11 ديسمبر 2010

نسمو بالحسين (ع)


ها نحن نقترب إلى الذروة في حضور عاشوراء في وجداننا..

يُسرع إلينا العاشر من محرّم الحرام. ذلك اليوم الذي استحلّت فيه حرُمات الله.. ذلك اليوم الذي خشعت فيه السماوات، وتزلزلت فيه الأرضون، لجرأة الإنسان على الحقّ، يُذبح على خشبة الأطماع والشهوات وحبّ الدنيا.. ذلك الحقّ الذي تجسّد في الحسين (ع)، فكان فكرُه يتحرّك بالحقّ، وكانت روحه تنبض بالحقّ، وكانت مواقفه مواقف الحقّ، ولسانه كان لا ينطق بالحقّ، وفعله صورةً من صور الحقّ المتحرّك في الحياة..

لم يكن في ذلك اليوم نفسٌ أرحم وأحنّ من نفس الحسين (ع).. وأيّ رحمةٍ أكبر من تلك التي تحنو على أعدائها، لتحزن عليهم لأنّهم أسلموا زمامهم للشيطان، وأنّهم سيدخلون النار بسبب قتلهم إيّاه؟!

ولكنّ الحقّ غريبٌ عن كلّ واقع هؤلاء الوحوش، والرحمة لغةٌ لا تفهمها نفوسهم.. لقد مال هؤلاء على جسد الحسين (ع) بكلّ أحقادهم؛ هذا يرميه بسهم، وذاك يطعنه برمح، وذلك يجرحه بالسيف.. وكأنّهم يُخمدون كلّ صوتٍ للحقّ حتى لا يفضح باطلهم، ويُسكتون كلّ وخزٍ للضمير حتّى لا يقضّ مضاجعهم.. لأنّ لصوت الحقّ ضجيجاً يطنّ آذانهم حتّى مالوا على الحسين بأبشع صور الحقد الأعمى، وهم في الحقيقة إنّما يقتلون أنفسهم، ويميتون ضمائرهم، ويسحقون بخيولهم كلّ مصيرهم حينما يفدون يوم القيام على الله وأيديهم ملطّخة بأزكى دمٍ، وقد كُتب على جبين كلّ واحدٍ منهم: آيسٌ من رحمة الله.

هكذا نستعيد طهارة موقف الحسين (ع)، لنغسل به كلّ أدران أحقادنا.. وهكذا يتلو علينا الحسين (ع) كتاب الحقّ، ونبراس العدل.. وهكذا نرنو إلى الحسين يسمو على اكلّ جراحات السيوف، وكلّ آلام الجسد، لتغرق الروح في ضياء الحبّ الإلهيّ، لتُشرق على كلّ الزمان والمكان، روحاً تحدو للسائرين في طريق ذات الشوكة، وتوجّه السالكين دروب الجهاد، وتؤكّد الحقّ والعدل في مواقع الصراع مع الباطل والظلم..

هكذا نستعيد الحسين، لنسمو بالحسين، ونرتقي بالحسين في إسلامنا الذي نحرّكه في أنفسنا في عروجنا إلى الله، في عمق الحياة وفي قلب الصراع؛ والله من وراء القصد.


ليست هناك تعليقات: