11 ديسمبر 2010

التطبير؛ الوجهة الفقهية للبحث


لا تزال مسألة التطبير مثاراً لجدلٍ غير مبرّر في أوساط المنتمين لخطّ أهل البيت (ع)، بين القول بحرمة هذا العمل، إمّا لحرمة الإضرار بالنفس أو لكونه تشويهاً للإسلام والمذهب، وبين من يقول بأنّه من الشعائر التي اعتبر الله تعظيمها من تقوى القلوب.

وبالرغم من ذلك، فإنّ الجدل يكاد يكون بلا مبرّر، وذلك لعدّة أسباب:

أوّلاً: ليس من شكٍّ أنّ التطبير أذيّة للنفس، وأذيّة بالغة في بعض الأحيان، ومن يذهب إلى حُرمة الإضرار بالنفس لا بدّ له من أن يلتزم بحرمة فعل التطبير، مطلقاً في حال حرمة الإضرار مطلقاً، أو إذا تسبّب بضرر بالغ إذا حرّمنا الإضرار البالغ لا مطلقاً. وبذلك لا يُمكن أن يكون الفعل المحرّم من شعائر الله؛ لأنّ الله تعالى لم يجعل الحرام شعيرة. مع أنّ ثمّة وجهة نظر ـ كان يتبنّاها السيّد الخوئي (ره) ـ تقول إنّ الشعيرة لا بدّ أن يرد فيها تشريع من المولى، ولم يرد أنّ التطبير من الشعائر؛ بل هو من المبتدعات المتأخّرة.

ثانياً: قد يقول قائل: أيّاً كان المبنى في حرمة الإضرار بالنفس، فإنّه إذا دار الأمر بين أهمٍّ ومهمٍّ، فإن العقل يحكم بتقديم الأهمّ على المهمّ، وإحياء أمر أهل البيت (ع) أهمّ من النفس، فيكون ارتكاب الضرر لأجل ذلك راجحاً عقلاً، ويُمكن حينئذٍ أن يدخل في إطار الشعائر.. إلا أنّ ذلك لا يفيد بعد أن كان التطبير يوجب التوهين للإسلام في أعين الناس، ولا سيّما عندما تدخل مسألة التطبير في ممارسات لا يملك الإنسان الحقّ فيها، كنذر تطبير الطفل، حيث يحرم إيذاء الطفل في مثل هذه الحالة، وبالتالي لا يكون التطبير لأجل إحياء لأمر أهل البيت (ع)، بل العكس هو الصحيح. وهذا ما أجاب به السيّد الخوئي (ره) في جواب على سؤال هذا نصّه مع الجواب: "سألناكم عن جواز ضرب السلاسل والتطبير، فأجبتم بأنّه لا يجوز في ما إذا أوجب ضرراً معتداً به، أو استلزم الهتك والتوهين، فما معنى جوابكم تفصيلاً؟ الجواب: الضرر المعتدّ به هو الذي لا يتسامح بالوقوع فيه، كهلاك النفس المشابه لمثله، والآخران (أي الهتك والتوهين) ما يوجب الذل والهوان للمذهب في نظر العرف السائد؛ والله العالم" [صراط النجاة، ج2، ص446]

ثالثاً: بغضّ النظر عمّا تقدّم، فإنّ وسائل التعبير لا بدّ لها من أن تخضع للتقييم من حيث انسجامها مع القواعد الفكريّة للخطّ والدِّين والمذهب، ولم يُعهد من الإسلام إقحام النفس في ممارسات عنيفة؛ بل العكس هو الصحيح، وهذا ما يُشير إليه نفي الضرر والحرج في التشريع، بحيث لم يجعل الشرع أيّ حُكم ضرريّ على الإنسان، فلو كان يستلزم حُكمٌ معيّن الضرر فإنّ ذلك الحكم يتجمّد، وكذلك في صورة استلزامه الحرج.. وهذا يعني أنّ الوجهة العامّة للتشريع هو على خلاف الوجهة التي يقتضيها التطبير وسائر الممارسات العنفيّة، كضرب الظهور واللطم العنيف وما إلى ذلك.


ليست هناك تعليقات: