21 ديسمبر 2010

عظمة إسلامنا!

كلّما تعمّقنا بإسلامنا أكثر، كلّما شعرنا بعظيم المنّة الإلهيّة، أن جعلنا معاصرين للزمن الذي بدأ مسيرته رسول الله محمّد (ص)، وكلّما أدركنا حجم الخسارة التي نخسرها ونحن بعيدين عن منهله، وعن معينه العذب؛ وتمثّل في ذلك أمامنا قول الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات:17].

ذلك أنّنا أمام دين لا تنفصل فيه الروح عن المادّة، وبالتالي لا تنفصل فيه القيم الروحيّة عن الحياة في أدنى مفرداتها؛ فلا يعيش الإنسان الازدواجيّة بين حياته الدينية وبين حياته العامّة.

تستطيع أن ترتفع في آفاق الروح وأنت تلتذّ بمأكلك ومشربك، وأنت تلبس أجمل الثياب وأفخرها، وأنت تسكن أفخم البيوت، وتجني أكبر الأرباح في كسبك وتجارتك، وذلك عندما تستشعر في نفسك أنّ كلّ ما أنت فيه هو نعمة منحها الله لك، وهو قادرٌ على الذهاب بها، فلا يقودك ذلك إلى زهوٍ فارغ، ولا خيلاء جوفاء، ولا كبرياء خالية، كما قال قارون عندما قيل له أن يشكر ولا يتكبّر، وأن يستعمل النعمة في خطّ المسؤوليّة: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي). ويأتيه البيان الحقّ: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)[القصص:78].

المادّة ليست لديك إلا وسيلة عيش، ويُمكن لك أن تعيش تجاهها كلّ بشريّتك؛ لكنّ الدين هو الذي يقول لك: لا تأسرْ روحَك كلُّ زخارف الدنيا، ولا تنغمس في شهواتها وملذّاتها إلى الحدّ الذي تنسى فيه ربّك ومسؤوليّتك، بل تبقى متوازناً إذا أقبلت الدنيا عليك، ولم تسقط إذا أدبرت عنك؛ كما قال تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)[الحديد:23]. وبذلك لست بحاجة إلى الهروب عن الحياة، بحلوها ومرّها، بيُسرها وعُسرها، وعن صراعاتها ومشاكلها؛ بل أنت في كلّ ذلك تُمارس إيمانك، في القول الذي تقوله، وفي الموقف الذي تقفه، وفي الحركة التي تتحرّكها؛ لأنّ الله في كلّ ذلك ووراءه ومعه.

الإسلام هو دين الحياة، يغلّفها بقيم الروح حتّى لا تجمّد المادّة الإنسان وتشدّه إلى الأرض حيث بإمكانه أن يخترق حجب السماوات العُلى، وحتّى لا تسجنه شهوةٌ فلا يعود يملك أمامها إرادةً وهو الذي بإمكانه أن يُزيل الجبال ولا يزول.

وعندما نقول إنّه دين الحياة، فليس معنى ذلك أن نكيّفه مع الحياة كيفما كان، فيذوب ـ حينئذٍ ـ مع كلّ تيّار ومع كلّ انحراف؛ بل إنّ الله جعله للحياة؛ لأنّه لا معنى لدينٍ لا يملك القدرة على مواكبة الحياة، ويفرض على أتباعه أن ينعزلوا عنها في مجتمعاتٍ خاصّة، أو في مغاراتٍ نائية، أو في صوامع تغيب معها أبعاد الإنسان المتنوّعة التي على أساسها استحقّ أن يكون خليفة الله في أرضه؛ وفهمُ الدِّين لا بدّ أن يتحرّك بروحيّة منفتحة على الحياة؛ ليُنتج للحياة دينها الذي يوجّهها ويوجّه إنسانها، ولا يصوغ للإنسان دينه الذي يعزله عن الحياة؛ والله من وراء القصد.


ليست هناك تعليقات: