12 يوليو 2010

فضل الله في ذكرى إسقاط 17 أيّار:
الكلمات الموجّهة ضدّ المقاومة وسلاحها تشبه تلك الّتي قيلت في أثناء الاحتلال




لاحظ العلامة المرجع، السيّد محمّد حسين فضل الله، أنّه أريد للبنان ـ من خلال اتّفاق السّابع عشر من أيّار ـ أن يكون محطّة الانطلاق لمشروعٍ أميركيّ صهيونيّ يمتدّ إلى المنطقة، وهو الأمر الّذي حاول العدوّ تحقيقه في حرب تمّوز العام2006.

وأشار إلى الاعتصام في مسجد الإمام الرّضا(ع) في بئر العبد، بتاريخ17 أيار 1983 م ، الذي دعا إليه تجمّع العلماء المسلمين الّذين انطلقوا في سياق حركة وحدويّة متراصّة، مسترشدين بآراء ومواقف وتوجيهات سماحة السيّد ـ دام ظله ـ ودعمه ومواكبته لكلّ هذه المسيرة، حيث مثّل هذا الإعتصام الرّصاصة الأولى الّتي أصابت اتّفاق 17 أيّار، ثم تبعته "رشقات" تمكّنت من إسقاط الهيكل على رؤوس المحتلّين.

وحذّر من أنّ الكلمات التي تطلق ضدّ المقاومة وسلاحها في هذه الأيّام، تشبه كلمات الأمس الّتي كانت تعتبر المقاومة انتحاراً.

جاء ذلك في الكلمة الّتي ألقاها بالنيابة عنه، نجله السيّد علي فضل الله، في الاحتفال الذي أقامه تجمّع العلماء المسلمين في مسجد الإمام الرّضا في بئر العبد، لمناسبة إسقاط اتّفاق 17 أيّار.وجاء في الكلمة:

هل كان اتّفاق السّابع عشر من أيّار مجرَّد اتفاقيّة أمنيّة سياسيّة تسرّع الخطى في عمليّة جلاء القوّات الإسرائيليّة من لبنان، كما جاء في الكتاب الأبيض الصّادر عن وزارتي الخارجيّة والإعلام في لبنان في أيّار من العام 1983، أم أنّ هذا الاتّفاق كان المحطّة الأولى الّتي يُراد من خلالها إدخال الكيان الصّهيونيّ إلى عمق المنطقة العربيّة والإسلاميّة، مستعيناً بالقوّات الأميركيّة وقوّات الحلف الأطلسي؟!...

لقد قيل الكثير حول هذا الاتّفاق الّذي شرّع استباحة كيان العدوّ للبنان، وأراد للقوّات المسلّحة اللّبنانيّة أن تأتمر بأوامر العدوّ، أو أن تقيّد حركتها لحساب مصلحته، وأن تكون شرطيّاً يضبط كلّ من تسوّل له نفسه الحديث بلغة التّحرير، وكلّ من يمنّي النّفس بالتمرّد على مقولة الأمن الصّهيونيّ لحساب أهله وبلده وأمّته...

وسواء أراد هذا الاتّفاق أن ينقل الكيان الصّهيوني إلى قلب لبنان والنّسيج اللّبنانيّ كلّه، أو أراد للبنان أن ينتقل إلى داخل كيان العدوّ، أو الاثنين معاً، فإنّ هذا الاتّفاق كان يرسم لمرحلةٍ اتّسع بيكارها، وتوسّعت أهدافها، منذ قرّر شارون أن يحاصر العاصمة اللّبنانيّة، ليبدأ برسم خططٍ أمنيّةٍ وسياسيّةٍ تتجاوز لبنان إلى المنطقة كلّها...

وعندما يقرأ أحدنا نصّ هذا الاتّفاق، من كلماته الأولى الّتي تشير إلى تعهّد كلّ من الفريقين (اللّبناني والصهيونيّ) "باحترام سيادة الفريق الآخر، واستقلاله السياسيّ وسلامة أراضيه" ، كما جاء في المادّة الأولى من الاتّفاق المشؤوم... إلى الموادّ الأخرى والملاحق التي تحدّد للجيش اللّبناني عديده، كما تحدّد أماكن عمل كتيبة المدفعيّة وكتيبة المدرّعات والسّرايا الأخرى وعديد الضبّاط وما إلى ذلك، مما يتّصل بحركة الجيش اللّبناني والقوّات المسلّحة اللّبنانية على الحدود مع فلسطين المحتلّة وفي الداخل... يعرف المدى الّذي أريد لهذا الاتّفاق أن يبلغه في السّاحة المحليّة، ليمتدّ ـ بعد ذلك ـ إلى ما هو أبعد من لبنان بكثير...

عندما نضع هذه الصّورة أمامنا، ونتطلّع من على بعد سبعٍ وعشرين سنةً إلى المشهد الّذي أريد من خلاله تغيير خريطة المنطقة السياسيّة والأمنيّة، انطلاقاً من المحطّة اللّبنانيّة، ونعاود ملاحقة الأمور فيما جرى في حرب تمّوز من العام2006، ونحدّق في خطط العدوّ التي لا تزال قائمةً، ونستمع إلى كلام وزير حرب العدوّ الذي يتحدّث في هذه الأيّام عن جهوزيّة جيشه لشنّ حربٍ واسعة النّطاق... ندرك الحجم الكبير لتلك الحركة الّتي أسقطت المدماك الأوّل لمشروع صهيونيّ أميركيّ كبير في المنطقة، وندرك حجم وأهميّة الضّربة الأخرى التي تلقّاها العدوّ في حرب تمّوز2006، ونفهم مدى أهميّة أن تبقى خطوط الممانعة والمقاومة والحركة الشّعبية والعلمائيّة على جهوزيّتها، لإجهاض أيّة محاولةٍ لإعادة إحياء هذا المشروع وبعثه من جديد...

لقد مثّلت حركة العلماء المخلصين، الّذين انطلقوا في سياق حركة وحدويّة متراصّة في تجمّع العلماء المسلمين، الرّصاصة الأولى التي أصابت اتّفاق السّابع عشر من أيّار في الصّميم، والّتي تبعها رشقات وزخّات أمنيّة وسياسيّة متوالية، استطاعت أن تسقط الهيكل على رؤوس الاحتلال الصّهيونيّ والإدارة الأميركيّة الّتي سار مبعوثها ـ آنذاك ـ خلف خطى شارون، وإن حمل اسم لبنان في هويّته، كما يحمل مبعوثٌ آخر هذه الهويّة في هذه الأيّام، ويريد لها أن تظلّ في خدمة المشروع الصّهيونيّ الاستيطانيّ والاحتلاليّ إلى آخر المطاف.

ونحن عندما نستذكر الاتّفاق المشؤوم، ونستذكر أنّ المجلس النيابيّ صوّت آنذاك ـ باستثناء صوت أو صوتين ـ مصدّقاً لهذا الاتّفاق، ثم ما لبث أن صوّت بكامله ضدّ هذا الاتّفاق، نعرف جيّداً كيف تدار الأمور السياسيّة في لبنان، بما فيها تلك التي تتّصل بمستقبل البلد ومصيره، كما نعرف كيف يمكن للوحي الخارجي أن ينقل البلد من موقعٍ إلى آخر... وأن يبدّل المواقف السياسيّة ويقلب التّوازنات رأساً على عقب... وما أشبه اليوم بالأمس، ولله درّ هذا اللّبنان، كيف تتغيّر فيه الأسماء والعناوين، ويبقى هو على حاله، تماماً كما يقول الشّاعر:

وحالات الزّمان عليك شتّى وحالك واحدٌ في كلّ حالِ

إنَّنا في الوقت الَّذي نحيّي ذكرى الشّرارة الأولى والأساسيّة الّتي انطلقت من مسجد الإمام الرِّضا(ع)، ومن ذلك الاعتصام التَّاريخيّ، لإسقاط الاتّفاق المشؤوم، ونحيّي ذكرى الشهيد محمّد نجدي، وكلّ أولئك الّذين اختطفتهم السّلطة ـ آنذاك ـ واعتقلتهم تبعاً لأوامر المقبور ديفيد كيمحي ... علينا أن نحدّق مليّاً في المستقبل، لأنَّنا نزعم أنَّ العدوّ لم ييأس بعد، وأنّه لا يزال يمنّي النّفس بما يشبه اتّفاق17 أيّار، وما يتجاوزه. كما علينا أن نرصد المشهد من حولنا، لنلاحظ أنّ الكلمات الّتي تطلق ضدّ المقاومة وسلاحها، هي نفسها الّتي كانت تعتبر المقاومة انتحاراً، وكانت تقول للّبنانيّين إنّها تنشد الخلاص للبنان من خلال توقيع اتّفاق الذلّ مع العدوّ... وهي كانت تردّد قبل حوالى ثلاثة عقود: "ماذا فعلتم للجنوب، ماذا فعلتم بالجنوب؟!"... وها هي تردّد الآن كلمات مشابهة تماماً، ويستعين بها العدوّ في قنواته التلفزيونيّة ليؤشّر إلى إمكانيّة الاستفادة منها في المستقبل، كما جرى الاستفادة منها في الماضي...

إنّ لبنان بحاجةٍ إلى استراتيجيّة دفاعيّة حقيقيّة تقوم على قواعد صلبة في وحدته الداخليّة، وخصوصاً في الوحدة الإسلاميّة الّتي يمثّل تجمّع العلماء المسلمين مدماكاً أساسيّاً من مداميكها... لتنطلق هذه الوحدة في مشروعٍ ثقافيّ سياسيّ وحدويّ جهاديّ، يؤسّس لمواجهة المرحلة المقبلة الّتي تتلبّد فيها الغيوم القادمة من المنطقة ومن قلب فلسطين المحتلّة... ولننطلق من موقع الفعل لا من موقع ردّ الفعل، لنمنع زحفاً صهيونيّاً على لبنان، ونؤسّس لانطلاقةٍ حقيقيّةٍ تحتضن مشروع المقاومة والممانعة في حركته الحاليّة وامتداداته في آفاق المستقبل.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

التاريخ: 3 جمادى الثّانية 1431 هـ الموافق: 17/05/2010 م

ليست هناك تعليقات: