14 سبتمبر 2008

الإدارة الأمريكية كانت تنتظر ما حدث في 11 أيلول لتنفيذ خططها الجهنمية ضد العالم العربي والإسلامي
فضل الله: شهوة الحروب الاستباقية لا تزال حاضرة في أذهان النخب الأمريكية المتصهينة


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه أحداث 11أيلول بعد مرور سبع سنوات عليها، جاء فيه:
مع مرور سبع سنوات على أحداث الحادي عشر من أيلول، تتوضّح الصورة يوماً بعد يوم في أن هدف الردّ الأمريكي وتداعياته لم يكن إحداث صدمة معينة على المستوى الدولي، بقدر ما أريد له أن يؤسس لاجتياح شبه كامل للعالم العربي والإسلامي، تارةً من خلال الاحتلال المباشر وطوراً من خلال السيطرة على قرارات هذا العالم وأسواقه وحركته الاقتصادية والسياسية.
وإذا كان ثمة من يتحدث في شكل مفصّل ـ وحتى من خلال بعض الكتب التي صدرت ـ عن علم الإدارة الأمريكية المسبق بالطابع الذي كانت ستأخذه هذه الأحداث وبإمكان حصولها في وقت قريب قبل حدوثها، فإن الكثير من الملابسات التي رافقتها أو أعقبتها والكثير من الغموض الذي أحاط بحركة الأجهزة الأمنية والسياسية الأمريكية حيالها، والأحداث التي جرت في المنطقة بعدها، تشير إلى أن إدارة المحافظين الجدد إما كانت تنتظر هذه الأحداث بفارغ الصبر لتفرغ ما في جعبتها من خطط ومن حقد دفين ضد العالم العربي والإسلامي، ولذلك تهاونت مع المؤشرات التي كانت تؤكد حصول مثل هذه الأحداث ـ أو أنها وجدت فيها ما كانت تتطلع إليه من ظروف ودوافع وأسباب تعطيها المبررات التي تريدها للبروز على شكل الأسد الجريح وتنفيذ خططها الجهنمية في احتلال وتدمير ونهب أبرز المواقع الاستراتيجية في المنطقة العربية والإسلامية.
إننا في هذه الأيام، ونحن نطل على الأشهر الأخيرة من عمر إدارة الرئيس جورج بوش، ندرك تماماً أن عنوان مواجهة الإرهاب الذي دخلت من خلاله قوات الاحتلال الأمريكي إلى أفغانستان والعراق، يراد له أن يبقى حاكماً ـ لا على مستوى الهواجس فحسب ـ بل على مستوى الخطط السياسية والأمنية أيضاً ـ لأية إدارة أمريكية قادمة، لأنه لا يوجد من عنوان آخر يسمح للأمريكيين بمواصلة سعيهم للهيمنة على مصادر الطاقة والمواقع الاستراتيجية والاقتصادية العالمية، ويتيح لهم تقييد المحاور الدولية الأخرى وجعلها تسير في ركاب القطار الأمريكي بما فيها دول الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرها.
كما ندرك أنّ هذا العنوان (الحرب على الإرهاب) يراد له أن يتحكّم بالحركة السياسية والأمنية وحتى العقيدية لحلف شمال الأطلسي، لأن هذا الحلف الذي حوّلته الإدارة الأمريكية إلى هراوة تضرب بها حيث تشاء في العالم، وخصوصاً في دول أوروبا الشرقية وفي الشرق الأوسط، يراد له ـ أمريكياً ـ ألا يخرج عن السياق المرسوم له، بأن يتبع حركة الجيوش الأمريكية لينزل حيث تنزل ويغزو حيث تغزو، وليبدو كقوة فصل أو قوة سلام حيث تريد الولايات المتحدة الأمريكية للصورة أن تبدو على هذا النحو.
إننا ـ وفي هذه الأيام بالذات ـ نستمع إلى كلام أمريكي صريح يتحدث عن "استخدام قوتنا لمحاولة صوغ نظام عالمي أكثر لطفاً"، ونستمع إلى نخب سياسية أمريكية تؤكد صراحةً أنها تتمنى أن يقع هجوم إرهابي من وقت إلى آخر، لتبرير الحروب الأمريكية في الخارج والقمع على مستوى حركة النظام الأمريكي وحلفائه في الداخل، نعتقد بأن شهوة الحروب الاستباقية لا تزال حاضرة في الأذهان الأمريكية المرتبطة باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية أو المتطلعة إلى مصلحة إسرائيل من داخل المصلحة الأمريكية.
ونحن في الوقت الذي بدأنا نستمع إلى أصوات أوروبية تتحدث في حذر عن ضرورة أن لا يقتصر دور دول الاتحاد الأوروبي على أن تكون دولاً مانحة، بل أن تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في القرار السياسي، نريد لهذه الدول أن تخرج من الزاوية التي حشرت نفسها فيها، وأن لا تطلب من الإدارة الأمريكية أن تسهّل لها السبل لتأخذ دورها في الحركة السياسية العالمية، بل أن تمارس هذا الدور في شكل تلقائي من خلال تطلعها لتحقيق العناوين التي انطلقت منها شعوبها، وخصوصاً عناوين الحرية والعدل والمساواة التي أكدتها الثورة الفرنسية، ومن خلال التزاماتها في مسألة القانون الدولي الذي بات لعبة بأيدي الأمريكيين يحركونه على قياس مصالحهم، فيحيونه في هذا البلد ويميتونه في ذاك بقدر ما تقتضي مصالحهم ذلك.
إننا أمام هذا الواقع، ندعو شعوبنا العربية والإسلامية والقوى الحيّة فيها، ومواقع الممانعة، إلى العمل إلى تحصين ساحاتنا الداخلية بالوحدة والتماسك وعدم الانجرار إلى الفخ الذي نصبوه للأمة وانزلق فيه الكثيرون من دعاة التمذهب والتعصب والتزمّت، وهو فخّ التفتيت الداخلي، ومن ثم العمل على تكوين عناصر القوة الذاتية المقاومة التي تمنع المحاور الدولية ودول الاستكبار من أن تفكر مجدداً في العودة إلى الحروب الاستباقية أو إلى استهداف مواقع جديدة في العالم الإسلامي والعربي، وخصوصاً بعدما بدأت قوة أمريكا بالتداعي، وبدأ الحديث في أكثر من مكان عن رفض قيادتها للعالم أو أن يتحكّم قطب واحد في إدارة الحركة السياسية على المستوى العالمي.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 14-9-1429 هـ الموافق: 14/09/2008 م

ليست هناك تعليقات: