11 ديسمبر 2010

التطبير؛ المشكلة،ووجهة العلاج

لا تزال مسألة التطبير (ضرب الرؤوس بالسيوف) مثاراً لجدلٍ غير مبرّر في أوساط المنتمين لخطّ أهل البيت (ع)، بين القول بحرمة هذا العمل، إمّا لحرمة الإضرار بالنفس أو لكونه تشويهاً للإسلام والمذهب، وبين من يقول بأنّه من الشعائر التي اعتبر الله تعظيمها من تقوى القلوب.

ونحن لن نناقش المسألة من هذه الزاوية؛ لأنّ الجدل يكاد يكون عقيماً إذا انطلقنا لنعالج الموضوع فقهيّاً فقط، أو من زاوية تشخيص ما هو المسيء من الأفعال والممارسات للإسلام أو للذكرى ولأهل البيت (ع)؛ لأنّ الموضوع بحدّ ذاته متشعّب الأسباب معقّد؛ لأنّه يتصل بعوامل عديدة تلقي بظلالها حتّى على نمط التفكير نفسه.

قد تبدو المشكلة الأساس في مسألة التطبير عند مستويين:

الأوّل: مستوى الذهنيّة الشعبيّة التي تسحب قداسة الذكرى على أساليب إحيائها حتّى لو كانت هذه الأساليب غير مقدّسة في ذاتها أو في مناشئها، بل حتّى لو اصطدمت ببعض القواعد الأساسيّة للشريعة أو للعقيدة أو للفكر الإسلامي. وعند هذا المستوى ستغدو أيّ مناقشة لأساليب الإحياء مناقشةً للذكرى نفسها، مهما كانت المنطلقات علميّة وموضوعيّة، ومهما كانت النيّات صادقة. وهذا الأمر غير صحيح؛ لأنّ إحياء عاشوراء القضيّة والذكرى والعاطفة هي مسألة غير قابلة للمناقشة؛ ولكنّ الأساليب تختلف وتتطور عبر الزمن، وقد تكون منسجمة مع الذكرى وقد لا تكون..

الثاني: مستوى القيادات الإسلاميّة التي باتت تحذر من سخط الجماهير، بل من سخط تفترضه في الجماهير، والتي تنتظر في الحقيقة موقفاً واضحاً من القيادة لتتحرك.. حتّى باتت بعض هذه القيادات تستخدم التقيّة في كيفيّة تعبيرها عن رأيها إذا ما سُئلت عن الموضوع، علماً أنّ طبيعة الموقف تعطّل أيّ مبادرة لدى هذه القيادات في التصدّي لهذه الأشكال.. وأحياناً ما نجد هنا اتجاهاً تبريريّاً لما هو الممارس لدى العامّة من الناس، ولو تمسّكاً برواية لا تمتلك أدنى مقوّمات السلامة من حيث السند أو المضمون.

والأنكى من ذلك، أنّ بعض المقاربات لمثل هذه المسائل لا تأخذ بالمعايير العلميّة المستخدمة في الفقه أو الأصول، بل هي أقرب إلى تفكير غير المختصّين، وبالتالي تجد التنظير لمثل هذه الأساليب، باعتبارها من الشعائر التي جعل الله تعظيمها من تقوى القلوب ـ تارة ـ، أو من المستحبّات الأكيدة التي يُثاب صاحبها ـ مع أنّ هذه القيادات لا تمارس شيئاً منها ـ؛ فضلاً عن كون هذه الأساليب ممّا لم يرد فيه نصّ، ويواجه بعض الإشكالات الفقهيّة، سواء من حيث العناوين الأولية أو العناوين الثانوية ـ كما يعبر في الفقه ـ.

إزاء ذلك، تبدو المشكلة معقّدة، وهي تتطلّب معالجاتٍ على أكثر من مستوى؛ من المعالجة العلميّة في مجالاتها، إلى المعالجة التاريخية في التعريف بالبدايات التاريخية لبعض الممارسات، كالتطبير، بهدف نزع القداسة عنها بالكامل، إلى التأكيد على منافاة هذه الأساليب للمنهج الإسلامي في الإحياء والحركة، وصولاً إلى عدم التراجع أمام اعتبار هذه الممارسات من رواسب التخلّف والجهل، مهما كانت ردّات الفعل؛ والله من وراء القصد.


ليست هناك تعليقات: