16 سبتمبر 2010


«من يُسئ إلى إحدى زوجات الرّسول يسئ إلى الرّسول والقرآن الكريم»
فضل الله لـ «الراي»: ندعو الشّيعة الكويتيّين قبل غيرهم ليكونوا أول من ينبذ أصوات النّشاز المسيئة إلى وحدة المسلمين

| بيروت ـ من أحمد الموسوي |

دعا نجل المرجع الشيعي الراحل العلامة السيد محمد حسين فضل الله السيد علي فضل الله المراجع الشيعية الى «تحمّل مسؤولية التحرك للتصدي لكل ادوات الفتنة التي يريد بعضهم من خلالها ضرب مواقع القوة عند العرب والمسلمين». كما دعا فضل الله في حديث الى «الراي» تعليقاً على ما صدر عن بعض الكويتيين من احاديث تسيء الى الصحابة والسيدة عائشة ام المؤمنين، الشيعة الكويتيين «ليكونوا اول من يتصدى لهذه الاصوات النشاز التي لا تمثل جمهور الشيعة ولا صورة اهل البيت وائمتهم الذين اكدوا في مختلف المراحل على التواصل مع سائر المسلمين». وشدد على الفتوى الشرعية بحرمة سبّ الصحابة وامهات المؤمنين التي سبق ان أصدرها المرجع السيد فضل الله، معتبراً «ان من يقم بذلك يسىء الى الرسول والقرآن الكريم». وفي ما يأتي نص الحديث كاملاً: * عادت بعض الأصوات، كما يحدث الآن في الكويت، لترتفع بأحاديث تسيء إلى وحدة المسلمين. ما تعليقكم على ذلك؟ نأسف لمثل هذه الأصوات الّتي عادت لتصدر في مرحلةٍ نلمس فيها سعياً حثيثاً لإثارة الانقسامات والفتن، وهناك من يعمل ليكون مساهماً في تهيئة المناخ لذلك، ونشعر بأنّ هؤلاء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، يعملون على مساعدة من يبشّرون بالفتن في لبنان والعراق وغيرهما، لإفقاد المسلمين وحدتهم وقوّتهم. ونحن نستحضر في هذه الأجواء الفتوى الّتي أصدرها سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، بحرمة سبّ الصّحابة أو أمهات المؤمنين، فعندما نسيء إلى زوجة الرّسول، فنحن نسيء إلى الرّسول وإلى القرآن الكريم أيضاً الّذي تحدّث عن زوجات الرسول الكريم، فالتعرّض لإحداهنّ بمثل هذا الكلام المسيء، يعني مخالفةً صريحةً لما جاء في القرآن الكريم عن زوجات النبيّ. فإذا كان هناك بعض الملاحظات على أحداث تاريخية، يجب أن تُطرح بشكل علميّ سليم، ويجب أن تخضع للتقييم التاريخي. وما أصدره سماحة المرجع السيد فضل الله من حرمة سبّ الصحابة وأمّهات المؤمنين، هو حكم شرعي نتبنّاه ونعمل به. * أمام مثل هذا الأمر على خطورته، لماذا لا تبادر بقيّة المراجع الشيعية لاتخاذ مواقف علنيّة كمواقف السيّد الرّاحل فضل الله، تدين مثل هذه التوجّهات؟ كلّ مراجع الشّيعة يحرصون على الوحدة الإسلاميّة ويعملون في هذا الإطار، ونحن نأمل من مراجع الشّيعة الّذين يتحدّثون عن ذلك في الإطار العام، أن يدخلوا أكثر في التفاصيل لتوضيح المواقف أمام الرأي العام، وذلك لنزع فتيل أي فتنة. وهنا يجدر التّأكيد، أنّ سماحة السيد فضل الله في مواجهة ما كان يراه من سعيٍ حثيثٍ للفتنة، لم يكتفِ في الحديث عن ذلك بالإطار العام، إنما تحدث أيضاً في التّفاصيل، وأوضح أبعاد هذا الكلام وخطورة مثل هذه المواقف على الواقع الإسلامي ووحدته وقوّته، وذلك لنزع كلّ الفتائل التي يمكن أن تُستغلّ وتُستعمل من الّذين يريدون إثارة الفتن في الواقع الإسلامي، ولذلك هو تحدّث عن الذين يعمدون إلى سبّ الصّحابة وأمّهات المؤمنين بالتّفصيل، فحرّم ذلك، واعتبر بشكلٍ علنيّ وصريحٍ مثل هذا الكلام محرّماً شرعاً. ونحن ندعو ونطلب من المرجعيّات الإسلاميّة الشيعيّة، ومن كلّ الذين يريدون تأكيد الوحدة الإسلاميّة، ومن كل الحريصين على وحدة المسلمين، أن يتحركوا في إطار حمل المسؤولية، لقطع الطريق على أيّ حديث أو محاولةٍ لإثارة الفتن، وألا يكتفوا بالحديث العام، لأن الحديث العام يبقى حديثاً عاماً، فلابدّ من الدخول في التفاصيل والتصدي لكلّ الأدوات التي تستخدم في إثارة الفتنة، وحماية الوحدة الإسلامية، وعدم السماح لمن يريدون سوءاً بالمسلمين ووحدتهم أن يحقّقوا أهدافهم، ولذا فهذه المسؤولية تقع على عاتق المراجع الإسلاميّة الشيعية وكلّ الذين يريدون خيراً لهذا العالم العربي والإسلامي، الذي يمتلك الكثير من مواقع القوّة التي يريد بعضهم ضربها من خلال إثارة الفتن الداخلية. * بين الحين والآخر، تبرز مثل هذه المواقف ويثار حولها الجدل، فإلى أيّ حدّ تمثّل مثل هذه الأحاديث قبولاً عند الشّيعة؟ لا أعتقد أنّ جمهور الشّيعة هم في مثل هذا التوجّه، بل على العكس، فإنّ الجمهور الشيعيّ يسعى ويتصرّف انطلاقاً من وعيه لحركة الإمام عليّ (ع)، فهو قدوة الشّيعة، والجمهور الشّيعيّ يستلهم الكيفيّة التي تحرّك من خلالها الإمام عليّ (ع) مع الخلفاء، وكيف تعامل مع السيّدة عائشة بعد معركة الجمل. فالشيعة عندما ينطلقون من قدوة لهم، عليهم أن يلتزموا مواقفها عندما يقتدون بها، ولا يمكن لهم أن يكونوا إلا كما كان الإمام عليّ (ع) في علاقته مع أصحاب رسول الله والخلفاء الّذين تقدّموه في الخلافة، وفي علاقته مع السيّدة عائشة، ولهذا من يطرح هذه الأمور بهذا الشّكل، لا يمثّل جمهور الشّيعة، ولا يمثّل صورة الإمام عليّ، ولا يمثّل الصورة التي انطلق منها عندما قال: «لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين». والروح الإسلاميّة التي عاشها أهل البيت في كلّ المراحل ومع كلّ الأئمّة، هي روح التّواصل والوحدة، فالإمام الصّادق(ع) كان يقول: «صلّوا في مساجدهم (ويقصد أهل السنّة)، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم (أي لا تكونوا مجتمعاً منعزلاً)... فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما أدّب أصحابه!»، وكان يقول: «كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا». إذاً علينا ألا نأتي بأي تصرف يسيء إلى سلامة الواقع الإسلاميّ، والإمام زين العابدين (ع)، له دعاء لأهل الثغور في وقتٍ كان الجيش جيشاً تابعاً على مستوى الحكم لسلطة يزيد الّذي قتل الحسين وأصحاب الحسين، ورغم ذلك، وقف ليدعو لهذا الجيش، لأنه رأى أن المصلحة الإسلامية تقتضي ذلك، فالجيش آنذاك كان يمثّل الصّورة الإسلاميّة العامّة. وهكذا كان الإمام عليّ (ع) من قبله، ناصحاً للخلفاء الذين تقدّموه، فمثلاً عندما استشاره الخليفة عمر بن الخطّاب في مسألة أن يذهب ليقود هو الجيش في الحرب على الفرس، أشار عليه بعدم الذّهاب وقال: «كن قطباً واستدر الرّحى بالعرب»، فهو كان حريصاً على موقع الخلافة وعلى الخليفة نفسه الّذي رأى أنّه يمثّل صورة الإسلام. هذه هي حقيقة القدوة التي قدّمها أهل البيت، وهي القدوة التي يقتدي بها الشيعة عامّةً. ولذلك يجب ألا نُدخل ما قاله هذا الشّخص أو غيره في إطار صراع سنّي ـ شيعيّ، فهذا الشّخص لم يُسئْ إلى السنّة، بل أساء إلى الشّيعة أيضاً، وإلى المسلمين جميعاً، وهو بطبيعة الحال، لا يمثّلهم ولا يمثّل إلا نفسه بما قال ونطق. * ماذا تقولون لأهل الكويت في هذه المرحلة التي يحاول بعضهم فيها النّيل من وحدتهم الوطنيّة؟ لطالما تحدّث سماحة السيد فضل الله عن شعب الكويت وحكمته ورفْضه لكلّ ما يسيء إلى وحدته الوطنية، فهذا الشّعب كان وسيبقى شعباً واعياً حريصاً على وحدته، وقادراً على تجاوز هذه المشكلة، وهو سيتجاوز هذا الموضوع كما تجاوز سابقاً الكثير من المشاكل المشابهة، ونعتقد أنّه على مستوى من الأصالة والالتزام بالإسلام والقضايا الإسلامية، بما يجعلنا مطمئنين إلى قدرته على نبذ أي أصوات تسيء إلى وحدته الإسلاميّة والعربيّة والوطنيّة. فهذه الأصوات هي أصوات نشاز وستبقى نشازاً، ونؤكّد هنا على الدور الكبير الّذي يقوم به الشّعب الكويتيّ في تمتين أواصر الوحدة الإسلاميّة، وندعو المسلمين الشّيعة بخاصّة قبل غيرهم، إلى أن يكونوا أوّل من يتصدّى لمثل تلك الأصوات، ويقدّموا الفهم الحقيقيّ لطبيعة العلاقة الأخويّة المتينة بين أبناء المذاهب الإسلاميّة، في إطار الأمّة الإسلاميّة الواحدة العزيزة المنيعة على الشّقاق والفتن.

ليست هناك تعليقات: