31 يوليو 2010

لتمّوز معك أكثر من ذكرى وموقف


تعود الذِّكريات بنا هذه الأيَّام أربع سنين إلى الوراء، حيث أطبقت السَّماء على الأرض، وزلزلت مواقع الأقدام، وأحسسنا بأنَّنا أمام منعطفٍ خطير، يُنذر بإعادة عقارب السَّاعة ربع قرنٍ إلى الوراء، إلى زمن الاجتياح الإسرائيليّ مطلع الثّمانينات..

كانت البداية مع الموقف ـ التَّهنئة، الّذي هنَّأ فيه السيِّد فضل الله(رض) المجاهدين على انتصارهم بأسر الجنديَّين بعد ساعاتٍ قليلةٍ على الإعلان عن النّبأ، والصّمت مخيّم على كلّ الواقع. وقد رأى الكثيرون في هذا الموقف، الغطاء الأوّل الّذي فوّت الفرصة الذّهبيّة على إيجاد رأيٍ عامّ من قلب الطّائفة ـ التي ينتمي المقاومون إلى مجالها الاجتماعيّ والدّيني ـ ضدّ المقاومة في الآتي من الخطّة المرسومة في الخفاء، فتنكشف اجتماعيّاً، وربّما دينيّاً..

هل تذكرون الأصوات التي حمّلت المقاومة المسؤوليّة عمّا جرى للنّاس، وحاولت أن تقيس الأرباح والخسائر بحجم الدَّمار والقتلى هنا وهناك؟! هي أصواتٌ نشازٌ، ما كانت لتكون نشازاً إلا عندما أفرد السيِّد (رض) عباءته ـ المفردة دائماً ـ على كلِّ المدى المقاوِم...

وكما عهدته السَّاحة؛ يحدِّد المسار قبل مجيء وقته، وكما قال بعض الصحافيِّين المرموقين: «يضبط إيقاع خطاب الحركة الإسلاميَّة» في المرحلة الصَّعبة؛ لذا، أعلن أنَّ أيَّ قوّةٍ أجبيّةٍ تأتي تحت البند السّابع، ستعامل كقوّات احتلال.. ويأتيه من يقول له إنّك أدخلت المرجعيّة في اللّعبة السياسيّة، وهذا لا يناسب مقامها الّذي ينبغي أن يكون على درجةٍ عاليةٍ من الدبلوماسيّة في التّعبير، والعموميّات في المفردات، وكأنّهم يقولون إنّ المرجعية تفرض أن يكون الكلام بلا لون ولا طعم ولا رائحة؛ إنّه الموقف اللاموقف، والمبدأ المائع مع خطوط توازنات الواقع.

لم يكن السيّد بحاجةٍ إلى أن يفكّر طويلاً ليجيب المتحدّثين بهذا المنطق؛ «هذه المرجعيّة التي تتحدّث عنها لا تساوي قطرةً من دماء الشّهداء... أنا داعية إلى الإسلام»؛ والدّاعية عليه أن يقف الموقف الّذي يُسأل عنه بين يدي الله، لا الموقف الّذي يخضع للاعتبارات الجوفاء، التي تأخذ من الإسلام عنوانه، وتنسف بكلّ مبادئه عرض الجدر الإقليميّة والدّوليّة... والمحلّية، وترى الإسلام ترفاً فكريّاً في الصالونات العامّة، ولا ترصده على أرض الواقع، في الكلمة والموقف والسّلوك..

نستذكرك يا سيِّدي ـ وقد افتقدك منبر مسجدك ـ عندما أصرّيت على أن تؤدّي الجمعة وطائرات العدوّ فوق سماء الضَّاحية، وقد أعطيت للنّاس من عزمك عزماً، ومن روحك روحاً، ومن صمودك أفقاً نحو النّصر الّذي كنت مطمئنّاً إلى مجيئه حتّى في أقسى حالات الشدّة..

ولا ينسى المقاوِمون نداءَك ـ الّذي سخر منه بعض أصحاب العمائم ـ وهو يعيد لحركة الحاضر رمزيّة حركة النبوّة في انطلاقتها المتحدّية لموازين القوى، والمتمثّلة آنذاك بقريش التي «ما ذلّت منذ عزّت»، والمتمثّلة اليوم بكيان الغصب والإجراء المسمّى «إسرائيل»..

وتبقى سكينتك المستمدّة أبداً من سكينة رسول الله في الغار، غمامةً فوق كلّ الاهتزازات والتحدّيات؛ ليُنزل الله سكينته علينا، ويؤيّدنا بجندٍ لا نراها، لنحقّق للإسلام نصراً جديداً؛ والله من وراء القصد.

السيد جعفر محمد حسين فضل الله

ليست هناك تعليقات: