22 ديسمبر 2010

العلامة السيّد علي فضل الله لـ "الدّار" الكويتية:
لن يجرؤ أحد على جرّ لبنان إلى الفتنة

أكد سماحة العلامة السيّد علي فضل الله في لقاء مع جريدة "الدّار" الكويتيّة، وجود مساعٍ مضادَّة للجهود السّعوديَّة – السّوريَّة، لتأزيم الأوضاع بعد صدور القرار الظنّي عن المحكمة الدَّوليَّة الخاصَّة بمقتل رئيس الوزراء اللّبنانيّ رفيق الحريري، ولكن حتى الآن، لا يزال هناك أمل.

وردّاً على تأكيد التّكفيريّين في لبنان مؤخّراً، تقديم (أجسادهم رخيصةً) لصدِّ حزب الله والمعارضة، رأى سماحته أن لا مصلحة لأحدٍ بجرِّ البلد إلى الفتنة، مشيراً الى ان هناك خشيةً من الموقع المتقدّم لقوّة المقاومة في لبنان، الّتي بات يحسب لها حسابٌ في العالم.

وتحدَّث سماحته في اللّقاء عن الإرث الّذي حمله في المحافظة على مسيرة والده في تنقية التّراث الشّيعيّ، وعدم توريث المرجعيّة وتحويلها إلى مؤسّسات، مشيراً إلى الوصايا الأخيرة لسماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، وفي مقدَّمها القضيّة الفلسطينيّة، الّتي يستطيع المسلمون من خلال دفاعهم عنها، تعليم العالم بأنّ المسلمين لا ينامون على ضيم، وعندها لن يتجرّأ أحد على أخذ موقعٍ من مواقعهم.

الوضع اللّبنانيّ

* بدايةً، سمعنا كلاماً صريحاً حول وجود عراقيل أميركيّة - إسرائيليّة لجهود "س.س". هل هذا يعيد التخوّف من عدم الوصول إلى حلّ قبل صدور القرار الظنّي المرتقب؟

- هناك سعي فعلاً لإجهاض هذه المبادرات، ولا سيّما المبادرة السّعودية ـ السوريّة، ولكن حتّى الآن لا يزال هناك أمل رغم الخوف الّذي أشرت إليه.

الخشية من التّكفيريّين

* ولكن يظلّ هناك تيّاران في لبنان، أحدهما مقاوم، والآخر يسير ضمن الأجندة الأميركيّة، ولا بدّ من انتصار أحدهما. ما تصوّرك للتّداعيات التي ستحصل في ظلّ ظهور ما كان متخوّفاً منه، عبر استغلال التّكفيريّين لهذه الأزمة لتفجير الوضع، وقد سمعنا "داعي الإسلام الشهّال» يقول إنَّ أجسادهم ستكون رخيصةً في سبيل صدّ حزب الله والمعارضة؟

- نحن لا نعتقد أنَّ من مصلحة أحد جرّ البلاد إلى الفتنة، لأنَّها لن ترحم أحداً، وعندما يسقط الهيكل، فسيسقط على رؤوس جميع أبناء البلد. لكن من الطّبيعيّ أن يسعى البعض لكسب مواقع القوّة في مواجهة الآخر، وهناك عمليّة ضغطٍ من جانب، وردّ من الجانب الآخر، ولا نعتقد أنَّ الأمور ستصل إلى الفتنة أو التَّفجيرات الّتي يهدِّد بها البعض، ولا شكّ في أنَّ هناك خشيةً لدى الكثيرين من الموقع المتقدِّم لقوَّة المقاومة الّتي بات يحسب لها حسابٌ في لبنان والعالم.

ولذا لا نعتقد أنَّ هناك من يتجرَّأ على جرِّ البلاد إلى هذه الفتنة بالشَّكل الّذي يؤدّي إلى حرب، والجميع في لبنان باتوا يعرفون أن ليس أمامهم سوى خيار وأد هذه الفتنة، لأنّهم في النّهاية سيجلسون على طاولةٍ مشتركة، ونأمل أن لا يتأخّروا في الوصول إلى حلّ، حتّى يوفّروا على البلد أزماتٍ سياسيّة تلقي بظلالها على الوضع السياسيّ والاقتصاديّ، كما نخشى أن يتدخّل البعض ليعكّر الوضع الأمنيّ.

قرية الغجر

* هل تعتبرون أنّ الحديث عن انسحابٍ إسرائيليّ من قرية الغجر هو مناورة، أم محاولة لسحب البساط من تحت أقدام حزب الله، وتصوير الموقف بأنّ الدّبلوماسيّة تحرّر الأرض؟

- نعتقد أنّ إسرائيل تسعى إلى الإشارة من خلال ذلك بأنّ موقفها إيجابيّ، للتّغطية على جرائمها داخل فلسطين، والسّير قدماً في عمليّة الاستيطان وما يجري للمسجد الأقصى، وهذا ما تعوّدناه من العدوّ، بإعطاء صورةٍ بأنّه يريد الحلّ، فيما الباقون يعرقلون مساعي السّلام، لينفِّذ بعد ذلك مشاريعه كما يريد.

حلف جديد

* كيف تنظرون إلى قيام حلفٍ جديدٍ في الشّرق الأوسط يضمّ إيران - تركيا - سورية - لبنان؟

- نحن دائماً نؤكّد أهميّة توافق الدّول العربيّة والإسلاميّة في مشروعٍ توحيديّ، ونريد أن يكون هذا الحلف جامعاً، وهو ما نريد أن نؤكّده، أنّه لا خيار للعالمين العربيّ والإسلاميّ أمام كلِّ هذه الهجمات الّتي يتعرَّض لها من اتّحادات العالم «أميركا - أوروبّا - روسيا»، لا يمكن أن يواجهوا كلّ ذلك إلا من خلال توحيد الجهود. لذلك ندعو إلى هذا التَّوحّد، وأن لا يشعر المسلمون بالخوف من بعضهم بعضاً، بل أن يتنبَّهوا لأميركا ولكلّ دول الاستكبار الّذين يريدون أن يسقطوا الواقع العربيّ والإسلاميّ وابتزازهما وتهديد ثرواتهما.

حركة الإصلاح

* المرجع الرَّاحل السيِّد محمَّد حسين فضل الله(رض)، مثَّل علامةً بارزةً في إصلاح التّراث الشّيعيّ. هل ستكملون هذه المسيرة مستقبلاً؟

- نحن نشعر بعد وفاة سماحة السيِّد(رض)، أنَّ هناك عملاً متنامياً ووعياً متزايداً في الواقع الشّيعيّ بضرورة تنقية المذهب الشّيعيّ مما ليس فيه، وهذا لا يعدُّ تنازلاً عن بعض ما ورد في الفكر الشّيعيّ، بل على العكس، يعدُّ تأكيداً لهذا الفكر في صفاته ونقائه، ومن المسؤوليّة أن نقوم بذلك، استمراراً للدّور الّذي كان يحرص عليه أهل البيت(ع)، بأن يبقى الإسلام نقيّاً صافياً، ولهذا من الطّبيعيّ أن نشعر بالمسؤوليّة، ولكنَّها مسؤوليّة الجميع أيضاً، ونعتقد أنَّ هناك عملاً مستمرّاً في هذا الاتجاه، وسنرى آثاره في الواقع إن شاء الله.

المرجعيّة المؤسّسة

* للسيّد فضل الله(رض) فكر يوازي فكر الشَّهيد الصَّدر في تحويل المرجعيّة إلى مؤسّسة. هل ستسعون إلى هذا الهدف بعد وفاة والدكم؟

- سماحة السيِّد قدَّم طرحاً متقدِّماً حول هذه المسألة، بحيث لا تنتهي أعمال المرجعيَّة بوفاة المرجع، ويمكن في هذا المجال دراسة نموذج الفاتيكان، قد لا تكون الصّورة كما هي في «الفاتيكان» الّذي يموت فيه «بابا» ويأتي «بابا» جديد، ولكن المؤسَّسات التَّابعة تبقى مستمرّةً من بعده، ولا تتحوَّل إلى إرثٍ شخصيّ. فالسيِّد(رض) كان يدعو إلى أن يلتقي المراجع، وتكون لهم مؤسَّسة جامعة لهم، وبعدها يعيّنون أحدهم ليكون هو الواجهة والنَّاطق الرّسميّ باسمها، وأن تكون كلّ أعمال المراجع تابعةً لهذه المؤسَّسة. أمّا المال، فينبغي أن يكون مالها، حتَّى يسهم في تعزيز الواقع الإسلاميّ والشّيعيّ بشكلٍ خاصّ، وأن يكون هناك دراسات للعمل حسب الأولويَّات، وهذا ما نطمح إليه.

لا توريث للمرجعيّة

* هل هذا يفسّر عدم توريث مرجعيّة السيّد فضل الله؟ وهل كانت هناك وصيّة بذلك من سماحته قبل وفاته؟

- على مستوى المرجعيَّة، لم يوص سماحته بهذا الأمر، فالمرجعيَّة لا تورَّث، كما العلم لا يورَّث، إلا إذا استطاع الإنسان أن يصل بعلمه إلى مستوى المرجعيَّة. أمَّا فيما يتعلّق بمرجعيَّة سماحة السيّد(رض)، فقد بقي الكثير من النّاس على تقليدهم له، وهو ما تنصّ عليه الفتاوى بجواز تقليد الميت، أمَّا في المسائل المستحدثة، فلا بدَّ من الرّجوع إلى مرجع حيّ، مع أنّنا نعتقد أنّ من يقلّد سماحة الوالد، لن يرى فراغاً في الأحكام الشّرعيّة، نظراً إلى غزارة الإنتاج عنده، وإجاباته عن الكثير من المسائل في رسالته العمليّة.

آخر وصاياه

* ماذا كانت آخر وصايا سماحته عندما التقيت به ورأيته لآخر مرّة؟

- كانت وصيّته تأكيد قوّة المسجد والمحافظة على دوره، وكذلك تأكيد الوحدة الإسلاميّة في فكرها وقوَّتها في مواجهة التحدّيات. ومن الوصايا الّتي أشار إليها القضيَّة الفلسطينيّة الّتي كان يعتبرها أمّ القضايا، لأنَّه إذا سمح لها العرب والمسلمون بالسّقوط فستسقط بلدانهم، وإذا حفظوها، فسيعلّمون العالم درساً بأنّ المسلمين لا ينامون على ضيم، ولن يتجرّأ عندها أحد على أخذ أيِّ موقعٍ من مواقعهم.

* ماذا لمست من خلال لقائك بالجالية اللّبنانيَّة في الكويت؟ وهل شعرت بأنَّ هناك تخوّفاً لديهم على مستقبل بلدهم؟

- نشعر بالاعتزاز لحيويَّة اللّبنانيّين الموجودين في الكويت، وشعورهم بالمسؤوليَّة تجاه هذا البلد الّذي يقيمون فيه، وقد رأينا أنَّهم يحرصون على أمنه وقوَّته، ويسعون في مواقعهم إلى أن يخدموه في اقتصاده، ووجدنا هذا التَّأكيد على ذلك منهم، وشعرنا بأنهم يخافون على بلدهم لبنان، وأكَّدنا لهم أنّ عليهم الاطمئنان بأنّه لن تكون هناك فتنة، رغم واقع لبنان اللامستقرّ، وسيكونون أقوياء لمواجهة ما يحاك لهم. ولا بدَّ من شكر الكويت لاستضافتها إيّاهم، وتأمينها حرّيّة العمل لهم، كما نشكرها حكومةً وشعباً على ما تقدّمه من خدماتٍ جليلةٍ في مواقع مختلفة في العالمين العربيّ والإسلاميّ، وما قدّمته للبنان خصوصاً، ودورها إبّان حرب تموز في المساهمة في إعمار ما هدّمته آلة الحرب الإسرائيليّة.

وتبقى الكويت بلد عطاء وخير، وصمّام أمان للعرب والمسلمين.

علاقة لبنان بمصر

* ماذا عن العلاقة بين لبنان ومصر..؟

ـ مصر تعتبر قلب العروبة، ومن الضّروريّ فتح آفاق التّحاور معها ومع كافّة دول العالم الإسلاميّ، من منطلق أنّنا كلّنا على قاعدة واحدة، ويجمعنا جميعاً الإسلام.

محمود بعلبكي

التاريخ: 8 محرّم 1432 هـ الموافق: 14/12/2010 م

ليست هناك تعليقات: