6 سبتمبر 2008

فضل الله في الإفطار السنوي لجمعية المبرات الخيرية:
نعيش في أزمة أخلاقية كبرى على المستوى السياسي والشعبي ونظام المحاصصة أسقط الحوار الجدي

ألقى سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، كلمة في إفطار جمعية المبرات الخيرية، والذي أقيم غروب يوم الخميس في مبرة السيدة خديجة على طريق المطار بحضور فاعليات سياسية وممثّل لرئيس مجلس النواب، وعدد من الوزراء والنواب ورؤساء الحكومة السابقين، ولفيف من العلماء وشخصيات دبلوماسية وممثل عن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، وشخصيات اجتماعية وتربوية وفكرية واقتصادية وحشد من المواطنين، جاء فيها:

إن واحدة من بين المشاكل الخطيرة التي نعيشها في واقعنا اللبناني تتمثل في المشكلة الأخلاقية، وأنا أزعم أننا نعيش في أزمة أخلاق ليس على المستوى الاجتماعي فحسب، بل حتى على المستوى السياسي والمستوى الوطني العام.
ولا نريد أن نرمي باللائمة على النظام الطائفي وحده ولا على دوره الخطير في إذكاء نيران هذه المشكلة التي تتصل بجذور تربوية وبيئية واجتماعية، وتنطلق من البيت إلى المدرسة والشارع والمجتمع الأوسع. ولكن نظام المحاصصة عمل على تعميق هذه المشكلة وتركيزها إلى المستوى الذي باتت فيه التشوهات القيمية والأخلاقية محميّة، ولها حرّاسها ومحاموها والمدافعون عنها من الشخصيات السياسية البارزة في الدولة، إلى من هم في حركة المسؤولية السياسية والاجتماعية.
لقد استطاع نظام المحاصصة، أو ما يُعبّر عنه بالنظام الطائفي، أن يقبض على مفاصل الحركة الاجتماعية والأخلاقية في البلد، إضافةً إلى سيطرته على مفاصل الحركة السياسية، بالطريقة التي جمّد فيها الكثير من الاندفاعات الذاتية للإصلاح والتغيير، ليفرض أدبياته القاتلة وأخلاقه المشوّهة على واقع الحركة الرسمية والشعبية في لبنان.
إن ثمّة أزمة خطيرة أظنّها من أخطر الأزمات التي تعصف بلبنان في هذه الأيام، تتمثل في تمكّن نظام المحاصصة والمشرفين عليه من إسقاط كل محاولات الحوار وفرص التلاقي والتشاور والجدال بالتي هي أحسن على المستويات الشعبية، حيث أن الإنسان اللبناني الذي اشتهر بانفتاحه ورحابة صدره وفي كونه حوارياً بامتياز أغلق الأبواب الطائفية والمذهبية والحزبية على نفسه، وقرر ألا يدخل في حوار جدي مع أخيه ومواطنه، وربما حتى مع من يتشارك معه شظف العيش وهموم الحياة، لأن العناوين العامة التي رسمتها الخطوط الطائفية والمذهبية والتي عمّقتها الممارسات السياسية وركّزتها الطبقة التي تدير سياسة الدولة ـ ولا أتحدث عن مرحلة بذاتها ـ خلقت خطوط تماس داخلية منعت اللبنانيين حتى في مستوياتهم الشعبية، بمن فيهم أولئك الذين عاشوا العمر بعضهم مع بعض، من إطلاق الحوار في مجالاته الرحبة وآفاقه الواسعة.
ولذلك، فإننا في الوقت الذي قد نحترم كل المواقف والكلمات الداعية إلى الحفاظ على نظام الحريات في لبنان ورفده بالمزيد من القوانين التي تحميه وتؤكد على فرادته في المنطقة، إلا أننا ندعو إلى دراسة دقيقة لمسألة الحرية في لبنان، وهل هي حريّة مسؤولة أو أن ضوابطها الطائفية والمذهبية والحزبية تتغلب على ضوابطها الأخلاقية.
كما أننا نعاني من أزمة تربوية حادّة انطلقت في بعض جوانبها من افتقادنا للقدوة الصالحة والمرجعية الشريفة في مواقع الدولة المتعددة، وعندما رأى الناس نماذج سياسية غير صالحة، وشخصيات إدارية غير ناضجة تفرض نفسها عليهم بأدبياتها السيئة وعصبياتها القاتلة، عملوا على تقليدها في ظلّ نظام يحرس التخلف ويحمي الفاسدين والفاشلين، ويضع الأسوار الطائفية والمذهبية التي تمنع من محاسبتهم، ولذلك اهتزّت أركان الدولة، ليس على مستوى القوانين ـ في كثير من تجلياتها المذهبية ـ بل على مستوى الإنسان الذي خرّبته الممارسات السياسية العصبية، وإن تحدث هذا المسؤول أو ذاك عن الالتزامات الوطنية، فإننا نرى أن الوطن هو آخر من يحضر، حتى في اللقاءات الرسمية والندوات السياسية التي تتحرك فيها الدولة بمؤسساتها المتعددة.
ولذلك، فإننا بحاجة إلى إعادة إنتاج لصيغة الحوار، أو لصيغه الكثيرة، على المستوى الشعبي، قبل أن تنطلق عجلة الحوار على مستوى الطبقة السياسية، ولا أقول إن علينا تجميد حركة الحوار الوطني، فنحن في أمسّ الحاجة إلى أي نوعٍ من أنواع الحوارات على المستوى الداخلي، وخصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي نمرّ بها في المنطقة وفي ظلّ التطورات العالمية المتصاعدة، ولكنني أقول للطبقة السياسية اللبنانية العليا على مستوى الدولة والأحزاب، إن عليها أن تتحمل المسؤولية في وقف هذا الشحن الذي يدفع ثمنه الفقراء الذين باتوا يمثلون الأغلبية الساحقة في كل الطوائف، كما أدعو الشعب إلى أن يتحرر من كل دعاة الفتنة والمحرضين عليها، ومن أولئك الذين يعتبرون أنهم حققوا نصراً ذاتياً كلما طوّقوا مبادرة للحوار هنا وحلقة للقاء هنا، وكلما أعادوا الساحة إلى غرائزها وعصبياتها وأحقادها.
أيها الأحبة، إننا نعيش وسط خضم سياسي وأمني هادر على مستوى المنطقة، واضطراب سياسي حادّ على مستوى العالم، كما نعيش في فوضى ذاتياتنا وعصبياتنا، فعلينا أن نعيد بناء ذاتنا على المستوى الأخلاقي في لبنان قبل أن تأكل الآثام السياسية التي اقترفها الكبار البقية الباقية من طهر الطبقة الشعبية اللبنانية بكل مكوناتها وأطيافها وألوانها السياسية والمذهبية والطائفية.

ليست هناك تعليقات: