15 سبتمبر 2010

الفتنة المذهبيّة هي وجهٌ من وجوه الحملات السّاعية لإحراق القرآن
السيّد علي فضل الله: للقيام بمبادراتٍ إسلاميّة لتكريس الوحدة ومنع الانقسام


حذَّر العلامة السيِّد علي فضل الله، من أنَّ الإدارات الغربيَّة ليست ببعيدة عن حملات التّشويه، ومحاولات الهدم الجارية المستهدفة للجسم الإسلاميّ والمفاهيم الإسلاميّة.

ودعا سماحته إلى القيام بمبادراتٍ إسلاميّةٍ مضادَّة يُعمَل فيها على احتضان القرآن الكريم، في سياق التزامٍ إسلاميّ جماعيّ به وبمفاهيمه، وخصوصاً لجهة تأكيد وحدة المسلمين وتماسكهم واعتصامهم بحبل الله جميعاً، مشدّداً على أنّ الفتنة المذهبيّة في الواقع الإسلاميّ هي الوجه الآخر من وجوه الحملات السّاعية لإحراق القرآن الكريم والواقع الإسلاميّ كلّه، مشيراً إلى أنّ تفشّي مفاهيم الخرافة والغلوّ في هذا الموقع، هو أكبر هديّة تُقدّم للمستكبرين ولمن يعتدي على القرآن.

أدلى سماحته بتصريحٍ تناول فيه الحملات الغربيّة الأخيرة ضدّ الإسلام والقرآن، وجاء في تصريحه:

يتعرّض الإسلام في هذه المرحلة لواحدةٍ من أبشع الحملات وأوسعها وأخطرها، وتدخل الحرب عليه طوراً جديداً من أطوار التّشويه والتّشويش ومحاولة الهدم، والّتي تتعاون وتتظافر فيها جهود عددٍ كبيرٍ من الأجهزة الإعلاميّة والسياسيّة والاستخباريّة الغربيّة، في سياق محاولاتٍ جديدةٍ تستهدف بنيته المفاهيميّة وصورته الحضاريّة، لقطع الطّريق على كلّ عمليّات التحوّل نحوه، والّتي شهدنا نماذج كثيرة لها في قلب المجتمع الغربيّ، ولدفع المسلمين إلى التخلّي عن إسلامهم والتزاماتهم، والانجراف خارج سرب قيمهم ومفاهيمهم الّتي ركّزها القرآن الكريم، وأكّدها الرسول الأكرم(ص) والصّفوة الطيّبة من أهل بيته الكرام(ع) والصّحابة الطيّبون، وكلّ أولئك الأحرار الّذين عملوا على حماية المسيرة الإسلاميّة منذ نزل القرآن على محمّد(ص).

إنّ الإدارات الغربيّة الرّسميّة ليست ببعيدة عن حملات التّشويه ومحاولات الهدم الجارية والمستهدفة للمفاهيم الإسلاميّة والجسم الإسلاميّ، وبالتّالي، فلا يمكنها أن تدّعي أنّها تحارب ما تسمّيه الإرهاب، لأنّها لا تجد فرصةً أو مناسبةً لذلك إلا وتعمل على استثمارها واستغلالها إلى أبعد الحدود، ولذلك رأينا المستشارة الألمانيّة (ميركل)، تعمل على تكريم صاحب الرّسوم المسيئة إلى النبيّ(ص)، في تحدّ لمشاعر مئات الملايين المسلمين، كما رأينا أنّ الاستغلال الإعلاميّ والسياسيّ لدعوة القسّ الأمريكيّ لإحراق نسخٍ من القرآن الكريم، جعل العمليّة تحقّق الكثير من أهدافها الخبيثة، في سياق السّعي الإعلاميّ الغربيّ الموجّه للتّأكيد بأنّ القرآن هو المسؤول عن عمليّات القتل والإرهاب الّتي شهدها العالم مؤخّراً، لا سياسات الاستكبار العالميّ وعمليات التحريف التي يتعرّض لها القرآن نفسه من داخل السّاحة الإسلاميّة وخارجها.

لقد أظهرت طريقة التعاطي التي اعتمدتها الإدارات الغربيّة مع هذه الأمور، وخصوصاً في الآونة الأخيرة، الوجه الآخر للديمقراطية الغربيّة، التي تفتح المجال على مصراعيه للإساءة إلى النبيّ محمد(ص) والقراُن الكريم، بحجة إفساح المجال أمام حريّة التّعبير، بينما يمنع أيّ باحثٍ موضوعيّ من دراسة المحرقة وعمليّات الاستغلال الدّائم لها، لأنّ ثمة قوانين في الغرب، كما في ألمانيا تحديداً، تمهّد لسوقه إلى السّجن، لتتوالى الحملات الموجّهة ضدّ الإسلام والمسلمين، فيما يأخذ اليهود حرّيّتهم، وتمنع كلّ عمليات النقد الموجّهة إليهم أو إلى كيان العدوّ، تحت عنوان "معاداة السامية". أمّا قرار الأمم المتّحدة الموجّه إلى كلّ حكومات العالم، والداعي لمنع الإساءة إلى الأديان، والّذي صدر في عهد الأمين العام السّابق كوفي عنان، فقد ذهب إلى أدراج الحكومات الغربيّة، ولم يسمح له بأن يبصر النّور هناك، في ظلّ الإصرار على ملاحقة المسلمين، وتشويه صورة الإسلام، ممّا تشترك فيه أجهزة غربية تنسّق مع الصّهيونيّة العالميّة، لجعل المؤامرة الكبرى تحقِّق أهدافها وغاياتها.

إنّ علينا أن ندقّق في طريقة تعاطي الإدارة الأمريكيّة مع الدّعوة الحاقدة لإحراق القرآن الكريم، في تأكيدها أنّ القانون الأمريكيّ لا يمنع من ذلك، وفي توجيهها المسألة في إطار نتائجها الّتي تعرّض الجنود الأمريكيّين للخطر، الأمر الذي من شأنه إماطة اللّثام عن أهدافها وغاياتها، وخصوصاً أنّ القرآن الكريم تعرّض للإحراق والتّدنيس في المعتقلات الأمريكيّة في "غوانتامو" وغيره، كما أنّ الإدارات الأمريكيّة الّتي لا تحترم حياة المسلمين في كلّ حروبها الظّالمة على العالم الإسلاميّ، لا تقيم وزناً للمفاهيم الإسلاميّة والقرآنيّة، حتّى وإن أقامت موائد إفطار رمضانيّة لأغراضٍ إعلاميّةٍ دعائيّةٍ، ولأهدافٍ سياسيّةٍ معروفة...

إنّنا في مواجهة كلّ هذه الحملات، ندعو المسلمين إلى القيام بمبادراتٍ مضادّة، يُعمل فيها على احتضان القرآن الكريم، في سياق التزامٍ إسلاميٍّ جماعيّ به وبمفاهيمه، ومن أبرز هذه المفاهيم، تأكيد وحدة المسلمين وتماسكهم واعتصامهم بحبل الله جميعاً، لأنَّه ما من ردٍّ على هذه الدَّعوات الظَّالمة، أقوى وأصلب من تأكيد الوحدة في الواقع الإسلاميّ، كما أنّ المطلوب من المسلمين، ألا يعملوا على تعطيل مفاهيم القرآن وإحراق آياته الكبرى، بالسّماح للفتنة في أن تتسلَّل إلى واقعهم تحت عناوين مذهبيّة أو سياسيّة، لأنّ الفتنة المذهبيّة هي الوجه الآخر من وجوه الحملات السّاعية لإحراق القرآن، والواقع الإسلاميّ كلّه. كما أنّ مفاهيم الغلوّ والخرافة التي تتفشّى في واقعنا، تمثّل هديّةً كبرى للمستكبرين، وعمليّات اعتداءٍ يوميّة على القرآن الكريم وسنّة النّبيّ(ص).

كما أنَّ ما نراه على الفضائيَّات الّتي تحمل عناوين إسلاميَّة، والّتي تُثار من خلالها عمليّات المساجلة والتّراشق والإساءات الكبرى الّتي تطاول الرّموز الإسلاميّة الكبرى وصحابة النّبيّ(ص) وأمَّهات المؤمنين، تمثّل استجابةً عمليّةً للخطط الغربيَّة الاستكباريَّة الرّامية إلى تدمير العالم الإسلاميّ من الدّاخل، وبالتّالي، فكلّ من ينخرط في هذه العمليّة ويسيء إلى رموز الإسلام، يخدم مخطّطات الأعداء ويعمل لحسابهم، سواء شعر بذلك أو لم يشعر..

إنّنا ندعو إلى لقاءٍ إسلاميّ عالميّ، تحتشد فيه الشّخصيّات الإسلاميّة السّنيّة والشّيعيّة، لفرض ميثاقٍ تلتزم به كلّ المؤسّسات الإسلاميّة، لوضع حدٍّ لكلّ هذه الأمور، وللانطلاق بالمسلمين كقوّةٍ واحدةٍ متماسكة للدّفاع عن الإسلام والكيان الإسلاميّ، ومواجهة الأخطار المحدقة بالعالم الإسلاميّ، وكسر شوكة الاحتلال الصّهيونيّ لفلسطين، قبل أن تتوالى عمليّات الانقسام بأبعادها الخطيرة، الّتي من شأنها تهيئة كلّ المناخات للخطّة الخبيثة في أن تنال من الإسلام والجسم الإسلاميّ كلّه.

التاريخ: 5 شـوّال 1431 الموافق: 13/09/2010


ليست هناك تعليقات: