13 أكتوبر 2010


السيّد علي فضل الله لـ "اللّواء":
تحريم الإساءة إلى السيّدة عائشة والصّحابة
التزام بنهج آل البيت(ع) وبالقرآن
ودورنا إخماد الفتن


وأنت تدخل إلى منزل الراحل، سماحة العلامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله، تشعر برهبة المكان، وأنت كغيرك، لا تريد أن تعيش في الصورة القاتمة للغياب، ولا سيما أن الجميع يحدّثك عن الولادة المتجدّدة للرجل في الإقبال أكثر على كتبه، وفي الاستفتاءات التي ترد إلى مكتبه، وهي تزيد عن تلك التي كانت ترد في حياته.

على مدخل المنزل صورة كبيرة رُفعت للرّاحل، رُصّعت بكلماتٍ له كتلك الّتي كان يقول فيها: "قدوتي في كلّ مواقفي رسول الله"، وأخرى تمثِّل الوصيّة الكبرى له: "الله الله في الإسلام"، وثالثة تُشير إليه: "يا قلباً وسع المحبّين والقالين".

عند الصالون الكبير للمنزل الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية في حرب تموز 2006، وأعيد بناؤه، حيث عاد إليه سماحة السيّد الراحل في آخر شهور حياته، يستقبلك مستشاره السياسي والإعلامي، الحاج هاني عبد الله، فيقودك إلى الداخل، إلى "السيد علي"، الذي يسارع للقياك بتواضع الوالد نفسه، وابتسامته ومحبّته، وبتحيّته نفسها: "القلب مفتوح، والبيت مفتوح، والعقل مفتوح".

في المكان الرّحب، تشعر بأن روح السيّد فضل الله تطوف الأرجاء، في الكلمات، في الاستقبال، في صور الراحل الموزّعة على زوايا الغرفة، وفي بيتين من الشّعر له لخّصا حياته، وحملتهما لوحة فنيّة في صدر الغرفة:

أهوى الحياة انطلاقاً في ذرى حلمٍ يشدّه لحياة الوحي إيمانُ

عيشٌ بسيط ودنيا غير طامعةٍ وعالَم بالشّعور الحرّ يزدان

تطمئنّ إلى كلام النّجل السيّد علي، الوارث لعلم أبيه وتواضعه، وهو يحدّثك عن الاستمرار في السّير على نهج والده في حماية الوحدة الإسلاميّة، ورعاية المؤسّسات الخيريّة، والاستمرار في السّياق نفسه، فلا مذهبيّة، ولا طائفيّة، ولا توريث... إلى جانب الإحساس بثقل المسؤوليّة الملقاة على عاتق الفريق الكبير من الكوادر والعلماء، الّذين نهلوا من علم السيّد وتربّوا على يديه، واطمأنّوا إلى "حركيّة" السيّد علي الشّبيه بوالده في كلّ شيء؛ في العلم والجلد والصّبر، وفي العمل الذي يستمر ليل نهار على رأس جمعية المبرّات والمؤسّسات، وفي قلب الحركة الإعلاميّة والسياسيّة والدينيّة.

نفتح صفحات الحديث مع العلامة السيِّد علي فضل الله، ويبدأ الحوار الشّامل مع "اللّواء"، هذا الحوار الّذي ضغطت عليه الظّروف في لبنان، وفي مقدمها سبل وأد الفتنة والوحدة الإسلاميّة، وواقع الحال في الإرث الكبير الذي خلّفه المرجع الراحل السيّد محمّد حسين فضل الله. وجاءت وقائع الحوار على الشّكل التالي:

مؤسّسة المرجعيّة واستمرار التّقليد

س: هل تمّ ترتيب الوضع الدّاخليّ لمؤسّسات سماحة السيّد محمّد حسين فضل الله بعد وفاة سماحته؟

ج: لقد كان سماحة السيّد في كلّ حياته حريصاً على أن يبني مؤسّسة، لا بناء أفراد، بل كان حريصاً على بناء قواعد مؤسّسة وعلى مختلف المجالات، لذلك على مستوى المؤسّسات الّتي بناها السيّد، فقد كان حريصاً على أن تكون على قواعد سليمة، وبنى فيها روحيّة العمل المؤسّسي وليس الفرديّ، لكي تستمرّ هذه المؤسّسات.

حتَّى على مستوى المرجعيَّة الدّينيَّة، فقد كان سماحته حريصاً على بناء مؤسَّسةٍ لهذه المرجعيَّة. وعلى هذا الأساس، نجد أنّ ارتباط النّاس بسماحة السيِّد على المستوى الدّينيّ، استمرّ من خلال ثقة النّاس بهؤلاء الّذين ربّاهم السيّد، وركّز فيهم قواعد فكره، وأوجد من خلال ذلك ثقة النّاس بهم، وعلى هذا الأساس، فإنّ النّاس من خلال الممارسة، تابعت سماحة السيّد، وانطلقت في ذلك من خلال الأسس الفقهيّة الّتي يستند إليها الفقه الشّيعيّ في جواز البقاء على تقليد الميت، والتّقليد ما زال مستمرّاً.

هناك مؤسّسات خيريَّة وتربويَّة وصحيَّة ورعائيَّة ودينيَّة تحت عنوان "جمعيَّة المبرَّات الخيريَّة"، وهذه الجمعيَّة لا تزال مستمرَّةً وتؤدِّي دورها، وأيضاً هي تتابع عملها كما كان، وفيها القواعد الدّاخليَّة الّتي تؤهّلها لأن تستمرّ، ولديها أيضاً القدرة على الاستمرار.

رعاية 8000 طفل وأسرة

س: هل تضمّ هذه المؤسَّسات أعداداً كبيرة من الأيتام؟

ج: طبعاً، هناك داخل المؤسّسات بحدود 3530 يتيماً، وطبعاً هناك رعاية خارج المؤسّسات، فهناك 5000 عائلة تتلقّى الرّعاية من خلال هذه المؤسّسة، وهناك عدد من المعوّقين في مؤسّسة الإمام الهادي للإعاقة السمعيّة والبصريّة، ومركز للمسنّين، وإلى جانب ذلك، هناك مدارس في مناطق مختلفة ومعاهد دينيّة.

س: وماذا على مستوى المرجعيّة والتّقليد؟

ج: على مستوى التَّقليد، هذا الأمر انطلق من خلال الثّقة الموجودة لدى النَّاس بالجهة الشَّرعيَّة الموجودة. هناك هيئة شرعيَّة موجودة في المكتب، وهي عبارة عن مجموعة من العلماء الّذين لهم مواقعهم العلميّة، وهذه الهيئة الشّرعيَّة لا تزال موجودةً ومستمرّة، وهي الّتي أصدرت البيان، والّذي على أساسه استمرّ النّاس في تقليد سماحة السيِّد.

وقد انطلقوا في ذلك من خلال آراء العلماء الأحياء، فالمراجع الآن يتوافقون على جواز البقاء على تقليد الميت، ولا سيّما إذا كان الميت أعلم، وعلى هذا الأساس، تابع النّاس تقليد سماحة السيِّد، وهذه الهيئة لها دور لمتابعة الاستفتاءات لتطبيق ما كان عليه سماحة السيِّد وما أصدره من فتاوى.

فالهيئة الشّرعيّة لا تصدر فتاوى، وإنما تُبيّن الفتاوى الّتي هي لسماحة السيِّد، وتطبّق هذه الفتاوى على أرض الواقع، كما حصل بالنِّسبة إلى العيد، وليس على طريقة القياس.

وفي حال لم تكن المسألة مما عرض على سماحة السيِّد محمَّد حسين فضل الله، ففي هذه الحالة، نرجع إلى المرجع الحيّ الّذي يُعتمد في هذا الإطار، ولكن إلى الآن لم نُبتلَ بمثل هذا الأمر، ولا أعتقد أن يكون هناك ابتلاء بمسألةٍ لم يُصدر السيِّد فتوى فيها.

فالسيِّد لا يزال هو المرجع بناءً على فتوى المراجع بجواز البقاء على تقليد الميت، وقد بقيت الناس على تقليد سماحة السيِّد.

المرجعيَّة تُكتسب ولا تُورَّث

س: هل تنتقل المرجعيَّة انتقالاً أم تُكتسب؟

ج: المرجعيَّة لا تورَّث، بل تُكتسب، وذلك عندما يصل الإنسانُ إلى درجةٍ من العلم يصبح مؤهّلاً ليكون مرجعاً. ولذلك الّذين أبقاهم سماحة السيِّد هم أناسٌ اكتسبوا منه، فهموه، فهموا فكره، وآمنوا بفكره الفقهيّ، ويستطيعون الآن أن يطبّقوا فكره، لذلك فإنّ دور "الهيئة الشّرعيّة" الآن، أن تبيّن للنّاس ما كان يراه سماحة السيِّد وتطبّقه، لأنّ هناك أموراً تحتاج إلى من يتولّى تطبيقها. مثل موضوع الهلال، في بداية شهر رمضان أو نهايته، فسماحة السيِّد أعطى الفتوى، وطلب منَّا أن نرجع إلى علم الفلك.

ملتزمون نهج الاعتدال

س: أكَّد السيِّد محمَّد حسين فضل الله في خلال فترةٍ طويلةٍ من حياته، نهجاً معيّناً من الاعتدال، هل السيّد علي والهيئة الشّرعيّة على المنهج ذاته، أم هناك تغيّرات في ما يخصُّ بعض القضايا؟

ج: نحن على النَّهج ذاته، فهذا النّهج مستمرّ وسيستمرّ، لأنّنا نعتقد أنَّ هذا هو الإسلام، وهذا هو الخطّ الّذي يستطيع المساهمة في حلِّ مشاكل لبنان والمنطقة، والّذي من الممكن أن يؤدّي إلى الارتقاء بمستوى الإنسان في هذا العالم، وحلّ مشاكل العالم، وليس فقط مشاكل المسلمين. ولذلك سنتابع هذا الأمر من موقع قناعةٍ وليس من موقع إرث، فهذا هو الخطّ الإسلاميّ المنفتح على قضايا الحياة والعصر، والّذي حصل من خلال التَّشييع وردود الفعل الإيجابيَّة الكثيرة بعد وفاة السيّد، الّتي تؤكّد أنّ هذا الفكر استطاع أن يخترق الحواجز الّتي عادةً ما تمنع الفكر أن يتجاوزها، من حواجز طائفيّة ومذهبيّة وسياسيّة. فالسيّد كان بمقدوره أن يصل حتّى إلى الّذين يختلفون مع فكره.

وقد أكَّد الواقع أنَّ هذا الفكر هو الحلّ الأمثل، وهو صمَّام الأمان لكلِّ المشاكل الّتي نعاني منها، ولا سيَّما في لبنان، وخصوصاً فيما يتعلَّق بالفتن، وقد كان سماحة السيِّد في حياته صمَّام الأمان من أيّ فتنة، ومن المؤكّد أن يستمرّ هذا الفكر، ونحن سنتابع الطريق... طبعاً لن نستطيع أن نحقّق ما كان لشخصيَّة السيِّد من حضورٍ وتاريخ، ومن فكرٍ وقدرةٍ على الإقناع قد لا تتوفَّر للآخرين، حتَّى لو كانوا من أقرب النّاس إليه، ولكنَّنا سنحمل هذا الفكر، وسنعمل على أن نستمرّ بنهجه.

فتوى السيد(رض): عدم الإساءة إلى عائشة والصّحابة

س: أصدرتم موقفاً منذ أيّام في ما يخصّ قضيَّة السيِّدة عائشة وسبّ الصّحابة، هل هذه الفتوى هي نفسها الّتي أصدرها سماحة السيِّد بالتّحريم، أم أضفتم إليها شيئاً؟

ج: هي الفتوى نفسها، ونحن ذكَّرنا بها وأكَّدناها، ونؤكِّد متابعتها، ونحن على استعدادٍ لتحمّل أعبائها، فكما نعرف، فإنّ هذه الفتاوى قد لا تجد سوقاً لها، حتَّى في مواقع النَّاس الّذين من الممكن أن يفكِّروا فيها، ولكن قد لا يريدون أن تطرح مثل هذه الآراء، فضلاً عن أناسٍ كان لهم في الأساس موقفٌ من هذه الفتوى.

لذلك نحن أكَّدنا هذه الفتوى، وقلنا إنّ هذه الفتوى هي الّتي تعبِّر عن الإسلام الّذي نؤمن به، وهو خطّ آل البيت، وتعبِّر عمَّا ورد في القرآن الكريم. نحن لا نتحدّث في هذا الإطار من خلال مجاملة، وإنّما نتحدّث عن عمق ما نؤمن به وما نلتزم به، ومن المؤكّد أنّنا سنتابع هذا المسار في هذه القضيّة وفي كلّ القضايا.

