23 نوفمبر 2008

في معرض استقباله لوفد أمريكي ضم دبلوماسيين وسياسيين وأساتذة جامعات
فضل الله: ندعو إلى حوار اقتصادي عالمي ونتطلع لمبادرات إنسانية استباقية من الإدارة القادمة

استقبل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وفداً أمريكياً ضم عدداً من الدبلوماسيين السابقين وأساتذة جامعيين وممثلين لعدد من الكنائس وشخصيات سياسية مخضرمة.
وتحدث سماحته في الوفد قائلاً:

في البداية أحب أن أرحّب بكم من كل عقلي وقلبي، فنحن على الرغم من اختلافنا مع الإدارة الأمريكية الحالية إلا أننا نودّ أن نكون أصدقاء للشعب الأمريكي. فالقرآن الكريم علّمنا أن نتّبع الأسلوب الذي يحوّل الإنسان الذي تحدث بيننا وبينه المشاكل إلى صديق، ولذلك أحب أن تعرفوا أنه ليس من الصحيح ما يُقال عن أننا نكره الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك فرق بين الموقف من الإدارة الأمريكية والموقف من الشعب الأمريكي.
أضاف: إننا نقدّر أمريكا ـ الشعب، التي قدمت خدمات كبرى للإنسانية على الصعيد العلمي والتكنولوجي مما أبدعه العلماء الأمريكيون، أو الذين وفدوا إلى أمريكا من شعوب العالم ممن أفادوا البشرية كلها باختراعاتهم واكتشافاتهم، ولكننا نعتقد أن ما تحتاج إليه الولايات المتحدة الأمريكية هو ما يتصل بالجانب الإنساني في رؤيتها لشعوب العالم في حركة إداراتها المتعاقبة، فقد تخلّت هذه الإدارات عن المبادىء الإنسانية الأساسية التي أعلنها الرئيس ويلسون، وتحولت الولايات المتحدة الأمريكية في نظر شعوبنا من دولة محترمة ومقبولة من هذه الشعوب في عشرينات وثلاثينات القرن الميلادي الفائت إلى دولة مستعمرة، ودولة محتلة تجيز لنفسها احتلال أراضي الغير والسيطرة على ثرواتها وقراراتها تحت عنوان الحرب على الإرهاب.
ولذلك فإننا نعتقد أن من حقنا أن نطالب أمريكا بإدارتها القادمة بالتغيير على المستوى الخارجي، كما يطالبها الشعب الأمريكي بالتغيير على المستوى الداخلي، وأن تكف السياسة الخارجية الأمريكية على أن تكون سياسة عدوانية تقرّ الاحتلال وتمارسه وتشجّع عليه. لذلك ينبغي أن يبدأ التحول في السياسة الأمريكية في هذا النطاق حتى تشعر الشعوب بوجود تغيير في العمق، وخصوصاً أن الجميع يتحدث عن قيادة أميركا للعالم في الوقت الذي سقطت هذه القيادة بفعل سياسة الحروب الاستباقية، وباتت الإدارة القادمة في أمسّ الحاجة لمبادرات سياسية وإنسانية استباقية بدلاً من النزوع مجدداً نحو الحروب أو دعم سياسة الاحتلال والاستيطان في فلسطين المحتلة.
وتابع سماحته: نحن نؤمن بالتفاهم والتواصل والحوار بين الشعوب، ونقرّ بأن لدينا الكثير من نقاط الضعف هنا في الشرق، ولكننا نعتقد ـ في المقابل ـ أن لدى الأمريكيين الكثير من نقاط الضعف أيضاً، وإذا كنتم تتحدثون عن وجود حالات إرهابية عندنا، فنحن نسأل من أنتج هذه الحالات؟ كما نعتقد بوجود حالات إرهابية عندكم في شبكات الجريمة المنظمة وفي الحالات الفردية التي يقتل فيها الأب أو الأم أولادهما أو يقتل التلميذ أستاذه ورفاقه... فحالات الضغط الاجتماعي توفر الفرصة لكثير من الجرائم تماماً، كما هي حالات الضغط السياسي والأمني والضغط على الحريات وما إلى ذلك.
وأكد سماحته أننا نتألم لما حدث في الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة في أمريكا، لأننا نرفض الشماتة بأحد، ولأننا جميعاً ندفع الثمن لهذه الأزمات التي تأثر العالم العربي بها سلبياً. ونأمل أن تنطلق دراسات علمية حقيقية من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لأن هذا النظام الذي لا يرتكز على قاعدة القيم الأخلاقية يمثل القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي وقت وترمي بثقلها على اقتصادات العالم، ومن هنا نرى أن العالم الذي يتداول الأفكار في حوار الأديان والمذاهب وفي الحوارات السياسية المتعددة يحتاج إلى حوار حقيقي وجدي على المستوى الاقتصادي، لينطلق هذا الحوار من الجذور الفكرية والقيمية للنظم الاقتصادية لا أن يبقى في سطح الأشياء أو يتوقف عند حدود المصالح الظاهرة.
ورحّب سماحته بالتغيير الذي حدث في أمريكا وبجملة الأسباب التي دفعت أكثرية بيضاء لانتخاب رئيس أسود، مشيراً إلى أن الإسلام ومنذ انطلاقته الأولى أكد أن "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"، مشيراً إلى أننا سنراقب هذا التغيير في أمريكا، فإذا انطلق من العمق وأتاح الفرصة للشعوب لكي تصنع التغيير الذي تريده، ولم يمنع شعوب العالم الثالث من صناعة التغيير الذي تتطلع إليه، فعندها يمكن أن نطمئن إلى الصدق في حركة الإدارة الجديدة وفي احترامها عملياً للشعار الذي رفعته، ونقول لهذه الإدارة من خلال شعارها "نعم نحن نستطيع"، وشعوبنا "تستطيع" فتعلموا من التجارب السابقة ولا تقفوا حجر عثرة في طريقها.
وأجاب سماحته على مداخلات الوفد، فأكد أن من حقّ الرئيس الأمريكي أن يتطلع إلى ما يحقق مصالح شعبه ورفاهيته، ولكن ليس على حساب مصالح الأمم الأخرى ورفاهيتها، ومن حقنا أن نحافظ على قيمنا وحقوقنا وشعوبنا.
وأكد "يوجين بيرد" باسم الوفد وجود "فرصة حقيقية لأن تنتج الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة أخلاقية جديدة لصنع السلام في العالم"، فأكد سماحة السيد فضل الله أننا نرحب بذلك ومستعدون للتعاون مع الشعب الأمريكي في هذا المجال.
وأكد الوفد أنه "سيحمل هذه الرسالة وهذه التوجهات إلى الكونغرس والصحف الأمريكية، فنحن بالفعل وسطاء، وسنكون وسطاء نزهاء".. فشدد السيد فضل الله على أننا نحترم هذه النزاهة ونؤكد على التعاون من أجل الخير والسلام للبشرية كلها، فنحن نحب الحياة لأنفسنا وللناس ونرفض كل من يفشي ثقافة الموت أو يمهّد السبيل لها في العالم... ونقول لكم وللأمريكيين من خلالكم: اطردوا شياطين السياسة من ساحاتكم، وليس من الضروري أن يكون هناك ملائكة يديرون ساحاتكم، ولكن ابحثوا عن أنصاف الملائكة، فلعلنا نستطيع بتعاوننا وتفاهمنا أن ننقذ العالم.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 12-11-1429 الموافق: 10/11/2008

ليست هناك تعليقات: