24 سبتمبر 2008

تساءل عن السبب في استمرار ضخّ السيولة المالية العربية في المصارف والبورصات والخزينة الأمريكية
فضل الله: المتغيرات العالمية الخطيرة تفرض على العرب تحصين أوضاعهم من خلال تكتلات اقتصادية وسياسية


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً رحّب فيه بحديث خمسة وزراء خارجية أمريكيين سابقين حول ضرورة الحوار مع دول عربية وإسلامية، وجاء فيه:
لا تستطيع الإدارة الأمريكية أن تنفض يدها مما يحصل من اضطراب سياسي وأمني ومالي في العالم، فهي ليست مسؤولة فقط عن التدمير الذي خلّفته حروبها المتنقلة من أفغانستان إلى العراق، وعن فوضى العلاقات التي طغت على الواقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وعن تصاعد الخلافات العرقية والمذهبية والسياسية بين الجماعات والشعوب والأحزاب، بل هي مسؤولة أيضاً عن تداعيات أزمة القوقاز الأخيرة، وعن أسلوب الاستفزاز الذي يسود العلاقات بين الدول، كما أنها تتحمل المسؤولية بطريقة وأخرى عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي تعصف بأسواق البورصات وحركة الأسهم في العالم والتي أصيب بها الاقتصاد الأمريكي وغيره من الاقتصادات.
إن الصورة التي يبدو بها العالم في هذه الأيام هي صورة الفوضى السياسية والاقتصادية والأمنية التي تجعله أكثر هشاشة من أي وقت مضى، وترتّب مسؤوليات كبرى على أولئك الذين وضعوا أنفسهم في موقع القيادة لهذا العالم، وخصوصاً إدارة المحافظين الجدد، فعملوا على تهديد السلم العالمي والأمن الاجتماعي للبشرية بما يفوق حدود التصور، ومن خلال رؤية سياسية وأمنية ودينية قائمة على الخرافة في بعض جوانبها وعلى العدوان والغزو في جوانبها الأخرى.
ولذلك، فإن العالم بات في هذه الأيام في أمسّ الحاجة إلى أن يكبح جماح الثور الأمريكي الهائج الذي يهدد مصيره من خلال مجموعة معقدة حاقدة لا تزال تبشّر بالحروب وتعلن عن تعطّشها للدماء، كما أن الأصوات التي تنطلق من داخل الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الأيام، ومن بينها أصوات وزراء الخارجية الأمريكية الخمسة السابقين الذين انتقدوا سياسة إدارة الرئيس بوش، وأجمعوا على الحاجة لمحاورة إيران وسوريا، قد تمثل البداية العملية لإشعار هذه الإدارة بخطورة ما صنعته في العالم، وخصوصاً في المنطقة العربية والإسلامية، وقد تمثل محاولة عاقلة لدفع هذه الإدارة إلى التروي وعدم الذهاب في مغامرات عدوانية وتدميرية جديدة في ما تبقّى أمامها من وقت في الحكم.
ونحن في الوقت الذي نرحّب ببروز مواقف أمريكية تدعو إلى إدارة حوار موضوعي ومنفتح مع الدول العربية والإسلامية، نؤكد أن صورة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة لا يمكن أن تتحسن إلا من خلال الحوار الذي يقود إلى الاحترام المتبادل وإلى أن تكفّ أمريكا ـ الإدارة عن أن تكون راعية للإرهاب الإسرائيلي ومعادية للقضايا العربية والإسلامية، ونحن في الوقت نفسه نطلق السؤال أمام الدول العربية: إذا كانت أصوات أمريكية بهذا الحجم تتحدث عن ضرورة الحوار مع هذه الدولة الإسلامية وتلك الدولة العربية، آخذة في الاعتبار تأثيرهما في ساحة المنطقة، فلماذا لا يبادر العرب إلى محاورة بعضهم بعضاً؟.
إننا أمام حال الاضطراب التي تسود الساحة الأمريكية وأمام هذا السقوط على مستوى الهيبة السياسية والاقتصادية والأمنية للإدارة الأمريكية، نتساءل: هل يستفيد العرب من هذا الوضع، وهل سيعمد بعضهم ـ على مستوى الأنظمة ـ لشرب حليب السباع والخروج من دائرة الإملاءات الأمريكية المتواصلة التي أنهكت اقتصادات دولنا، كما أسقطت قراراتها السياسية الاستراتيجية؟ وهل يصل واقعنا العربي في يوم من الأيام إلى ما وصل إليه الواقع في دول أمريكا اللاتينية التي وقفت في وجه أمريكا وغطرستها وتجرأت دولتان من دولها على طرد السفير الأمريكي؟!
إن ثمة من يؤكد في هذه الأيام أن الثروة النفطية العربية التي درّت أموالاً كثيرة على بعض الدول العربية المنتجة للنفط سيذهب منها نحو ألف مليار دولار إلى الخزائن الأمريكية كقروض لدعم الاقتصاد الأمريكي بعد أزمته الأخيرة، وكأن المطلوب من المال العربي ألا يخرج دوره عن دعم الإدارات الأمريكية المتعاقبة عبر صفقات التسليح التي لم تستخدم يوماً للدفاع عن أرض العرب في مواجهة إسرائيل، ولم تشكّل حاجة أساسية للدول التي تبرم هذه الصفقات، أو من خلال ضخّ السيولة اللازمة إلى المصانع والمصارف والبورصات الأمريكية عند حاجة الأمريكيين لذلك!
إننا، وأمام المتغيرات السريعة التي تصيب العالم بالاضطراب اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وأمام التحولات الضخمة والمتسارعة التي تطاول اقتصاداته الكبرى ومواقعه الاستراتيجية، ندعو العرب والمسلمين إلى المسارعة لتحصين أوضاعهم الداخلية عبر تكتلات اقتصادية تحمي واقعهم من الداخل وتمنع اجتياح أوضاعهم على المستوى الاقتصادي بعد الاجتياح الأمني والعسكري والسياسي، وتعمل للصمود أمام الزلازل التي تضرب العالم على مختلف المستويات، ولا سبيل لذلك إلا من خلال الوحدة السياسية التي تطل على وحدة اقتصادية وعلى تعاون ثقافي وفكري متنوع، وخصوصاً أن ما يربط بين فئات وشعوب العالم العربي والإسلامي من روابط ثقافية ودينية واجتماعية وغيرها هو أكبر بكثير مما يربط بين فئات العالم الأخرى وشعوبها.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 21-9-1429 هـ الموافق: 21/09/2008 م

ليست هناك تعليقات: