4 أكتوبر 2010

حساسيّة الإسلام تجاه الظالمين


من أهمّ مظاهر الظلم والفساد ما يصيب واقع الحكم، الذي يمثّل الواقع الذي يضغط على حياة المجتمع، ويكاد يعيد بناء وتشكيل ذهنيّته ويفرض عليه مناهج الحركة والسلوك، ممّا يعني أنّ الفساد والظلم عندما يستشري فإنّه لا يقتصر أثره على الظالم والمفسد فحسب، ولا على الواقع الخارجي للأمّة وللمجتمع فقط، بل يتعدّاه إلى نفس الإنسان، لتتشوّه مفاهيمها، أو لتنحرف تصوّراتها، أو لتضلّ خطوط حركتها، لتجد نفسها في موقع الظالم نفسه؛ وهو ما أكّده الحديث المروي عن رسول الله محمّد (ص) والذي يقول: «كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، وشرّ من ذلك؛ كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف. فقيل له: يا رسول الله، ويكون ذلك؟ قال نعم، وشرّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟!»، وهو يبيّن مسار انحدار المجتمعات عندما تعتاد شيئاً فشيئاً على الواقع الفاسد والمنحرف، ولا تقف في مواجهته وتغييره، كما قال رسول الله محمّد (ص) أيضاً: «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». وفي الحديث عن رسول الله (ص): «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر، أو ليسلّطنّ الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يُستجاب لهم».

من هنا نجد أن واقع الظلم والاضطهاد الذي ترزح تحته الشعوب والمجتمعات هو ـ بشكل من الأشكال ـ من صنعها، وقد تحقّق جزء من أسبابه ـ على الأقلّ ـ بأيديها؛ ليس أقلّها الانتخابات التي تجري في بلداننا العربيّة والإسلاميّة وتكرّر وجوه نفس الطبقة السياسيّة التي هي مسؤولة عن مشكلات المجتمع فكيف بها تحلّها؟! وهي مسؤولة عن واقع الذلّ الذي يعيشه الناس، فكيف تفرض العزّة في مواجهة التحدّيات؟! وهي التي لا تجسّد القيم الأخلاقيّة والدينية في نفسها فكيف تعيشها في حركة حكمها؟! وما إلى ذلك..

لقد بلغت الحساسيّة بالتوجيه الإسلامي إلى مستوىً اهتمّ فيه بالشعور الخفيّ الذي ينساق فيه الإنسان مع الظالم أو المنحرف أو الفاسد، فنجد مثلاً في الحديث عن الإمام جعفر الصادق (ع): «من عذر ظالماً بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه؛ فإن دعا لم يُستجب له، ولم يأجره الله على ظلامته». وفي حديثٍ لافتٍ عن الإمام موسى الكاظم (ع)، وهو الذي يرويه عنه صفوان الجمّال، يقول: «دخلت على أبي الحسن الأوّل (ع) فقال لي: يا صفوان، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك، أيّ شيء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل» ـ يعني هارون الرشيد ـ «قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكّةـ، ولا أتولاه بنفسي، ولكنّي أبعث معه غلماني. فقال لي: يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم، جعلت فداك! قال: فقال لي: أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال: من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار».. وفي الحديث عن الإمام جعفر الصادق (ع): «العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به شركاء ثلاثتُهم».. فماذا نحن فاعلون؟!

السيد جعفر فضل الله


ليست هناك تعليقات: