14 سبتمبر 2010

العلامة السيد علي فضل الله:
لـقد تغيرت صورة الحيـاة بعد موت والدي





«لقد تغيرت صورة الحياة بعد موت والدي».. بهذه الكلمات وصف نجل المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، العلامة السيد علي فضل الله رحيل والده، لكن لا بد للانسان من أن يكون واقعياً، يتابع السيد علي، ويفكر كيف يتابع المسيرة التي بدأها والده، وأعطاها كل حياته، وأوصى باستمرارها. وأضاف: لقد عشنا معه كوالد يحترم أولاده، ولا يتعامل معهم بقسوة، وكان دائماً يقول «لا تعاملوا أولادكم كأثاث البيت»، لذلك نشعر بيتم حقيقي بعد رحيله لأننا كنا نشعر بوجود مظلة تظللنا على كل المستويات.

وقال السيد علي فضل الله في حديث خاص لـ«جريدة النهار الكويتية» ان السيد ترك ارثاً كبيراً وغزيراً، ولن يكون هناك نقص في الآراء الفكرية والتي يحتاج اليها المجتمع بشكل عام، والعناوين العامة التي أطلقها والدي يمكن أن تطبق في أي لحظة، وتلبي حاجات العصر، مضيفاً أن السيد كان يرى الاسلام «دين الحياة، وهو ما أفاض به الله على عباده».

ووصف السيد علي لبنان بالساحة التي تتنفس من خلالها مشاكل المنطقة، وطالما الأخيرة لا تعرف هدوءاً، سيبقى لبنان غير مستقر وعرضة للاهتزازات، وان المطلوب من اللبنانيين، كما كان يؤكد المرجع الراحل أن يكونوا واعين، ويجعلوا لبنانهم من أفضل البلدان، مضيفاً، من ناحية ثانية، أن سورية من البلدان التي وقفت الى جانب لبنان، وما يربطنا بايران هو «الدين والمقاومة»، وعلى الغرب والولايات المتحدة الأميركية أن يفكروا بالآم الشعوب... وفي ما يلي نص الحوار:

هل لك أن تحدثنا أولاً عن والدك الراحل آية الله العلامة السيد محمد حسين فضل الله؟ وماذا عن الشعور الذي خلفه في داخلك بعد رحيله؟

لقد عشنا معه كوالد يحترم أولاده، ولا يتعامل معهم بقسوة، وكان دائماً يقول «لا تتعاملوا مع أولادكم كأثاث البيت» أي انه كان يتعامل معنا بانسانيته، ولهذا كان يحترم رأي جميع أولاده، وحتى عندما كنا صغاراً كان يحاورنا ويناقشنا ويقدم لنا الرأي السديد من موقع المحبة. لقد عشنا مع سماحة السيد الأب، وشعرنا بكياننا، واستطاع الوالد أن يبني فينا أُناساً يحمل كل واحد منهم صدقيته، ويستطيع أن يعبر عن رأيه بحرية. لقد عشنا مع السيد الرسالة التي كان يحملها منذ بداية حياته في النجف الأشرف حيث كان «طاقة حيَة» ينتقل من مكان الى آخر، وأيضاً عندما جاء الى لبنان حيث كنا نعرفه في الليل والنهار في العمل. لم نعهده جالساً، وراحته كانت في موقع أو مكان العمل. لقد كان السيد يحرص على ملء وقته، خاصة بالقراءة والكتابة ومتحدثاً. الانسان يشعر بيتم حقيقي بعد رحيله، كنا نشعر بوجود «مظلة» تظللنا على كل المستويات وخاصة على المستوى الفكري والمشاعر، وبالتالي يشعر الانسان بوجود فراغ بعد رحيله، وأستطيع أن أؤكد هنا أن «صورة الحياة قد اختلفت بعد رحيل والدي» لكن لا بد للانسان من أن يكون واقعياً ويفكر كيف يتابع المسيرة التي بدأها السيد محمد حسين فضل الله، وأعطاها كل حياته، وأوصى باستمرارها، لذلك فان المسؤولية كبيرة، وعلى كل شخص عايش سماحة السيد أن يخلص لهذه المسؤولية، ولا نعتبر أنفسنا أننا نستطيع تحمل المهمة وحدنا ولا ندعي ذلك، خاصة وأن السيد كان شخصية متنوعة وفي كل الميادين، لكن نحن على ثقة بأن السيد غرس في نفوس الناس من الذين كانوا معه ما يمكن أن يجعل هذه المسيرة قادرة على الاستمرار.

كيف قيمت المشاركة اللبنانية والعربية والأجنبية في مراسم تشييع الراحل الكبير؟

من يرى المشاركة التي كانت على كل المستويات، فهو يرى مدى حضور السيد في عقول الناس وقلوبهم ووجدانهم، وبالتالي شعرنا أن السيد أكبر بكثير مما كنا نتوقع. لقد كنا نراه كبيراً، لكن شعرنا خلال التشييع أن السيد متجذر أكثر في العقول، وتجلى هذا من خلال حضوره وقدرته على «اختراق» الطوائف والمذاهب والبلدان، وأن يصل حتى الى الذين لا يلتزمون دينه او مذهبه، وبالتالي شعرنا أن هذا الفكر ينبغي أن يبقى، وأن يتجدد، خاصة وأنه قادر(فكر السيد محمد حسين فضل الله) على تجاوز كل هذه الحواجز التي تنتصب أمامنا والتي تجعل أي فكر يصطدم بالحاجز الطائفي أو المذهبي أو السياسي، وقلة من الناس يستطيعون أن يتجاوزوا ذلك، لهذا نشعر بالاعتزاز لهذه الأمة والشعب، وحتى الذين شاركونا من القيادات الرسمية في العزاء شعرنا أنهم كانوا أوفياء، ولم نشعر بأنهم كانوا يجاملوننا بكلماتهم. ولا ننسى هنا الصحافة التي كان لها دور اساسي في هذا الاطار وحيث استطاعت أن تظهر السيد بأحلى صورة، حتى الذين كانوا يختلفون معه عبروا عن آرائهم التي طغى عليها الصوت الايجابي.

لا شك بأن الراحل السيد محمد حسين فضل الله خلف مسؤوليات عظيمة بعد وفاته. هل ستكمل الطريق التي سار عليها والدك؟ وهل ستخلفه أيضاً في «المرجعية»؟

أنا من هؤلاء الذين سيتابعون هذه المسيرة والتي تحتاج بحد ذاتها الى جهود كبيرة، لكن من موقعي أنني كنت في حياتي مع السيد حيث تتلمذت على يديه، وعشت معه كل التفاصيل، ورافقته في كل المراحل، وكنت أحل مكانه في حال السفر أو المرض، أشعر بمسؤولية مباشرة. أما بالنسبة الى موضوع «المرجعية» فهو يحتاج الى مقومات مثل العمل في المجال الديني والفقهي. أنا أسعى الى هذا الجانب، والسؤال: هل أصل أم لا؟ الجواب: هذا أمر مرهون بالناس، وهل سيقبلون بما سأطرح اذا أردت أن أبرز شيئاً معيناً؟. نحن نسير ضمن الجو العام للمرجعية، والانسان عليه أن يسعى في المستقبل.

ماذا ترك السيد محمد حسين فضل الله وراءه من فكر؟ وماذا بالنسبة الى مسألة «المرجعية والخلافة»؟ وهل يجوز برأيك أن يستمر البعض بـ«تقليد والدك»؟

لقد ترك هذا الفكر الحي، وسعى الى هز الفكر لأنه يوجد الكثير مما علق به والذي نحمله مغايراً للحقيقة. مثلاً الكثير من الأفكار التي أصبحت تشكل جزءاً من تراثنا ومقدساتنا وهي ليست كذلك، وهناك بعض ما دخل الينا من الغلو وأثر على بنائنا الفكري، اضافة الى ما يسمى بالتقليد(حتى بالاجتهاد أصبح هناك تقليد). السيد أراد أن يهز الفكر، وأن يدعونا الى التفكير، وكان دائماً يقول» نحترم آراءهم لكن لنا آراؤنا» وينبغي أن نناقش كل المواضيع، وعلى هذا الأساس ناقش السيد الكثير من الأفكار ومما ورد في التاريخ، ونبش الكثير مما ورد والذي أصبح يؤخذ كمسلمات، وعمل على أن يقدم صورة صحيحة لما ورد. لم يرفض السيد كل شيء لكن ناقش أشياءً وردت وتحمَل في هذا الخصوص الكثير. السيد طرح الفكر المنفتح على الآخر حيث كان حريصاً على الانفتاح، وكان حوارياً في شخصيته، وسعى دائماً الى مد الجسور مع الآخرين، ولذلك كان «وحدوياً حقيقياً»، وكان حريصاً أيضاً أن يكون قوياً بمواقفه، لم يهادن الاستكبار وكل الذين يريدون شراً بالشعوب المستضعفة، واحترم الشعوب، لكن دعاها الى اعادة النظر بخياراتها. أما بالنسبة الى الخلافة والمرجعية من بعده، فنحن لم نطرح في هذا الاطار اسماً محدداً لكن استفدنا من آراء الفقهاء الأحياء لأنه «يمكن للانسان أن يبقى على تقليد الميت»، والرأي الفقهي يقول «يجوز البقاء على تقليد الميت». لقد طرحنا أمام الناس هذا الجانب، وعلى هذا الأساس فان الكثيرين ممن يقلدون السيد محمد حسين فضل الله بقوا على تقليده، وهو ما يؤكد الاستمرار لهذه المرجعية، وقلنا للناس «أنتم أحرار بمرجعيتكم». قد تكون عندنا قناعات معينة، وقد طرحناها أمام الناس في ما نرى أن لهم الأهلية، وممن كان يرى سماحة السيد أنهم لديهم القدرة والتميز، لكن الناس بطبيعتها لا تزال ترى أن خيارها هذا التراث الشخصي الذي تركه السيد فضل الله، ولم يجدوا لأنفسهم أي مجال لاختيار آخر.

هل سيظل باب السيد محمد حسين فضل الله مفتوحاً، خاصة أمام الشباب؟ وماذا عن المؤسسات التي أنشأها سماحته مثل المبرات الخيرية ومستشفى بهمن وغيرهما؟

بطبيعة الحال نعم، والسيد طرح شعار «العقل المفتوح والقلب المفتوح»، لذلك ستبقى المؤسسات التي بناها السيد من المبرات الى مكتب الخدمات الاجتماعية، كذلك ستكون هنالك أعمال جديدة لخدمة هؤلاء الناس الذي أحبهم السيد والذي أطلق شعاره «أحب الناس. أحبكم جميعاً». انا كنت أشعر بهذا الحب من خلال تصرفاته وكلماته مع الناس حيث أحب الصغير والكبير ولهذا كان يسعد لخدمتهم ولم يترك فرصة في هذا المجال الا واغتنمها. وعندما كان يطرح عليه أي مشروع كان يقول انطلقوا به فوراً ولا تهتموا بمسألة التمويل فالناس فيهم الخير.

هل تعتبر أن الحفاظ على ارث والدك مسؤولية عامة؟ وماذا حول مقتضيات مواكبة المستجدات على المستوى الجهادي؟

طبعاً مسؤولية عامة لأن السيد كان شخصية عامة ولم يفكر يوماً أن يعيش لنفسه أو لعائلته فقط. لم يفكر السيد بحجم المؤسسات فقط بل كان يؤكد على ضرورة رعاية كل المؤسسات وحتى اذا كان بعض الذين يديرونها هم في خلاف معه حيث كان يؤكد «أن الخلاف قد ينتهي يوماً لكن المؤسسات تبقى والأشخاص يزولون».

وماذا أيضاً بالنسبة لاصدار الفتاوى بشأن القضايا الطارئة وفق مستجدات العصر؟

السيد ترك ارثاً كبيراً وغزيراً، ولا أعتقد أيضاً، حتى الآن ولا في المستقبل القريب، أنه سيكون هناك نقص في الآراء الفكرية والتي يحتاج اليها المجتمع بشكل عام. العناوين العامة التي أطلقها السيد يمكن أن تطبق في أي لحظة، وفي أي مرحلة، وتلبي حاجات العصر، لكن نأمل، في العصور المقبلة، أن يأتي من يتابع مسيرته لكن ما تركه السيد أعتقد أنه كثير وكبير، وبالتالي يغني الذين يرجعون اليه أو الذين يريدون أن يتعرفوا الى مسار معين في الحياة.

هل لك أن تحدثنا عن الجانب الفكري لوالدك بالنسبة للجانب الديني؟

كان السيد يرى أن الاسلام هو «دين الحياة»، ويعتبر أن الاسلام هو ما أفاض به الله على عباده، وهو الذي تحمل لأجله الأنبياء وكل العلماء المعاناة والآلام في سبيله، والمسؤولية أن يحافظوا عليه (الاسلام)، لكن ليس كما قد يقدم من قبل بعض الذين يشوهون صورة الاسلام. السيد كان يرى «الاسلام المنفتح» والذي يدعو الى التوازن أي الاسلام الوسطي والمنفتح على قضايا العصر. الاسلام الذي يعتبر أن الرفق هو الأساس، والخلق استثناء. الاسلام الذي يقول للمسلمين عندما يعيشون مع الذين يختلفون معهم في الدين «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم» بل كونوا بارين بالناس الذين يختلفون معكم في الدين ما دام هؤلاء لا يريدون بكم شراً، أو اخراجكم أو مقاتلتكم. كان السيد يعتبر أن الاسلام قادر على أن يعيش في العصر اذا أحسن تقديمه، واستطاع السيد، من خلال تقديمه للاسلام، وبالصورة التي كان يراها، أن يجعل الآخر يحترم الاسلام الذي يؤمن به.

سياسياً، ما رؤيتك الى ما تشهده الساحة اللبنانية في هذه المرحلة الصعبة؟

لبنان هو الساحة التي تتنفس من خلالها مشاكل المنطقة، وطالما الأخيرة لا تعرف هدوءاً سيبقى لبنان غير مستقر، وعرضة للاهتزازات، والمطلوب من اللبنانيين، كما كان يؤكد دائماً السيد فضل الله، أن يكونوا واعين، وأن يجعلوا لبنانهم من أفضل البلدان. مع الأسف يجد الكثيرون، ممن يريدون أن يثيروا فتناً طائفية ومذهبية أو توتراً في المنطقة، لبنان قابلاً وسهلاً. آن للبنانيين أن يستقروا ويعيشوا في سلام وأمان، وأن لا يكونوا ساحة للآخرين لكن هذا يحتاج الى ارادات سياسية وشعبية.

هل تتخوف من حرب اسرائيلية جديدة ضد لبنان؟

يبقى الخوف من اسرائيل التي عودتنا أن تغدر، لكن لا أعتقد أنها بوارد الدخول في حرب لأنها لن تكون سهلة بالنسبة لها نظراً الى امكانيات المقاومة اللبنانية، وأيضاً هي تفكر بأن توجد بدائل للحرب من خلال سعيها لاحداث فتن والتي توفر عليها الكثير، وتضعف لبنان والمنطقة على حدٍ سواء.

فرص الحرب ليست هي الغالبة حالياً، وأعتقد بأن اسرائيل تحتاج الى وقت حتى تلتقط أنفاسها، وتفكر جيداً بأن عليها أن تعد أكثر لحرب اذا أرادت أن تشنها.

هل لبنان محصن كفاية ضد الفتنة المذهبية والطائفية التي تحدثت عنها آنفا؟

هناك الكثير من الأصوات التي تدعو الى الوحدة، ونتمنى أن لا تتكرر حادثة برج أبي حيدر، وأن توضع في حدودها. لايزال داخل الناس احساس بأن عليهم أن يعيشوا مع بعضهم البعض، ولا خيار لهم الا العيش المشترك، خاصة وأن الشعب اللبناني قد اختبر الفتنة الطائفية والمذهبية. هناك شعور بأن «الوحدة» يجب أن تكون الخيار لكن هناك من يسعى الى الفتنة في لبنان.

كيف تصف علاقتك بالأحزاب اللبنانية عموماً وحزب الله خصوصاً؟

تعلمنا أن ننفتح على الجميع لأننا نملك الكثير من القواسم المشتركة معهم. نحن دعاة مد الجسور مع الجميع، وعلاقاتنا قوية مع المقاومة، والسيد كان رائداً في العمل لها، وحمايتها، ونحن ضد الذين يقفون في وجهها والذين يريدون شراً بهذا البلد، ومع الذين يريدون خيراً لهذا البلد وكل الذين يعملون للوحدة، والذين يفكرون بهذا الوطن. سنمد الجسور مع كل الذين يعيشون في هذا الوطن.

ما رؤيتكم لعلاقة لبنان بسورية؟ ايران؟ الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموما؟

سورية من الدول التي وقفت الى جانب لبنان على الرغم من ملاحظات البعض حول أسلوب التعامل بين البلدين لكن..سورية وقفت مع لبنان وحمته، ويذكر ذلك المسيحيون عندما كان يراد أن يطاح بهم، حيث جاء السوريون لايجاد التوازن، وكانوا صمام الأمان في هذا البلد، وهم يقفون حالياً في موقع الممانعة والمواجهة ضد المشروع الأستكباري والصهيوني في المنطقة. أما بالنسبة الى ايران، فان ما يربطنا معها هو الدين، وطهران وقفت مع لبنان في موضوع المقاومة، وأيدت المقاومة أيضاً في بلدنا.

وهي على استعداد أن تقف مع لبنان في كل قضاياه، لذلك من الطبيعي أن نقف مع الجمهورية الاسلامية التي تقف مع قضايانا. نحن لدينا ملاحظات حول طريقة ادارة الغرب للواقع العربي واللبناني والاسلامي، والقضية الفلسطينية، ونطرح هذه الملاحظات، وندعو الغرب الى أن يفكر بآلام الشعوب، وأنا أدعو الغرب وأميركا والعالم أن يحترم شعوب هذه المنطقة، وحينها سيجد أنها ( المنطقة) صديقة له، خاصة وأن ديننا يعلمنا أن لا نكون مشكلة لأحد حتى الذين يختلفون معنا. السيد فضل الله كان يدعو الناس عندما يذهبون الى الغرب أن يحترموا نظامه، وكان يعتبر «الفيزا» التي يحصلون عليها بمنزلة «عهد والتزام»، خاصة لمن يعتقد في نفسه بأن هذه البلدان تدعم اسرائيل.

ليست هناك تعليقات: