6 أكتوبر 2008

لاحظ تصاعد الحملات التشويهية التي تفوح منها رائحة العنصرية ضد المسلمين في أوروبا
فضل الله يدعو إلى وقف السجال المذهبي لمصلحة الوجود الإسلامي في أوروبا "الذي يتعرض للخطر"


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه الهجمات والحملات الأخيرة في بعض الدول الأوروبية ضد المسلمين، جاء فيه:
كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات المضادة للإسلام في أوروبا، والحملات الإعلامية والتشهيرية ضد أتباعه، وبدأنا نسمع صرخات تفوح منها رائحة العنصرية ضد المسلمين في عدد من البلدان الأوروبية، وخصوصاً في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا. وقد بدأت المؤتمرات تُعقد هناك تحت عنوان "التنديد بانتشار الإسلام" كما يحصل في هذه الأيام في كولونيا بألمانيا، وبدأ العمل لتحشيد الشخصيات الأوروبية من هذا البلد أو ذاك، وخصوصاً تلك التي تنتمي إلى اليمين المتطرف لمواجهة ما يسمونه انتشار الإسلام، وبدأ الحديث عن مشروع قانون يُعد له في إيطاليا لحظر بناء المساجد، مع دعوات صريحة إلى العمل "للحد من نمو الإسلام في قلب عالم المسيحية الكاثوليكية"، إلى غيرها من المواقف التي اعتبر أصحابها أن وجود المساجد في أوروبا هو "استعمار لا حدود له لثقافتنا" كما يزعمون...
إننا نلاحظ أن هذه المواقف التي تتسم بالعنصرية ولا تعترف بالتعددية الثقافية والحضارية في بلاد قامت قوانينها على ذلك، وانطلقت ثوراتها تحت هذه العناوين، ما كانت لتأخذ هذا الحجم أو لتصل إلى هذا المستوى من المواجهة المباشرة مع المسلمين، وإلى احتقار الثقافة الإسلامية وحتى إلى مستوى الاستعداد للإساءة المباشرة للمسلمين، لولا عملية الشحن التي تمارسها الكثير من وسائل الإعلام الغربية والأوروبية، ولولا حملات التشويش والتشويه التي قامت بها شخصيات أوروبية سياسية وغير سياسية تحت عنوان احترام حرية التعبير، هذه الحرية التي تصبح مقدسة في الغرب عندما تتوجه سهام الاتهامات إلى الإسلام والمسلمين، وكذلك إلى العرب بعامة.
ومن الخطورة في مكان أن تراوح نسبة النظرة السلبية إلى المسلمين في البلدان الأوروبية الأساسية ما بين 25% و52% بالمئة وفق استطلاعات الرأي الأخيرة، وهو الأمر الذي ينبغي أن يفتح عيون المسلمين وقادتهم على الأسباب الكامنة وراء ذلك، وحول المدى الذي حققته الحملات المعادية التي عملت على التخويف من الإسلام، وكذلك حول التأثيرات السلبية للدعاية الإعلامية المضادة للإسلام والمسلمين، وتقصير العرب والمسلمين في الدفاع عن قضاياهم ودينهم وثقافتهم.
كما أن ذلك يدعونا إلى الالتفات إلى حجم الهجمة التي تستهدف الإسلام في مرتكزاته العقيدية وفي مكوّناته الأساسية وفي المنتمين إليه، وهو الأمر الذي ينبغي أن يضعه الدعاة إلى الإسلام والعاملون للوحدة الإسلامية نصب أعينهم، ليعرفوا أن القضية تصل إلى مستوى الهجوم على الإسلام كله بعيداً من العناوين المذهبية، وليبذلوا جهودهم في سبيل الحفاظ على الوجود الإسلامي في أوروبا، لأننا نتطلع إلى هذا الوجود من زاوية الحفاظ على الانتشار الحضاري الإسلامي في العالم ومن موقع التحاور والتعارف والتلاقح مع الثقافات والحضارات الغربية، ولأن الخلافات المذهبية والسياسية الحادة بين المسلمين تغري الآخرين بالقيام بهجوم نوعي ومتواصل ضد الإسلام.
وإن المسؤولية تقع على عاتق المسلمين الأوروبيين كي يرسموا الخطط والبرامج ويضعوا الآلية العملية لمواجهة موجات الكراهية المتصاعدة ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا، باعتمادهم على الوسائل العلمية والحضارية والحوارية في مسألة الدفاع عن إسلامهم، وبسعيهم لتحصيل حقوقهم وحماية أوضاعهم من ضمن قوانين البلدان الأوروبية، وبتصرفهم الذي ينبغي أن ينطلق من كونهم متجذرين في أوروبا وليسوا طارئين على هذا البلد الأوروبي أو ذاك، فهم يحملون الجنسية التي يخلصون لها باندماجهم مع الآخرين مع احتفاظهم بشخصيتهم الإسلامية.
إننا ندعو المسلمين في الجاليات الإسلامية في أوروبا إلى مزيد من التعاون والانفتاح على الشعوب الأوروبية، وإلى إبراز القيم الحضارية الإسلامية في التعاون مع الآخرين بما يعزز من الفرص التي تقود إلى إغناء التجربة الحضارية، والتي يمكن أن يكونوا سفراءها في مسألة التقارب والتعاون والتحاور بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وأن لا ينطلقوا من العقدة التي تنظر إلى الغرب على أساس أنه لا يتعاون معهم ويرفضهم أو أنه يمثل السبب الرئيس لمشاكلهم، بل أن يعيدوا النظر في أساليب حركتهم وتعاطيهم مع الآخرين.
إننا في الوقت الذي نؤكد على المسلمين في أوروبا ألا ينهزموا أمام شعارات الرفض لهم وأساليب الدعاية التي تتهمهم باستخدام الأساليب العنفية أو الإرهابية، ونؤكد عليهم ألا ينجرفوا في خطوط التكفير أو التطرف وألا يستجيبوا لمحاولات استفزازهم بطريقة انفعالية غير مدروسة، نؤكد أنه على السلطات الأوروبية أن تتحمل مسؤولياتها اتجاه مواطنيها، ولاسيما المسلمين منهم، وأن تمنحهم حقوقهم المشروعة عبادياً وسياسياً وثقافياً، ونؤكد في الوقت نفسه وجوب التعاون مع الجمعيات والشخصيات والمؤسسات الأوروبية المنفتحة، وخصوصاً تلك التي وقفت لتدافع عن المسلمين وحقوقهم في شكل صريح وعلني، لأننا نعتقد أن قضية الحرية لا تتجزّأ وأن الدفاع عن القيم الإنسانية يمثل انتصاراً للبشرية كلها ولمسيرة تقدمها، ولا يمثل بالضرورة انتصاراً لمعتقد بعينه أو لمجموعة بشرية محددة.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 28-9-1429 هـ الموافق: 28/09/2008 م

ليست هناك تعليقات: