18 سبتمبر 2008

إذا كنا نستفيد في المقاومة من سورية، فلا يعني ذلك أننا موافقون على ما تقوم به في الصلح مع إسرائيل»العلامة
فضل الله لـ «الرأي»: إذا صحّ ما نسب إلى الشيخ القرضاوي... فهو حديث فتنة


صحيفة «الرأي» الكويتية التقت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وكان معه هذا الحوار:
مرتكزات رؤية الهلال

س: في البدء، نبارك لكم حلول شهر رمضان الكريم. وفي هذه المناسبة، نودّ أن نسألكم: ما تفسيركم لاستمرار هذا الخلاف على رؤية الهلال بين المسلمين في هذا العصر؟

ج: إننا نبارك للمسلمين جميعاً هذا الشهر المبارك الذي أنزل الله فيه القرآن وجعله نوراً يقود إلى الحق، وينير القلوب بالمحبة والعدل، ويفتح الحياة العامة للمسلمين على أساس الوحدة الإسلامية التي يلتقي المسلمون فيها على الثوابت العقيدية، والتي يردّون فيها ما اختلفوا فيه إلى الله والرسول، ليكون الحوار هو الأساس في حل الخلافات، سواء كانت خلافات شرعية أو خلافات في بعض فروع العقيدة. وإننا ندعو المسلمين في هذا الشهر إلى أن يؤكدوا وحدتهم الإسلامية في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الإسلام كله من دون تفريق بين مذهب ومذهب.
أما في مسألة رؤية الهلال، فلعلّ المشكلة هي أنّ الغالبية من علماء المسلمين الذين يتبعهم الناس، يؤكِّدون حرفية الحديث النبوي الشريف: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته»، فيعتبرون أن الرؤية هي الأساس في حكم أوائل الشهور، ولا يرون أنّ للعلم دوراً في هذا المجال. ومن الطبيعي أن الرؤية التي ينطلق بها الشهود قد تختلف من بلدٍ إلى آخر، وبين شاهد وآخر، فهناك من لا يوثق الشهود في هذا البلد وهناك من يوثّقهم في بلد آخر، وعلى هذا الأساس تختلف المسألة.
وهناك نقطة أخرى، وهي أن بعضهم يؤكد أن كل بلد يتبع في الرؤية هذا البلد أو تلك المنطقة. ونحن في هذا المجال ننطلق من فكرة علمية أساسية، وهي أن مسألة الشهر مسألة مربوطة بالنظام الكوني في حسابات الزمن، فالشهر ينتهي بدخول القمر في المحاق، وهذا ما يسمى بالاقتران، ويبدأ عندما يخرج القمر من المحاق، وهذا ما يُطلق عليه التوليد الفلكي. لذلك، فإن الهلال إذا ولد وشهد الخبراء في علم الفلك شهادةً قطعيةً بولادته فإن الشهر يثبت بذلك، خصوصاً أن الحسابات الفلكية هي حسابات قطعية لا يختلف فيها اثنان في كل أنحاء العالم.
ولذلك، فإننا نتصور أن الانطلاق من الحسابات الفلكية الدقيقة هو الذي يمكن أن يوحّد المسلمين في مسألة أوائل الشهور، ونحن نعتبر أن الرؤية هي وسيلة من وسائل المعرفة وليست لها أي موضوعية، وأضرب لذلك مثلاً شعبياً، فلو قال لك شخص ما: إذا رأيت فلاناً فأخبرني، ولكنك لم تره، بل اتصل بك عبر الهاتف، فهل تخبره بوجوده أو لا؟ من الطبيعي أن تخبره، مع أنك لم تره. وهذا يدل على أن الرؤية ليست ملحوظةً كعنصر أساس، بل هي وسيلة من وسائل المعرفة. وعليه، نحن نعتقد أن هذه الخلافات بين المسلمين، سواء في داخل المذهب الشيعي أو في داخل المذهب السني، ستبقى تفرض نفسها في شكلٍ فوضوي على الواقع الإسلامي، ما لم يتم الأخذ بالوسائل العلمية التي ترتكز على أساس الحسابات الفلكية.
والله سبحانه تعالى يقول في كتابه: {إنّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض} [التوبة:36]، أي أنّ الله قد ركّز نظام الشهور قبل أن يكون هناك بشر، وقبل أن تكون هناك عيون، ما يدل على أن المسألة مربوطة بالنظام الكوني، تماماً كما قضية الليل والنهار مربوطة بالنظام الكوني، ومما يدل على ذلك، هو أن العلماء المسلمين يتحدثون عن أن هناك كسوفاً للشمس أو خسوفاً للقمر قبل حدوث ذلك بخمسين عاماً، مع أنهم لم يروا الكسوف أو الخسوف، معتمدين في ذلك على أخبار الفلكيين. فإذا كان الفلك يخبرنا عن بعض الظواهر التي تحدث للشمس أو القمر بعد خمسين سنة، فكيف لا يخبرنا العلم القطعي بولادة الهلال في بداية كل شهر؟ لذلك نحن نتصور أن الاعتماد على الحسابات الفلكية، هو الذي ينسجم مع طبيعة النظام الذي جعله الله للكون كله، سواء نظام الجمل، أو نظام الظواهر الكونية.

س: تحدثتم عن الوحدة الإسلامية، وأنتم ممن أفنوا جل عمرهم في العمل والدعوة لتأكيد الوحدة بين المسلمين، لكن واقع الحال هو في تراجع دائم على هذا الصعيد، لماذا؟

ج: مسألة الوحدة الإسلامية هي من المسائل التي أكدتها الثوابت العقيدية الإسلامية، ونحن نعرف أن التوحيد والنبوة والمعاد تمثّل الثوابت التي يلتقي عليها كل المسلمين، وكذلك الإيمان بأنّ القرآن هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنّ الله تكفل بحفظه، وذلك قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9]. وعلى مستوى القضايا الفقهية الشرعية، نرى أن المسلمين السنة والشيعة يلتقون في اجتهاداتهم الإسلامية والأحكام الشرعية بنسبة ثمانين في المئة، والشيعة يختلفون فيما بينهم في اجتهاداتهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السنة، ونحن نعرف أن الاختلاف في الاجتهاد هو اختلاف فقهي ولا يخرج المسلم عن كونه مسلماً، كما أننا نقرأ في قوله تعالى: {فإنْ تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} [النساء:59]، فما يختلف المسلمون فيه لا بد من أن يجري الحوار حوله بإرجاعه إلى الكتاب والسنة. وأيضاً نقرأ في حديث النبي(ص) قوله: «كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه». ولكن من الطبيعي وجود اختلاف في وجهات النظر وفي بعض التفسيرات والآراء، كالاختلاف مثلاً حول شخصية النبي(ص)؛ هل هو معصوم في كل الأشياء أم في التبليغ فقط؟ وما إلى ذلك من أمورٍ مما يمكن أن يدور فيها الحوار بين المسلمين.
هذا في الخط العام، فالوحدة الإسلامية إذاً هي القاعدة التي تنطلق من الثوابت الإسلامية. ولكن في الوقت عينه، ونحن نتحدث عن الوحدة الإسلامية، يجب أن نلحظ أن هناك حرباً على الإسلام يقوم بها كثيرون في الغرب، ومن بين مظاهرها، الهجوم على شخصية النبي(ص)، من خلال نشر الصور المسيئة، أو في بعض ما ينسبونه إلى الإسلام، وغير ذلك مما يثار في وسائل الإعلام والأبحاث والكتب، ولا أدعي شمولية الغرب في هذا الشأن، ولكن ذلك الأمر يشكل ظاهرةً في هذا المجال. ونحن نجد أن من مسؤولية المسلمين أن يتوحدوا للحفاظ على الإسلام في الخط العام، ثمّ إذا وجد أي خلاف في بعض المفردات الإسلامية، فإنه من الممكن جداً أن ننطلق في معالجته على طريقة القرآن الكريم {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل:125]، لأن القرآن أراد لنا أن نجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن، فكيف لا نجادل المسلمين بالتي هي أحسن فيما يختلفون فيه؟! إذاً الوحدة الإسلامية على المستوى السياسي والثقافي في الخطوط العامة، تمثل ضرورةً في الواقع الذي يواجه فيه الإسلام التحديات الكبرى من الشرق والغرب.

بدعة سورة الولاية

س: في هذا الإطار، أثار الداعية الشيخ يوسف القرضاوي أخيراً جملة مسائل تتعلق بالمسلمين الشيعة، منها: أنهم مبتدعون في الدين، وأن كثيرين منهم يعتبرون القرآن الكريم ناقصاً من إحدى السور، وهي كما قال سورة الولاية، وأنهم يسبون الصحابة، إضافةً إلى أنهم يقومون بغزوٍ فكري وعقائدي للمسلمين السنة... وهذه قضايا تعمّق الخلافات بين المسلمين والأمر يحتاج إلى توضيح؟

ج: في الواقع، لقد فوجئت كثيراً بتلك التصريحات المنسوبة إلى الشيخ القرضاوي في مجلة «المصري»، فأنا لم أسمع أنه صدر عنه أي موقف ضد التبشير الذي يراد من خلاله إخراج المسلمين من دينهم وربطهم بدين آخر. ونحن نعرف أن هناك مشكلة كبرى في الجزائر، حيث تذهب فرق التبشير المسيحي من أجل التبشير بالمسيحية في المجتمع الإسلامي، مستغلين الفقر الذي يعيشه المسلمون هناك، ولكننا لم نسمع منه أي تعليق سلبي ضدّ هذا الاختراق، أو ضدّ اختراق العلمانيين أو الملحدين للواقع الإسلامي. وقد تحدثت أيضاً بعض وسائل الإعلام عن تحوّل الآلاف من المسلمين في بعض بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً تحوّل إلى المسيحية، فلماذا لا يثار هذا الأمر ولا يصدر أي موقف للحدّ من ذلك؟!
والحقيقة أن سماحة الشيخ القرضاوي قد دأب منذ زمن على أن يتحدث عن نقطتين: الأولى هي أن الشيعة يسبون الصحابة، والنقطة الثانية هي أن الشيعة يخترقون المجتمع السني من أجل تشييعه وهو ما يمثل من وجهة نظره خطراً كبيراً على المذهب السني. وأذكر أنني تحدثت مع بعض أصدقائنا في (اتحاد العلماء المسلمين) في هذه المسألة. أما قصة سبّ الصحابة، فنحن نعرف أن هناك من علماء الشيعة من أصدر الفتاوى الواضحة في تحريم سبّهم وسبّ أمهات المؤمنين، وقد أصدرت أنا فتوى حول هذا الموضوع نشرت في أغلب صحف العالم، وما زلنا نؤكد، رداً على كل الأسئلة التي تأتينا في هذا المجال، حرمة هذا الأمر. وربما نجد في الشيعة من يقوم بذلك، ولكن قد يمثّل ذلك رد فعل على ما يصدر عن كثير من علماء المسلمين في العالم، حتى من غير الوهابيين من تكفيرٍ للشيعة واعتبارهم مشركين ومرتدّين.
كما أنّ هناك بعض الفتاوى الموجودة لدى بعض علماء المسلمين، ولاسيما في السعودية، يستحلون فيها دماء الشيعة، وهذا ما لاحظنا تطبيقه في العراق وأفغانستان من خلال تجربة «القاعدة»، إذ نجد أن هناك من يستحل دماء المسلمين الشيعة باعتبار أنهم مشركون ومرتدون وما إلى ذلك، ما قد يثير رد فعل في هذا المجال، ولكن علماء الشيعة الواعين يحاولون السيطرة على هذا الموضوع.
ونحن نستوحي من كلام القرضاوي، أنه يعتبر الشيعة مبتدعة، أي أنهم أدخلوا البدعة في الإسلام، لذلك نحن نتساءل: هل دخل الشيخ القرضاوي، وهو الذي يحمل عنوان «رئيس اتحاد علماء المسلمين»، في حوار مع علماء الشيعة؛ معنا أو مع بعض العلماء الذين يحضرون المؤتمرات، في محاولة لتبيان أو توضيح هذه البدعة عند الشيعة؟ إننا لم نسمع بذلك ولم يحصل، ولكنه يطلق القول من غير دراسة علمية موضوعية تقارن بين ما كتب في الماضي وما يكتب الآن من علماء الشيعة الواعين.
ثم إن الشيخ القرضاوي يتحدث عن أن هناك سورة ينسبها الشيعة إلى القرآن وهي سورة الولاية، ويقول إن أكثر الشيعة يعتمدونها، وأنا أقول له، أولاً، إن تسعة وتسعين في المئة، فاصلة تسعة وتسعين من المسلمين الشيعة، لم يسمعوا قط بسورة الولاية. وثانياً، لو أن سورة الولاية كانت ثابتةً عند الشيعة، لكتبت على الأقل في مصحف واحد. وأذكر أنه في لقائي مع الشيخ محمد الغزالي الذي كان وحدوياً، أخبرني أنه يقول دائماً لكثير من علماء السنة في العالم، الذين ينسبون إلى الشيعة في شكل عام تحريف القرآن، أنّه لم يُقدَّم أي مصحف ممّا طُبع ويطبع في إيران أو العراق أو في أي بلد آخر فيه حرف زائد عما يطبع في مصر أو السعودية أو بلدان أخرى. وهذه المسماة سورة الولاية التي ذكرها أحد المؤلفين، هو نفسه يقول: أنا لا أقبل أن تنسب إليّ لأنها من أسخف الكلام. فمن أين استحضر الشيخ القرضاوي هذه المسألة؟ فليدلنا على بعض الكتب الشيعية التي تؤكد وجود سورة الولاية!

س: هل نفهم أنها موجودة عند بعض المسلمين الشيعة؟

ج: ربما كتب هذا في بعض المؤلفات القديمة، ولكن علماء الشيعة ردوا هذا الكلام في شكل مطلق، وكان الرد حاسماً، واعتبروه من الكلام السخيف الذي لا يقبل الإنسان الذي يحترم ثقافته أن يُنسب إليه، فكيف بأن يُنسب إلى القرآن؟! وأنا أؤكد الآن أن أغلب الشيعة لم يسمعوا بهذه السورة قط، فكيف يقول إن أكثر الشيعة يقولون بها؟!
ثم إنه لو كانت مسألة إقناع سني بأن يصبح شيعياً، تشكل، في نظره، خطراً أو غزواً كغزو المبشّرين أوالملحدين للمسلمين، فما رأيه في بعض السنة الذين يصدرون الآن الكتب التي تهاجم الشيعة وتكفرهم وتعتبرهم مشركين مرتدين؟ وما رأيه في بعض السنة في لبنان الذين أقنعوا بعض الشيعة بالتحول إلى المذهب السني؟ هل نقول إن هذا غزوٌ سنيّ؟! ثم إنني أرسلت إلى الشيخ القرضاوي، بواسطة بعض الأصدقاء، أن أعطني إحصائيةً عن حالات التشيّع التي تجري، والتي تشكّل خطر على الواقع السني في البلدان التي ذكر أنها تتعرض لاختراق شيعي، كمصر والجزائر وسورية وغير ذلك؟

س: هل أجابك؟

ج: لم يجب، وأقول له إنك لا تملك أي إحصائية في هذا المجال. ولذلك أعتقد أنه إذا صح ما نسب إلى سماحة الشيخ القرضاوي، فإننا نرى فيه حديث فتنة، وأسأل: ما المصلحة في السعي إلى إثارة الفتنة بين المسلمين من خلال تلك الأقاويل التي ترمي المسلمين بالابتداع؟ وأنا آسف لأن يصدر ذلك من سماحة الشيخ القرضاوي الذي كان من رموز الوحدة الإسلامية وكان يسعى لها.
وإذا كان في التراث الشيعي أكاذيب كثيرة أكد العلماء الشيعة أنها أحاديث موضوعة، فإن في التراث السني أيضاً أكاذيب كثيرة أكد علماء السنة أنها ليست موثوقة. ولذلك قلت لبعض علماء السنة من أصدقائنا: إذا كنتم تريدون أن تتحدثوا عن "خرابيطنا" وأن نتحدث عن "خرابيطكم" فإننا لن نتفق.

الصعـود الشيعـي

س: هل تعتقدون أن للصعود الشيعي في المنطقة علاقة بإثارة هذه الحساسية بين المسلمين الشيعة والسنة؟ ونحن نلاحظ أنه كلما كثر الحديث عن قوة الشيعة، كثرت إثارة مثل هذه المسائل الخلافية.

ج: هل المشكلة هي في الصعود الشيعي أو هي في الصعود الأميركي؟! فمثلاً العراق هو بلد فيه أكثرية شيعية، وقد عاش الشيعة مع السنة مئات السنين من دون أن تكون هناك مشكلة، ونحن نعرف أن علماء الشيعة خرجوا في العام 1920 لمحاربة الإنكليز دفاعاً عن سلطة السنة التي كانت متمثلة بالخلافة العثمانية آنذاك، وقد قبلوا بحكم العائلة الهاشمية التي كانت على المذهب السني، وهم الذين جاؤوا بالملك فيصل ملكاً على العراق، وقبلوا بذلك للتخلص من الحكم البريطاني. ولذلك أنا لا أفهم كيف يتحدثون عن الصعود الشيعي، ولكن الانتخابات التي تمثل المنهج الديموقراطي، جعلت الشيعة هم الأكثرية في المجلس النيابي، إلاّ أنّ الحكومة ليست شيعيةً، ونحن نعرف أن في الحكومة سنةً، وقد دخلت أخيراً جبهة التوافق في الحكومة الحالية، ودخل الأكراد، وهم كلهم سنة.
ولذلك، فإن دخول الشيعة في العملية السياسية هو دخول طبيعي كأي أكثرية في أي مجتمع فيه أكثرية وأقلية. ثم مهما صعد الشيعة في العراق أو في لبنان، فإنهم يبقون أقلية في العالم الإسلامي! فهل يستطيع الشيعة بهذا الحجم أن يسيطروا على العالم الإسلامي كله؟ إن المسألة هي «فتش عن أميركا» وعن السائرين في خط السياسة الأميركية الذين يريدون إثارة الفتنة بين المسلمين، وخصوصاً بعد الثورة الإسلامية في إيران، التي انطلق الإعلام بالحديث عن أنها ثورة شيعية أو ثورة فارسية. ونحن عندما نتابع زيارات المندوبين الأمريكيين إلى المنطقة، ومنهم وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، ونائب الرئيس ديك تشيني، نلحظ أنهم يحاولون الإيحاء دائماً بأن إيران هي العدو وإسرائيل هي الصديق.

س: قد يجد بعضهم في حركة التسلح عند الجانب الشيعي في إيران ولبنان تبريراً للمخاوف؟

ج: إذا كان التسلح الشيعي من أجل محاربة إسرائيل يشكل خطراً، فبماذا نصف أو نفسر التسلح الإسرائيلي من أجل السيطرة على المنطقة كلها من قبل أميركا؟! المشكلة أن هؤلاء الذين يتحدثون عن العروبة والإسلام، أصبحوا أقرب إلى إسرائيل منهم إلى العرب والمسلمين، ونحن نعرف أن أميركا تحاول تعبئة العالم العربي، وفي مقدّمه ما يسمى دول الاعتدال، ضد إيران، ولكنهم يعرفون أن أي حرب ضد إيران سوف تدمر المنطقة كلها، ولذلك فإنهم، رغم بعض الحساسيات التي يثيرونها ضد إيران، أصبحوا يفكرون في أن لا مصلحة لهم في الحرب معها.

المفاوضات السورية الإسرائيلية

س: أنتم من أصحاب فكر المقاومة وخيار المقاومة في المنطقة، وهناك من يتساءل عن سبب عدم صدور أي موقف من «أهل المقاومة» بشأن ما يجري من مفاوضات بين سورية وإسرائيل؟

ج: أولاً، نحن نرى أنّ أكثر الدول العربية هم أصدقاء مقربون لإسرائيل التي تقوم بالمجازر الوحشية ضد أطفال فلسطين ونسائهم وشيوخهم، والتي لا تزال تحاصر المدنيين في غزة مسبّبةً بموت الأطفال والمرضى نتيجة فقدهم الغذاء والدواء، كما أنها لا تزال تحتل فلسطين، سواء في شكل مباشر في بعض الأجزاء، وغير مباشر في الأجزاء الأخرى. وإننا نتساءل: أين هو الموقف العربي الفاعل في مواجهة إسرائيل؟!
ثانياً، نحن نتصور أنّ ما صدر عن سورية من كلام عن إقامة مفاوضات مع إسرائيل في شكل غير مباشر، إنما هو من أجل استعادة أرضها المحتلة، وقد سمعت بعض التصريحات من السوريين تقول إنهم لن يدخلوا في مفاوضات مباشرة إلا بعد انسحاب إسرائيل من الجولان.
ثالثاً، وأنا أتحدث كإسلامي، نحن نرفض أي صلح مع إسرائيل، سواء من قبل سورية أو مصر أو السعودية أو أي دولة أخرى، لأنّ اليهود اغتصبوا ارض فلسطين دون أي شرعية لهم. ونحن نقول بالنسبة إلى اليهود الذين كانوا سابقاً قبل ولادة إسرائيل ليبقوا في فلسطين، ولتكن فلسطين بلداً واحداً كلبنان يضم المسلمين والمسيحيين واليهود. وإذا كنا نستفيد في المقاومة من سورية أو غير سورية، فهذا لا يعني أننا نوافق على كل ما تقوم به سورية في مسألة الصلح مع إسرائيل، وفي اعتقادنا أن مسألة الصلح مع إسرائيل هي مسألة بعيدة جداً، وما يجري الآن ينطلق من خلال بعض الأوضاع السياسية التي قد تستفيد منها إسرائيل وسورية أمام الرأي العام العالمي.

الموقف الشيعي من إسرائيل

س: ذكرتم أن المسلمين الشيعة هم أقلية في العالم الإسلامي، فإذا كان العالم الإسلامي أو العربي تحديداً يريد الصلح مع إسرائيل، فلماذا يحمل الشيعة «السلَّم بالعرض»؟

ج: أنا أتكلم مع المسلمين كافة، وخصوصاً مع السنة، من خلال المنطق الإسلامي، الذي يقضي بأن يُردّ ما اغتصب من الأرض إلى أصحابه ولو كان شبراً واحداً، فكيف الحال في اغتصاب أرض بكاملها ووطنٍ بكامله وشعبٍ بكامله؟! أنا لا أتحدث عن شيعة وسنة، أنا أتحدث عن الإسلام وعن العدل، وقد قرأت في كتاب الله سبحانه وتعالى أن الرسالات بأجمعها انطلقت من قاعدة العدل: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد:25]. وأنا أرى أن العدل هو في إقامة الحق.
وإذا كان السنة هم الأكثرية في العالم الإسلامي، فإن الأكثرية لا تمثل بالضرورة الحق، كما أن الأقلية لا تمثل بالضرورة الباطل، ونحن نقرأ في القرآن الكريم: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن الأكثرية التي تريد الصلح مع إسرائيل، هي ليست أكثرية الشعوب، إنما هي الدول والأنظمة، فمثلاً اعترفت مصر بإسرائيل، ولكن الشعب المصري ما زال يقاطعها في شكل عام، وهكذا بالنسبة إلى الشعب الأردني. وحين انتصرت المقاومة في لبنان على إسرائيل في العام 2006، واستطاعت أن تقهر الجيش الذي لا يقهر، رأينا كيف وقف العالم الإسلامي والعربي مع المقاومة، على الرغم من أن الحكام كانوا ضدّها، ما يدل على أن الشعوب في قضايا الحقوق السياسية المصيرية التي تمثل حقوق الأمة، لا تفرق بين مذهب ومذهب.

الحوار الإسلامي

س: على صعيد الوحدة الوطنية والوحدة الإسلامية في لبنان، هناك انقسام حاد بين السنة والشيعة توسع وتعمق بعد أحداث بيروت في أيار الماضي. هل يمكن أن يكون لكم، من خلال ما تمثلون من مرجعية إسلامية كبيرة، دور في إطلاق حوار لرأب الصدع وتحقيق مصالحة على غرار المصالحة التي حصلت في الشمال أخيراً؟

ج: أنا دعوت في إطار الوحدة الإسلامية إلى الحوار، حتى بين الوهابيين والشيعة، وسعيت سعياً حثيثاً لتضميد الجراحات وردم الهوة التي حصلت في لبنان، لأن ما حدث في بيروت وفي مناطق أخرى، لم يكن منطلقاً من حال مذهبية، إنما من أوضاع سياسية كان سببها قرارين اتخذتهما الحكومة واعتبرت المقاومة أنهما موجهان ضد سلاحها، فحصل ما حصل في بيروت. وقد قلت للذين لا يزالون يتحدثون عن مسألة بيروت ويسمونها غزوة بيروت أو ما يشبه ذلك، قلت لهم، وبعضهم من إخواننا السنة، إن بيروت قصفت من بعض الجهات اللبنانية في الصراع أيام الحرب الأهلية، وذبحت في مجزرة صبرا وشاتيلا ودمرت، فلماذا أصبح هؤلاء الذين دمروا بيروت، وسهلوا لإسرائيل أن تحتلها، واشتركوا مع اليهود في مجزرة صبرا وشاتيلا، حلفاء وأصدقاء وفريقاً واحداً في السياسة اللبنانية؟ إذا كنتم تعتبرون أن الوفاق السياسي يبرر الصلح مع الجزارين ومع الذين دمروا بيروت وأفسحوا في المجال لاحتلالها من قِبَل إسرائيل، فلماذا لا نحاول من جديد تضميد هذا الجرح بين المسلمين، خطأً كان ما حصل أو صواباً، لأننا لسنا في صدد تقويم ما حدث.
إنني أعتقد أن المسألة هذه تتصل بالخط الدولي الذي تقوده أميركا للعبث بالاستقرار اللبناني، والذي تتحرك في مفرداته وفي خصوصياته بعض الدول العربية. نحن نعرف أن البيروتيين ما زالوا يتحركون مع الشيعة في شكل طبيعي إلا فئة معينة من الناس، والمصاهرة بين السنة والشيعة الموجودة في لبنان ليست موجودة في أي بلد آخر من بلاد المسلمين، ولذلك أتصور أننا إذا أخلصنا للبنان، وانفتحت القلوب بعضها على بعض، وإذا قرّرنا أن نوحّد لبنان في قضاياه المصيرية، فإننا نستطيع أن نصنع لبنان المستقبل.

المصالحات الوطنية

س: هل ترى المصالحة قريبة في بيروت بعد طرابلس؟

ج: رحّبت وأرحّب بالمصالحة في طرابلس، ولكن لبنان الذي يرتكز على النظام الطائفي، والذي لا يزال ساحةً مفتوحةً للمخابرات الدولية والإقليمية، والذي يعتبر بلداً خاضعاً لتأثير الأحداث السياسية الجارية في المنطقة... هذا اللبنان، من الصعب جداً أن يتوحد، لأنه لم يؤسس ليكون بلداً موحداً، ولكن ليكون بلداً مقسماً بين الطوائف، فلكل طائفة منطقتها وسياسيوها ومصالحها وخدماتها وعلماؤها، ولذلك أقول على سبيل النكتة، إن لبنان هو ولايات غير متحدة.

س: رئيس الجمهورية دعا إلى انعقاد الحوار الوطني، هل تؤيد الدعوات إلى توسيع دائرة هذا الحوار؟

ج: نحن نؤيد كل حوار، ولكن بشرط أن يكون الذين يتحاورون يعيشون روحية الحوار، لأننا من خلال تجربة الحوار السابق، رأينا كيف كان المؤتمرون يتحركون من خلال تسجيل النقاط لا تجميعها، ولذلك نحن ندعو اللبنانيين إلى أن يجمعوا النقاط الإيجابية، وأن يتفادوا النقاط السلبية.

بيروت ـ أحمد الموسوي

ليست هناك تعليقات: