30 سبتمبر 2010


العلامة السيِّد علي فضل الله لـ"السِّياسة" الكويتيَّة:
هناك سعيٌ لإغراق العالمين العربيّ والإسلاميّ بالفتنة السنّيّة - الشّيعيّة ولا ضربة لإيران


أكَّد العلامة السيِّد علي فضل الله، نجل المرجع الدّينيّ الإسلاميّ الرّاحل، السيد محمد حسين فضل الله، أنّه لم يطرح نفسه كمرجعيّةٍ على المستوى الدّينيّ، وأنّه حريصٌ على أن يبقى بيته مفتوحاً للحوار ولتقبّل النّصح ومساعدة النّاس، لأنّ هذا هو النّهج الصّحيح للإسلام الّذي يريده العالم.

السيِّد فضل الله، وفي حوارٍ أجرته معه "السّياسة" عشيَّة زيارته الكويت، رأى أنَّ المنطقة تواجه تحدّياتٍ كبيرة، بدءاً من محاولة إسقاط القضيَّة الفلسطينيَّة، إلى التَّحضير لأجواء الفتنة المذهبيَّة السنيَّة والشيعيَّة، بقصد الإساءة إلى الإسلام وصورته، داعياً العالمين العربيّ والإسلاميّ إلى تفهّم ما يجري من حولهما ووضع الأولويات لتجاوزه، وقال إنّه ليس متشائماً لما يجري، معترفاً بوجود نقاط ضعفٍ يحاول الأعداء النّفاذ منها، ولكن في المقابل، هناك نقاط ضوء يجب الاستفادة منها.

كما دعا السيّد علي فضل الله اللّبنانيّين إلى التنبّه إلى ما يخطّط لهم، وإن كانوا في نهاية الأمر محكومين بالتّوافق عاجلاً أو آجلاً. وقال إنَّ اتّفاق الدّوحة خير دليلٍ على عودتهم إلى الحوار بعد كلّ الّذي جرى بينهم، كاشفاً أنَّ هناك من يريد من الدّخان اللّبنانيّ أن يغطّي على ما يجري في المنطقة.

وهذا نصّ الحوار:

المرجعيَّة والتَّقليد

*بعد غياب والدكم، سماحة المرجع الشّيعيّ السيّد محمد حسين فضل الله، كيف انتقلت المهمّات والمسؤوليّات الّتي كان يضطلع بها إليكم، وهل جرى تقليدكم بحسب أعراف الشّريعة، أم ماذا؟

ـ لقد تابعت مع المرحوم الوالد طوال حياته كلّ ما كان يقوم به من مسؤوليّات، كنت فيها دائماً إلى جانبه، في تسيير الأمور في لبنان وخارجه، كما لازمته طيلة فترة مرضه، متابعاً جميع القضايا، وفي الوقت نفسه، كنت معه في صلاة الجمعة، وكنت أواظب على الحضور إلى المسجد، بعد أن تعذّر عليه ذلك بسبب المرض، وكنت أمثّله في جميع المناسبات، في لبنان وخارجه، أو في المؤتمرات الّتي كان يفترض حضوره فيها.

هذا الاستمرار في المتابعة، هو استمرار طبيعيّ بالنّسبة إليّ. أمّا في ما يتعلّق بموضوع المرجعيّة، فأنا لم أطرح نفسي كمرجعيّةٍ على المستوى الدّينيّ، وإن كان من الطّبيعيّ لكلّ إنسانٍ يشتغل في المجال الدّينيّ، وله حضوره المعنويّ في هذا المجال، أن يطمح ليكون في موقع المرجعيَّة. ولكنّ هذا الأمر ليس مطروحاً الآن. وفي النّهاية، الإنسان يقدّم نظرته في القضايا الفقهيّة، والنّاس هي الّتي تحكم على هذا الجانب، هل تقلّد أو لا تقلّد.

لأمر مرهون بالمستقبل، ولكنّه ليس مطروحاً الآن، ولست بوارد أن أطرح نفسي كمرجعيّة، مع العلم أنّ لديّ مشاركاتي في الجانب الفقهيّ، وقد كتبت أول تقريرات أبحاث سماحة السيد الفقهية.

أمّا على مستوى المؤسّسات، فلقد كان لي دوري بالمشاركة فيها، وكنت أشغل صفة نائب الرّئيس، أي أنّي كنت نائباً للسيّد في جميع المؤسّسات، كما كنت رئيساً لجمعيّة المبرّات الخيرية، ورئيساً لجمعيّاتٍ أخرى، وأنا أتابع المسؤوليّة في هذا الإطار.

بالتَّأكيد، نحن حريصون على أن يبقى هذا البيت مفتوحاً.. أن يبقى بيتاً للحوار، ولتقبّل النّصح، ومساعدة النَّاس في احتياجاتهم، وفي الإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم بقلبٍ مفتوح، وبالأسلوب نفسه الّذي اتّبعه سماحته، لأنّ هذا هو نهج الإسلام الّذي يريده العالم.

الفتنة المذهبيَّة

*لقد كان للسيِّد فضل الله قراءة متنوِّرة لما يدور حولنا في المنطقة، كيف ترى الصّورة الآن؟ وما مدى انعكاسها على لبنان في ظلِّ التّوتّر القائم؟

ـ المنطقة الآن تواجه تحدِّياتٍ كبيرة، ولا سيَّما على مستوى القضيَّة الفلسطينيَّة، والعمل على إسقاط هذه القضيَّة وإدخالها في المتاهات. ومع الأسف، هناك استفادة من التّناقضات الموجودة في الشّارع العربيّ، على مستوى علاقة الدّول العربيّة بعضها مع بعض، الّتي هي علاقة غير مبنيَّة على مستوى التَّعاون في القضايا الّتي تجري في المنطقة، وإنّما على الصّراع الّذي يظهر في المحاور الموجودة في العالم العربيّ والإسلاميّ، إضافةً إلى أجواء الفتنة السنّيّة - الشّيعيّة الّتي يُراد للعالم العربيّ أن يغرق فيها، إلى جانب الفتن الكثيرة الّتي يُراد لها أن تحصل في لبنان، أو في مصر، أو في العالم الإسلاميّ. هناك سعيٌ لإشغال العالمين العربيّ والإسلاميّ بعضهما ببعض، حتَّى نغفل عن مواجهة التحدِّيات الّتي تؤدِّي إلى الفتنة، أو إلى ما يُساء إلى الإسلام وصورة الإسلام، واعتباره داعية عنفٍ وذبحٍ وقتلٍ، أو في ما يواجه المنطقة من التحدّيات المتأتّية من الوضع الفلسطينيّ أو غير ذلك.

لذلك، نحن ندعو العالم العربيَّ والإسلاميَّ ليفهم ماذا يجري من حوله، ويضع الأولويَّات لتجاوزها. من الطّبيعيّ أن تحصل الخلافات السياسيّة، ولكن علينا أن نبرّد هذه الخلافات، وننطلق من الصّورة الّتي انطلق منها الإمام عليّ(ع)، ونفكّر بما يجري من حولنا في ما يرسم للمنطقة ولقضيّة فلسطين بشكلٍ خاصّ.

نحن لا ننظر بتشاؤم إلى ما يجري في المنطقة، ونعتقد أنَّ هناك نقاط ضعفٍ في العالمين العربيّ والإسلاميّ بدأنا نلمسها، لكنَّ هناك سعياً من قبل المسؤولين في هذه الدّول لتفويت الفتنة السنّيّة - الشيعيّة أكثر من السّابق، وهناك نقاط ضوءٍ موجودة، لكن لا بدَّ من الاستفادة منها.

أجواء التوتّر في لبنان

*شهد لبنان في الأسابيع الماضية توتّراً كاد يؤدّي إلى الفتنة، على خلفيّة ما جرى في برج أبي حيدر، نتيجة المواقف المتشنّجة، إلى درجة أشعرت النّاس بخطر حدوث فتنةٍ مذهبيّةٍ في البلد. ما وصيّتك للّبنانيّين في ظلّ هذه الأجواء، وماذا تقول لهم بعد الّذي جرى؟

ـ على اللّبنانيّين ألَّا يحوّلوا المشكلات الّتي تحصل إلى فتنة، لأنّ المشكلات تحصل باستمرار، وليس بالضّرورة أن نسبغ عليها طابع الفتنة المذهبيّة والطّائفيّة. يجب أن نضع الأمور بحدودها، ولا نعطيها أكبر من حجمها، أن نلتفت دائماً إلى أنَّ كلماتنا مسؤوليَّة. وندعو اللّبنانيّين إلى أن يكونوا بمستوى الوعي، وألا يسمحوا للفتنة أن تظهر. في الواقع، لقد جرَّب اللّبنانيّون الفتن الطّائفيّة والمذهبيّة الّتي أرهقت البلد، وجعلته يعاني مشكلاتٍ اقتصاديّةً هي نتاج كلِّ الحروب والفتن. وهناك نوعٌ من الإساءة في إدارة الوضع الاقتصاديّ في بعض الحالات. في النِّهاية، قدر هذا البلد أن يتجاوز التحديات المتجددة، واللّبنانيون محكومون بالتَّوافق، وهم سيتوافقون عاجلاً أو آجلاً، لذا عليهم أن يوفِّروا على أنفسهم الفتنة، وأن يجلسوا مع بعضهم البعض، وعليهم أن لا يسمحوا للفتنة أن تدخل في واقعهم، وعليهم دائماً أن يتنبّهوا إلى أنَّ الفتن في لبنان ليست على حساب اللّبنانيِّين، وإذا ما حصلت، فهناك فتنةٌ سيستفيد منها هذا أو ذاك، لأنَّ الآخرين يريدون للدّخان اللّبنانيّ أن يغطِّي على ما يجري في المنطقة، وأن يسوّق لما يُراد له أن يحصل على مستوى المنطقة. فعلى اللّبنانيِّين أن يكونوا واعين لما يخطِّط لهم، ونعتقد أنَّهم أصبحوا أكثر وعياً وأكثر مسؤوليَّةً في هذا الإطار، نحن لا نشعر الآن، حتّى في الأجواء الّتي تصاعدت مؤخّراً، بأنّ الفتنة ستحصل، لأنّ لبنان محكوم بضوابط، وبالتّالي، لا مجال لتحقيق الفتنة في لبنان، وليس من أحدٍ له مصلحة بفتنةٍ مذهبيّة.

الكويت قطعت الطَّريق على الفتنة

* سماحتكم بصدد القيام بزيارة لدولة الكويت، كيف تنظرون إلى الأوضاع في هذا البلد؟ وما تعليقكم على الأحداث المذهبيَّة الّتي حصلت مؤخَّراً؟ً وهل أنتم مرتاحون لطريقة معالجتها؟

ـ نحن دائماً نقدِّر حيويَّة الكويت، وحيويَّة مسؤوليها وشعبها، ونرى دائماً أنَّ هذا الأمر يمثّل صورةً وأنموذجاً يُحتذى في المنطقة. فمن يشاهد البرلمان الكويتيّ، يجد حيويّةً غير موجودة في بعض دول الخليج، قد تكون هناك بعض الحريَّات في هذه الدّول، لكن ليس كما هي في الكويت، فالتطوّر الموجود داخل الكويت، يعكس الحيويَّة الموجودة عند الشَّعب الكويتيّ.

وما يجب الإشادة به، هي هذه المسؤوليَّة الّتي تقوم بها الكويت تجاه الفقراء والأيتام، وحبّها لأعمال الخير، مما قد يكون موجوداً عند بعض دول الخليج، ولكن ليس بالمستوى الموجود عند الكويتيِّين. هذا طبعاً يشعرنا بالاعتزاز الكبير، وبهذه الحكمة لدى القيادة الكويتيَّة، بدءاً من سموِّ أمير الكويت الشَّيخ صباح الأحمد الصَّباح، الّذي برز بشكلٍ واضح في المرحلة الأخيرة بحكمته في إدارة الواقع في الكويت، وعدم السَّماح للتوتّرات الَّتي قد يسعى البعض إليها، حفاظاً على وحدة الشَّعب الكويتيّ، ولا سيَّما عندما أمسك بزمام الأمر، ومنع الفتنة الّتي كنّا نخشى من تفاقمها، لأنّنا كنّا نعتقد أنّ ما حدث كان أمراً خطيراً، فيه إساءة إلى رسول الله، وإلى القرآن الكريم، كما أنَّ فيه إساءةً إلى زوجات رسول الله(ص) وصحابته.

وقد بدا الشَّعب الكويتيّ واعياً وصلباً في حرصه على وحدته، وعدم السَّماح للَّذين يريدون أن يصطادوا في الماء العكر، وبالتَّالي، فإنَّه فوَّت الفتنة الّتي كان يُراد لها أن تسوَّق، ليس في الكويت فحسب، بل على مستوى الخليج والمنطقة، ودائماً نحن ننتظر المزيد من الكويت ومن حكومتها وشعبها.

لا ضربة لإيران

* يزداد الحديث عن ضربةٍ متوقّعةٍ ضدَّ إيران، هل يساورك مثل هذا الشّعور، وكيف تستطيع إيران تجاوز الحصار المفروض عليها؟

لا أعتقد أنّ هناك ضربةً قادمة ضدَّ إيران، هناك ضغط عليها، وسعي جادّ لزيادة هذا الضّغط. وأعتقد أنّ الحكومة والقيادة الإيرانيّتين، عندهما من الوعي ما يجعلهما تعرفان كيف تتجاوزان ما يُراد له إضعاف إيران ودورها، كما أنّ إيران أيضاً سوف تتجاوز كلّ ما يمكن أن يتحوّل إلى مشكلةٍ بينها وبين جيرانها في المنطقة، والإيرانيّون يملكون القدرة على عدم الرّضوخ للضّغوط، وأيضاً يملكون الحكمة بأن لا يسمحوا للضّغوط بأن تستمرّ عليهم، ولهذا نراهم يديرون الأمور بطريقةٍ لا تحدث مشكلاتٍ مع جيرانهم الخليجيّين.

حاوره: صبحي الدّبيسي

جريدة "السياسة"

التاريخ: 20 شوّال 1431 هـ الموافق: 28/09/2010 م


ليست هناك تعليقات: