19 سبتمبر 2010

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في الخطبتين:


الخطبة الأولى

مجاهدة الذنوب: طريقٌ إلى رضوان الله


قال سبحانه في كتابه الكريم: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}(الأنعام:120).

وقال سبحانه: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:81).

الصّيام عن المحرَّمات

انتهى شهر رمضان، وانتهى معه الصِّيام الواجب عن الطَّعام والشّراب وبقيّة المفطرات، لكنَّ الصّيام الواجب عن المحرَّمات، والَّذي هو هدف شهر رمضان، لم ولن ينتهي، فهو دائمٌ وممتدّ طوال العمر، جاء به الأنبياء والرّسل للابتعاد عن الحرام في الفكر والقول والفعل والمعاملة، وصولاً إلى المأكل، والمشرب، والملبس وكلّ ما حرَّم الله.. فهدف هذا الصِّيام هو الوقوف عند حدود الله، وعدم تجاوزها، لأنَّ تجاوزها هلاكٌ، والتقيّد بها نجاةٌ في الدّنيا والآخرة.. وهذا ما أشار إليه الله تعالى عندما تحدَّث عن رسالة رسوله(ص) :{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(الأعراف:157). وهذا ما أراد الله تعالى لرسوله أن يبيّنه للنّاس بعدما قال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(الأعراف:33).

مظاهر الذّنوب

والذّنوب، أيّها الأحبّة، تتنوَّع في مواقعها، وتختلف في أحجامها ونتائجها؛ فمنها ما هو متعلّق بالقلب، ومنها ما هو متعلّق بالجوارح، ومنها ما خفي، ومنها ما هو ظاهر وبادٍ للعيان، منها الكبير ومنها الصَّغير...

وكثيرة هي مظاهر الذّنوب: هي تركٌ للواجبات، هي غيبةٌ ونميمة، وهي حسدٌ وبغيٌ وكذبٌ وسوءُ خلق ومخالفةٌ للنّظام..

هي قتلٌ للنّفس المحترمة، وعقوقٌ بالوالدين، وظلمٌ وطغيانٌ واستبداد..

هي سرقة وربا وتلاعب بالمكاييل والموازين.. هي قطيعة رحم، وإساءة إلى جار، وكفر بالإحسان.

هي غشٌّ وخداعٌ واستخفافٌ بالنَّاس، وإساءَةٌ إلى كراماتهم... وأخطرها الشّرك بالله، واليأس من رَوحه، والقنوط من رحمته، والأمن من مكره.

والذّنوب تتحوّل، فالذّنب الصّغير قد يصبح كبيراً، بالإصرار عليه.. والذّنب الكبير لا يبقى كبيراً بالاستغفار والتّوبة منه.

إنّ الذّنوب، أيّها الأحبّة، هي كلّ أمراض المجتمع الفكريّة والروحيّة والعمليّة، وعلى كلّ المستويات الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فقد ورد عن الإمام عليّ(ع): "الذنوب الداء، والدّواء الاستغفار، والشّفاء أن لا تعود"...

والبعد عن الذّنوب هو ما يدعو إليه كلّ عاقلٍ وواعٍ يريد الحياة العزيزة والكريمة.. ولذا جاء في حديث عليّ(ع): "لو لم ينهَ الله سبحانه وتعالى عن محارمِه، لوجب أن يجتبنها العاقل".. وقال: "إذا رغبت في المكارم، فاجتنب المحارم"... فالله لم يحرّم إلاّ ما هو قبيح ومضرّ بالفرد والمجتمع.

وقد ورد في حديث الإمام الصّادق(ع): "من يموت بالذّنوب، أكثر ممن يموت بالآجال"، ولذا كان دعاء عليّ(ع): "اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم.. اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تنـزل النقم.. اللّهمّ اغفر لي الذّنوب التي تحبس الدّعاء.. اللّهمّ اغفر لي الذّنوب التي تنـزل البلاء.. اللّهمّ اغفر لي الذّنوب التي تقطع الرّجاء".

والذّنوب ـ أيّها الأحبّة ـ كما تسيء إلى واقعنا الحياتيّ في الدّنيا، فهي السّبب في توتير علاقتنا بالله، حيث إنَّ أقلَّ الواجب لله، أن لا نستعين بنعمه على معاصيه، وهو ما ورد في الحديث عن الإمام عليّ(ع): "لو لم يتواعد الله سبحانه على معصيته (بالعقاب)، لوجب أن لا يُعصى شُكراً لنعمته". فالتّعبير عن شكر المنعم، هو باجتناب المحارم...

وعندما نصل إلى الآخرة، فإنَّ الذّنوب ستكون هي الحاجز الّذي يمنعنا من الوصول إلى رضوان الله، وهي الّتي تؤدّي إلى النّار، لذلك كان النّداء من الله للمؤمنين: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:81). لذا ورد في الحديث عن عليّ(ع): "عجبت لأقوامٍ يحتمون الطّعام مخافة الأذى, كيف لا يحتمون الذّنوب مخافة النّار؟".

البيئة الحاضنة للذنوب

أيّها الأحبَّة: هناك عددٌ من التحدّيات الّتي تواجهنا في عملنا الدَّؤوب، من أجل ترك الذّنوب وعدم الوقوع في المعاصي.

ففي هذا العصر، تكثر المغريات الّتي تقدِّم الحرام للنّاس على طبقٍ من فضّة، وتسهّل لهم الوصول إليه، حتّى أصبح الحرام هو القاعدة وليس الاستثناء. ومشكلة هذا العصر، أنّه يفرض نمطاً من العيش ينظر النّاس إليه على أنّه هو الصّحيح، ويعتبرون من لا يتجاوب معه متخلّفاً وخارجاً عن العصر وبعيداً عن الحضارة ومتطلّباتها...

ولهذا المفهوم سطوة كبيرة علينا وعلى أجيالنا في المجتمع، ويقع الكثيرون تحت تأثيره... وقد ساهمت في تعزيزه الكثير من وسائل الإعلام والاتّصال وغياب دور الأهل، والّذي كان يؤدي دوراً أساسيّاً في وقاية الأولاد من كلّ هذه المؤثّرات، بحيث كان الأهل يضعون الضّوابط لأولادهم بعدم الاختلاط أو السّهر مطوّلاً خارج البيت، خشية اللّهو والعبث ورفاق السّوء الّذين قد يسهّلون الحرام، أو بمنع الاستعمال السّلبيّ لوسائل الإعلام والاتّصال هذه... ولكنّ الأهل اليوم باتوا عاجزين عن الإحاطة بما يجري، لا بل غائبين، أو أنّهم غَيَّبوا أنفسهم، فلم يلتفتوا إلى أنّ للحرام مقدِّماتٍ توفّرها بيئاتٌ حاضنة، والبيئة هذه الأيّام قد تكون المسلسلات أو مواقع الإنترنت أو الجلسات والرّحلات وغيرها، وما يصاحب ذلك من مضامين في لهو الحديث واللّغو من أغانٍ وموسيقى وغير ذلك...

إنّ عدم التفات الأهل إلى خطورة وجود أولادهم في مثل هذه البيئات.. سيجعل حالهم معهم كما قال الشّاعر:

ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء

أيّها الأحبّة: الوقاية لأنفسنا وأولادنا، ثمّ الوقاية للمجتمع .. وهذا ما دعانا إليه الله عزّ وجلّ عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التَّحريم: 6).

وتزداد المشكلة، بحيث إنّنا أضحينا نبرّر الانحراف إذا وقع في المجتمع.. فإذا تحدّث البعض عن انحراف شابّ في سلوكٍ معيَّن، يُقال لهم: هذا شابّ في مقتبل العمر، من حقِّه أن يعيش حياته الخاصَّة وأن ينعم بملذات الحياة، فهو لا يزال في بدايتها.. وإذا أرادت فتاة أن تتحجّب يقال لها: "لم العجلة؟ الحياة امامك"، وإذا عمل أحدٌ عملاً محرّماً، يُبرَّر خطؤه بالقول: "ما عمله بسيطٌ نسبةً إلى ما يعمله الآخرون"، أو "هل نسيتم أعمال الخير الكثيرة الّتي قام بها"، وغير ذلك من التّبريرات، حتّى الحميّة التي تجعل الإنسان غيوراً على الدّين، لم نعد نجدها بالصّورة المطلوبة، فصرنا نمرّ على الحرام مرور الكرام، ونجامل الّذين يقومون به.

عدم الاستخفاف بالذَّنب

وفي الحديث عن الذّنوب داخل المجتمع، نلتقي بأكثر من التّبرير... نلتقي بالاستخفاف بالذّنب وباستصغاره، بحيث لا يرى الإنسان أنّه أذنب مع الله، وأصبحت عندنا كلمات نردّدها: "إنّ الله غفور رحيم"، ونسي أنّ الله يراقب ويحاسب وقد يعاقب، أو يقول "إنّ الله لا يمكن أن ينـزل إلى مستواي حتّى يحاسبني"، أو: "ليوم الله بيهوِّن الله"..

هذا كلّه رغم ما حذَّرت منه الأحاديث، ومنها ما ورد عن رسول الله(ص): "لا تنظر إلى صغر المعصية، بل انظر إلى من عصيت"، وفي حديث عليّ(ع): "أشدّ الذّنوب ما استهان به صاحبه". وورد أيضاً عن الرسول(ص) : "إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنّه ذبابٌ مرَّ على أنفه".

وقد ورد عن رسول الله(ص)، في مواجهته لمنطق الّذين يستصغرون المعاصي ولا يبالون بها ولا يلتفتون إلى وجودها، أنّ رسول الله(ص) نزل بأرضٍ قرعاء، فقال لأصحابه: "ائتونا بحطب. فقالوا: يا رسول الله نحن بأرضٍ قرعاء ما بها من حطب. قال: فليأت كلّ إنسانٍ بما قدر عليه، فجاؤوا به حتّى رموا بين يديه بعضه على بعضه". قال رسول الله(ص) :"هكذا تجتمع الذنوب". ثم قال: "إيّاك والمحقّرات من الذّنوب، فانّ لكلِّ شيءٍ طالباً، ألا وإنَّ طالبها يكتب ما قدَّموا وآثارهم، وكلّ شيء أحصيناه في إمامٍ مبين".

السَّتر على معاصي الآخرين

أيّها الأحبّة: إنّ علينا أن نشعر بالجرم الكبير عندما نسيء إلى علاقتنا بالله، فأيّ ذنبٍ، ومهما كان صغيراً، يجب أن يشعرنا بالأزمة حتّى نعالجه، ولهذا نحن مدعوّون، وفي كلّ المعاصي، أن نستتر ولا نجاهر بها، وذلك كنوعٍ من العلاج، على طريقة (أن نحسب حساب خطّ الرّجعة)، والحديث يأمرنا بكلّ وضوح: "فإذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا".

وأمّا إذا ما ارتكب أحدٌ غيرنا الذّنوب والفواحش، فسترها منّا واجب، فلا نستنكرها بالعلن ولا بالإعلام كما هو حاصل اليوم، إلا في حال ظهرت وأصبحت بالتّالي تحتاج إلى ردّ فعلٍ لمواجهتها، وهذا ما أشار إليه الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(النّور: 19). وعن أمير المؤمنين(ع) أنّ النّبيّ(ص) قال له: "لو رأيت رجلاً على فاحشة؟ قال عليّ: أستره، قال الرّسول(ص): إن رأيته ثانياً؟ قال عليّ: أستره بإزاري وردائي، إلى ثلاث مرّات، فقال النبيّ(ص): لا فتى إلا عليّ، وقال: استروا على إخوانكم".

واجب التّوجيه والإرشاد

إنَّ من واجبنا كأفرادٍ أن نحمي ليس فقط أنفسنا، بل مجتمعنا أيضاً.. فمسؤوليّتنا كبيرة في التنبّه إلى ما يتمّ غزونا به، ومطلوبٌ تجميع القوى وأخذ المبادرات، وتفعيل ذلك من خلال التّوجيه والإرشاد في البيوت والمساجد، ومن خلال الجمعيّات والمؤسّسات والبلديّات، ووصولاً إلى القوانين، وكلّ ذلك بأسلوبٍ واع. فمن واجبنا أن نحمي أنفسنا من الذّنوب، كما نحمي أنفسنا من الأمراض الجسديّة، فنتائجها أخطر وأكبر، ومن حقِّنا أن نعترض عمّا يهدّد أمننا وأمن أولادنا الرّوحيّ والإيمانيّ والاجتماعيّ والأخرويّ، ولنطالب بما يلزمنا من تأمين مساحاتٍ للّهو البريء وللرّياضة والفنون الرّاقية التي تهذّب النّفس وتريحها، لا التي تنحدر بها إلى مزالق الذّنوب.

أيّها الأحبّة.. لا تخدعنّكم الدّنيا، ولا يغرّنّكم بالله الغرور.. صوموا عن الذّنوب... اللّهمّ حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الرّاشدين.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

مصادقة أمريكية على تهويد القدس

مع انتهاء أجواء العيد، تتسارع التطوّرات على السّاحة الإقليميّة والعالميّة، ويدخل الواقع الإسلاميّ في مرحلةٍ حرجة بدأت معالمها تظهر على أكثر من صعيد.

ففي فلسطين المحتلّة، يسارع الصَّهاينة، ومعهم الأميركيّون، إلى جولةٍ جديدةٍ من المفاوضات مع السّلطة الفلسطينيّة في قلب القدس المحتلّة، لتكون الرّسالة السياسيّة الحاسمة قد وصلت إلى العالمين العربيّ والإسلاميّ، بأنّ المصادقة المبدئيّة على تهويد القدس قد بدأت فعلاً، وخصوصاً مع إعلان العدوّ، أنّ خطّةً تشمل بناء 1300 وحدة سكنيّة استيطانيّة في القدس المحتلّة أوشكت أن تبدأ، إلى جانب إعلان رئيس حكومة العدوّ بأنّ الزّحف الاستيطانيّ سيستمرّ، وسيأخذ أبعاداً جديدةً مع استمرار المفاوضات، فيما تتحدّث أوساط متعدّدة عن رضوخ السّلطة الفلسطينيّة لهذا المنطق، بعد سلسلةٍ من الضّغوط الأميركيّة، الّتي انضمّت إليها ضغوط عربيّة موازية، وخصوصاً لجهة التسليم بيهوديّة الكيان الّتي أعلن المبعوث الأميركيّ عن تبنّيها، ليشير إلى الفلسطينيّين بضرورة ترتيب أوضاعهم وفق مقتضيات الوضع الصّهيونيّ، ونزولاً عند شروط العدوّ المذلّة...

الإثارة المذهبية تخدم مشروع العدو

إنّ ذلك كلّه يوحي بأنّ الإدارة الأميركيّة تعمل لإقفال الملفّ الفلسطينيّ بمشروع حربٍ واسعة النّطاق في المنطقة، يدخل فيها العنوان المذهبيّ على الخطّ، مشفوعاً بحملات التّخويف من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وبرنامجها النّوويّ السّلميّ، والّذي أثارته مجدّداً وكالة الطّاقة الذّرّية بطريقةٍ مريبة، ما يدفع المنطقة إلى عقد صفقات تسلّحٍ جديدةٍ مع الإدارة الأميركيّة، بحجّة التصدّي للخطر الإيرانيّ، وهو الأمر الّذي أعلن العدوّ موافقته عليه، وعمل على التّرويج له في وسائل إعلامه، لأنَّ الخطّة هي تخويف المسلمين بالمسلمين، واستثارة الأوضاع بحملاتٍ أخرى إعلاميّة وسياسيّة ودينيّة، يدخل فيها بعض الموتورين على الخطّ، في سياق حملة شتائم تهدف إلى إيقاد نيران الفتنة المذهبيّة في الواقع الإسلاميّ لحساب العدوّ الّذي بدأ يمنّي النفس إلى أنّ خطّته الجهنميّة تأخذ طريقها إلى النّجاح.

إنّنا ندعو الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، إلى تلمّس مواقع الخطر في الهجوم الدّوليّ والصّهيونيّ على فلسطين وقضيّتها، وفي السَّعي لإثارة الفتنة في الواقع الإسلاميّ، لتنطلق طلائع الوعي في الأمّة، فتقطع الطّريق على محور الاستكبار العالميّ، وعلى كلِّ من يعمل لخدمته بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ولتعمل على صون وحدة الأمَّة، ومنع اللاعبين الكبار وعملائهم الصِّغار من العبث بهذه الوحدة أو تعريضها للخطر.

حملات تستهدف الإسلام

وإلى جانب ذلك، تبرز الهجمة الدَّوليَّة على الكيان الإسلاميِّ كلِّه، في الدّعوة إلى حرق القرآن، وفي القوانين الّتي بدأت تطلُّ برأسها في بعض الدّول الأوروبيَّة، لجهة منع النِّقاب، وهي القوانين الّتي تمثِّل المقدِّمات الطّبيعيَّة لحملاتٍ أخرى قادمة تستهدف الشَّخصيَّة الإسلاميَّة في عناوين ومعطياتٍ جديدة... وصولاً إلى الاستهداف المباشر للوجود الإسلاميّ على الأرض الإسلاميَّة، كما يحصل في كشمير الّتي لا تزال تنـزف دماءً، وتئنُّ تحت وطأة حملات القمع الّتي استهدفت أهلها الّذين هبّوا للتَّظاهر دفاعاً عن القرآن الكريم، في مشهدٍ يشبه المشهد الأفغانيّ بمعطياته القديمة والجديدة، وفي دلالاتٍ جديدةٍ على أنَّ اعتراف المسلمين بالآخرين، وسعيهم للتّعايش معهم، لم يمنع هؤلاء من اضطهادهم أكثر، واحتلال بلادهم، ونهب خيراتهم وثرواتهم..

لبنان: تحذير من أبواق الفتنة

أمّا في لبنان، فهناك من ينفخ ببوق الفتنة، مدفوعاً إلى ذلك بتأثيراتٍ خارجيّةٍ، وبعصبيّةٍ سياسيّةٍ وحزبيّة، ما يعرِّض الوحدة الوطنيَّة لمزيدٍ من الأخطار، ويضع البلد على أبواب مرحلةٍ معقّدةٍ وخطيرة..

إنّنا نحذِّر من شغف البعض بافتعال المشاكل، ومن تحضير الأجواء سياسيّاً وإعلاميّاً لأزماتٍ وفتنٍ قادمة، لأنَّ من شأن ذلك العبث بمسيرة السِّلم الأهليّ كلّها، وتهيئة الأرض الدّاخليَّة لعدوانٍ صهيونيّ قادم، أو لفتنٍ تصيب تعايش أبناء الوطن الواحد في الصّميم..

هذا، ويجب أن لا يغيب عن بال المسؤولين، صعوبة الوضع المعيشيّ والاقتصاديّ الّذي يرزح تحت وطأته المواطن اللّبنانيّ، وخصوصاً أنّنا على أبواب عامٍ دراسيّ جديد، يجهد فيه الأهل للحصول على ما يقيهم الغرق أكثر في التزاماتٍ لا يقدرون على تأمينها إلا بشقّ الأنفس.

التقيّد بأنظمة السّير حكم شرعيّ

وأخيراً، لا بدّ لنا مع ازدياد حوادث السّير، بحيث بلغ عدد ضحاياها من القتلى والجرحى والمعوّقين المئات، وأمام هذا الواقع الّذي نفقد من خلاله الكثير من الأحبّة، ومن الطّاقات الحيّة من أبناء هذا البلد، لا بدّ من أن ندعو الدّولة في البداية، إلى التشدّد في القيام بمسؤوليّاتها، وذلك بالتشدّد في منح رخص القيادة، فلا تُعطى كيفما كان، إلى جانب التشدّد في وضع قوانين حازمة للسّير، والرّقابة في تطبيقها، وأيضاً في إزالة كلّ ما يعيق حركة السّير ويؤدّي إلى حصول تلك الحوادث، والعمل على استصدار تنظيمٍ فعّالٍ لحركة السيّارات والشّاحنات في الطّرق الدّوليّة والأوتوسترادات.

كما ندعو كلّ أحبائنا من المواطنين، إلى التقيّد بأنظمة السّير، وعدم تجاوز السّرعة القانونيّة، وهذا حكم شرعيّ، فلا يجوز شرعاً تجاوز أنظمة السّير، ولا يجوز مخالفة السّرعة المحدّدة، كما لا يجوز عدم استعمال كلّ وسائل الأمان في السيّارة.. فالّذي يقود السيّارة هو مسؤول عن حياته، ولا حقّ له بأن يغامر بها، كما هو مسؤول عن حياة الّذين معه في السيّارة، ومن حوله ممن يسيرون في الطّريق، ولتكن القاعدة في قيادة السيّارة هي حماية النّفس وكلّ الآخرين.

وهنا لا بدّ من الالتفات إلى المسؤوليّة الشرعيّة التي يتحمّلها الإنسان عند قيادته السيّارة تجاه كلّ الّذين وضعوا أنفسهم وحياتهم تحت سلطة قيادته، فلا ينبغي للمزاج ولا الرّغبة في السّرعة أن يكونا الحاكمَين في ذلك.

أيّها الأحبّة: إنّ حياتكم غالية على قلوبنا وقلوب كلّ المحبّين لكم، وهي غالية قبل ذلك عند ربّكم، ولا سيّما عندما تكون في خطّ طاعة الله وخطّ رضاه، فلا تضيّعوها.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 9 شوَّال 1431 هـ الموافق: 17/09/2010 م

ليست هناك تعليقات: