23 نوفمبر 2008

في معرض استقباله وفداً علمائياً وطلابياً إيرانياً
فضل الله ينتقد حضور مؤتمر الأديان ويخشى من التطبيع الأمني والعلني مع العدو


استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفداً إيرانياً من جامعة الإمام الخميني برئاسة مدير الأمور الدولية في الجامعة، الشيخ أبو حسن حقّاني، وضمّ عدداً من العلماء وطلاب العلم في المؤسسة. وقدم حقّاني شرحاً حول عمل الجامعة والأطروحات العلمية والبحثية والتحقيقية البارزة التي أنجزت فيها، وعمل الجامعة الاغترابية التي وفرت الفرصة منذ عشر سنوات لمن هم في الاغتراب لمراسلة الجامعة ونيل شهاداتهم، مشيراً إلى اعتماد اللغتين العربية والانكليزية إلى جانب اللغة الفارسية في سلسلة البحوث والدراسات، ومؤكداً أن ثمة أطروحات قيّمة قد جرى ترجمتها لأكثر من لغة، ومشيراً إلى الدراسات البارزة في مجال علم الأديان والمقاربات البحثية لهذا الدين أو ذاك.
وتحدث سماحة السيد فضل الله في الوفد مؤكداً أن السير في هذا الخط العلمي المنهجي من خلال هذه المؤسسة الجامعية يمثل مظهراً من مظاهر التقدم الكبير الذي حققته الحوزة في قم، لأن المسألة كانت فيما سبق تنطلق على أساس التنافر بين الحوزة والجامعة، وقد عمل الكثيرون للتأكيد على وجود تناقض بين ما هو المنهج العلمي للجامعة والمنهج الشرعي للحوزة، وكنا نؤكد دائماً أن المنهج العلمي هو الأساس في الدراسات الشرعية، وأن الموضوعية البحثية هي روح العلم وجوهره، وبذلك تتقدم الحوزة والجامعة في المجتمع ضمن نطاق واحد.
وشدد سماحته على العلماء وطلاب العلوم الدينية أن يدخلوا إلى العصر وأن يكون لديهم حس المعاصرة وأن يعملوا للدخول إلى عقل العصر وقضاياه أو أن يتعلموا أساليبه ويتقنوا طرائقه ولغاته ومناهجه، ويتعرفوا إلى نقاط ضعفه وقوته، وأن يستفيدوا من العصر بما يرسّخ الأفكار والمفاهيم الإسلامية في الأذهان، وأن يكون ذلك في نطاق الحفاظ على مبادئنا وثوابتنا، لأن الابتعاد عن العصر لا يمثل قيمة أو فضيلة لطلاب الحوزة أو للدعاة والعلماء، بل إن المطلوب ، وخصوصاً في هذا العصر الذي تختلف فيه الأفكار وتتعدد فيه الوسائل وتتطور فيه المناهج، أن نكون على دراية بذلك كله لنلحق بالركب العلمي ونقدم أفكارنا وطروحاتنا التي يتقبلها الآخرون، وقد قال النبي(ص): "إنا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم".
وأكّد ضرورة أن تساهم كل هذه الدراسات في إحداث تطور في ذهنية العلماء وطلاّب العلم، وخصوصاً لجهة الاعتراف بالآخر، واحترام الاختلاف معه، على صعيد حرية المناقشة وحرية الفكر. وقد كان الاختلاف بين الكبار من علمائنا شيئاً طبيعياً تتقبله الأوساط العلمية الشرعية، وحتى الذهنية الشعبية التي رافقتهم، وعلينا ألا نشعر بالغربة والوحشة إذا اختلف هذا العالم مع ذاك شريطة أن لا يتم تجاوز الحد في الخلاف وأساليبه. ونحن نحتاج إلى الكثير من الانفتاح للدخول في مناقشات كثيرة على المستويين الشرعي والديني، كما نحتاج إلى ذهنية منفتحة وعقل واسع حتى نحاور العالم، فنحاور العلمانيين والمتدينين، ونجادل اليهود والمسيحيين، وندخل في نقاش مع الهندوس والبوذيين، لأن الحوار بروح منفتحة وذهنية غير معقدة هو الذي يُسهّل تقديم أفكارك للآخرين ويفسح في المجال أكثر للفهم المتبادل، وينسف الكثير من الحواجز التي تؤسس لسوء الفهم وتمهّد السبيل للمشاكل والأزمات.
وتطرق سماحته إلى مؤتمر حوار الأديان الذي سيعقد في الولايات المتحدة الأمريكية بإشراف الأمم المتحدة، فأبدى استغرابه لدعوة رئيس كيان العدو شمعون بيريز، وهو المجرم المشهود له بفظائعه، وخصوصاً المجازر التي ارتكبها في لبنان ومنها مجزرة قانا، حيث أصدر الأوامر بقتل العشرات من المدنيين الذين لجأوا إلى مقرللأمم المتحدة طلباً للحماية.
ورأى سماحته أن دعوة بيريز تمثل في معناها العميق موافقة ضمنية من الأمم المتحدة وأمينها العام على المجازر التي ارتكبها ودعوة له لاقتراف المزيد من الجرائم، مشيراً إلى أن البحث في مقارنة الأديان يقتضي وجود عالم دين يهودي معتدل من خارج كيان العدو، يقدم اليهودية كما هي في أصالتها، إلى جانب ما يقدمه علماء الأديان المسيحية والإسلام، ليتم البحث في الأمور التي تلتقي عليها الأديان أو تلك التي تختلف فيها، ولتكون لدينا دراسات علمية أو فلسفية حول الأديان قد تم بحثها من خلال أصحابها.
وأبدى سماحته خشيته من أن يكون التطبيع بين الكيان الصهيوني والكثير من الأنظمة العربية قد بدأ يسلك مسارين: المسار الأمني غير المرئي، ومسار المؤتمرات التي باتت محطات أساسية وعلنية للتطبيع تحت عناوين حوار الأديان أو في المؤتمرات الاقتصادية، بما يمثل جريمة كبرى في حق فلسطين وشعبها المحاصر في غزة والضفة وأهلها الذين يجرفهم الاستيطان والتهويد في كل يوم ليس من حقول الزيتون وقراهم ودساكرهم فحسب، بل من قلب القدس... ولذلك فنحن نتساءل عن الحكمة وعن مدى الفائدة في حضور مثل هذه المؤتمرات وفي التمهيد للقاء شخصيات العدو ولو على مستوى الإيحاء، أو في الجلوس مع هؤلاء المجرمين على طاولة واحدة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 13-11-1429 الموافق: 11/11/2008

ليست هناك تعليقات: