13 أكتوبر 2010

وفد علمائيّ برئاسة السيّد علي فضل الله زار المفتي الشعّار في طرابلس:
الفتنة بين السنّة والشّيعة وئدت في مهدها

تعزيزاً للمواقف الدَّاعمة للوحدة الإسلاميَّة, وقطعاً للطَّريق على مثيري الفتن ومشعلي نار المذهبيَّة والطائفيَّة، زار العلامة السيِّد علي فضل الله على رأس وفدٍ علمائيّ، مفتي طرابلس والشّمال الدّكتور مالك الشّعّار، وكان لقاء حضره لفيف من العلماء الشّيعة والسنَّة في مقرّ دار الفتوى في طرابلس، وكانت الزّيارة مناسبةً لتداول الأوضاع الرّاهنة على مستوى لبنان والمنطقة، وخصوصاً أنّ الأمّة تمرّ بمرحلةٍ صعبةٍ وخطيرةٍ، وفق ما جاء في اللّقاء الّذي استمرّ أربع ساعاتٍ، وتخلّله مأدبة غداء أقامها المفتي على شرف الزّائرين.

وقد حضر عن دار الفتوى نائب رئيس المجلس الشّرعيّ الإسلاميّ الأعلى، الوزير السّابق عمر مسقاوي، أمين عام حركة التّوحيد الإسلاميّ الشّيخ بلال شعبان، الرّئيس السّابق للمحاكم الشّرعيّة السنيّة الشّيخ ناصر الصالح، أمين الفتوى في طرابلس والشّمال الشّيخ محمد إمام، مسؤول الجماعة الإسلاميَّة في الشّمال أحمد خالد، رئيس دائرة الأوقاف في طرابلس الدّكتور الشّيخ حسام سباط، مدير مكتب المفتي الشعّار الدّكتور الشّيخ ماجد الدّرويش، شيخ القرّاء زياد الحاج.

إثر اللّقاء، أدلى العلامة السيّد علي فضل الله بتصريحٍ قال فيه: لقد تشرّفنا بزيارة سماحة المفتي الشّيخ مالك الشعّار الّذي يمثّل قيمةً إسلاميّةً ووطنيّةً كبيرةً، كما يمثّل شخصيّةً وحدويّةً منفتحةً تعيش همَّ الوحدة الإسلاميّة، وتعمل، كما يعمل الكثيرون من أمثاله، على وأد الفتنة، وقطع الطّريق على كلّ من يسعى لإشعال نيران الفتنة المذهبيّة في الواقع الإسلاميّ، وكانت مناسبةً لشكر سماحته على تعزيته بوفاة سماحة السيد الوالد رضوان الله عليه، وعلى المواقف التي أشار فيها إلى تقديره لسماحة السيّد، واحترامه لشخصيّته الفذّة وعقليّته المنفتحة، ومسيرته الّتي اعتبر فيها أنّ وحدة الوطن ووحدة المسلمين أكبر بكثيرٍ من أيّ خلافٍ دينيّ أو سياسي.

أضاف: لقد تداولنا في الأوضاع الرَّاهنة على مستوى لبنان والمنطقة، حيث تمَّ التّأكيد أنّ الأمّة تمرّ بمرحلةٍ من أصعب المراحل وأخطرها، وأنَّ الأعداء يعملون على إشعالها بالفتنة المذهبيَّة للثّأر من الإنجازات الّتي تحقَّقت في مواجهة المحتلّ، سواء في لبنان وفلسطين أو في العراق وأفغانستان، وأنّ القوم بعدما يئسوا من إمكان تحقيق تقدّمٍ في مشروعهم الاحتلاليّ في المنطقة، بدؤوا العمل على إحداث شرخٍ داخل الأمَّة، من خلال الفتنة السنيَّة الشيعيَّة الّتي يعملون لها على المستويات كافّةً وفي مختلف المواقع.

وقال: شعرنا من خلال هذا اللِّقاء، أنَّ هناك ثقةً كبيرةً متزايدةً، بأنَّه ليس هناك من فتنة في لبنان بين السنَّة والشّيعة، ونستطيع أن نقولها بشكلٍ جازم، فالصِّراع في لبنان ليس صراعاً سنيّاً شيعيّاً، وليس الخلاف الحاصل في لبنان صراعاً على قضايا يختلف عليها المسلمون، إضافةً إلى أنّنا نثق بالعلماء الواعين الَّذين يعملون في اللَّيل والنَّهار، من أجل عدم تحويل الخلاف السياسيّ الّذي قد يحصل في هذا البلد إلى خلافٍ مذهبيّ. لذلك، نحن على ثقةٍ بأنَّ كلّ الّذين يتحدّثون عن فتنةٍ سنيّةٍ شيعيّة، هم يراهنون على أمرٍ سوف لن يحصل. في لبنان، هناك خلاف سياسيّ كان موجوداً، وما زال، ويبقى هذا الخلاف السياسيّ موجوداً، وطبعاً نحن نسأل الله أن يوفّق كلّ الواعين في هذا البلد، من أجل أن يمنعوا حصول فتنةٍ من وراء هذا الخلاف السياسيّ، ونريد للجميع أن يجلسوا على طاولةٍ مشتركةٍ من أجل أن يتداولوا جميعاً في ما يمكن أن يصلح من واقع هذا البلد، وما يمكن أن يحميه من كلِّ التَّأثيرات الّتي قد ترد إليه من الخارج، بما يعزِّز من مناعة اللّبنانيِّين في داخله. ونحن نعتقد أنّ الواعين سيتجاوزون، بعون الله، كلّ ذلك. صحيح أنَّ هناك صعوبات نجدها في الواقع، ولكن اللّبنانيّين تعلَّموا أن لا خيار لهم في هذا البلد، إلا أن يتوحَّدوا على قضاياهم، وأن يتوحَّدوا من أجل قوَّة هذا الإنسان، ومن أجل منعته وعزّته، وقد جرَّب اللّبنانيّون كثيراً أن يختلفوا وأن يتنازعوا وأن يتقاتلوا، ولكنّهم لم ينتجوا شيئاً، وجاءت بعد ذلك كلّ المبادرات الّتي جعلت الجميع يجلسون على طاولةٍ واحدة.

ودعا الجميع ليوفّروا على اللّبنانيّين كلّ ما يمكن أن يعانوا منه، وأن يجلسوا معاً لدراسة كلّ الهواجس، وقال: هناك هواجس في هذا الاتجاه، وهنالك هواجس في ذلك الاتجاه، وليعمل كلٌّ على إزالة الهواجس لدى الآخر، ويستطيعون بعد ذلك أن يصلوا إلى ما يمكن أن يساعد هذا البلد على الاستمرار، بأن يبقى بلداً يشعر فيه أبناؤه بأنّهم يعيشون في بلدٍ يطمئنّون فيه على حياتهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم.

وقال: هناك من يراهن على أن يكون الدّخان اللّبنانيّ هو دخان الفتنة الّتي يراد لها أن تحدث في لبنان لتغطية ما يحدث في المنطقة، وعلى اللّبنانيّين أن لا يسمحوا بذلك، وأن يعيدوا النَّظر بأساليبهم، حتَّى لا يكرّروا التّجارب مرّةً جديدة، لأنّنا في السّابق عشنا الفتنة الّتي استمرّت في لبنان طويلاً، واعتقدنا أنَّ كلَّ فريقٍ يسعى للحفاظ على موقعه، ولكنّنا وجدنا في النّهاية، أنَّ الفتنة كانت تريد أن تسوّق لمشاريع يراد لها أن تنطلق من هذا البلد، وقد آن الأوان للّبنانيّين أن يجلسوا مع بعضهم البعض، وأن يفكِّروا كيف يكون مستقبل هذا الوطن ومستقبل الإنسان فيه.

وأكّد أنّ كلّ الأصوات التي تحاول إثارة الفتنة بالإساءة إلى أمّهات المؤمنين أو صحابة رسول الله(ص)، أو تلك الّتي تسقط في فخّ الانفعال والإثارة والحساسيّة والعصبيّة، هي أصوات عاملة لحساب أعداء الأمّة، سواء التفتت إلى ذلك أو لم تلتفت، إضافةً إلى أنّها خالفت الشّرع الحنيف، وأساءت إلى الرّسول الأكرم وإلى القرآن الكريم وتعاليم الإسلام السّامية.

المفتي الشعّار:

من جهته، قال المفتي الشعّار: وقت مبارك شرّفنا فيه سماحة السيّد ابن العلامة المرجع، سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، أسكنه الله تعالى فسيح جنانه، وتربطنا بهذا البيت أواصر من الودّ والاحترام، لأنّها تقوم أوّلاً على الثّقة والمصداقيّة لما يمثّلون من فكرٍ دينيّ وروحٍ وطنيّةٍ ولبنانيّة، ولذلك كان يوماً مباركاً أن نستقبله اليوم في دار الفتوى، من أجل أن نتعاون وأن نتبادل الرّأي، من أجل الوصول إلى سبلٍ للخلاص، لا أقول بأن نكون نحن نواتها، وإنما مداميكها بإذن الله، وخصوصاً في الإطار الدّينيّ الّذي له علاقة بإخواننا الشّيعة والسنّة على حدٍّ سواء، والذين نعتبرهم جميعاً في مسيرة إسلاميّة واحدة، بل في مسيرةٍ وطنيّة تخدم هذا البلد وأهله.

أضاف : رحّبنا بسماحة السيّد وصحبه الكرام، وكانت جولة واسعة في إطار التّعاون الثقافيّ والفكريّ والعمليّ، من أجل أن يشيع هذا المناخ وينتشر على مستوى الوطن، ولعلّ طرابلس كانت وما تزال مفتاح الخير وبابه، كما الجنوب مركز النّصر وإشراقاته. فما أجمل هذا اللّقاء في إطارٍ من الأخوّة والوحدة والمصداقيّة الّتي تعبّر عن العاطفة والحبّ والتقدير لكلّ ما يحمله سماحة السيّد مع صحبه الكرام، أهلاً وسهلاً بكم، وليرحم الله والدكم، والأمانة كبيرة على أعناقنا وأعناقكم، ولكن الأمر يهون على من يعينه الله تعالى، ونحن وإيّاكم في مركب الخلاص والنّجاة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 26 شوّال 1431 هـ الموافق: 04/10/2010 م

ليست هناك تعليقات: