6 سبتمبر 2008

السيد فضل الله لوكالة الأنباء الإخبارية الآذربيجانية:
الذين منعوا التفاهم الوحدوي الإسلامي من الامتداد
في واقع المسلمين، هم الذين شعروا بخطر هذا التفاهم على مصالحهم المذهبية
عن الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، بما فيه الشيعي ـ السلفي، وما شهدته الساحة اللبنانية من تفاهمٍ بين حزب الله والتيار السلفي، والذي جُمِّد قبل إطلاقه، وعن العقبات التي تواجه مشروع الاتحاد السني ـ الشيعي، وكيفية التواصل بين الديمقراطية والإسلام، وعن إجراء مفاوضات دينية بين الدول العربية والإسلامية وإسرائيل... حاورت وكالة الأنباء الإخبارية الآذربيجانية، العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، فكان هذا الحوار:
س: إلام تعزو تجميد التفاهم بين حزب الله والتيار السلفي؟ وما هو السبب الذي يدعو الطرفين إلى عدم إكمال هذا الاتفاق؟
ج: لقد كنت من الداعين إلى حوار إسلامي ـ إسلامي، بما قد يتضمّنه ذلك من حوار بين الشيعة والوهابية، من أجل دراسة النصوص الإسلامية في الكتاب والسنّة، التي قد يختلف الاجتهاد لدى الطرفين في تقويم تفسيرها وفهم معانيها، ولتوثيق الأحاديث النبوية المروية عند الجانبين، ودراسة شرعية رأي الصحابة وحديث الأئمة من أهل البيت(ع) حول بعض الموضوعات التي تصدر الفتاوى الشرعية المتعلقة بها، حتى لا تصدر كلمات التكفير والتضليل من هنا أوهناك ضد أتباع هذا المذهب أو ذاك، كما يحصل الآن من قِبَل بعض المسلمين الذين يستحلّون دماء مسلمين آخرين، الأمر الذي قد يستغلّه الاستكبار العالمي من جهة، والواقع التبشيري من جهةٍ أخرى، بما يؤدي إلى إثارة الفتنة بين المسلمين.
وقد ساهم ذلك في تحريك الفوضى العامة والحقد الدفين والعصبية العمياء، كما أدّى إلى إيجاد كثيرٍ من الأوضاع السلبية في الواقع الإسلامي في لبنان، بما تثيره اللعبة السياسية التي تحركها بعض الدول الإقليمية المهتمة بإثارة الفتنة بين المسلمين من أجل الحصول على بعض المكاسب السياسية، وذلك انطلاقاً من ارتباطها بالسياسة الأمريكية التي بشّر رئيسها جورج بوش بالفوضى البنّاءة التي تدفع الصراع إلى المستوى الذي قد يؤدي إلى الاقتتال بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد، وذلك بتوظيف بعض الشخصيات السياسية المرتهنة لأمريكا وحلفائها الذين يتحرّكون بالعصبية العمياء ليحقّقوا من خلال ذلك زعاماتهم المذهبية أو الطائفية.
وقد حاولت بعض الشخصيات الإسلامية أن تلتقي في ساحة التفاهم على الثوابت الإسلامية التي تجمع المسلمين وتدعوهم إلى الحوار فيما بينهم في المسائل الخلافية على المستوى العقيدي وفي الأوضاع السياسية، مؤكِّدين روحية السلام الاجتماعي والأمني بين المسلمين، وهذا ما تمّ التفاهم عليه في الوثيقة الوحدوية بين حزب الله وبعض الجمعيات السلفية، ليكون ذلك أساساً لتفاهمٍ أوسع، ولقاء أشمل، وتجاوزاً لما حدث في الماضي من المشاكل المثيرة للأوضاع السلبية بين السنة والشيعة.
وقد أيّد الكثيرون من المسلمين في لبنان وبعض البلاد العربية هذه الخطوة الوحدوية الجريئة، ولكن بعض المواقع السياسية المستفيدة من تعاظم العصبية بين المسلمين، إضافةً إلى بعض المحاور الرَّسمية في بعض البلدان العربية التي توظف الخلاف المذهبي لحساب خطوطها السياسية، ولاسيما أنّ المرحلة القادمة هي مرحلة انتخابات، والجميع يعمل على الاستفادة من هذا التوتّر المذهبي الذي ينطلق من بعض التراكمات التاريخية المعقدة، للحصول على أصوات الناخبين من أهل السنة بحجة اختراق الشيعة للمجتمع السني، إنّ هؤلاء اعتبروا هذا التفاهم يمثّل خطراً على المذهب والمذهبيين.
وخلاصة المسألة، إن الأطراف الذين يقفون ضد التقارب بين المسلمين ويرفضون اعتصام الجميع بحبل الله خدمةً لطموحاتهم السياسية ولارتباطاتهم الدولية، هم الذين منعوا هذا التفاهم الوحدوي الإسلامي من الامتداد في واقع المسلمين، ومن أن يؤدي دوره الجهادي السياسي ضد الاستكبار والصهيونية، كما أن التخلّف الذي يسيطر على المجتمعات الإسلامية، قد ساهم في الاندفاع للأخذ بأسباب العصبية التي قال الرسول الأعظم عنها إنها في النار.
س: ما هي المشاكل التي تواجه العلاقات السنية الشيعية، وما الذي يعرقل الاتحاد بينهما؟
ج: إنّ ما يثير المشاكل في العلاقات بين السنة والشيعة، التي تمنع الاتحاد بينهما، والتكامل في أوضاعهما ومصالحهما العامة على الصعيد الاستراتيجي في الثقافة والأمن والسياسة والاقتصاد، هو استعادة الماضي البعيد الذي انطلقت فيه الاختلافات المذهبية، وتحريكه في الواقع الحاضر بالطريقة التي تشغل المسلمين عن قضاياهم الحيوية وأوضاعهم المصيرية، والاستغراق في التاريخ المعقد بعيداً عن الحوار الموضوعي الإسلامي الذي أراد الله للمسلمين في كتابه أن يأخذوا به في قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول}، لنعرف المضمون العقيدي والشرعي والفكري لما أراده الله في كتابه في معاني آياته، ولما أراده الرسول(ص) في سنّته.
وقد استطاع الاستكبار العالمي، وفي مقدّمه أمريكا، والدكتاتوريات المسيطرة على بلاد المسلمين، والتابعة للسياسة الأمريكية، والمنفتحة على الصهيونية اليهودية، أن يستفيدوا من جهل المسلمين من العامة منهم، ومن تخلّف القائمين على شؤون الدعوة والتبليغ في قيامهم بالمسؤولية عن الأمة الإسلامية، مما يحيط بها من الأخطار الكبرى التي تدفع المستكبرين لاحتلال بلدانها، ونهب ثرواتها، وتمزيق وحدتها، وإثارة الفتن المتنوعة في ساحاتها.
س: هناك تباين بين الإسلام والديمقراطية، وهما مبدآن غير متوافقين، فكيف ترى إلى ذلك؟ وما هو الشيء الضروري للتواصل بين الديمقراطية والإسلام؟
ج: إن هناك بعض الخطوط الثقافية التي تختلف فيها الديمقراطية عن الإسلام، وهناك بعض الوسائل السياسية التي تلتقي ـ من خلالها ـ بها، أما في الجانب الثقافي، فإن القاعدة الفكرية التي ترتكز عليها الديمقراطية هي اعتبار أنّ الأكثرية هي التي تمنح الشرعية لأي شريعةٍ أو خط حركي أو مفهوم عملي، بحيث لو رفضت الأكثرية الشريعة الإسلامية في قوانينها وخطوطها الحركية ومفاهيمها العملية، لكانت غير شرعية، بل تكون الشرعية في الجانب المضاد لها، بينما تؤكد القاعدة الإيمانية الإسلامية، أن ما جاء به الكتاب والسنّة في نصوصهما القانونية والثقافية والحركية، هو الذي يمثل الشرعية التي لا بد للمسلمين من أن يأخذوا بها، حتى لو كانت الأكثرية على خلافها، وهذا ما جاء في قوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، وقوله تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً}. وقد تحدث القرآن عن أن الأكثرية لا تمثل الحق دائماً، وأن الأقلية لا تمثل الباطل دائماً، بل لا بد من دراسة القضايا على أساس ما جاء به الكتاب والسنّة.
س: يعتبر المحللون السياسيون الغربيون، أنّ الأمة الإسلامية تحتاج إلى إصلاحات كثيرة للتغلب على العقبات بين المسلمين والغرب، ما هو رأيكم في ذلك؟ وهل الأمة الإسلامية تحتاج اليوم إلى إصلاحات؟
ج: إننا نعتقد أن هناك أكثر من مشكلة في واقع الأمة الإسلامية، سواء في قضايا الحكم الذي يسيطر عليه الظالمون التابعون للغرب وللسياسة الأمريكية التي وظّفتهم لإبقاء التخلف في واقع المسلمين خدمةً لمصالحها الاستراتيجية، أو في المفاهيم التي فرضها الغرب على الأمة، مما يتنافى مع القيم الإسلامية والتشريعات القانونية، إضافةً إلى الفساد الداخلي الذي يتحكم بالواقع الاقتصادي والاجتماعي، بما يجعل المسلمين يبتعدون عن القيم الأخلاقية والروحية والشرعية، وهو ما يتمثّل أيضاً بالعصبيات القبلية والعنصريات الإنسانية على مختلف المستويات.
إن الأمة الإسلامية بحاجة إلى إصلاحات كثيرة في كل مواقعها، ولكن ذلك لا بد من أن ينطلق من الخط الإسلامي الأصيل في مستوى العلاقات وحقوق الإنسان، لا على أساس الخطوط الحضارية الغربية المختلفة عن الأسس الحضارية للإسلام.
س: إذا كان الإسلام لا ينفي الحوار بين الأديان، بحسب رأيكم، فلماذا لا تجرى مفاوضات بين الأقطار العربية وإسرائيل على الصعيد الديني؟
ج: إن الإسلام هو دين الحوار فيما يختلف فيه الناس على المستوى الديني في التعدد بين الأديان، وعلى المستوى الثقافي في تنوعات الخطوط الثقافية، وعلى المستوى السياسي في الاختلافات السياسية بين الشعوب والدول والأحزاب والأفراد، ولا مشكلة عندنا في الحوار مع اليهود والنصارى والهندوس والبوذيين، وحتى مع العلمانيين، ولكن مسألة إسرائيل ليست مسألةً دينيةً، بل هي مسألة سياسية، باعتبار أن اليهود احتلوا فلسطين وطردوا أكثر الشعب الفلسطيني من أرضه ورفضوا عودته إلى بلاده، في الوقت الذي اعتبروا فلسطين وطناً قومياً لليهود، وأكدوا أن إسرائيل هي دولة يهودية لا حقّ للمسلمين ولا للنصارى في الانتماء إليها، وما زالوا يحتلون أكثر هذه الأرض بشكل مباشر وغير مباشر، ويقومون بقتل المدنيين من النساء والأطفال والرجال بالأسلحة المدمّرة التي منحتهم إياها أمريكا، ويحاصرون شعبها، فيمنعون عنه الماء والكهرباء والدواء والغذاء، ويصادرون أراضيها في مستوطناتهم وفي الجدار الفاصل.
إن المسألة بيننا وبين إسرائيل ليست حواراً بين اليهودية والإسلام، ولكنها مسألة صراع بين الظالم والمظلوم، ومن المؤسف أن أكثرية العالم المستكبر يقف مع اليهود ضد الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين.
وإننا نسأل الشعب الآذربيجاني: ما هو موقفهم من أية دولة قد تحتل بلدهم، أو من شعب قد يطردهم من أرضهم؛ هل يلجأون معه إلى الحوار أم يلجأون إلى المقاومة...؟ هذا هو الموقف الإسلامي الإنساني الذي لا يحمل الحقد ضد الإنسان اليهودي المسالم، ولكنه يواجه الاحتلال بالمقاومة الشعبية المتنوعة، من أجل أن يحصل الشعب الفلسطيني على حريته، ومن أجل أن لا تهدده الدولة اليهودية بأسلحتها الأمريكية المدمّرة، وسلاحها النووي المخيف.

أجرى المقابلة: علويا صاديخوفا

ليست هناك تعليقات: