 هـ الموافق: 26/12/2010 م

السيد علي فضل الله استقبل وفد جبهة البناء اللّبنانيّ:
صوت الوحدة والمحبّة سيهزم أصوات الفتنة

دعا العلامة السيّد علي فضل الله إلى تعزيز مناخات الوحدة الإسلاميّة، من خلال اللِّقاء على مستوى المساجد الّتي ينبغي أن تكون لها رسالتها الوحدويَّة بعيداً عن المذهبيَّة، مشدِّداً على التنبّه إلى من ينفخ في بوق الفتنة المذهبيّة، مؤكِّداً أنَّ صوت المحبَّة والوحدة سيكون هو الغالب في نهاية المطاف.

استقبل سماحته وفداً من جبهة البناء اللّبناني، برئاسة أمينه العام، الدّكتور المهندس زهير الخطيب، يرافقه فضيلة الشّيخ محمود صبوح، والحاج خضر الرفاعي، حيث جرى عرضٌ للمستجدّات، والوضع الإسلاميّ العام، وسبل تعزيز الاستقرار الدّاخليّ.

ووضع الدّكتور الخطيب سماحته في ظروف إطلاق جبهة البناء اللّبنانيّ وأهدافها، مشيراً إلى أنَّه استمع إلى الرّأي الشّرعيّ حول المستجدّات الوطنيَّة واللّبنانيَّة، داعياً إلى مواجهة الخطر الّذي تمثّله المحكمة الدّوليَّة المسيّسة، لأنَّها تستهدف المقاومة واستقرار اللّبنانيّين وأمنهم.

ودعا سماحة السيِّد علي فضل الله إلى التنبّه إلى خطورة ما يُحاك ضدَّ لبنان وضدَّ الوحدة الإسلاميَّة والوطنيَّة، مشيراً إلى أنَّ المؤامرة الدّوليَّة نهدف إلى التّفتيت والتّمزيق في الواقع العربيّ والإسلاميّ، فإذا جاء التّفتيت عن الطّريق المذهبيّ سعت إليه، وإن كان عن طريق الطّائفيّة، توسّلت إليه هذا السّبيل، وإلا عملت على تحريك المشاعر في المسائل القوميّة وما إلى ذلك.

وشدّد سماحته على إغلاق منافذ الفتنة هذه، بالسّعي إلى تعزيز الوحدة الدّاخليّة، وحماية الوحدة الإسلاميّة بكلّ الأساليب والإمكانات المتاحة، مشيراً إلى أنّ من أفضل الطّرق لتعزيز مناخات الحوار والوحدة في الواقع الإسلاميّ، تتمثّل في اللّقاء من خلال المساجد الّتي ينبغي العمل على أن تكون مواقع توحيديّةً، لا أن تختصّ بهذا المذهب أو ذاك المذهب.

وحذّر سماحته من النّافخين في بوق الفتنة المذهبيّة، مشيراً إلى أنّ لعبتهم مكشوفة، لوجود أصواتٍ عاقلةٍ وشخصيّاتٍ تتحرّك في خطّ الوحدة والحكمة، مؤكّداً أنّ صوت المحبّة والوحدة سوف يكون هو الغالب في نهاية المطاف.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21 محرّم 1432 هـ الموافق: 27/12/2010 م

العلامة السيِّد علي فضل الله لـ «النَّهار» الكويتية:
ولاء الشِّيعة في الكويت والمنطقة لأوطانهم


يحمل أفكار ومبادئ والده العلامة المرجع الرّاحل السيّد محمد حسين فضل الله، كما يحمل هموم وطنه كأنّما لم يحملها غيره من الحريصين على وحدة لبنان واستقراره.

وبمناسبة زيارته إلى الكويت، التقت «النّهار» العلامة السيّد علي فضل الله، رئيس جمعيّة المبرّات الخيريّة ومؤسَّسات المرجع الرّاحل السيّد محمد حسين فضل الله، الّذي يعتبر أنَّ زيارته للكويت فرصة طيّبة ومحطّة مهمّة، وخصوصاً بعد لقائه صاحب السموّ، والرّسالة الّتي حمّله إيَّاها إلى جميع اللّبنانيّين، وحرصه على أن يتوحّد اللّبنانيّون، ليمنعوا مريدي الفتن من تحقيق مآربهم وغاياتهم.

السيّد فضل الله يؤكّد أنّ شيعة الكويت ولاؤهم الأوّل والأخير هو لوطنهم، لا لأيّ جهةٍ أخرى.

وقد دعا السيِّد فضل الله جميع المسلمين إلى التّركيز على إسلامهم، ومواجهة التحدّيات الّتي تواجههم، بدلاً من التّفكير في قضايا داخليّة يمكن أن تفرّقهم.

كما دعا إلى أن تكون عاشوراء لجميع المسلمين، معلّلاً ذلك بأنّ سيّدنا الحسين(ع) خرج لجميع المسلمين، وكان ولا يزال نقطة التقائهم، لأنّه كان يدافع عمّا أمر به جدّه سيّدنا محمّد بن عبد الله(ص).

وبهدوء كبير، وبابتسامة المتواضع، تطرّق فضل الله في حديثه إلى مسؤوليّة العلماء في توحيد الأمَّة، ونشر الوعي داخل المجتمعات، مؤكّداً أنَّ ما تشهده السَّاحات الإسلاميَّة من مشادات طائفيّة، غايتها الوحيدة تحقيق مكاسب سياسيّة.

فضل الله الّذي أحبّ لبنان، ويأمل تجاوز الأزمة الحاليّة، وألا تتطوّر إلى صراعٍ شيعيّ ـ سنّي، أدلى بالإجابات التّالية:

عاشوراء في الكويت:

*نعيش في هذه الأيّام ذكرى عاشوراء، كيف وجدتم إحياء هذه الذّكرى في الكويت؟

ـ يشعر الإنسان بأنَّ هناك سعياً حثيثاً بجعل عاشوراء ما أمكن إسلاميّة، وهذا نلمسه بما يقدّم من محاضراتٍ ومواعظ، كما أنّنا دائماً ندعو إلى تقديم الحسين(ع) في عنفوانه وقوّته ورباطة جأشه وإيمانه، ولا نريد أن تبقى عاشوراء في دائرة خاصّة، لأنّ الحسين(ع) هو نقطة التقاء جميع المسلمين، والجميع يعتبرونه "سيّد شباب أهل الجنّة"، وهو من رسول الله كما قال(ص): "حسين منّي وأنا من حسين"، فالجميع يمجّدون الحسين(ع)، وما يراه الإنسان في مصر يؤكّد هذه المقولة.

وعلينا أن نطلق العناوين الحسينيَّة في الفضاء الواسع، لأنَّ شعارات الحسين هي شعارات إسلاميَّة، وقد كان كلُّ همِّه أن يحفظ الإسلام، وأن يبقيه نقيّاً وصادقاً...

والحسين(ع) كان الخليفة الشَّرعيّ للمسلمين في تلك الفترة، وقد انطلق في حركته ليمنع الظّلم والطّغيان الّذي حصل من الحاكم الظَّالم والفاجر والمستبدّ.

ونحن ندعو دائماً إلى أن نزيل من عاشوراء كلّ ما يسيء إليها، ومن ذلك ضرب الرّؤوس وجلد الذّات بالسَّلاسل، وغير ذلك مما نعتبره محرَّماً من النّاحية الشّرعيَّة، لأنَّ مواساة الحسين لا تكون من خلال ذلك، وإنّما من خلال السّير على نهجه والأخذ بمواقفه. وقد رأينا لدى الواعين في الكويت، سعياً متنامياً بعدم تقديم عاشوراء بهذه الصّورة، وهذا ما سمعناه خلال هذه الزّيارة، وخصوصاً بمنع بعض الأشعار الّتي كانت تقدّم سابقاً، والّتي كانت تحتوي على نوعٍ من الغلوّ والتّجريح والتّجاوز للحدود، ولذلك بتنا الآن نحسّ بأنَّ هناك سعياً لجعل عاشوراء إسلاميّةً منفتحةً على الآخر، وتقديمها بالصّورة الصَّحيحة.

تأكيد على الإصلاح

*هناك متشدّدون من الطّائفتين الشّيعيّة والسنيّة، وقد ذكرتم أنّ سيّدنا الحسين(ع) يعدُّ نقطة التقاء المسلمين، كيف نوظِّف خصال هذا الإمام ومكارمه لجمع شمل المسلمين والقضاء على التعصّب؟

ـ ذلك يتمّ عندما نؤكّد أنّ الحسين(ع) كان إسلاميّاً بشعاراته، خرج للدّفاع عن جميع المسلمين، وليس عن طائفةٍ معيّنة دون أخرى، فالحسين (ع) كان يريد إصلاح الواقع الإسلاميّ، وأن يؤكّد ما دعا إليه النبيّ والقرآن:

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[آل عمران: 104]، وكذلك قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[التّوبة: 71].

وقد كانت أهدافه(ع) منطلقةً من تعاليم رسول الله(ص)، ولذا قال: "أيّها النّاس، سمعت رسول الله(ص) يقول: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغر (يغيّر) عليه بفعلٍ ولا قولٍ، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنَّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشَّيطان، وتركوا طاعة الرَّحمن، وأظهروا الفساد... "، هذا هو الهدف الأساس.

وعندما نقدّم عاشوراء بهذه الصّورة، نستطيع أن نجعل منها إسلاميّةً، وكذلك عندما لا نثير التّشنّجات والعصبيّات المذهبيّة في عاشوراء، من خلال استحضار ما ورد في التّاريخ بطريقةٍ غير علميّة، وعندما نوضح معنى السّيرة الّتي تطرح في عاشوراء، وأيضاً عندما نزيل بعض الأجواء الّتي تساهم في وضع الحواجز بين أصحاب المذاهب الأخرى وعاشوراء، ونطالب بأن يكون هناك وعيٌ لتقديم عاشوراء بصورة إسلاميّة، ونجعلها منفتحة، وندعو المسلمين جميعاً، وخصوصاً السنّة، إلى أن تكون عاشوراء قضيّةً تعنيهم، لأنّ الحسين(ع) استشهد لإعلاء مبادئ الإسلام، ومن أجل أن يكرّس ما قاله وما جاء به الرّسول(ص)، ولينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف، ولتصويب المسار الإسلاميّ، وهذا ما ينبغي أن نؤكّده.

ولذلك، ندعو المسلمين جميعاً إلى أن يتعاطوا مع عاشوراء كقضيَّة إسلاميَّة، وليس كقضيَّة شيعيَّة، وهذا يحتاج إلى لقاءٍ وتفاهمٍ بين المسلمين، ونحن نرى إيجابيّةً في هذا الأمر في لبنان وفي سورية، عندما يشارك علماء من السنَّة في عاشوراء، ويتحدَّثون في المناسبة، ونريد أن تعمّ هذه الظّاهرة كلّ الدّول الإسلاميّة، وأن تكون مكاناً يتحدّث فيه الجميع، لنـزيل الحساسيَّات، ولنصوِّب مسار عاشوراء، لأنَّها ليست من الشّيعة مقابل السنَّة.

مكاسب سياسيَّة

* ألا تعتقد أنَّ هناك من يريد تحقيق مكاسب سياسيَّة، لإثارة مثل هذه الحساسيَّات الّتي تحدَّثنا عنها، وخصوصاً في احتفالات عاشوراء؟

ـ أكيد أنَّ البعض يحمل هذا الفكر من أجل تأجيج الواقع السّياسيّ، وقد يكون الأمر أيضاً ناتجاً من جهل البعض بمنطلقات الحسين(ع)، بحيث يوجّهها بالاتّجاه الخطأ، والبعض أساساً لا يشعر بأنّه معنيّ بموضوع الوحدة الإسلاميّة، ويهمّه أن يبقى الشّيعة في دائرتهم وينعزلوا عن الآخرين.

فلا بدَّ من أن يشعر الإنسان عندما يفكِّر إسلاميّاً، بأنَّ الوحدة الإسلاميَّة هي دعوة القرآن... {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا}[آل عمران: 103].

فالله سبحانه وتعالى يحثّنا على النّظر إلى إيجابيّاتٍ توحّدنا كمسلمين لنصنع حضارةً، وعندما اختلفنا وتجذّر الخلاف بيننا، وسمحنا للّذين يريدون أن يصطادوا في الماء العكر، حصل ما حصل في الواقع الإسلاميّ، وانقلبت الصّورة، وأصبح المسلمون على هامش الحياة.

مسؤوليَّة العلماء

* ألا تعتقدون أنَّ هناك مسؤوليّةً تقع على علماء الإسلام بمختلف طوائفهم فيما يحدث؟

ـ العلماء عليهم مسؤوليَّة كبيرة، ودورهم هو محاربة البدع إذا ظهرت، وإخماد أجواء التشنّج والاختلاف، والمطلوب منهم أن يقوموا بدورهم.

ونحن نثمِّن ما صدر أخيراً عن شيخ الأزهر، وبعض الفتاوى أيضاً الّتي صدرت عن علماء شيعة بتحريم سبِّ الصّحابة وأمَّهات المؤمنين، ونحن نريد أن نؤكِّد أهميَّة الحوار، ولكن هذا لا يكفي، فلا بدَّ من أن يكون للواعين والمثقَّفين دورٌ في هذا الإطار، وكذلك الحكّام، وكلّ إنسانٍ في موقعه لا بدَّ من أن يطلق كلمة الإصلاح، كما أمرنا سبحانه وتعالى، وعلينا أن نؤكِّد وحدة المسلمين.

تقع على عاتق العلماء مسؤوليَّة كبيرة، ودورهم هو محاربة البدع إذا ظهرت، وإخماد أجواء التشنّج والاختلاف

تدخّلات أجنبيّة

* هناك من يتّهم أطرافاً أجنبيّة بمحاولة إثارة هذه الفتن بين مختلف الطّوائف والمذاهب الإسلاميّة، وخصوصاً بين السنّة والشّيعة، ما رأيكم في هذا الرّأي؟

ـ هذا الموضوع هو مشروع قديم ـ حديث، ونحن نؤكّد أنّه لا بدَّ من أن نتحسّس أنّ هناك مشروعاً أجنبيّاً ضدّنا، وذلك لموقع العالم الإسلاميّ الاستراتيجيّ، وللثّروات الطّبيعيّة الموجودة في هذه الدّول، ولذلك، سيبقى هذا العالم دوماً عرضةً للمؤامرات، ومن مصلحة الآخرين ألا نكون أقوياء. ولكنَّنا نركّز دائماً على ألا ينساق المسلمون وراء هذه الأجواء، لأن المشكلة ليست في الآخر، فالقويّ دائماً يسعى لكي يبقى الآخرون ضعفاء، والمسلمون يعرفون المآرب الأخرى، لكنّهم يصرّون على إضعاف أنفسهم.

*الشّارع العربيّ، وفي التفافه حول المقاومة اللّبنانيّة في حرب تموز 2006، أثبت سقوط نظريّة الانتماء الطّائفيّ، وكرّس نظريّة الانتماء إلى الوطن والإسلام، فلماذا توجّه الاتهامات دائماً إلى الشّارع بأنّه منقسم، هل من مصلحة في ذلك؟

ـ هذا طبيعيّ لمن يسعى لإثارة الفتنة الطّائفيّة، ومنع تقريب المسلمين بعضهم من بعض، وتفتيت مواقع القوّة لديهم، وعلى المسلمين أن يكونوا واعين، وألا يسمحوا للآخرين بأن يسقطوا مواقع قوّتهم، وهذا الكلام موجّه إلى الجميع، وفي أيّ موقعٍ كانوا.

فهذا الالتفاف لم يكن الأوّل ولن يكون الأخير، إذ نجد أنّ باكستان الّتي تعدّ قوّةً إسلاميّةً نوويّةً الآن، تتعرّض لهجماتٍ إرهابيّة، وهذا الأمر مدبّر وينطبق على جميع المسلمين.

تشويه الإسلام ومحاربته

*هناك من علماء السنّة من نادوا بعدم نشر المذهب الشّيعيّ في الدّول السنيّة، وعدم نشر المذهب السنّيّ في الدّول الشّيعيّة، وذلك منعاً لوقوع فتنة. كيف ترون هذه الدّعوة، وهل بإمكاننا الالتزام بها؟

ـ نحن نؤكّد ضرورة أن لا نعيش أزمةً داخل الإسلام، لأنّ أزمتنا ليست هنا، وإنّما هي في الاستكبار الّذي يسعى لإسقاط الإسلام، ولانتزاعه من نفوس أبنائنا، وتشويه صورته في الخارج، وألا يكون لنا أيّ قوّة، فلا بدّ من أن نتوجّه لمحاربة هذه الأشياء، وألا نشعر بأنّ هناك أزمةً داخل الإسلام.

المدّ الشّيعيّ في المنطقة

*هناك أيضاً من يتّهم إيران بنشر المذهب الشّيعيّ في المنطقة، ليكون لها مواطن نفوذ. كيف ترون ذلك؟

ـ أعتقد أنّ شيعة العالم، وليس شيعة المنطقة فقط، ولاؤهم الأوَّل هو لأوطانهم، وحرصهم هو للحفاظ عليها، وهذا ما نعرفه في لبنان، إذ هناك حرص على بقاء لبنان قويّاً في مواجهة إسرائيل، وهذا ما نجده أيضاً في شيعة الكويت، حيث إنّهم يحرصون على سلامة الكويت وأمنها، والمرجع الدّينيّ الراحل السيد محمد حسين فضل الله(رض)، كان دائماً يحرص على أن يكون الكويتيّون أمينين على بلدهم، ونحن دائماً في لقاءاتنا نؤكّد حرصنا على قوّة الكويت، لأنَّ قوَّتها هي قوّة للعرب وللمسلمين، ويستفيد منها الجميع، وهذا ينطبق على جميع الدّول العربيّة الأخرى، فنحن نؤكِّد ضرورة ألا يشعر المسلمون بالخوف من بعضهم البعض، وهناك من يسعى لأن يشعر السنّة بالخوف من إيران، أو أن يشعر المسلمون الشّيعة بالخوف من المملكة العربيّة السّعوديّة مثلاً، في سعيهم لتأزيم العلاقة بين الدّول الإسلاميّة والمسلمين، ولا بدَّ من أن لا نستكين لهذا الجوّ، وأن نؤكّد أنّ المسلمين هم وحدة، وأن نزيل ما يفرّقنا. ومن يدَّعي أنَّ هناك تيَّارات تعمل للامتداد الشّيعيّ في المنطقة، أو للامتداد السنيّ، وأنَّ هناك أموالاً طائلةً تصرف في هذا المجال، فأين الأرقام الّتي تتحدّث عن هذا الأمر؟ وهل يعقل أن ينشر المعتقد أو الفكر بالأموال؟ أعتقد أنّ هذه الفكرة لن تكون بالضّرورة صحيحةً، إذ يمكن للمال أن يؤلّف كتاباً لكي ينشر فكراً، ولكنّ الفكر لا بدَّ من أن يكون مقنعاً ليأخذ به الآخرون، ولذلك قد تكون هناك مبالغة في هذا الأمر.

الصّراع الطّائفيّ

* لماذا ظهرت هذه الفتن مع ظهور أزمات سياسيّة في العالم العربيّ، وخصوصاً بعد تحرير العراق، حيث ظهرت هناك أزمة طائفيَّة؟ ومن له المصلحة في ذلك، وخصوصاً أنّ العراق مثلاً تخلّص من حاكمٍ جائر؟

ـ مع الأسف، لقد صوّر الصّراع في العراق بعد سقوط النّظام البائد على أنّه صراع سنّي ـ شيعيّ، وهذا غير صحيح، لأنّ الواقع يدلّ على أنّ هناك صراعاً سياسيّاً داخل العراق، وكذلك في لبنان، حيث نجد أنّ فريق 8 آذار فيه سنّة وشيعة ودروز ومسيحيّون، وفي المقابل، نجد أنّ فريق 14 آذار أيضاً يحوي مختلف الطّوائف والدّيانات، ولذلك نجد أنّ الصّراع السياسيّ في العراق مثلاً، يمكن أن يشمل أطرافاً موجودين في الحكم، أو أطرافاً من الحكم البائد وأطرافاً من الحكم الجديد.

فهناك من يستخدم الورقة المذهبيّة والطائفيّة للإثارة في الواقع السياسيّ...

فما يحدث في لبنان حاليّاً، يصوّر على أنّه مشكلة بين السنّة والشّيعة، وهناك سعيٌ لإشعال فتيل الصّراع السنّي ـ الشيعيّ، من خلال توجيه الاتهام الى شخصية من الطّائفة الشّيعيّة، بارتكاب جريمة اغتيال شخصيّة سنيّة قياديّة.

نحن ندعو إلى أن تبقى الأمور في نصابها القضائيّ، لكن مع الأسف، نرى أنَّ الأمور تأخذ منحى آخر، ونقول للعالم العربيّ والإسلاميّ إنَّ قوَّته في وحدته، وإنَّ جميع الأمم تتوحَّد، مثل الاتّحاد الأوروبيّ والولايات المتّحدة، رغم أنّ توحّدهم في الشّكل وليس في المضمون، فالعالم العربيّ والإسلاميّ معنيّ بمواجهة التحدّيات التي تواجهه، والّتي لا يمكن أن يتخطَّاها إلا بوحدته، وعليه ألا يسمح بالاستفراد بأيِّ بلدٍ عربيّ أو إسلاميّ، أو أن يُترك ليعاني وحده، لأنّنا إذا بقينا على هذه الحال، فستسقط القدس، وستسقط فلسطين وجميع قضايانا.

استشراف مستقبل لبنان

*رغم أنّ حديثنا أخذ منحى دينيّاً، إلا أنّها مناسبة لأن نستشرف رؤيتك لمستقبل لبنان في ظلّ ما يحدث، وفي ظلّ ما لمستموه من تخوّفٍ لدى أمير الكويت حول هذا الموضوع.

ـ مع الأسف، لبنان لا يزال محكوماً بعدم الاستقرار، ومع الأسف، لا يزال اللّبنانيّون يصرّون على ألا يستقروا، لعدم وعيهم الكافي للمخاطر الّتي يمكن أن تفتك بهم، سواء من الخارج أو الدّاخل.

فنحن دائماً ندعو إلى الجلوس إلى طاولةٍ واحدة، ولكن هناك تشتّت، والكلّ يريد أن ينفّذ مشروعه ويضحّي بالآخر، لذلك نحن نرى أنّ المستقبل لن يكون مستقرّاً إذا ما بقي اللّبنانيّون على هذه الحال، وقد آن الأوان لأن نغيّر طريقة التّفكير، وألا يستفيد الخارج على حساب الوطن، وإذا لم يتحقّق ذلك، فلن يكون لبنان على خير.

فما نشهده هو ظاهرة، وقد تتبعها ظواهر أخرى، والمهمّ أن يبدأ اللّبنانيّون بالتّفكير وبالانفتاح على بعضهم بعضاً، وأن يخرج كلّ واحدٍ من طائفيّته ومن مذهبيّته لحساب الوطن، وأن يفكّر الجميع في أنّ لبنان يحتاج إلى روح الوحدة لمواجهة جميع التحدّيات.

فبعد كلِّ الآلام والأحزان الّتي يعاني منها اللّبنانيّون على المستوى السياسيّ، وعلى المستوى الأمنيّ، لا بدَّ من أن يفكِّروا بقلبٍ واحدٍ، وبشكلٍ جدّيّ، وأن ينطلقوا من قاعدةٍ واحدةٍ تمكِّنهم من أن ينقذوا لبنان، وأن يحبطوا كلّ المشاريع الّتي يراد تنفيذها، والّتي تسوّق انطلاقاً من السّاحة اللّبنانيّة.

لقد آن الأوان أن يتحلّق اللّبنانيّون حول طاولةٍ واحدةٍ، وأن يستمعوا إلى صوت العقل ومصلحة الوطن.

هناك تخوّفات حقيقيّة لما ستحمله الأيّام المقبلة، لكن لنبق متفائلين.

العمل الخيريّ

*نختم بالحديث عن عملكم الخيريّ، وخصوصاً أنّ لبنان، كما ذكرت، يعدّ ساحةً للتَّجاذبات السياسيّة الدّوليّة أو لهجماتٍ صهيونيّة، ما الدّور الّذي تقومون به من خلال ترؤّسكم لهذه المبرّات، وما مصادر التّمويل؟

ـ هي مناسبة أخرى لأتوجّه بالشّكر للقيادة الكويتية ، على قيامها بإعادة بناء مبرّتنا ، في الخيام ، بعدما تعرّضت لقصفٍ إسرائيليّ في حرب تموز 2006، ونحن نعمل كباقي المؤسّسات والمبرّات الخيريّة الموجودة، على مساعدة الأيتام والأرامل والمحتاجين، وخصوصاً أنّ الحرب الأخيرة أضافت أسماء أخرى إلى قوائم الشّهداء واليتامى والأرامل، كما لدينا جانب تثقيفيّ وتعليميّ نساهم به في نشر الوعي لدى النّاس.

وتبقى هذه المؤسّسات تعمل على إعداد برامج اجتماعيّة وخيريّة وتمدّ يدها إلى الجميع.

أمّا مصادر تمويلها، فنحن نعتمد على أهل الخير، وعلى التبرّعات الّتي تقدّم، وبالطّرق القانونيّة.

*هل لديكم تبرّعات خارجيّة؟

ـ لا، نحن لا نعتمد على هذه التبرّعات، وإنما جلّ اعتمادنا هو على التبرّعات من اللّبنانيّين والمحسنين.

سميرة فريمش

التاريخ: 13 محرّم 1432 هـ الموافق: 19/12/2010 م

22 ديسمبر 2010

العلامة السيّد علي فضل الله لـ "الدّار" الكويتية:
لن يجرؤ أحد على جرّ لبنان إلى الفتنة

أكد سماحة العلامة السيّد علي فضل الله في لقاء مع جريدة "الدّار" الكويتيّة، وجود مساعٍ مضادَّة للجهود السّعوديَّة – السّوريَّة، لتأزيم الأوضاع بعد صدور القرار الظنّي عن المحكمة الدَّوليَّة الخاصَّة بمقتل رئيس الوزراء اللّبنانيّ رفيق الحريري، ولكن حتى الآن، لا يزال هناك أمل.

وردّاً على تأكيد التّكفيريّين في لبنان مؤخّراً، تقديم (أجسادهم رخيصةً) لصدِّ حزب الله والمعارضة، رأى سماحته أن لا مصلحة لأحدٍ بجرِّ البلد إلى الفتنة، مشيراً الى ان هناك خشيةً من الموقع المتقدّم لقوّة المقاومة في لبنان، الّتي بات يحسب لها حسابٌ في العالم.

وتحدَّث سماحته في اللّقاء عن الإرث الّذي حمله في المحافظة على مسيرة والده في تنقية التّراث الشّيعيّ، وعدم توريث المرجعيّة وتحويلها إلى مؤسّسات، مشيراً إلى الوصايا الأخيرة لسماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، وفي مقدَّمها القضيّة الفلسطينيّة، الّتي يستطيع المسلمون من خلال دفاعهم عنها، تعليم العالم بأنّ المسلمين لا ينامون على ضيم، وعندها لن يتجرّأ أحد على أخذ موقعٍ من مواقعهم.

الوضع اللّبنانيّ

* بدايةً، سمعنا كلاماً صريحاً حول وجود عراقيل أميركيّة - إسرائيليّة لجهود "س.س". هل هذا يعيد التخوّف من عدم الوصول إلى حلّ قبل صدور القرار الظنّي المرتقب؟

- هناك سعي فعلاً لإجهاض هذه المبادرات، ولا سيّما المبادرة السّعودية ـ السوريّة، ولكن حتّى الآن لا يزال هناك أمل رغم الخوف الّذي أشرت إليه.

الخشية من التّكفيريّين

* ولكن يظلّ هناك تيّاران في لبنان، أحدهما مقاوم، والآخر يسير ضمن الأجندة الأميركيّة، ولا بدّ من انتصار أحدهما. ما تصوّرك للتّداعيات التي ستحصل في ظلّ ظهور ما كان متخوّفاً منه، عبر استغلال التّكفيريّين لهذه الأزمة لتفجير الوضع، وقد سمعنا "داعي الإسلام الشهّال» يقول إنَّ أجسادهم ستكون رخيصةً في سبيل صدّ حزب الله والمعارضة؟

- نحن لا نعتقد أنَّ من مصلحة أحد جرّ البلاد إلى الفتنة، لأنَّها لن ترحم أحداً، وعندما يسقط الهيكل، فسيسقط على رؤوس جميع أبناء البلد. لكن من الطّبيعيّ أن يسعى البعض لكسب مواقع القوّة في مواجهة الآخر، وهناك عمليّة ضغطٍ من جانب، وردّ من الجانب الآخر، ولا نعتقد أنَّ الأمور ستصل إلى الفتنة أو التَّفجيرات الّتي يهدِّد بها البعض، ولا شكّ في أنَّ هناك خشيةً لدى الكثيرين من الموقع المتقدِّم لقوَّة المقاومة الّتي بات يحسب لها حسابٌ في لبنان والعالم.

ولذا لا نعتقد أنَّ هناك من يتجرَّأ على جرِّ البلاد إلى هذه الفتنة بالشَّكل الّذي يؤدّي إلى حرب، والجميع في لبنان باتوا يعرفون أن ليس أمامهم سوى خيار وأد هذه الفتنة، لأنّهم في النّهاية سيجلسون على طاولةٍ مشتركة، ونأمل أن لا يتأخّروا في الوصول إلى حلّ، حتّى يوفّروا على البلد أزماتٍ سياسيّة تلقي بظلالها على الوضع السياسيّ والاقتصاديّ، كما نخشى أن يتدخّل البعض ليعكّر الوضع الأمنيّ.

قرية الغجر

* هل تعتبرون أنّ الحديث عن انسحابٍ إسرائيليّ من قرية الغجر هو مناورة، أم محاولة لسحب البساط من تحت أقدام حزب الله، وتصوير الموقف بأنّ الدّبلوماسيّة تحرّر الأرض؟

- نعتقد أنّ إسرائيل تسعى إلى الإشارة من خلال ذلك بأنّ موقفها إيجابيّ، للتّغطية على جرائمها داخل فلسطين، والسّير قدماً في عمليّة الاستيطان وما يجري للمسجد الأقصى، وهذا ما تعوّدناه من العدوّ، بإعطاء صورةٍ بأنّه يريد الحلّ، فيما الباقون يعرقلون مساعي السّلام، لينفِّذ بعد ذلك مشاريعه كما يريد.

حلف جديد

* كيف تنظرون إلى قيام حلفٍ جديدٍ في الشّرق الأوسط يضمّ إيران - تركيا - سورية - لبنان؟

- نحن دائماً نؤكّد أهميّة توافق الدّول العربيّة والإسلاميّة في مشروعٍ توحيديّ، ونريد أن يكون هذا الحلف جامعاً، وهو ما نريد أن نؤكّده، أنّه لا خيار للعالمين العربيّ والإسلاميّ أمام كلِّ هذه الهجمات الّتي يتعرَّض لها من اتّحادات العالم «أميركا - أوروبّا - روسيا»، لا يمكن أن يواجهوا كلّ ذلك إلا من خلال توحيد الجهود. لذلك ندعو إلى هذا التَّوحّد، وأن لا يشعر المسلمون بالخوف من بعضهم بعضاً، بل أن يتنبَّهوا لأميركا ولكلّ دول الاستكبار الّذين يريدون أن يسقطوا الواقع العربيّ والإسلاميّ وابتزازهما وتهديد ثرواتهما.

حركة الإصلاح

* المرجع الرَّاحل السيِّد محمَّد حسين فضل الله(رض)، مثَّل علامةً بارزةً في إصلاح التّراث الشّيعيّ. هل ستكملون هذه المسيرة مستقبلاً؟

- نحن نشعر بعد وفاة سماحة السيِّد(رض)، أنَّ هناك عملاً متنامياً ووعياً متزايداً في الواقع الشّيعيّ بضرورة تنقية المذهب الشّيعيّ مما ليس فيه، وهذا لا يعدُّ تنازلاً عن بعض ما ورد في الفكر الشّيعيّ، بل على العكس، يعدُّ تأكيداً لهذا الفكر في صفاته ونقائه، ومن المسؤوليّة أن نقوم بذلك، استمراراً للدّور الّذي كان يحرص عليه أهل البيت(ع)، بأن يبقى الإسلام نقيّاً صافياً، ولهذا من الطّبيعيّ أن نشعر بالمسؤوليّة، ولكنَّها مسؤوليّة الجميع أيضاً، ونعتقد أنَّ هناك عملاً مستمرّاً في هذا الاتجاه، وسنرى آثاره في الواقع إن شاء الله.

المرجعيّة المؤسّسة

* للسيّد فضل الله(رض) فكر يوازي فكر الشَّهيد الصَّدر في تحويل المرجعيّة إلى مؤسّسة. هل ستسعون إلى هذا الهدف بعد وفاة والدكم؟

- سماحة السيِّد قدَّم طرحاً متقدِّماً حول هذه المسألة، بحيث لا تنتهي أعمال المرجعيَّة بوفاة المرجع، ويمكن في هذا المجال دراسة نموذج الفاتيكان، قد لا تكون الصّورة كما هي في «الفاتيكان» الّذي يموت فيه «بابا» ويأتي «بابا» جديد، ولكن المؤسَّسات التَّابعة تبقى مستمرّةً من بعده، ولا تتحوَّل إلى إرثٍ شخصيّ. فالسيِّد(رض) كان يدعو إلى أن يلتقي المراجع، وتكون لهم مؤسَّسة جامعة لهم، وبعدها يعيّنون أحدهم ليكون هو الواجهة والنَّاطق الرّسميّ باسمها، وأن تكون كلّ أعمال المراجع تابعةً لهذه المؤسَّسة. أمّا المال، فينبغي أن يكون مالها، حتَّى يسهم في تعزيز الواقع الإسلاميّ والشّيعيّ بشكلٍ خاصّ، وأن يكون هناك دراسات للعمل حسب الأولويَّات، وهذا ما نطمح إليه.

لا توريث للمرجعيّة

* هل هذا يفسّر عدم توريث مرجعيّة السيّد فضل الله؟ وهل كانت هناك وصيّة بذلك من سماحته قبل وفاته؟

- على مستوى المرجعيَّة، لم يوص سماحته بهذا الأمر، فالمرجعيَّة لا تورَّث، كما العلم لا يورَّث، إلا إذا استطاع الإنسان أن يصل بعلمه إلى مستوى المرجعيَّة. أمَّا فيما يتعلّق بمرجعيَّة سماحة السيّد(رض)، فقد بقي الكثير من النّاس على تقليدهم له، وهو ما تنصّ عليه الفتاوى بجواز تقليد الميت، أمَّا في المسائل المستحدثة، فلا بدَّ من الرّجوع إلى مرجع حيّ، مع أنّنا نعتقد أنّ من يقلّد سماحة الوالد، لن يرى فراغاً في الأحكام الشّرعيّة، نظراً إلى غزارة الإنتاج عنده، وإجاباته عن الكثير من المسائل في رسالته العمليّة.

آخر وصاياه

* ماذا كانت آخر وصايا سماحته عندما التقيت به ورأيته لآخر مرّة؟

- كانت وصيّته تأكيد قوّة المسجد والمحافظة على دوره، وكذلك تأكيد الوحدة الإسلاميّة في فكرها وقوَّتها في مواجهة التحدّيات. ومن الوصايا الّتي أشار إليها القضيَّة الفلسطينيّة الّتي كان يعتبرها أمّ القضايا، لأنَّه إذا سمح لها العرب والمسلمون بالسّقوط فستسقط بلدانهم، وإذا حفظوها، فسيعلّمون العالم درساً بأنّ المسلمين لا ينامون على ضيم، ولن يتجرّأ عندها أحد على أخذ أيِّ موقعٍ من مواقعهم.

* ماذا لمست من خلال لقائك بالجالية اللّبنانيَّة في الكويت؟ وهل شعرت بأنَّ هناك تخوّفاً لديهم على مستقبل بلدهم؟

- نشعر بالاعتزاز لحيويَّة اللّبنانيّين الموجودين في الكويت، وشعورهم بالمسؤوليَّة تجاه هذا البلد الّذي يقيمون فيه، وقد رأينا أنَّهم يحرصون على أمنه وقوَّته، ويسعون في مواقعهم إلى أن يخدموه في اقتصاده، ووجدنا هذا التَّأكيد على ذلك منهم، وشعرنا بأنهم يخافون على بلدهم لبنان، وأكَّدنا لهم أنّ عليهم الاطمئنان بأنّه لن تكون هناك فتنة، رغم واقع لبنان اللامستقرّ، وسيكونون أقوياء لمواجهة ما يحاك لهم. ولا بدَّ من شكر الكويت لاستضافتها إيّاهم، وتأمينها حرّيّة العمل لهم، كما نشكرها حكومةً وشعباً على ما تقدّمه من خدماتٍ جليلةٍ في مواقع مختلفة في العالمين العربيّ والإسلاميّ، وما قدّمته للبنان خصوصاً، ودورها إبّان حرب تموز في المساهمة في إعمار ما هدّمته آلة الحرب الإسرائيليّة.

وتبقى الكويت بلد عطاء وخير، وصمّام أمان للعرب والمسلمين.

علاقة لبنان بمصر

* ماذا عن العلاقة بين لبنان ومصر..؟

ـ مصر تعتبر قلب العروبة، ومن الضّروريّ فتح آفاق التّحاور معها ومع كافّة دول العالم الإسلاميّ، من منطلق أنّنا كلّنا على قاعدة واحدة، ويجمعنا جميعاً الإسلام.

محمود بعلبكي

التاريخ: 8 محرّم 1432 هـ الموافق: 14/12/2010 م

21 ديسمبر 2010

عظمة إسلامنا!

كلّما تعمّقنا بإسلامنا أكثر، كلّما شعرنا بعظيم المنّة الإلهيّة، أن جعلنا معاصرين للزمن الذي بدأ مسيرته رسول الله محمّد (ص)، وكلّما أدركنا حجم الخسارة التي نخسرها ونحن بعيدين عن منهله، وعن معينه العذب؛ وتمثّل في ذلك أمامنا قول الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات:17].

ذلك أنّنا أمام دين لا تنفصل فيه الروح عن المادّة، وبالتالي لا تنفصل فيه القيم الروحيّة عن الحياة في أدنى مفرداتها؛ فلا يعيش الإنسان الازدواجيّة بين حياته الدينية وبين حياته العامّة.

تستطيع أن ترتفع في آفاق الروح وأنت تلتذّ بمأكلك ومشربك، وأنت تلبس أجمل الثياب وأفخرها، وأنت تسكن أفخم البيوت، وتجني أكبر الأرباح في كسبك وتجارتك، وذلك عندما تستشعر في نفسك أنّ كلّ ما أنت فيه هو نعمة منحها الله لك، وهو قادرٌ على الذهاب بها، فلا يقودك ذلك إلى زهوٍ فارغ، ولا خيلاء جوفاء، ولا كبرياء خالية، كما قال قارون عندما قيل له أن يشكر ولا يتكبّر، وأن يستعمل النعمة في خطّ المسؤوليّة: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي). ويأتيه البيان الحقّ: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)[القصص:78].

المادّة ليست لديك إلا وسيلة عيش، ويُمكن لك أن تعيش تجاهها كلّ بشريّتك؛ لكنّ الدين هو الذي يقول لك: لا تأسرْ روحَك كلُّ زخارف الدنيا، ولا تنغمس في شهواتها وملذّاتها إلى الحدّ الذي تنسى فيه ربّك ومسؤوليّتك، بل تبقى متوازناً إذا أقبلت الدنيا عليك، ولم تسقط إذا أدبرت عنك؛ كما قال تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)[الحديد:23]. وبذلك لست بحاجة إلى الهروب عن الحياة، بحلوها ومرّها، بيُسرها وعُسرها، وعن صراعاتها ومشاكلها؛ بل أنت في كلّ ذلك تُمارس إيمانك، في القول الذي تقوله، وفي الموقف الذي تقفه، وفي الحركة التي تتحرّكها؛ لأنّ الله في كلّ ذلك ووراءه ومعه.

الإسلام هو دين الحياة، يغلّفها بقيم الروح حتّى لا تجمّد المادّة الإنسان وتشدّه إلى الأرض حيث بإمكانه أن يخترق حجب السماوات العُلى، وحتّى لا تسجنه شهوةٌ فلا يعود يملك أمامها إرادةً وهو الذي بإمكانه أن يُزيل الجبال ولا يزول.

وعندما نقول إنّه دين الحياة، فليس معنى ذلك أن نكيّفه مع الحياة كيفما كان، فيذوب ـ حينئذٍ ـ مع كلّ تيّار ومع كلّ انحراف؛ بل إنّ الله جعله للحياة؛ لأنّه لا معنى لدينٍ لا يملك القدرة على مواكبة الحياة، ويفرض على أتباعه أن ينعزلوا عنها في مجتمعاتٍ خاصّة، أو في مغاراتٍ نائية، أو في صوامع تغيب معها أبعاد الإنسان المتنوّعة التي على أساسها استحقّ أن يكون خليفة الله في أرضه؛ وفهمُ الدِّين لا بدّ أن يتحرّك بروحيّة منفتحة على الحياة؛ ليُنتج للحياة دينها الذي يوجّهها ويوجّه إنسانها، ولا يصوغ للإنسان دينه الذي يعزله عن الحياة؛ والله من وراء القصد.


التقييم بين الضبابيّة والملموس

نتداول في حياتنا اليومية كثيراً من العناوين والأوصاف نَصِف بها أشخاصاً لنشير إلى نقاط القوّة وعناصر القيمة في شخصيّاتهم فيما يختصّ بمكانتهم الاجتماعية بالنسبة إلى هذه الدائرة أو تلك، فنقول ـ مثلاً ـ إنّ فلاناً مخلص في عمله تجاه الآخرين، أو أنّه مسلم، أو أنّه مناضل، أو أنّه ثوريّ، وما إلى ذلك مما لا ينفد تعداده ولا ينتهي ذكره وبيانه.

لا تبدو ثمّة مشكلة في كلّ ذلك، لأنّ الأوصاف والعناوين تحمل دلالات على نوعيّة الشخصيّة في ميزان القيمة، ما يفتح الباب أمام التفاعل الإنساني، من خلال الحاجات المتبادلة، ليقوم الإنسان باستثمار هذه القيمة أو تلك في هذا المجال أو ذاك.

لكن قد تبدو المسألة بحاجة إلى نوع من التأمّل، خصوصاً عندما يتّصل الأمر بميدان العمل؛ لأنّ تلك الأوصاف القيمية بحاجة إلى أنّ تتحلّل إلى وقائع ملموسة قابلة للقياس، وذلك لكي تخرج عن أن تكون مجرّد انطباعات ساذجة أو عناوين فارغة، كما أنّ مسألة التقييم هي مسألة نسبيّة، فقد تختلف من شخص إلى آخر نتيجة لنوعيّة الاحتكاك وكمّيته، حيث تجد من يعتبر إنساناً آخر من الثقات الذين يُعتمد عليهم في أكثر من جانب، بينما يراه آخر ـ نتيجة لاطّلاعه على بعض ما لم يطّلع عليه ذاك ـ غير موثوق به كلّياً أو لا يمكن الاعتماد عليه إلا في بعض الجوانب دون بعض.

وعلى هذا الأساس، ومن أجل الوصول إلى معايير واضحة وموحّدة في مسألة التقييم لا بدّ من تحليل العناوين والأوصاف إلى مفردات لها مظاهر على مستوى السلوكيّات والتصرّفات يمكن قياسها وحسابها وتعدادها. فالمخلص في عمله هو الذي يجري وفق قوانين العمل فلا يخالفها، وهو الذي تتقدّم عنده مصلحة العمل على المصلحة الشخصيّة؛ لأنّه يعتبر نفسه دائماً جزءاً من كل، وهو الذي ينشد التعاون والتكامل مع أقرانه من العاملين في نفس الإطار ويبتعد عن الفرديّة، وما إلى ذلك.. فإنّك إذا شكّلت استمارة مثلاً أمكنك ببساطة أن تحصي الوقائع التي يخالف فيها القوانين، أو يراعي فيها مصالحه الشخصية على حساب تدمير العمل، أو يرفض التعاون مع الآخرين، وعندئذٍ فإنّ بالإمكان أنّ تتحوّل صفة الإخلاص إلى أرقام ونسب بدلاً من أن تكون صفة معلّقة في الهواء قد تكتشف ـ إذا ما دقّقت في مظاهرها ـ أنّها لا تعدو نسبة الـ 10% من مجمل السلوكيّات.. يعني: مخلص بنسبة 10% فقط‍‍ .

ولعلّه تحسُن الإشارة هنا إلى ما ورد في الحديث عن الإمام الباقر (ع) في صفات الشيعة، حيث يقول (ع): "والله ما شيعتنا إلا من اتّقى الله وأطاعه، وكانوا يُعرفون بالتواضع والتخشّع وصدق الحديث وكانوا أُمناء عشائرهم في الأشياء،..."، فإنّه (ع) حوّل صفة التشيع إلى مفردات يمكن ملاحظتها وحسابها وقياسها في سلوكيّات الحياة اليومية، والتي تسمح ـ إلى حدّ كبير ـ بإعطاء حجم القيمة الفعلية من خلال ذلك. وكذلك الأمر فيما ورد في تحديد من هو المسلم في بعض الروايات حيث تقول: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه"، ثمّ تحلّل روايات آخرى طبيعة تلك السلامة بمفردات محدّدة كعدم الاعتداء على ماله وعرضه وعدم سبّه وتعاهده بالنصيحة والمودّة وما إلى ذلك.. والله من وراء القصد.


حول فلسفة الحرّية في الإسلام

ثمّة بُعدٌ تستهدفه الحرّية في الإسلام، مفهوماً وتطبيقاً، لا يبدو أنّه ملحوظ في الاتّجاهات الوضعيّة، وهو ما يتّصل بالحرّية تجاه النفس والذات، بمعنى أن يكون الإنسان حرّاً تجاه شهوات نفسه وغرائزها وأطماعها وما إلى ذلك ممّا قد يتحرّك ـ في طبيعته ـ بعيداً عن ضوابط العقل والتوازن.. لأنّ الحرّية هي أن يملك الإنسان إرادته، في اختياره بين الخيارات المتاحة، فيملك أن يقول لا في موقعها، وأن يقول نعم في موقعها.. أمّا الاتّجاهات التي تقتصر فقط على البُعد الاجتماعي، فنراها قد شطحت ـ بطريقة وبأخرى ـ في تمجيدها للحرّية الفرديّة إلى المستوى الذي أمسى فيه المجتمع نفسُه، بل أصبحت الحضارة نفسها أسيرة النوازع والإغراءات والأطماع الشخصيّة، بما جعل حركة المجتمع مقيّدةً بحدود ما يشبع تلك النوازع ويحقّق تلك الأطماع. ولذلك نجد القرآن الكريم يعطي الهوى الذاتي صفة الألوهيّة، فقال تعالى: }أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه{؛ لأنّ الأمر ـ من ناحية عمليّة ـ هو عمليّة استعبادٍ للنفس أمام الهوى الذي لا يتحرّك ـ بطبيعته ـ في إطار ضوابط متوازنة..

ولعلّنا هنا نجد أنّ المفهوم الإسلامي للحرّية ينطلق من أمرين:

الأوّل: عقيدة التوحيد التي تربط الإنسان بالله تعالى وحده، ما يرتفع بالإنسان عن كلّ الموجودات، ليملك حرّيته أمامها، فلا يستعبده أيّ موجود، وإنّما يتمثّل الإنسان حرّيته أمام كلّ المخلوقات التي يتشارك معها عبوديّته لله، كما قال تعالى: }إنّ ما تدعون من دون الله عباد أمثالكم{، لينطلق في سلوكه معها من خلال عبوديّته لله، في ما يأمر به وينهى عنه.

الثاني: اعتبار العقل هو الضابط الرئيس لحركة الحرّية، بمعنى أنّ عقيدة التوحيد هي التي تُعطي العقل الموازين التي يضبط فيها إرادته أمام نفسه وأمام خارجها، بما قد يُنظر إليه من جانبٍ على أنّه تقييد لحركة الذات، ولكنّه ـ في الحقيقة ـ حركة انعتاق لها وتحرّر يكاد يكون مطلقاً تجاه الوجود كلّه عدا الله تبارك وتعالى.. وحتّى عندما يقيّد الإنسان حركته في إطار الدِّين فإنّما يقيّدها من موقع حرّيته عبوديّته لله فقط، ممّا أكّده له العقل في موازينه التي يُدرك فيها حقائق الأشياء، ويضبط فيها مسار الإنسان في اتّجاهها.

ولذلك، فإنّ النظرة إلى الدِّين على أنّه حركة تقييد للنفس وللذات، هي نظرة مجتزأة؛ لأنّها لا تقيس المسألة على أساس المنطلقات التي يرتكز عليها الدِّين نفسه؛ لأنّ هذه المنطلقات تمثّل منظومة متكاملة، تبدأ من التوحيد الذي يضبط حركة الإنسان في الحياة حتّى في أدقّ تفاصيل حياته. أمّا قياس مسألة الحرّية في الإسلام على أساس فلسفة الحضارة الغربيّة، التي تمجّد الفرد والجسد وتغرق في المادّة، فهو قياسٌ خاطئ؛ لأنّه قياسٌ مع الفارق في المنطلقات والرؤية؛ والله من وراء القصد.


20 ديسمبر 2010

الإمام الخوئي:
السيد فضل الله هو مجتهد وله رأيه ويده يدي ولسانه لساني




إستغرب الشيخ ياسر عودة - من علماء الشيعة في لبنان - عبر حوار إلكتروني مطوّل أن يطلب البعض شهادة من الآخرين في حق المرجع الديني الأعلى في لبنان آية الله العظمى الامام السيد محمد حسين فضل الله ، في حين أن الآخرين كانو يحتاجون لشهادة السيد على حد وصفه.

وقال عودة: «غير السيد يحتاج إلى من يشهد له ,أما السيد(رض) فبروزه العلمي والقرآني والفقهي ومجالات أخرى ,يعطي شهادات للآخرين .ومنذ أن اتى إلى لبنان وإلى آخر أيام مرضه ,لم ينقطع عن التدريس للخارج ,حتى تحت القصف والظروف الأمنية الصعبة ,كان يستاء كثيرا إن تركنا الدرس ,ويحثنا دائما على حضور الدرس في أحلك الظروف ».

ويعتقد الشيخ ياسر وهو استاذ في الحوزة العلمية ،بأعلمية المرجع فضل الله في الوقت المعاصر، قائلاً: «بالنسبة لسماحة السيد فضل الله (رض) نحن على الأقل لا نعتقد أن هناك شخصا أعلم منه,خصوصا مع العناصر الكثيرة في شخصيته الفكرية والعلمية التي إمتاز بها في المرجعية الحركية عن المرجعية التقليدية».

من جانب آخر اعتبر الشيخ عودة أن مقلدي السيد الذين مازالوا على تقليده لن يحتاجون إلى المسائل الجديدة إلا بعد خمسين سنة ، قائلاً: « لقد أفتى رضوان الله عليه بالجديد إلى 50 سنة على الأقل,فلا أظنّ أنك ستجد مرجعا بعد 50 سنة ,يستطيع أن يأتي بما أتى به سماحة السيد(رض)».

كما دعا إلى البقاء على تقليده إستدامةً أو حتى إبتداءً بالرجوع إلى بعض المراجع الذين يجيزون تقليد الميت إبتداءً كالمرجع ابراهيم الجناتي.

من جانب آخر كشف عودة عن رسالة خطية من زعيم الطائفة الشيعية في النجف الأشرف آية الله العظمى الامام السيد ابو القاسم الخوئي يشهد فيها بإجتهاد تلميذه ووكليه المطلق في لبنان آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله .

كلام الشيخ عودة جاء جواباً على تساؤل طرحه أحد المشاركين حول الحملة التي إنطلقت ضد السيد فضل الله لإسقاط مرجعيته والتشكيك في إجتهاده، حيث قال: «.. لسماحة السيد إجازة بالإجتهاد من السيد الخوئي (رض) ,ومن غيره وكلمة الشهيد الصدر (رض) :"كل من خرج من النجف خسر النجف إلا السيد فضل الله ,فقد خسرته النجف " دليل على تفوقه في مجالات عدّة ,ووصوله إلى أعلى الدرجات التي يعطي من خلالها علم واسعا ,كالفقهاء والمجتهدين».

وأضاف الشيخ عودة: «وأنا أعلم شخصيا أن المرحوم السيد عبد الرؤوف فضل الله (رض) كان يرجع الناس في الإحتياط خصوصا في نجاسة أهل الكتاب ,ونجاسة الكفار بشكل عام إلى السيد فضل الله في ذلك الوقت الذي أتى به من النجف ».

واستشهد الشيخ عودة بالوكالة المطلقة التي لاتعطى إلا للعالم المجتهد عادةً والتي منحها الامام الخوئي للسيد فضل الله أيام الثمانينات الميلادية عندما عاد إلى لبنان، مستشهداً بحادثة قديمة حيث يقول: «اني أذكر ان بعض علماء لبنان أرسلوا للسيد الخوئي(رض) أن السيد فضل الله إستحوذ على المال في قضية مفصلة ,في أول مبنى وهو مبرة السيد الخوئي في الدوحة ,فرد عليهم السيد الخوئي ,من دون الرجوع إليه " إن وكيلنا المطلق السيد فضل الله ,هو مجتهد وله رأيه ويده يدي ولسانه لساني " ».

كما تساءل احد المشاركين عن عدم حصوله لتقريرات بحث السيد الراحل في النجف ، فقال عودة: «لا أدري لما هي ليست موجودة ,ولكن لو قصدتم مكتب السيد (رض) هناك ,لربما كانت موجودة ,أما في النجف فلا يخفى عليك ما فيها وموقفهم من سماحة السيد(رض)».

هذا وقد تطرق الشيخ ياسر عودة إلى مواضيع متفرقة في هذا اللقاء ، فقد تحدث في البداية عن علاقته بأستاذه المرجع فضل الله وقربه منه ،قائلاً : «أكثر ما أذكره فيه(رض),البديهة وسرعة الجواب وإستحضار القواعد والأدلة عندما نسأله عن أي مسألة ,حتى آخر يوم إلتقينا بهِ,بقيت هذه البديهة موجودة عنده ,وأيضا ملاحظته لأدق الأمور مثلا : "للضوء إذا كان مشتعلا في النهار ",أيضا نذكر"منعنا من التكلم عن الذين أساؤوا إليه وإلينا,حفاظا على الوحدة الإسلامية","وصيته لنا دائما بأن نعلن حالة الطوارئ الثقافية والفكرية لنكون في مستوى التحديات",وغيرها من ذكريات كثيرة لا يسع المجال لذكرها ».

وفي سؤال حول فكرة السيد بالمؤسسة المرجعية ومدى امكانية تحقق هذا المشروع في الوقت الراهن او مستقبلا ، أجاب: «المؤسسة المرجعية ,هي من أرقى النظريات الإسلامية المطروحة,وقد طبقها رضوان الله تعالى عليه,ولو جزئيا على مستوى المؤسسات التي لا نظير لها في تاريخ المرجعية,أما تحققها عبر مجلس مرجعي يصدر فتوى موحدة فهذا يبقى في إطار التمنّي,بل أعتقد أنه مستحيل في الوقت الراهن,حتى يأتينا جيل جديد من المرجعيات التي تحمل عقل المؤسسة لا عقل الفرد ,كما كان رضوان الله تعالى عليه ».

اما حملة التسقيط التي تعرض لها المرجع الراحل ، فيقول عنها الشيخ عودة : «المفروض أن نتعاطى مع الناس بأخلاق الإسلام وأن ندفع بالتي هي أحسن ,وإن كنت أعتقد -شخصيا- ان الذين هاجموا سماحته رضوان الله عليه ,لا يملكون أدنى مراتب التقوى ولا الورع ولا الخوف من الله سبحانه وتعالى ,لأنهم كذبوا وحرّفوا وزوّروا وشوّهوا وصدّروا فتاوى وحكموا غيابيا ,من دون أن يقرأو قراءة واعية ,أو يسألوا ,والحكم من دون سماع ولا قراءة لا دين فيه ,لأن بين الحق والباطل أربعة أصابع ,فالحق أن تقول رأيت ,وأكثر الذين التقيناهم إدعوا الرؤيا ,وعندما واجهناهم بالمكتوب والحقيقة ,تبين كذبهم الصريح,والباطل ان تقول سمعت ,ومع الأسف مرجعيات دينية وعلماء بنوا أحكامهم على السماع والشيطان يكون موجودا عندما تحكم على شخص من دون أن تسمع منه,وأبسط قواعد القضاء قبل إصدار الحكم أن تسمع من الطرفين ,وأي تقوى تحكم هؤلاء وهذا أقوله للتاريخ فقط».

وحول توثيق بعض القضايا في هذه الحملة ضد الراحل ، قال : «لا أعرف إن كان مركز الدراسات عند سماحته -رض- يقوم بهكذا أعمال,ولكن هناك شيئ من هذا».

وعن السبب التي شنت من أجله الحملة ضد المرجع السيد فضل الله ، قال: «من لهم مصلحة في عدم إنتشار مرجعية فضل الله(رض) لتثبيت مرجعيات الآخرين ,لأن فضل الله كان يشكل عقبةً كبيرة أمام كل المرجعيات من جهة تمايزه العلمي والسياسي والإجتماعي والفكري والثقافي وغير ذلك وإنفتاحه على الناس ومعايشتهم وحمل همومهم وحلّ مشاكلهم ولقاءه بهم في كل المناسبات وتصديه للكثير من الواجبات اليومية وعيشه مع الناس ,وإنفتاحه على كل المسلمين وغيرهم من خلال موقعه في لبنان ,ومن خلال تميزه عن المرجعيات التقليدية ,بمرجعية حركية منفتحة على العالم ,تتحرك في كل الساحات وتتصدى لكل المشكلات.فلو ترك من دون حملة ضده ,لكن المرجع الوحيد بلا منازع وهذا سيشكل عقبة أمام الكثيرين,ولا أرى أي سبب للحملة عليه غير هذا السبب ,وقد شارك بعد ذلك في الحملة الحاقدين والمتخلفين والمتزمتين وأصحاب العقول الضيقة والخرافيين ,واصحاب المصالح المتعددة الذين لم يفهموا الإسلام ولا القرآن إلا معلبا في أطر التخلف والخرافة والأكاذيب».

وحول علاقة مرجعية السيد فضل الله بالمرجعيات الأخرى ،أجاب: «ما اعرفه ان مرجعية سماحة السيد(رض) كانت مرجعية حركية منفتحة على كل الواقع ,وحتى المرجعيات التي ضاقت صدورهم وعقولهم من إستيعابه وفهمه وقراءته (رض) ».

وأضاف: «نحن نأسف ونحزن لهذه الفرقة بين المرجعيات ولعدم مناصرتها لبعضها البعض ,مع إحترامنا للجميع ».

وحول علاقة السيد فضل الله بالسيد السيستاني، قال : «في بدايات مرجعية سماحة السيد(رض) بحدود علمي كان يرسل له السيد السيستاني ليرسل له السيد فضل الله من مؤلفاته ,خصوصا كتاب "الحركة الإسلامية " و "في ظلال الإسلام" "الحوار الإسلامي المسيحي" ,ولكن بعد ذلك لا أدري ماذا حصل ,وليس كل ما يُعلم يُقال».

ويعلق احد المشاركين في الحوار بأن أحد مساعدي السيستاني كان يتحدث عن اعجاب الاخير بكتب فضل الله حتى انه كان يُقبلها بعد الانتهاء من قرآءتها ،وخصوصاً كتاب "الحوار الاسلامي المسيحي" الذي نال اعجاب السيستاني فأعاد قراءته ثلاث مرات .

وعن قضية الصراع الدائر بين المرجعيات الدينية ،قال الشيخ عودة : «ولكنني احب كثيرا وأتمنى ان يصل إلى آذان المراجع كل المراجع,هذه الكلمة وهي : "قبل ان يحكموا على الشخص ,لا بد أن يتبعوا أبسط قواعد القضاء ,التي يفتون بها " ,وثانيا لا بد أن يسمعوا ويقرأو جيدا من نفس الشخص ,وليس من الحاشية التي تضل وتحرف عن المسار والطريق وثالثا,لا بد أن يقفوا إلى جانب المظلوم كما اوصا أمير المؤمنين (ع) ولديه : كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا,رابعا : أبدي أشد الإستغراب والإستنكار لما أسمعه ,بل أقرأه من تصريحات بعض المراجع في حقّ الراحل الكبير (رض) والتي لا أستشم فيها أي رائحة للخوف من الله ». واكتفى الشيخ عودة بهذا التعليق العام دون أن يقصد أحد على حد تعبيره.

وفي موضوع آخر أجاب الشيخ عودة على تساؤل حول المرتبة العلمية لتلامذة المرجع الراحل ، قائلاً: «أنا أعتقد بأن ولداه سماحة السيد علي ,وسماحة السيد جعفر هما في خط الإجتهاد ,وأعتقد بأنهما أهل لإصدار بعض الفتاوى ولو جزئيا ».

وفي جواب آخر قال بأن الشيخ حسين الخشن وهو من ابرز تلامذة المرجع فضل الله يسير في خط الإجتهاد ايضاً .

وفي السياق ذاته ذكر الشيخ عودة ان المرجعان إسحاق الفياض وإبراهيم الجناتي قد أجازا للعلامة السيد علي فضل الله قبض الحقوق الشرعية للإستمرار في رعاية المبرات والمؤسسات التي أسسها الراحل .

وفي تساؤل عن نية أحد تلامذة السيد أو أبناءه بالتصدي للمرجعية الدينية ، أجاب: «نعم, ولكن في المستقبل ,ولا يريدون ليحرقوا المراحل ,ولكن أرى أن سماحة السيد علي فضل الله ربما يتصدى للمرجعية مستقبلا ,وهناك من تلامذته من هو في طريق الإجتهاد».

وحول رغبة بعض الشخصيات الدينية في لبنان بالتصدي للمرجعية ، قال الشيخ ياسر عودة : «هم أحرار فيما يطرحون ,ونحن لدينا من نعتقد أنه في مستوى عالي من العلم والمعرفة ومؤهل لطرح مرجعيته ,ولكن بعض الظروف تمنعه من ذلك ».

وفي موضوع المقاومة الإسلامية ، قال : «ما أعرفه أن سماحة السيد -رض- ,هو مربي وراعِ حركة المقاومة منذ نشأتها وخصوصا لكثير من القيادات فيها».

والشيخ ياسر عودة هو من قرية عاملية حدودية في جنوب لبنان تسمى برعشيت, من مواليد عام 1969 ميلادية,وقد دخل في طلب العلم سنة 1984 م في المعهد الشرعي الإسلامي -حوزة سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله(رض),ودرس فيها المقدمات وشيئا من السطوح ثم ذهب إلى مدينة قمّ المقدسة عام 1989م,ليكمل علومه, وتابع فيها السطوح على أيدي علماء بارزين في قم من أعلام حوزتها, حيث درس فيها عند آية الله نور محمّدي ,وآية الله الهرندي ,آية الله الأيرواني,والسيد عادل العلوي..وغيرهم,وقد تتلمذ مطوّلا عند آية الله الدماوندي ، ثم عاد أدراجه إلى لبنان,والتحق بحوزته الأم مجدداً حيث حضر دروس البحث الخارج عند العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) عام 1992م ,ولازمه طوال تلك المدة إلى ان انتقل إلى جوار ربّه عام 2010م، وله عدة نشاطات إجتماعية ودينية منها إمامته لصلاة الجماعة ، وممارسة الخطابة ،وإلقاء المحاضرات ،والمشاركة في الندوات والمؤتمرات ، وتأسيس بعض اللجان والنشاطات الثقافية كما يقوم بالتدريس في حوزة المعهد الشرعي .
السيد احمد الخميني يتحدث عن مكانة السيد فضل الله عند والده الامام الخميني


قال السيد احمد نجل الامام روح الله الموسوي الخميني متحدثاً فيه عن العناية الخاصة التي كان يوليها الامام الخميني بالمرجع السيد فضل الله .

وقال السيد أحمد الخميني : كان والدي يستقبل الناس، و له اوضاع مختلفة ، فمنهم من يضع له يده على صدره وهو جالس و منهم من يقوم له ربع او نصف قيام، و منهم من يقوم له من مجلسه..

ويضيف السيد أحمد : إلا السيد محمد حسيــن فضل الله، فإن والدي يقوم من مجلسه و يستقبله عند باب الدار، و هذا خير دليل على قيمتــه.

وكان الباحث والمفكر العراقي السيد عادل القاضي قد تحدث في إحدى محاضراته عن علاقة مميزة كانت تجمع الامام الخميني بالسيد فضل الله .

ويحكي احد المرافقين للسيد أثناء زيارة له إلى إيران أن قائد الثورة الاسلامية السيد علي الخامنئي قال له "حافظوا على هذه الدرة الثمينة التي لا يوجد مثلها في العالم الإسلامي" .

وربما تتجلى هذه العلاقة أكثر في بيان التأبين الذي أصدره قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي حينما وصف المرجع السيد فضل الله بالرفيق المخلص والمقرب من الجمهورية الاسلامية ونظامها .

«من الذات إلى المؤسسة»
كتاب جديد يتحدث عن تجربة السيد فضل الله



« قاسم قصير - مؤسسة الفكر الاسلامي المعاصر » : عن دار الإسلام في لندن صدر كتاب جديد لسماحة العلامة السيد حسين الشامي تحت عنوان "الفقيه المجدد المقدَّس السيد محمد حسين فضل الله: من الذات إلى المؤسسة"، وهذا الكتاب محاولة جديدة من أجل دراسة لتجربة السيد فضل الله على صعيد المرجعية الدينية وبناء المؤسسات، إضافة لمواكبة الأطروحات الفكرية والعملية التي طرحها السيد وردود الفعل حولها، كما يواكب الكتاب حدث رحيل السيد من خلال ملاحق خاصة وتوثيق المواقف وبيانات النعي التي صدرت بعد رحيله.

المقدمة

في مقدمة الكتاب يستعرض المؤلف السيد حسين الشامي أهم المميزات التي اتصف بها السيد فضل الله والأسباب والظروف التي ساهمت في بلورة المشروع الفكري لسماحته ومما قاله في هذا المجال: "يُعد العلامة المرجع سماحة آية الله العظمى السيد فضل الله (قدس الله روحه الزكية) أحد أبرز الفقهاء الواعين والمفكرين والمجاهدين في الساحة الإسلامية، فقد شكلت حياته وحركته ظاهرة متميزة منذ بدايات النصف الثاني للقرن العشرين الميلادي... ولا شك أن لجامعة النجف الأشرف العريقة ذات الألف عام دوراً كبيراً في تعميق وبناء هذه الأصالة في فكره وحركته، وتشكيل عقله وبناء شخصيته الموسوعية.. كما أن للساحة اللبنانية المنفتحة على قضايا الفكر والسياسة والإعلام دوراً آخر في انطلاقته وحواراته في مختلف القضايا السياسية والمجالات الثقافية والاجتماعية المتنوعة.

ويضيف المؤلف "أن من الخصائص والمميزات في شخصيته: الاهتمام بالحركة الإسلامية وحمل همومها وتطلعاتها والتنظير لمفردات مسيرتها الفكرية والعملية، حتى أضحت مصطلحات: "الإسلام الحركي"، "الحالة الإسلامية"، "الواقع"، "الساحة"، "الانطلاق والانفتاح"، "المسألة والقضية"، "أسلوب الدعوة والتوازن"، "العمل والعاملين"، "الحياة والإنسان" وما شابه ذلك من المفردات، من مختصات قاموسه الثقافي المتداول في أدبيات الحركة الإسلامية المعاصرة وفي مختلف الساحات والمواقع.

ولعل كتابيه "خطوات على طريق الإسلام" و"الحركة الإسلامية.. هموم وقضايا" من الكتب الرائدة التي تعبر عن هذه الحقيقة.

إنجازات السيد ومميزاته

ثم يستعرض الكاتب أهم الإنجازات الفكرية والعلمية لسماحة السيد ومنها: العمل للتقريب بين المذاهب الإسلامية، حمل لواء الحوار الإسلامي ـ المسيحي وضرورة فتح آفاقه الرحبة في العناصر المشتركة بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات السماوية، الدعوة للإصلاح، التجديد في كيان المرجعية الدينية، الإبداع والتجديد والريادة في دراساته الفقهية والتميز بالجرأة والشجاعة في عرض الآراء الفقهية ومناقشة آراء السلف الصالح وعدم الوقوف عند المألوف والمشهور، تميز بحوثه في التاريخ والتراث بالنقد والتقويم وعدم الاستسلام للقضايا التي تخالف المنهج العلمي السليم، إعداد الموسوعة التفسيرية "من وحي القرآن" والتي تجلت فيها أبعاده المعرفية ذات الأصالة والعمق والشمولية، البعد الأدبي والتجربة الغنية في الشعر والخطابة والتبليغ، إنجازاته الإنسانية ومشاريعه الخيرية التي انتشرت في لبنان والعالم الإسلامي.

فصول الكتاب

ويتضمن الكتاب بعد ذلك عدة فصول تتناول القضايا التالية:
1- السيد فضل الله وآفاق الفكر الحركي.
2- مشروع المرجعية المؤسسة في فكر السيد فضل الله.
3- أضواء على الأزمة التي أثيرت حول "السيد" بشأن آرائه حول ما تعرضت له السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.
4- دور "دار الإسلام" في مواجهة الأزمة.
5- ملاحق ووثائق مصورة حول رحيل السيد وما قيل عنه وبيانات النعي.

وقد حرص المؤلف على التركيز على دور سماحة السيد على الصعيد الفكري والعملي فتحدث عن هموم الأمة في فكر السيد فضل الله وتطور نشاطاته منذ كتابه الأول "أسلوب الدعوة في القرآن" وهو من أوائل الكتب الحركية التي شهدتها الساحة الإسلامية، ومن ثم كتابه "قضايانا على ضوء الإسلام" والذي يتناول قضايا الأمة الحساسة وواقعها المعاصر، لينطلق بعد ذلك إلى كل القضايا العملية والتحديات التي واجهت العاملين على مدار الخمسين عاماً من حياته، وصولاً لمشروعه التجديدي حول "المرجعية الدينية" والتي تتشابه حسب رأي الكاتب "مع مرجعية الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، فمرجعتيه كانت نتيجة حاجة الأمة إليها، ولم يتصد للمرجعية إلا بعد أتت إليه قطاعات الأمة تريد مرجعيته، ولذلك عندما تصدى لها تعامل معها على أنها مسؤولية وحالة إسلامية يجب أن تتعمق في الأمة وأن تسير وفق مشروع إصلاحي جديد".

مشروع المرجعية الجديدة

وعن مشروع السيد التجديدي للمرجعية الدينية الشيعية يستعيد الكاتب بعض ما طرحه سماحة السيد في كتابه الذي نشرته الملحقية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق، والذي يتضمن النقاط التالية:

1- واقع المرجعية الدينية والاتجاهات الفقهية المختلفة.
2- مشكلة المرجعية الدينية وانكماشها في الدائرة الخاصة لإصدار الفتاوى وعدم تحولها إلى مؤسسة متكاملة.
3- أسباب واقع المرجعية الدينية.
4- دور المرجعية في مواكبة الحياة.
5- علاقة المرجعية بالواقع الشيعي.
6- المبررات والدوافع لإطلاق مشروع "المرجعية المؤسسة".
7- الكوابح والعقبات في الإطار الفقهي.
8- نظرية ولاية الفقيه في الإطار الفقهي.
9- إشكالية العلاقة بين المرجعية المؤسسة والولاية والحلول العملية.

ومن خلال تقديم هذه الأطروحة حول المرجعية المؤسسة وما طرحه سماحة السيد من حلول وأفكار يسعى المؤلف للتأكيد على الدور الريادي لسماحته في معالجة هموم الأمة وقضاياها على ضوء الواقع المعاصر.

الأزمات التي واجهها السيد

وحول الأزمات العديدة التي واجهها السيد فضل الله بسبب آرائه الفقهية والفكرية التجديدية ودعوته لإعادة دراسة القضايا التاريخية، يعمد المؤلف إلى استعادة كل التفاصيل في هذا الإطار وخصوصاً المسألة المتعلقة بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ويعود المؤلف في هذا المجال لاستعراض بعض الجوانب التاريخية حيث يُشِّبه ما تعرض له السيد فضل الله بما تعرض له المصلح الكبير الإمام السيد محسن الأمين العاملي (قدس سره) عندما أراد إصلاح الشعائر الحسينية.

ويتناول المؤلف هذه الأزمة بالتفاصيل تحت العناوين التالية:

1- العداء للحركة الإسلامية ولخط الإمام الشهيد الصدر.
2- الخوف من المرجعية الحركية الواعية.
3- الموقف العدائي من الثورة الإسلامية في إيران.

ويتضمن هذا القسم من الكتاب بعض التفاصيل والمعلومات التي من المفيد الإطلاع عليها لاستعادة بعض الأجواء التي حصلت خلال تلك الفترة والتي تساهم في فهم أبعاد استمرار الحملة على "السيد" بعد رحيله.

ويختتم المؤلف الكتاب بالحديث عن "دار الإسلام في لندن" ودورها في مواجهة الأزمة إضافة للملاحق الخاصة حول رحيل سماحته وبيانات النعي والمواقف التي صدرت وصور التشيع والعزاء.

والكتاب كذلك يشكل وثيقة هامة لإلقاء الضوء على الدور الذي لعبه سماحة السيد على صعيد العمل الإسلامي والمرجعية الدينية والأطروحة التجديدية في هذا المجال، إضافة لنتاجاته المتنوعة وهو يضيف إلى المكتبة الإسلامية مساهمة جديدة لإعادة قراءات تجربة السيد فضل الله بعيون مختلفة.

ندوة في معرض بيروت الدولي للكتاب:
العلامة المرجع فضل الله فقه وفكر



ضمن النّشاطات الثّقافيّة والفاعليّات المرافقة لمعرض بيروت العربي والدّولي للكتاب في دورته الرابعة والخمسين، عقدت ندوة حول "العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله: فقه وفكر"، بمشاركة الأب الدّكتور جورج مسّوح، والعلامة السيّد هاني فحص. تقدّم الحضور نجل العلامة المرجع فضل الله، سماحة السيّد جعفر فضل الله، ورئيس النّادي الثّقافي العربيّ فادي تميم، وحشد من رجال الدّين والمثقّفين والمهتمّين.

أدار النّدوة الصحافيّ جورج ناصيف، واستهلّها بكلمةٍ تحدّث فيها عن "الإمام الوحدويّ الإنسانيّ، والفقيه الجريء في ما اجتهد فيه"، ووصف المرجع الرّاحل بـ "السيّد المتميّز"، وتحدّث عن "دعوته إلى وحدةٍ إسلاميّةٍ في الجوهر تعلو على الفوارق، لأنّه لم يشأ الفرقة والتّنابذ بين المذاهب الإسلاميّة، وهي كلّها تستظلّ الكتاب الواحد والنبيّ الواحد. كما أنّه أكّد الحبّ المولّد للرّحمة، ما دفعه أيضاً إلى التّيسير لا التّعسير، حيث إنّ الله يريد بعباده اليسر لا العسر".

الأب جورج مسّوح:
فضل الله هو أحد أهمّ مفكّري الإسلام المعاصر ومجتهديه




ضمن النّشاطات الثّقافيّة والفاعليّات المرافقة لمعرض بيروت العربي والدّولي للكتاب في دورته الرابعة والخمسين، عقدت ندوة حول "العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله: فقه وفكر"، وقد شارك رجل الديني المسيحي الأب الدّكتور جورج مسّوح، الأستاذ في جامعة البلمند، بمداخلة حول "السيّد محمّد حسين فضل الله والحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ"، واستهلّ كلامه بالإشارة إلى أنّه "لا ينكر أحد على العلاّمة السيّد محمَّد حسين فضل الله كونه مرجعيّةً دينيّةً وفكريّةً كبيرةً في الإسلام بعامّة، وفي "الإسلام الشّيعيّ" بخاصّة. وليس بإمكان أحد أن ينكر جرأته وشجاعته في فتاويه وآرائه العديدة الّتي حاول فيها تصحيح بعض المعتقدات والممارسات الخاطئة في الإسلام. كما ليس بوسع أحدٍ أن ينكر عليه إيمانه بالتّعايش الإسلاميّ ـ المسيحيّ، وبالحوار بين الأديان. هو، بلا شكّ، أحد أهمّ مفكّري الإسلام المعاصر ومجتهديه".

كما تحدَّث الأب مسّوح عن مناصرة المرجع فضل الله للعيش المشترك، وعرض لما قدَّمه في موضوع الحوار الاسلاميّ المسيحيّ، واعتبر أنّ الحوار بين المسلمين والمسيحيّين يندرج في مستويين: المستوى اللاهوتيّ من جهة، والوطنيّ من جهةٍ أخرى، وأضاف: "على الصّعيد اللاهوتيّ، يؤكّد المرجع فضل الله أنّ المسيحيّين يوحّدون الله، وأنّ الإسلام لا يعتبر النّصارى مشركين... فللمشركين حكم ولأهل الكتاب حكم آخر. ثمّ يميّز سماحته بين ما يسمّيه شركًا مباشرًا وشركًا فلسفيًّا، فيعتبر القول المسيحيّ بـتجسّد الله في السيّد المسيح مجرَّد شركٍ فلسفيّ".

وختم: "بالنّسبة إلى المرجع فضل الله، فإنّ المشكلة اللاهوتيّة لا تكمن في اعتقاد المسيحيّين بالثّالوث، فهم موحّدون، بل تكمن في إيمانهم بتجسّد كلمة الله في كيان بشريّ".

العلامة هاني فحص:
فضل الله المظلوم والعالم الفقيه والامام المرجع والأستاذ



ضمن النّشاطات الثّقافيّة والفاعليّات المرافقة لمعرض بيروت العربي والدّولي للكتاب في دورته الرابعة والخمسين، عقدت ندوة حول "العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله: فقه وفكر"، وقد ألقى العلامة السيّد هاني فحص مداخلةً بعنوان: "السيّد فضل الله: لحظة فراق...لحظة إنصاف"، وجاء فيها: "السيّد محمد حسين فضل الله، العالم الفقيه، المرجع الأستاذ الإمام، إمام الفقراء تأسيساً في النّبعة، الخطيب الواعظ المحاضر، الكاتب الباحث الشّاعر.. الجميل.. مربّي جيشٍ هائلٍ من الأيتام في مؤسّساتٍ مفتوحةٍ أبوابها، وجاهزة مقاعد الدراسة فيها، في وجه المزيد من الأيتام والفقراء".

وأضاف السيّد فحص: "هذا الكبير كان مظلوماً أيضاً، تماماً كما كان الكبار والروّاد من رعيله من رجال الدّين المسلمين الشّيعة في هذه الحقبة، حيث إنّهم لم يعدموا من ينصفهم، أو من رأى أن ينصف نفسه بإنصافهم، مُشيحاً عمّن يوظّفونهم في مشاريعهم، ويشاكلونهم في الأطروحة، ويفارقونهم في المضامين. هذا الرّجل كان يداري النّاس على قاعدة الرّحمة إلى حدّ كبير، أمّا في الرأي فلا"..

أضاف: "..وكان قليل المداراة للفقه السّاكن والفقهاء السكونيّين... ومن هنا، مدّ يده إلى الشّجرة فهزّها، فاهتزّت الألسن والأقلام والسّيوف في وجهه، ولكنّه استمرّ يطلق سراح الفتاوى التّيسيريّة في الفقه، والّتي خاف على أنفسهم منها فقهاء كبار فكتموها.. أمّا هو، فقد استفاد من جوّ الحريّات الّذي فرض نفسه كضرورةٍ على الفضاء الدّينيّ، وفي لحظة ازدياد التعصّب، وصولاً إلى العنف والإرهاب، وما يقتضى ذلك من تنميطٍ ضيّقٍ للفقه والفكر لتسويغ الإرهاب والجهل والتخلّف. هذا الرّجل المقاوم .. يحبّ المقاومة والمقاومين .. ويناقش غيرهم في المقاومة. يعترض على حاكمٍ عربيّ هنا أو هناك، من دون خلفيّةٍ مذهبيّةٍ، وبأدبٍ شديدٍ وموقفٍ عميق، ولا يمانع في التّواصل وبذل النّصح."

وأردف: "لقد كان شجاعاً جدّاً عندما اختار أن يعلن مرجعيّته من لبنان، مذكّراً كلّ علماء الأطراف الشّيعيّة، بأنّ المركز المرجعيّ في النّجف، لم يكن يلغي الأطراف الّتي كان لها مرجعيّتها المحترمة من جميع المراجع، ولكنّها كانت لحظةً شديدة الحرج، لأنّها اللّحظة التي تمت فيها المطابقة بين المرجعيّة والحاكميّة، مع تساهلٍ في الشّروط العلميّة للمرجعيّة لصالح الحاكميّة. وهذه تحسب له سنّة حسنة، لا أظنّ أنّها سوف تتكرّر أو يسمع بها ثانية".

وختم السيّد فحص: "كان لبنانيّاً وطنيّاً شفّافاً، شعراً وفقهاً وفكراً من البداية.. يحلم بأن يكون لبنان منبراً للفكر العربيّ والإسلاميّ والعالميّ، موصولاً ومحفوظاً ومحترماً من أشقّائه العرب والمسلمين ومن شعوب العالم كافّةً..كانت شيعيّته مورد غذاء لإسلاميّته، حاضنةً لشيعيته.. كلّ ذلك يجري ويتحرّك في فضاءٍ وطنيّ لبنانيّ عربيّ ودوليّ، رشّحه لأن يكون موضع ثقة الجميع وحبّهم وتقديرهم في حال الاختلاف وحال الاتّفاق معاً".

14 ديسمبر 2010

«ويكيليكس».. قراءة ما بين السطور


جعفر محمد حسين فضل الله
ممّا لا شكّ فيه أنّ ما نشره موقع ويكيليكس من «وثائق» عمّا كان يدور وراء الكواليس لدى الأنظمة الغربيّة والعربيّة، ولا سيّما تجاه أحداث ومنعطفات خطيرة شهدتها منطقتنا، كحرب الكيان الصهيوني على لبنان في 2006، أو حربه على غزّة بعدها بثلاث سنوات، وما خصّ ملفّ إيران في حركة السياسة الدوليّة بكل تشعّباته، لا شكّ في أنّه لم يزد في الأمر شيئاً لدى الشارع العربي والإسلامي، الذي حلّل واستنتج ما هو أبعد من المنشور لدى ذلك الموقع الالكتروني، ولكنّه لم يحرّك ساكناً إزاء ذلك؛ لأنّه أدمن واقعه إلى حدّ الاستقالة المطلقة من التأثير فيه. وبالتالي يُمكن تشبيه ما نُشر في ويكيليكس بخبر الموت لمن علمنا سلفاً بدخوله في الموت السريري.
وبغضّ النظر عن الهدف من وراء عمليّة النشر هذه، ومن هو المستفيد منها، فإنّ من غير الممكن الاستخفاف بما نُشر، باعتبار الوثائق مجرّد تحليلات لدبلوماسيّين، أو مجرّد انطباعات شخصيّة أو ما إلى ذلك، بل لا بدّ من الوقوف مليّاً عندها لأجل تحقيق أمرين:
الأوّل: أيّاً ما كانت الخلفيّات الكامنة وراء النشر، فإنّها تساهم في إيجاد واقع فتنويّ بين الدول،
ولا سيّما بين الدول الإسلاميّة والعربيّة، وهو أمرٌ مرفوض، ولا سيّما في هذه المرحلة التي نشهد فيها تقهقراً للمشروع الأميركي، بعد التخبّط الذي لحق به في لبنان والعراق، ولا يزال كذلك في أفغانستان، وشيئاً من التقارب القهري بين الدول العربية والإسلاميّة، ولا سيّما بين دول الخليج وإيران..
الثاني: في الوقت الذي لا ينبغي أن يُسمح فيه لما نشرت ويكيليكس من وثائق أن تبثّ الفتنة في واقعنا، فإنّها تمثّل فرصة ينبغي أن تدفعنا للنظر إلى واقعنا كما هو، ومن دون مساحيق تجميل أو كلام معسول، بُغية الانكفاء قليلاً لإصلاح واقع الحال، وهو يتمثّل في اتجاهين:
أوّلاً: أنّ الشعوب معنيّة اليوم باستعادة الثقة في قراءاتها للواقع السياسي، ولا سيّما تجاه القضايا المصيريّة، وطبيعة اللعبة الدوليّة والإقليمية التي تتحكّم فيها؛ فإنّ هذه الوثائق تؤكّد أنّ التحليلات الشعبيّة للمرحلة الماضية، هي قراءات صحيحة في ما يتّصل بطبيعة التناغم الذي يحصل في كثير من الأحيان بين سياسة البلدان والسياسة الدوليّة التي تسيطر عليها دولٌ كبرى، في مقدّمتها الولايات المتحدة الأميركية، والتي تصبّ في مصلحة كيان العدوّ بشكل وبآخر. وهذا ما يفترض أن يُبعد الشعوب عن التأثّر بكل عمليّات الإلغاء والتجهيل التي تمارسها الأنظمة السياسيّة على شعوبها، وتدفعها إلى الانكفاء عن أخذ زمام المبادرة في التأثير في مجريات العمليّة السياسيّة حتّى تحوّلت كثير من بلداننا إلى سجون كبيرة، لا تحتجز فيها السلطة شعبها فحسب، بل يُغري الشعب نفسُه السلطة بالإمعان في إلغائه من قاموس اعتبارها السياسي.
منذ زمن، أدركت الشعوب بأنّ تحكّم مجموعات سياسيّة بمفاتيح مصائر الشعوب، وترك الأمر على عواهنه، بعد اختبارات عديدة لم نحتج إلى «وثائق» ويكيليكس لنتأكّد منها، هو أمرٌ ينذر بإضاعة المستقبل والتاريخ معاً أمام مشاريع كُبرى أظهرت الوثائق أنّ الكثيرين منغمسون فيها حتّى آذانهم.
وإذا استعاد الشعب ثقته بنفسه على مستوى إمكانيّته الذاتية لقراءة ما يجري من حوله، والوصول إلى نتائج، فبالإمكان أن يستتبع ذلك ما هو أبعد من «الإنتاج المعرفي» للحلول، إلى التطبيق العملي للحلول التي تضع الأمور في نصابها الطبيعي. كما أنّ ذلك سوف يدفع القادة السياسيّين، الذين أمعنوا في إلغاء الشعب من حساباتهم في إدارة شؤون البلاد وتقرير المصير، وإلى العمل على تحقيق تصالح ما مع شعوبهم.
ثانياً: أنّ الخلفيّة التي تتعامل فيها الدبلوماسيّة الغربيّة، ولا سيّما الأميركية، مع سياسيّي العالم العربي والإسلامي عموماً، هي خلفيّة عنصريّة، تنظر إلى العالم من فوق، ولا توحي بأدنى حالة احترام للمنطقة، عبر قادتها السياسيّين، إلا بمقدار ما تُثبت بعض الدول أنّها ليست في موقع الضعف ولا يُمكن أن تقبل بمنطق الاستضعاف الذي يريد المستكبرون الدوليّون فرضه على الواقع برمّته. كما أنّنا رأينا ـ من خلال هذه الوثائق ـ أنّ هذا العالم الذي يهابه الكثيرون هو عالمٌ بشري في أدنى مستوياته الأخلاقيّة والإنسانيّة، ويصيبه ما يصيب الناس العاديّين من الشعور بالحسد والحقد والسخافة وسيادة الذهنيّة الشرّيرة في مقاربة كثير من الأمور.

11 ديسمبر 2010

نسمو بالحسين (ع)


ها نحن نقترب إلى الذروة في حضور عاشوراء في وجداننا..

يُسرع إلينا العاشر من محرّم الحرام. ذلك اليوم الذي استحلّت فيه حرُمات الله.. ذلك اليوم الذي خشعت فيه السماوات، وتزلزلت فيه الأرضون، لجرأة الإنسان على الحقّ، يُذبح على خشبة الأطماع والشهوات وحبّ الدنيا.. ذلك الحقّ الذي تجسّد في الحسين (ع)، فكان فكرُه يتحرّك بالحقّ، وكانت روحه تنبض بالحقّ، وكانت مواقفه مواقف الحقّ، ولسانه كان لا ينطق بالحقّ، وفعله صورةً من صور الحقّ المتحرّك في الحياة..

لم يكن في ذلك اليوم نفسٌ أرحم وأحنّ من نفس الحسين (ع).. وأيّ رحمةٍ أكبر من تلك التي تحنو على أعدائها، لتحزن عليهم لأنّهم أسلموا زمامهم للشيطان، وأنّهم سيدخلون النار بسبب قتلهم إيّاه؟!

ولكنّ الحقّ غريبٌ عن كلّ واقع هؤلاء الوحوش، والرحمة لغةٌ لا تفهمها نفوسهم.. لقد مال هؤلاء على جسد الحسين (ع) بكلّ أحقادهم؛ هذا يرميه بسهم، وذاك يطعنه برمح، وذلك يجرحه بالسيف.. وكأنّهم يُخمدون كلّ صوتٍ للحقّ حتى لا يفضح باطلهم، ويُسكتون كلّ وخزٍ للضمير حتّى لا يقضّ مضاجعهم.. لأنّ لصوت الحقّ ضجيجاً يطنّ آذانهم حتّى مالوا على الحسين بأبشع صور الحقد الأعمى، وهم في الحقيقة إنّما يقتلون أنفسهم، ويميتون ضمائرهم، ويسحقون بخيولهم كلّ مصيرهم حينما يفدون يوم القيام على الله وأيديهم ملطّخة بأزكى دمٍ، وقد كُتب على جبين كلّ واحدٍ منهم: آيسٌ من رحمة الله.

هكذا نستعيد طهارة موقف الحسين (ع)، لنغسل به كلّ أدران أحقادنا.. وهكذا يتلو علينا الحسين (ع) كتاب الحقّ، ونبراس العدل.. وهكذا نرنو إلى الحسين يسمو على اكلّ جراحات السيوف، وكلّ آلام الجسد، لتغرق الروح في ضياء الحبّ الإلهيّ، لتُشرق على كلّ الزمان والمكان، روحاً تحدو للسائرين في طريق ذات الشوكة، وتوجّه السالكين دروب الجهاد، وتؤكّد الحقّ والعدل في مواقع الصراع مع الباطل والظلم..

هكذا نستعيد الحسين، لنسمو بالحسين، ونرتقي بالحسين في إسلامنا الذي نحرّكه في أنفسنا في عروجنا إلى الله، في عمق الحياة وفي قلب الصراع؛ والله من وراء القصد.


التطبير؛ الوجهة الفقهية للبحث


لا تزال مسألة التطبير مثاراً لجدلٍ غير مبرّر في أوساط المنتمين لخطّ أهل البيت (ع)، بين القول بحرمة هذا العمل، إمّا لحرمة الإضرار بالنفس أو لكونه تشويهاً للإسلام والمذهب، وبين من يقول بأنّه من الشعائر التي اعتبر الله تعظيمها من تقوى القلوب.

وبالرغم من ذلك، فإنّ الجدل يكاد يكون بلا مبرّر، وذلك لعدّة أسباب:

أوّلاً: ليس من شكٍّ أنّ التطبير أذيّة للنفس، وأذيّة بالغة في بعض الأحيان، ومن يذهب إلى حُرمة الإضرار بالنفس لا بدّ له من أن يلتزم بحرمة فعل التطبير، مطلقاً في حال حرمة الإضرار مطلقاً، أو إذا تسبّب بضرر بالغ إذا حرّمنا الإضرار البالغ لا مطلقاً. وبذلك لا يُمكن أن يكون الفعل المحرّم من شعائر الله؛ لأنّ الله تعالى لم يجعل الحرام شعيرة. مع أنّ ثمّة وجهة نظر ـ كان يتبنّاها السيّد الخوئي (ره) ـ تقول إنّ الشعيرة لا بدّ أن يرد فيها تشريع من المولى، ولم يرد أنّ التطبير من الشعائر؛ بل هو من المبتدعات المتأخّرة.

ثانياً: قد يقول قائل: أيّاً كان المبنى في حرمة الإضرار بالنفس، فإنّه إذا دار الأمر بين أهمٍّ ومهمٍّ، فإن العقل يحكم بتقديم الأهمّ على المهمّ، وإحياء أمر أهل البيت (ع) أهمّ من النفس، فيكون ارتكاب الضرر لأجل ذلك راجحاً عقلاً، ويُمكن حينئذٍ أن يدخل في إطار الشعائر.. إلا أنّ ذلك لا يفيد بعد أن كان التطبير يوجب التوهين للإسلام في أعين الناس، ولا سيّما عندما تدخل مسألة التطبير في ممارسات لا يملك الإنسان الحقّ فيها، كنذر تطبير الطفل، حيث يحرم إيذاء الطفل في مثل هذه الحالة، وبالتالي لا يكون التطبير لأجل إحياء لأمر أهل البيت (ع)، بل العكس هو الصحيح. وهذا ما أجاب به السيّد الخوئي (ره) في جواب على سؤال هذا نصّه مع الجواب: "سألناكم عن جواز ضرب السلاسل والتطبير، فأجبتم بأنّه لا يجوز في ما إذا أوجب ضرراً معتداً به، أو استلزم الهتك والتوهين، فما معنى جوابكم تفصيلاً؟ الجواب: الضرر المعتدّ به هو الذي لا يتسامح بالوقوع فيه، كهلاك النفس المشابه لمثله، والآخران (أي الهتك والتوهين) ما يوجب الذل والهوان للمذهب في نظر العرف السائد؛ والله العالم" [صراط النجاة، ج2، ص446]

ثالثاً: بغضّ النظر عمّا تقدّم، فإنّ وسائل التعبير لا بدّ لها من أن تخضع للتقييم من حيث انسجامها مع القواعد الفكريّة للخطّ والدِّين والمذهب، ولم يُعهد من الإسلام إقحام النفس في ممارسات عنيفة؛ بل العكس هو الصحيح، وهذا ما يُشير إليه نفي الضرر والحرج في التشريع، بحيث لم يجعل الشرع أيّ حُكم ضرريّ على الإنسان، فلو كان يستلزم حُكمٌ معيّن الضرر فإنّ ذلك الحكم يتجمّد، وكذلك في صورة استلزامه الحرج.. وهذا يعني أنّ الوجهة العامّة للتشريع هو على خلاف الوجهة التي يقتضيها التطبير وسائر الممارسات العنفيّة، كضرب الظهور واللطم العنيف وما إلى ذلك.


التطبير؛ المشكلة،ووجهة العلاج

لا تزال مسألة التطبير (ضرب الرؤوس بالسيوف) مثاراً لجدلٍ غير مبرّر في أوساط المنتمين لخطّ أهل البيت (ع)، بين القول بحرمة هذا العمل، إمّا لحرمة الإضرار بالنفس أو لكونه تشويهاً للإسلام والمذهب، وبين من يقول بأنّه من الشعائر التي اعتبر الله تعظيمها من تقوى القلوب.

ونحن لن نناقش المسألة من هذه الزاوية؛ لأنّ الجدل يكاد يكون عقيماً إذا انطلقنا لنعالج الموضوع فقهيّاً فقط، أو من زاوية تشخيص ما هو المسيء من الأفعال والممارسات للإسلام أو للذكرى ولأهل البيت (ع)؛ لأنّ الموضوع بحدّ ذاته متشعّب الأسباب معقّد؛ لأنّه يتصل بعوامل عديدة تلقي بظلالها حتّى على نمط التفكير نفسه.

قد تبدو المشكلة الأساس في مسألة التطبير عند مستويين:

الأوّل: مستوى الذهنيّة الشعبيّة التي تسحب قداسة الذكرى على أساليب إحيائها حتّى لو كانت هذه الأساليب غير مقدّسة في ذاتها أو في مناشئها، بل حتّى لو اصطدمت ببعض القواعد الأساسيّة للشريعة أو للعقيدة أو للفكر الإسلامي. وعند هذا المستوى ستغدو أيّ مناقشة لأساليب الإحياء مناقشةً للذكرى نفسها، مهما كانت المنطلقات علميّة وموضوعيّة، ومهما كانت النيّات صادقة. وهذا الأمر غير صحيح؛ لأنّ إحياء عاشوراء القضيّة والذكرى والعاطفة هي مسألة غير قابلة للمناقشة؛ ولكنّ الأساليب تختلف وتتطور عبر الزمن، وقد تكون منسجمة مع الذكرى وقد لا تكون..

الثاني: مستوى القيادات الإسلاميّة التي باتت تحذر من سخط الجماهير، بل من سخط تفترضه في الجماهير، والتي تنتظر في الحقيقة موقفاً واضحاً من القيادة لتتحرك.. حتّى باتت بعض هذه القيادات تستخدم التقيّة في كيفيّة تعبيرها عن رأيها إذا ما سُئلت عن الموضوع، علماً أنّ طبيعة الموقف تعطّل أيّ مبادرة لدى هذه القيادات في التصدّي لهذه الأشكال.. وأحياناً ما نجد هنا اتجاهاً تبريريّاً لما هو الممارس لدى العامّة من الناس، ولو تمسّكاً برواية لا تمتلك أدنى مقوّمات السلامة من حيث السند أو المضمون.

والأنكى من ذلك، أنّ بعض المقاربات لمثل هذه المسائل لا تأخذ بالمعايير العلميّة المستخدمة في الفقه أو الأصول، بل هي أقرب إلى تفكير غير المختصّين، وبالتالي تجد التنظير لمثل هذه الأساليب، باعتبارها من الشعائر التي جعل الله تعظيمها من تقوى القلوب ـ تارة ـ، أو من المستحبّات الأكيدة التي يُثاب صاحبها ـ مع أنّ هذه القيادات لا تمارس شيئاً منها ـ؛ فضلاً عن كون هذه الأساليب ممّا لم يرد فيه نصّ، ويواجه بعض الإشكالات الفقهيّة، سواء من حيث العناوين الأولية أو العناوين الثانوية ـ كما يعبر في الفقه ـ.

إزاء ذلك، تبدو المشكلة معقّدة، وهي تتطلّب معالجاتٍ على أكثر من مستوى؛ من المعالجة العلميّة في مجالاتها، إلى المعالجة التاريخية في التعريف بالبدايات التاريخية لبعض الممارسات، كالتطبير، بهدف نزع القداسة عنها بالكامل، إلى التأكيد على منافاة هذه الأساليب للمنهج الإسلامي في الإحياء والحركة، وصولاً إلى عدم التراجع أمام اعتبار هذه الممارسات من رواسب التخلّف والجهل، مهما كانت ردّات الفعل؛ والله من وراء القصد.