نحن حريصون دائماً على إطفاء كلِّ الفتن الَّتي يراد لها أن تحصل، وحريصون على أن نتوقَّى الفتن الّتي يُراد لها أن تحصل، وحريصون على أن نقدِّم خطّ أهل البيت بالصّورة الّتي كان عليها أهل البيت. فإذا أردنا أن نستحضر سيرة الإمام عليّ (ع) في كيفيَّة تعامله مع الخلفاء، وهو الَّذي كان يعتقد أنَّ الخلافة حقّ له، نجد أنَّ الروحيَّة الّتي انطلق من خلالها هي الّتي تعبِّر عن الإسلام، فالإمام عليّ لم يكن ينطلق من أمرٍ خاصّ، ولكنّه كان يعبّر عن فكره، ومن ينتمي إليه لا بدَّ من أن يعبّر عن الفكر ذاته. فالإمام عليّ(ع) انطلق وقال: "لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصّةً".

أمّا فيما يتعلّق بالسيّدة عائشة، فعندما حصلت معركة الجمل، صانها الإمام عليّ (ع) واحترمها وكرّمها، وكان في ذلك ينطلق من موقعه الرّساليّ وليس من موقعه الشّخصيّ، وكان ينطلق من حرصه على رسول الله (ص)، ومن حبّه لرسول الله (ص)، ومن وعيه لما ورد في القرآن الكريم.

وكلّ تاريخ أهل البيت هو تاريخ انفتاحٍ وتواصل، ومن ينطق باسمهم لا يمكن أن يكون منغلقاً، أو متعصّباً، ولا ساعياً إلى فتنة، ولا يمكن إلا أن ينطلق في فكره مما رسموه، لأنّهم رسموا الإسلام كما كانوا يرونه، ورسموا خطّ الإسلام كما جاء به رسول الله(ص).

العلاقة مع الأزهر

س: انطلاقاً من هذا الفكر وهذا الانفتاح لديكم، هل باشرتم بهذه الحوارات مع الآخرين، مثل الأزهر وغيره؟

ج: نحن مستمرّون في نهج الانفتاح، لأنَّه في الأساس، حتَّى على مستوى الموقع الَّذي كنت فيه مع سماحة السيِّد، كان السيِّد يحرص على أن نعيش الانفتاح، وكنت عضواً في "الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين"، وكنت حريصاً، بناءً على رغبة السيِّد (رض)، على أن أكون في هذا الموقع. صحيحٌ أنَّ في الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين علماء من مختلف المذاهب، ولكن الغالب عليه كان علماء سنّة، وكان هذا مجالاً جيّداً للتَّواصل، وكما كنت حريصاً على التَّواصل والتَّواجد، سأتابع ذلك.


كذلك، نحن سائرون في المرحلة المقبلة على الانفتاح على الأزهر وعلى العلماء في السّعوديَّة، وحريصون على الانفتاح على كلِّ المواقع الإسلاميَّة الأخرى، وبالتّالي، هذا مسارٌ سنسير على أساسه كما أنّنا نؤكِّد الصّورة الَّتي كان سماحة السيِّد حريصاً عليها، وهي ألا ننغلق في مواقعنا، والمرحلة تحتاج إلى ذلك.

نحن لا ننطلق من مرحلةٍ معيَّنةٍ ونتوقَّف، بل نعتبر أنَّ هناك مساراً نسير عليه. فمثلاً الآن، هناك محكمة دوليَّة، وهناك فتنة يحضَّر لها هنا وهناك، ولكنَّنا نؤكِّد، كما كنَّا نؤكِّد دائماً، أنَّ قوَّة المسلمين بوحدتهم وبتواصلهم، وأنَّ قوَّة المستضعفين بتواصلهم، كما أنَّ قوّة العالم بانفتاح حضاراته بعضها على بعض.

إبعاد الطّوائف عن الفتنة السياسيَّة

س: بالنّسبة إلى لبنان، في رأيك، هل أُغلقت جميع الأبواب أمام القيادات ولم يبقَ سوى طريق الفتنة؟

ج: بطبيعة الحال، الفتنة الطَّائفيَّة أو المذهبيَّة هي الأكثر استثارةً للمشاعر، والأكثر قدرةً على جعل النَّاس تتحرَّك، فالنَّاس في السّياسة لا يتحرَّكون كما يفعلون عندما تستثير مشاعرهم المذهبيَّة والطّائفيّة، أو عندما تطرح مسألة استهداف رموز الطّائفة.

ولهذا نجد أنَّ لبنان لم يكن ضحيَّة الصِّراع الطَّائفيِّ، بل ضحيَّة الصِّراع السّياسيّ الَّذي استخدمت الطائفيَّة فيه كوسيلةٍ لتسويق الصِّراع السّياسيّ وتحميته وجعله أكثر توقّداً، وهذا أيضاً موجودٌ في الجانب المذهبيّ...

وما ندعو إليه في هذا الإطار، هو إخراج الجانب المذهبيّ والطَّائفيّ من الحسابات، لأنَّ القضيَّة ليست كذلك، ولأنّه حرام أن ندخل اللّبنانيِّين مجدّداً في هذا الأتون، وفي هذا الصِّراع، والّذي في نهاية المطاف سيخضع لمنطق التَّسويات، والفتنة في لبنان تحصل لحسابٍ معيَّن، وتنتهي عندما ينتهي هذا الحساب.

إذاً، نحن نقول إنّه لا بدَّ من أن يرتاح اللّبنانيّون، ولا بدَّ من أن نريح لهم أعصابهم، وعلينا أن نبقي الكثير من القضايا في إطار الصِّراع السياسيّ، وليتصارع السياسيّون، وليُقنع كلّ واحدٍ منهم النّاس بما هو عليه، فلماذا إشعال الفتنة في لبنان؟! لقد جرّب اللّبنانيّون الفتنة طويلاً، فماذا صنعت لهم سوى هذا الخراب والدّمار، وقد كانت نهايتها باجتماع صانعيها...

الفتنة ومصالح القوى الخارجيّة

س: هل ترى أنّ الأزمة الّتي نمرّ بها الآن، من الممكن أن يكون العامل اللّبنانيّ السّبب لوقف تدهورها، أم العامل الخارجيّ هو الطّاغي؟

ج: العامل اللّبنانيّ قد يكون أكثر تأثيراً، واللّبنانيّون واعون، ولكن مع الأسف، نجد أنَّ هناك سعياً دائماً لإيجاد احتقانٍ في الدَّاخل اللّبنانيّ، بحيث يشعر الإنسان الهادئ الَّذي يريد أن يفكِّر، بأنَّه أصبح هامشيّاً، أو هو بخلاف الجوِّ العام ومعزول، عندها يندفع ويقول: "أنا في النّهاية ابن طائفتي ومذهبي، ولا بدَّ من أن أقف معهم في كلّ شيء".

فالجانب اللّبنانيّ طبعاً له تأثير، ولهذا ندعو المسؤولين إلى أن يكفّوا عن هذا الشّحن الّذي يحصل، وندعو اللّبنانيين إلى أن يكونوا واعين.

نحن نقول أيضاً إنَّ لبنان هو دائماً ساحة الخارج، ونحن لا يمكن أن نعزل لبنان، ومن المؤكَّد أنَّ للخارج تأثيره، ولكن الّذين هم في الدّاخل، كثير منهم، مع الأسف، صدى لما هو حاصل في الخارج، والخارج الآن له مصالحه، ويريد أيضاً أن تكون السّاحة اللّبنانيّة، السّاحة الّتي يتنفّس فيها. ولذلك على اللّبنانيّين أن يفكِّروا - ولو لمرّة واحدة - بأن يستفيدوا من إيجابيّات الخارج، وألا يسمحوا للخارج بأن يحوّلهم إلى دور، وأن يصبح لبنان، في يومٍ من الأيّام، وطناً فيه مؤسّسات وفيه حيويّة وفعاليّة.

إبعاد المقاومة عن الصّراع السياسيّ

س: هناك معادلة صعبة الآن في البلد، هناك مقاومة وإنجازات، وفي الوقت نفسه، هناك محكمة دوليّة والاغتيالات والحقيقة، هل من الممكن أن يوصل الحوار إلى نتيجة بعد؟

ج: طبعاً هذا ممكن، إذا أراد اللّبنانيّون والمسؤولون ذلك، لأنّ لبنان بحاجةٍ إلى وعي ما حصل فيه حتّى لا يتكرّر، واللّبنانيّون جميعاً يُجمعون على ذلك، كما أنّ اللّبنانيّين بحاجةٍ إلى المقاومة، لأنّ "إسرائيل" هي "إسرائيل"، رأيناها سابقاً ونراها الآن. فإذا فكّر اللّبنانيّون فعلاً بمسؤوليّة في موضوع المحكمة الدّوليّة، فإنّ عليهم أن يأخذوا بالاعتبار أنَّ الّذين يديرون الآن الواقع العالميّ، سواء أكانت الأمم المتّحدة أم كلّ متفرّعاتها، أنّ هؤلاء لهم مصالحهم، ولا يجب أن ننظر ببراءة إلى هؤلاء كما نفعل دائماً. نحن لا نريد أن نحكم عليهم مسبقاً كما قد يحكم البعض، ولكن في النِّهاية نقول إنَّه يجب أن نكون حذرين، لأنَّه من خلال تجارب العالم، سواء في السّودان أو في العراق... تعلّمنا أنَّ الأمور ليست بريئة، فلا بدَّ من أن يدخل اللّبنانيّون في الحوار، وأن يجلسوا ويفكّروا مجدّداً.

وكذلك ما نريد تأكيده، أنَّه مهما كانت الأمور، لا بدَّ من أن نخرج المقاومة من دائرة التَّداول، لأنَّ هذه المقاومة في النّهاية هي مقاومة اللّبنانيّين، وهي تمثِّل قوّة هذا الشَّعب اللّبنانيّ، وكلّ اللّبنانيّين كان لهم دورٌ في المقاومة، كلّ في موقعه، فالمقاومة لم تكن طرفاً في يومٍ من الأيّام، من الممكن أن يكون العبء وقع على حزبٍ أو على طائفة، ولكن في النّهاية، هذا الجوّ العام للمقاومة ونتائجها على مستوى التّاريخ، أو في المراحل الأخيرة، كان نتاج جهود الجميع، والكلّ شارك فيه، ونحن لا نريد أن نزيل كلّ هذا التاريخ المجيد، بل نريد أن نحفظه.


والمطلوب في هذه المرحلة هو أن يجتمع الجميع من أجل أن يفكّروا بمسؤوليّة في هذا الإطار، وإلا إلى أين سنأخذ البلد؟! ففي النّهاية، خيارنا كلبنانيّين أن نعيش مع بعضنا البعض، ولا يمكن ذلك وكلّ واحد منّا يشعر بأنّ هناك مشكلةً مع الآخر.

العلاقة مع الجمهوريَّة الإسلاميَّة

س: كيف هي علاقتكم بإيران الآن؟

ج: لقد كان سماحة السيِّد حريصاً على إيران بما تمثِّل من موقعٍ إسلاميّ، وكونها الدَّاعمة للمقاومة في لبنان، والحاضنة للكثير من الحركات الّتي تواجه العدوَّ الصّهيونيّ، وقد كان السيِّد يتجاوز من خلال ذلك بعض الأمور الّتي كانت تحصل في بعض الحالات، ولم يكن يقف عندها، بل كان يُركِّز على هذا الجانب.

نحن أيضاً سنتابع التَّركيز على هذا الجانب، فإيران الَّتي تعيش الإسلام فكراً، منفتحة على قضايا المسلمين، ونبقى معها في هذا الإطار.

س:كانت لسماحة السيِّد استقلاليّة عن إيران؟

ج: لقد كان السيّد حريصاً على أن يُبقي هذه المؤسَّسات عامّةً ومنفتحةً على كلِّ الخيِّرين والطيِّبين، ولكنّ هذه المؤسَّسات لم تكن لأحد، ولن تكون لأحدٍ أو تعمل لحساب أحدٍ أو تدخل في هذه الحسابات.

فمن يرد أن يُساعد أيتام هذه المؤسَّسات وفقراءها ومحتاجيها ومعوَّقيها، ومن يرد أن يساعد أهدافها، فلا مشكلة معه، أمَّا نحن، فلن نُرتهن لأحدٍ في أيّ مرحلةٍ من المراحل. فسماحة السيِّد علَّمنا أن نكون أحراراً في حياتنا، وسنبقى نعتبر أنّ الحريّة مسؤوليّة.

حسن شلحة

جريدة اللّواء اللّبنانيّة

4 تشرين الأوّل 2010

التاريخ: 26 شوّال 1431 هـ الموافق: 04/10/2010 م

ليست هناك تعليقات: