6 سبتمبر 2010

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في الخطبتين:


عليّ(ع): إمام الحق والإنسانية

قال الله تعالى في كتابه المجيد: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: 207].

استشهاد عليّ(ع): الفرح الرّوحيّ

نعيش في هذه الأيّام ذكرى استشهاد الإمام عليّ(ع)، لنستعيد من خلالها كلَّ هذا الألم الّذي عاشه المسلمون، وهم يرون إمامهم الّذي ملأ حياتهم فكراً وعلماً وجهاداً وانفتاحاً على كلِّ قضاياهم، مسجَّى على فراشه، بعد أن ضربه ابن ملجم بسيفه المسموم..

وفي هذه الذّكرى نستعيد أيضاً ما كان يشغل أمير المؤمنين في تلك اللّحظات، حين كان ـ رغم ألمه وعظيم جراحه ـ يحسّ بالفرح الرّوحيّ الكبير، وهو يرى نفسه قادماً إلى حيث كان يتمنّى، إلى لقاء الله، إلى الحصول على رضوانه، بعد أن أخلص العمل، وأدّى ما عليه من دور، فكانت صرخته المدوّية بعدما ضربه ابن ملجم: "بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول اللهّ، فزت وربّ الكعبة".

هي ساعة الفوز إذاً.. قالها عليّ وهو يستعرض حياةً لم يكن فيها دنيا يلهث وراءها، أو تملي عليه قرارها.. وهو الّذي خاطبها أكثر من مرّة: "يا دنيا غرّي غيري، قد بنتك (طلقتك) ثلاثاً لا رجعة لي فيها"..

فهو لم يأخذ من الدّنيا إلا ما قاله لأصحابه: "ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، إلا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد". فقد لانستطيع أن نفعل مثله، لكن نستطيع أن نعينه بورع عن محارم الله، واجتهادٍ في سبيله. كانت كلّ حياته(ع) عملاً لله لإعلاء كلمته، ودفاعاً عن رسوله(ع) وعن رسالته الّتي آمن بها وأخلص لها.

السبّاق إلى العبادة والجهاد

كان الإمام عليّ(ع) سبّاقاً إلى عبادة اللّه، وسبّاقاً إلى طاعته، تشهد حياته بذلك، فهو أوّل من أسلم، ولم يسبقه إلى الصّلاة إلا رسول اللّه.

فتح عينيه على اللّه في بيته الحرام، فكان وليد الكعبة التي لم يتشرّف غيره بالولادة فيها.. وشاء الله أن يخصّه بتربية رسول الله له، حيث تعهَّد بناء عقله وأخلاقه وعلاقته بربّه.. وهذا ما أشار إليه عندما قال: "كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه"، وكان معه في بيته عندما صدع برسالته، يسمع حفيف أجنحة الوحي عندما يهبط على رسول اللّه(ص)، ليسمع منه كلّ آيةٍ تتنـزّل عليه، وكلّ حكمٍ يوصى به إليه..

كان عليّ(ع) يشغل وقت رسول الله بأسئلته، وكان الرّسول(ص) حريصاً على أن يُعدّه للدّور الكبير الّذي سيحمله في المستقبل، وهو ما عبّر عنه(ع) في حديثه: "علّمني رسول اللّه(ص) ألف بابٍ من العلم، فتح لي من كلِّ بابٍ ألف باب". وبذلك أعطاه رسول الله هذا الوسام الرّفيع، بأن جعله باب مدينة علمه: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها".

وفي ساحة العمل والجهاد، انطلق عليّ(ع) مع رسول اللّه(ص)، يحمل معه عبء رسالته، يدافع عنها، ويضحِّي بكلِّ شيءٍ من أجلها.

ودخل الإمام(ع) في التّجربة، عندما دعاه رسول اللّه(ص) إلى أن يبيت على فراشه ليلاً، يوم قرَّر ـ وبأمرٍ من الله ـ أن يغادر مكَّة، بعدما أعدَّتْ قريش خطّةً لاغتيالِه وهو نائمٌ على فراشه، وجهّزت لذلك أربعينَ من رجالها للقيام بهذه المهمّة، يومها لم يتردّد عليٌّ(ع) ولا لحظةً في القبول، على الرّغم من كلّ الخطر الذي قد يحدق به، وهو شابّ في مقتبل العمر، حتّى إنه لم يسأله عمّا يلحق به من أذى، بل سأله عن سلامته(ص)، لأنّه يعرف أنّ سلامة الرّسالة بسلامة النبيّ(ص)، ولذلك سأله: "أوتَسلم يا رسول الله؟".

ونزل الوسام من الله لعليّ أنّه باع نفسه لله، وهو الّذي لم يكن في نفسه شيء لنفسه، بل كان بكلّه لله، ولذلك استحقّ هذا الوسام: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: 207].. وأيّ بيعٍ أعظم من هذا البيع، وقد باهى الله به ملائكته.

وفي ساحات الجهاد، كان عليّ (ع) بطل الإسلام وفارسه، كان دائماً في مقدّمة الجيش في كلّ المعارك الّتي خاضها رسول الله، رغم أنّه لم يكن مدرَّباً أكثر مما يتدرّب بقيّة الفرسان، لكنّ سرّه أنّه كان يقاتل بصدق علاقته بالله وإيمانه به، وهو الّذي قال عن قلعه باب خيبر: "والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانيّة، بل بقوّة ربّانية".

وفي معركة بدر كان في المقدّمة، فهو الّذي قتل نصف قتلى المشركين فيها، وشارك المسلمين النّصف الآخر، وكان طوال المعركة، يده على السّيف، وعينه على رسول الله(ص).

وعندما دارت الدّائرة على المسلمين في معركة أُحد، وقف مع القلّة التي صمدت، يدافع عن رسول اللّه وعن رسالته، ويحميه بنفسه، ونزل الوسام من جبرئيل(ع): "لا فتى إلاّ عليّ، ولا سيف إلا ذو الفقار".

ويتكرّر الموقف في معركة الأحزاب، ويُعطى عليّ(ع) الوسام من النبيّ(ص): "برز الإيمان كلّه إلى الشّرك كلّه".. وعندما صرع الإمام(ع) عمرواً بن عبد ودّ العامري، قال النبيّ(ص) عن ضربته تلك: "ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثّقلين".

ولا يكتمل ذكر بطولات الإمام عليّ(ع) دون ذكر خيبر الّتي فتح حصونها، بعد أن أعطاه رسول اللّه(ص) وساماً آخر: "لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله، كرّاراً غير فرار، لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه".

رائد الحوار

لكنّ عليّاً الحاضر دوماً للجهاد بسيفه، كان في الوقت نفسه رائد الحوار، لأنّه كان يعتبر أنَّ الحوار مع الآخر هو الأساس، وأنَّ اللّجوء إلى الحرب هو الاستثناء، وهو الّذي قال: «فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة، فتهتدي بي، وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها». فلم تكن الحرب عند عليّ(ع) هدفاً، لذلك كان يحرص على ألا يبدأ هو بالقتال إلا إذا فُرض عليه.

وكان(ع) يرى الإسلام هو البوصلة الّتي يحدّد من خلالها مواقفه، ولذلك سالم عندما رأى المصلحة الإسلاميّة أن يسالم، سالم وهو يملك القوّة والقدرة. وقالها بعدما أُبعد عن الخلافة، ورأى أن تحرَّكه في مواجهة هؤلاء سيكون فتنةً قد يستفيد منها كلّ الّذين كانوا يريدون بالإسلام شرّاً، لذلك قال: "لأسالمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بها جور إلا عليَّ خاصّة".

نصير المظلومين

كان عليّ(ع) يرى الحقَّ هدفه، وهو الّذي قال فيه النبيّ(ص): "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ". وقد كلّفه ذلك معاناةً لا تفوقها معاناة، فالنّاس يريدون منه أن يخلط بين الحقّ والباطل، لكنّه كان لا يرى الحقّ إلا حقّاً، والباطل إلا باطلاً، ولا مساحة رماديّة بينهما. ولذلك لم يترك له الحقّ صديقاً.

وعلى هذا الأساس، فقد كان يرى للخلافة قيمةً عندما تكون سبيلاً لتحقيق الحقّ وإسقاط الباطل، وهذا ما قاله لابن عبّاس الّذي دخل عليه فرآه وهو يخصف نعله، فسأله: "ما قيمة هذه النّعل"؟ قال ابن عباس: لا قيمة لها. فقال(ع): "واللّه لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلاّ أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً". وتحمّل(ع) لأجل هذا الحقّ كلّ الناكثين والقاسطين والمارقين.

ونذر الإمام(ع) نفسه لنصرة الضّعيف والمظلوم، وهو القائل: "الذّليل عندي عزيز حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه". وشرّع أبوابه لطالبي الحقّ والرّاغبين بالعدل...

ألغى(ع) الحواجز بينه وبين النّاس، مردّداً على أسماعهم: "لا تكلّموني بما تُكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يُتحفّظ به عند أهل البادرة (السيف)، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنّ من استثقل الحقّ أن يُقال له، أو العدل أن يُعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه ".

في مواجهة الجهل

وأحبَّ (ع) النّاس وعاش معهم، وكان يقول: "أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدّهر، أو أكون أسوةً لهم في جشوبة العيش"...

ولهذا سخَّر الإمام(ع) نفسه لخدمة النَّاس, ولم يقصّر بماله وبكلّ ما يملك، بل امتدّ في الخدمة للنّاس على مستوى الفكر والعقيدة, راغباً في أن ينقلهم من عالم الظّلام إلى عالم الحقّ والنّور.. لأنّه كان يرى أنّ الجهل آفةٌ يجب أن يسعى لاستئصالها، ولعلَّ الجهل ـ أيُّها الأحبّة ـ أخطر مشكلةٍ واجهت الإمام(ع)، وأمضى سلاحٍ رُفع في وجهه، فواجهه بالصّبر والحكمة...

لم يوفّر الكلمة ولا الموقف ولا الزّمان ولا المكان.. كان حريصاً على أن ينقذ النّاس من جهلهم حتّى آخر لحظةٍ من حياته، فسعى ليتعلّموا منه حتّى وهو على فراش موته قائلاً: "سلوني قبل أن تفقدوني".. "إنّ ها هنا ـ مشيراً إلى صدره ـ لعلماً جمّاً لو أصبت له حملة"..

وفوق هذا، كان الإمام(ع) حريصاً على أن يترك زاداً للنّاس، لكلّ النّاس، زاداً فكريّاً وروحيّاً وتربويّاً، فكان نهجُ البلاغة... وقد حرص الإمام على أن يوصي الكلّ، فأوصى الفرد والأهل والمجتمع والأمّة.. ووصّى بالضّعفاء وبالصّغار والفقراء والمساكين والأيتام.. وركّز في وصيّةٍ له على شأن المسلمين الإداريّ، وتماسكهم الاجتماعيّ، قالها لولديه الحسنين(ع): "أوصيكما... بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم". ذلك لأنّ الإمام كان يدرك، أيّها الأحبّة، أنّ تحقيق الكثير من الأهداف الكبرى قد يضيع في مهبّ الفوضى والفتن الداخلية...

هل نحن أتباع عليّ؟!

أيّها الأحبّة: هذه هي حياة عليٍّ الّتي استطاع أن يملأها بالحقّ والخير والعبادة والرّوحانيّة، وهو الّذي قال عندما أراد أن يغادرها: "فزت وربّ الكعبة"..

هل نحن ـ أتباع عليّ وشيعته ـ قادرون على أن نقولها بكلّ صدق؟!

هل عندما نستعرض حياتنا نجدها قد امتلأت عبادةً وعلماً وأخلاقاً وجهاداً وتضحيات، كما كانت حياته(ع)..

هل نحن قادرون على أن نقول كلمته عندما نغادر الحياة: "فزت وربِّ الكعبة"؟!

أم أنَّنا عندما يفاجئنا الموت سنقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون: 99-100].

إنّ عليّاً ينادينا: أيّها النّاس، استعدّوا للقاء الله.. استعدّوا للقاء المسؤوليّة الّتي قد تأتيكم من حيث لا تحتسبون.. "بادروا الموت وغمراته، ومهّدوا له قبل حلوله، وأعدّوا له قبل نزوله".

وعندما سئل: ما الاستعداد للموت يا أمير المؤمنين؟ قال: "أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، ثم لا يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه"..

إنّ عليّاً ـ أيّها الأحبّة ـ لم يرد مجرّد أتباعٍ له يلهجون باسمه ويهلّلون له أو ينتمون إليه، ولو أراد ذلك لحصل عليه، بل أراد رساليّين خلفه يعينونه على أداء رسالته وإكمال مسيرته، لذا توجَّه إلى كلّ الّذين يريدون السّير خلفه قائلاً: "أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد".

رحمك الله يا أبا الحسن، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، عظمت باستشهادك المصيبة، وجلّت الرزيّة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.. والسّلام عليك يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم فزت بجوار ربّك، ويوم تبعث حيّاً.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

القدس: القضيَّة والرمز

نقف اليوم مع ذكرى يوم القدس العالميّ، الّذي أعلنه الإمام الخمينيّ، وخصّص له آخر يوم جمعةٍ من شهر رمضان، لندعو إلى تعبئةِ العالم العربيِّ والإسلاميّ، لإنتاج الموقف الّذي يخطّط للمواجهة الشَّاملة للاحتلال الصّهيونيّ، على مختلف المستويات الثّقافيّة والسياسيّة والأمنيّة، لعودة كلّ فلسطين إلى أهلها، وأن لا يقتصر الحديث عن القدس المدينة، ليُتحدَّث بعد ذلك عن تسويةٍ لوضعها الدّينيّ أو السّياسيّ، لأنَّ القدس ليست مدينةً في الحساب الجغرافيّ، بل هي الرَّمز والعنوان للقضيَّة الفلسطينيَّة الّتي هي أمّ القضايا العربيَّة والإسلاميَّة، كما هي رمزٌ لكلّ مقدَّسٍ يُدنَّس، ولكلِّ موقعٍ تُنتهك حرمته من احتلال، ويواجه قهراً وطغياناً.

ولا ينبغي لهذا اليوم أن يتحوَّل في وجدان المسلمين إلى مجرّد مناسبةٍ للتّظاهرات والاحتجاجات والخطابات الّتي تنتهي بانتهاء المناسبة، ولا هذا ما أُريد منه عندما أطلق الإمام الخمينيّ (قده) هذه المسألة، بل هو تخطيطٌ مدروسٌ للمرحلة القادمة، حتى يستفاد من كلِّ عناصر القوَّة الموجودة، وهي كثيرة، ويُعمَل على معالجة نقاط الضّعف الّتي بالإمكان معالجتها.

إنّنا نعتقد أنّ العمل من أجل القدس، يستدعي تقديم كافّة أشكال الدّعم للمقاومة الإسلاميّة والفلسطينيّة، وكلّ جهدٍ للتّحرير، لأنّ لغة المقاومة هي اللّغة الوحيدة الّتي يفهمها هذا العالم الّذي لا يحترم إلا الأقوياء.

وفي هذا الجوّ، لا بدَّ من الإشادة بالعمليّة الجهاديّة الّتي حصلت في الضفّة الغربيّة، والّتي أكّدت عدم قدرة العدوّ على الفصل بين العمل الجهاديّ في غزّة والضفّة الغربيّة، وهو ما يؤكّد بقاء فلسطين ساحةً واحدةً للعمل على مواجهة غطرسة الكيان الصّهيونيّ ومشاريعه.

تراجع الاحتلال

وليس بعيداً من القدس، نطلّ على الوضع العربيّ والإسلاميّ الّذي يحاول التفلّت من قيود المستكبرين والمحتلّين في أكثر من موقع، وخصوصاً في أفغانستان والعراق، حيث يعجز هؤلاء عن تأمين الاستقرار لجنودهم، وحيث بدأت عمليّة التّراجع الأطلسي الّتي ستتوالى فصولاً، والّتي يصاحبها انتقام متواصل من هؤلاء وممن عمل على خدمتهم بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة، من المدنيّين الأبرياء، عبر استهدافهم من طائرات العدوّ ودبّاباته، أو من خلال التّفجيرات الوحشيّة الهمجيّة الّتي باتت تلاحق العمّال والطلاب وروّاد المساجد في العراق على وجه التّحديد، من دون أن تنطلق ـ إلى الآن ـ مواقف حاسمة من المواقع الإسلاميّة خصوصاً، لتعلن براءة الإسلام من هؤلاء وأفعالهم، وتوجِّه المسلمين إلى عدم الانجرار وراء دعوات التّكفير للمسلمين الآخرين الّتي يدعو إليها البعض، والتّأكيد أنّ ذلك لا ينسجم مع الإسلام ومع تعاليم رسول الله(ص) الّذي قال: "المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه".

ومن المؤسف حقّاً، أنّ هذه العمليّات الإجراميّة، تتمُّ في الوقت عينه الّذي تزداد فيه مأساة المسلمين في باكستان بفعل الفيضانات الّتي شرّدت الملايين، من دون أن تنطلق قوافل المساعدات الإسلاميّة لرفع وطأة التشرّد والجوع عن كاهل الآلاف المؤلّفة، والملايين الكثيرة من جيوش الفقراء والمستضعفين هناك..

وإنّنا في هذه المناسبة، نجدّد الدّعوة إلى ضرورة الوقوف مع الشّعب الباكستانيّ، للتّخفيف من آلام المستضعفين فيه وعذاباتهم، الّذين لا يجدون المأوى وسبل العيش الكريم، ولنتذكّر قول رسول الله(ص): "من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"، "من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم".

لبنان: لتوجيه النِّيران إلى العدوّ

أمَّا في لبنان، فإنَّ الأمور تزداد تعقيداً، في ظلِّ هذا الضَّجيج الّذي يُراد له أن يتحوَّل إلى دخانٍ سياسيٍّ يحجب الرّؤية عن كثيرٍ من المشاريع الدّوليّة الوافدة إلى البلد والمنطقة، تحت عناوين المحاكم الدّوليّة الّتي باتت سيفاً مسلطاً على كلّ من تسوّل له نفسه الخروج من دائرة الطّاعة الأمريكيّة، والالتحاق بركب المقاومة والممانعة، ورفض التّوطين، والدّفاع عن الحقوق العربيّة والإسلاميّة المشروعة، وعلى رأسها حقّ الشّعب الفلسطينيّ في استعادة أرضه المسلوبة..

إنّنا ـ وأمام هذا الوضع الجديد الّذي يُراد فيه للمقاومة أن تبقى في موقع الدّفاع عن نفسها ـ ندعو جميع المعنيّين إلى الخروج من دائرة إطلاق النّيران السياسيّة والإعلاميّة عليها، وتوجيه تلك النيران إلى العدوّ الّذي يتربّص بالبلد، ويتحضّر للإيقاع باللّبنانيّين في لعبة الفتنة الكبرى الّتي يمارس فيها البعض دور إشعال عود الثّقاب، في ألعابٍ ناريّةٍ لا يعرف مدى خطورتها، أو يتعامى عن ذلك بطريقةٍ غير مسؤولةٍ نجد فيها الكثير من الرعونة والخفّة.

وإنّنا في الوقت الّذي نشدّ على أيدي كلّ الذين يعملون على وأد هذه الفتنة الّتي يراد لها أن تستعر من خلال الّذين يسوّقون لها تحت عناوين مختلفة، نقول للجميع: ألا يكفي لبنان كلّ هذه المعاناة الاقتصاديَّة والسياسيَّة والأمنيَّة، حتَّى نشغله بفتنٍ تحرق أخضره ويابسه؟! ومتى يهتمُّ المسؤولون بكيفيَّة إخراج هذا البلد من واقعه الّذي يعاني منه، بدلاً من الغرق في التَّجاذبات التي لم تنتج إلا تشنّجاً وتوتّراً يستفيد منه كلّ الّذين لا يريدون خيراً بهذا الوطن؟!

أيّها المسؤولون: كونوا الأمناء على هذا الشّعب الّذي أعطاكم زمام القيادة لتصلوا به إلى شاطئ الأمان، فقد آن له أن يشعر بوجود دولةٍ لها كلّ عناوين الدّولة، لتشعره بالأمن والأمل بالمستقبل الواعد له ولأولاده.

التاريخ: 24 رمضان 1431 هـ الموافق: 03/09/2010 م

ليست هناك تعليقات: