11 أكتوبر 2008

المرجع الشيعي فضل الله لـ "أوان": الطائفية يصنعها زعماء المذاهب

أجرت صحيفة "أوان" الكويتية حواراً مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه شؤوناً لبنانية، وخلفيات دعوة الشيخ القرضاوي حول وجود بدع عند الشيعة. وهذا نصّ الحوار:

آفاق الحوار الوطني في لبنان
* لقد انطلق حوار جديد بين القوى السياسية المتنازعة في لبنان برعاية رئيس الجمهورية، هل هو، في رأيكم، حوار بالوكالة عن القوى الدولية المتصارعة في لبنان، أو أنه حوار لبناني سيؤدي إلى مصالحة وطنية فعلية، كان من بشائرها الاجتماع الأخير بين وزراء ونواب من حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي؟

ـ عندما ندرس الظروف السياسيّة التي تحيط بلبنان، من خلال علاقتها بأزمة المنطقة، من حيث الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع العربي ـ العربي، أو من خلال التعقيدات المحليّة، فإننا نرى أن مسألة الحوار، كمسألة «اتفاق الدوحة»، انطلقت من الخشية من أن يتحوّل الوضع اللبناني، في خلفيّاته الخارجية، ومواقعه الإقليميّة والمحلية، إلى حرب أهليّة تتمثل بالحروب الصغيرة، سواء كانت فرديّةً أو جماعيّةً، ومنها ما حدث في 7 مايو (أيار) الماضي، والذي حاول الكثيرون أن يوظّفوه لخلق فتنة سنيّة شيعيّة، ولا يزال الكثيرون يتحدثون عن هذا الأمر بطريقة التصريح تارةً، والتلميح تارةً أخرى.
وعليه، فالمسألة كلها تُختصر بأنه يُراد من الواقع اللبناني، من خلال المصالح الدولية، والأوضاع العربية، مع المفردات المحلية، إيجاد حال من السلم الذي يبقى على السطح، تماماً كما كان «اتفاق الطائف» الذي لم يكن حلاً لمشكلة لبنان، بل كان حلاً لمشكلة الحرب، لأن دوره كان إيقاف الحرب.. ولذلك، فإننا، من خلال دراستنا للخلفيات التي تكمن وراء كثير من أطراف الحوار، في علاقاتها بالواقع الدولي والإقليمي، لا نرى ما يوحي بأن الحوار سوف ينزل إلى العمق في ماهية الوحدة الوطنية اللبنانية، وذلك لأنّ النادي السياسي اللبناني، بتنوّعاته، لا يملك الكثير من الحرية السياسيّة التي تمكّنه من حسم الأمور بنحوٍ يعود معه لبنان بلداً موحّداً ومتعاوناً من دون أي تعقيدات...
الحوار في لبنان لن ينـزل إلى العمق في ماهية الوحدة الوطنية، لأن النادي السياسي اللبناني بتنوعاته لا يملك حرية حسم الأمور السياسية
إن أزمة لبنان من خلال طبيعة القيادات السياسيّة ـ إن كان هناك قيادات بالمعنى الصحيح ـ مرتبطة بأزمة المنطقة... ونحن نعرف أن المنطقة لا تزال في حالٍ من المراوحة، وخصوصاً في ظلّ نهاية عهد الإدارة الأميركية الحالية، وتطلّع الجميع إلى مرحلة الإدارة الجديدة في خطوطها السياسية، التي قد تمثل امتداداً للإدارة الحالية أو ربما تمثّل بعض التغيير فيها... هذا مع ملاحظة الوضع الجديد الذي حصل في الحركة الأميركية التي امتدّت معها الحركة الأوروبية في مواجهة الاتحاد الروسي، وتطويق روسيا مخافة أن تتحوّل إلى اتحاد سوفييتي جديد، من حيث القوة، ومن حيث تأثيرها في العالم، من خلال تحالفاتها المتنوّعة.
أنا أتصوّر أن الحوار اللبناني ـ اللبناني هو حوار من أجل منع الحرب، وليس حواراً من أجل منع التمزّق اللبناني السياسي.

فتنة السُنة والشيعة
* بالنسبة إلى واقع العالم الإسلامي؛ في العراق تسود فتنة مذهبية بأشكال مختلفة، بينما في لبنان نسمع عن أنّ الفتنة موجودة، ولكنها موجودة عملياً في عقول بعض السياسيين الذين يثيرون بعض العصبيات المذهبية والسياسية، أما على أرض الواقع، فليست هناك قناعة أو ممارسة لدى السنة أو الشيعة تشير إلى أنهم يعيشون مثل هذه الفتنة المذهبية؟

ـ في تصوّري، إذا خرجنا من دائرة المحزَّبين والفئات التي تعيش على موائد الزعامات السياسيّة المذهبيّة، فإننا نرى أن الشعب المسلم، من السنّة والشيعة، لا يفكر في أي فتنة تعطّل له مصالحه، لأن المسلمين فريقان: فريقٌ يعيش الحرمان كأقسى ما يكون، وفريق يتحرّك في المواقع الاقتصادية. وأعتقد أن كلا الفريقين يتداخلان فيما بينهما، إذ هناك شيعة وسنّة في داخل واقع المحرومين، وكذلك هناك شيعة وسنّة في المواقع الاقتصادية.. ولذلك، فإنني لا أتصوّر أن هؤلاء الناس، في هذا الجانب أو ذاك، يفكّرون في إحداث أي فتنة دامية... ولكن، ربما تتحرّك بعض الخطوط الصغيرة أو الكبيرة التي يثيرها الذين يعملون على تلويث الأجواء السياسيّة، لخلق بعض الحساسيّات في هذا المجال، ليحرّكوا الحديث عند الانتصار السياسي لأحد الفريقين عن هزيمة الطائفة التي ينتمي إليها الفريق المهزوم، كالحديث عن هزيمة الطائفة السنيّة عندما ينتصر الشيعة، أو هزيمة الطائفة الشيعيّة عندما ينتصر السنّة.
أنا لا أتصوّر أن هناك فتنةً على المستوى الشعبي، ما خلا بعض الحساسيّات التي قد تحيط بها بعض الظروف، والتي قد تدفع إلى قتالٍ فردي هنا أو محدود هناك. ولذلك، لم يستطع هؤلاء الذين يحرّكون الفتنة أن يصنعوا حرباً أهلية بين السنّة والشيعة.
الحوار اللبناني ـ اللبناني هو حوار من أجل منع الحرب وليس لمنع التمزّق اللبناني السياسي
لذلك، أنا لا أخشى من فتنةٍ سنيّة شيعيّة، من خلال الشروط المحليّة للفتنة، ولكن الخوف الذي يمكن أن يحصل هو من بعض المواقع الإقليميّة التي تهتمّ بالجانب المذهبي، والتي تفكّر في احتواء المذهب على مستوى العالم العربي لحساب سياساتها، أو من خلال التوظيف الأميركي لهذه المواقع، أو من خلال بعض التعقيدات التي تعيشها بعض قياداتها الأمنيّة أو السياسيّة في هذا المجال. ولكنني أتصوّر أن لبنان، مهما امتدّت به الأوضاع المذهبيّة والطائفيّة، فإنه لن يواجه أي فتنة كبرى تؤدّي إلى حرب أهليّة، سواء بين السنّة والشيعة، أو بين المسيحيّين والمسلمين، إلا إذا كانت الأوضاع الدوليّة تخطّط للاستفادة من حرب لبنانيّة بين الأديان والمذاهب والأحزاب والاتجاهات السياسيّة في المنطقة، ولكن في وقت محدود...

محاولات التقريب بين المذاهب الإسلامية
* في موضوع الوحدة الإسلاميّة، هناك محاولات كثيرة حصلت للتقريب بين المذاهب، وأنشئت مؤسّسات ومجامع لذلك، ما هو تقييمكم لهذه التجربة التي لم يظهر أنها حققت نتائج عملية ملموسة؟

ـ أنا أعتقد أن غالبية علماء الدين لا يزالون يعيشون تعقيدات التاريخ، بحيث يستعيدون سلبيّاته بما يقومون من تثقيف قاعدتهم بالقضايا المذهبيّة، سواء من خلال التكفير، أو من خلال فتاوى الإساءة إلى بعض المقدّسات لدى بعض المذاهب.
لذلك، فإننا نجد أن علماء الدين في العالم الإسلامي، عموماً، يعملون على إبقاء هذا الاهتزاز الداخلي الإسلامي المذهبي، بأساليب متعدّدة... وفي الوقت الذي نشجّع مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية، نجد أنها أقرب إلى الاجتماعات الاحتفالية منها إلى المؤتمرات التي تدرس الأمور دراسةً علميةً، بحيث تضع الجميع أمام مواقع اللقاء بشكل علمي وموضوعي عميق، وتفتح أبواب الحوار بشكل جادّ في ما يختلفون فيه.
نحن نعرف أن حركة التقريب التي أنشأها مجموعة من العلماء في مصر، وعلى رأسهم الشيخ محمد تقي التوني، وبرعاية المرجع الإسلامي الشيعي السيّد حسين البروجردي، والشيخ محمد شلتوت، والشيخ عبد المجيد سليم، وهم من علماء الأزهر الكبار، ومن المثقفين المخلصين للخط الإسلامي، على هدى الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وقد مثّلت هذه الحركة تجربةً رائعةً جداً في مسألة التقريب، إذ بدأوا بإصدار مجلة «رسالة الإسلام»، والتي كان الشيعة يطرحون فيها كل أفكارهم، كما كان السنّة يطرحون فيها كل أفكارهم، وبطريقة علميّة موضوعيّة، قادت المجموعتين إلى الإحساس بوجود وحدة إسلامية تتنوّع فيها الاجتهادات، سواء داخل المذهب الشيعي أو داخل المذاهب السنيّة، ولعلّ هذا أدّى إلى أن يصدر الشيخ المرحوم محمود شلتوت الفتوى بجواز التعبّد بالمذهب الشيعي.

الردّ على موقف القرضاوي
* أين هي الوحدة الإسلامية بين ما تقوله سماحتكم وتعملون له، وبين ما يقول به رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي وما يعمل له؟

ـ إنّ البعض يتهم الشيخ القرضاوي بأنه يتحدّث عن الوحدة الإسلاميّة في خطاباته، لكنه عملياً يمارس دوراً مغايراً، عندما يحاول أن يركّز على بعض السلبيّات الموجودة في الواقع الشيعي ويردّدها أكثر من مرة، وأيضاً عندما يرفض أن يتحرّك أي حوار على المستوى الشعبي بين الشيعة والسنّة، بحيث قد يقنع شيعي سنيّاً بالتشيّع، أو يقنع سنيّ شيعياً بالتسنّن مثلاً... ولكنه لا يتحدّث، على سبيل المثال، عن آلاف الكتب التي تصدر وتكفّر الشيعة أو تتحدث عن دعوة الشيعة إلى التسنّن وترك التشيّع... وبقطع النظر عن الخطأ أو الصواب في هذا المجال، فإن تعبيره عن هذا النوع من أنواع الحوار الذي قد يحدث في الساحة الإسلامية بين السنّة والشيعة، بأنه غزو ثقافي، يوحي وكأن هناك حرباً يحاول الشيعة إثارتها ضد السنّة. ونحن نعرف أن مسألة الغزو ليست واردةً لا في عقول السنّة ولا في عقول الشيعة، وإن كان هناك بعض السلبيّات عند الشيعة قد يتعقّد منها السنّة، أو بعض السلبيات عند السنّة قد يتعقّد منها الشيعة.
إن مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية أقرب إلى الاجتماعات الاحتفالية
ونحن كنّا، مع كثير من المخلصين، نتحدّث عن محاولة تخفيف هذه السلبيّات من أجل إزالتها وإبقاء القضيّة الشيعيّة ـ السنيّة في الموقع الاجتهادي الذي يتحرّك فيه العلماء من هنا وهناك، ليدرسوا الأمور الخلافيّة بعقل علمي منفتح، وذلك انطلاقاً من قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} [النساء:59]، ولاسيما أمام التحديات الكبرى التي تواجه الإسلام كلّه، فيما نتابعه ونشاهده ممّا يقوم به الغرب، من خلال نشر الصور المسيئة إلى النبيّ(ص)، وفي موضوع فيلم «فتنة» في هولندا، وفي الهجوم الذي ينطلق من مواقع كثيرة بإشراف الصهيونيّة، لإيجاد هوّة بين السنّة والشيعة، لمحاربة الإسلام كلّه والمسلمين كلّهم. ونحن نعلم أنه عندما سقط الاتحاد السوفييتي واجتمع قادة الحلف الأطلسي وسألوا من هو العدو الجديد، قيل إن العدو الجديد هو الإسلام، وقد قال القائد الأعلى السابق لقوات الحلف الأطلسي آنذاك: «إننا ربحنا الحرب الباردة، وها نحن نعود اليوم بعد 70 سنة من الصراعات الضالة إلى محور الصراع القائم منذ 1300 سنة، إنها المجابهة الكبيرة مع الإسلام»، لأنهم يعتبرون أن الإسلام كله يمثل خطراً على بنيتهم الثقافية والسياسية، ولا يفرقون في ذلك بين السنة والشيعة.
لذلك، كنا ندعو إلى محاولة تجميد بعض الخلافات الثانويّة من أجل البحث في الخلافات الأساسيّة، والتي يستغلّها أعداء الإسلام بشكل عام. لذلك، نحن نتصوّر أن صديقنا الشيخ القرضاوي يحاول بين وقت وآخر أن يثير مثل هذه السلبيّات، من خلال الحديث عن الشيعة، من دون أن يثير أي سلبيّات في الجانب الآخر. ثمّ إنّه عبّر عن الشيعة بأنهم «مبتدعة»، علماً أن الابتداع في المصطلح الفقهي هو عبارة عن الابتداع في العقيدة، ونحن كنا نتمنّى أن يقدّم الشيخ القرضاوي، بصفته عالماً مهتمّاً بالقضايا الإسلاميّة، دراسةً عن البدع التي يرتكز عليها الشيعة، ليدخل في حوار حول ذلك مع علماء الشيعة الذين يلتقي بهم بين وقت وآخر ويحضر مؤتمراتهم، مع الإشارة إلى أننا كنا قد استبشرنا خيراً بتأسيس اتحاد علماء الإسلام، الذي كان يمكن أن يطرح مثل هذه الأمور في داخله. ومن المستغرب ما يطرحه الشيخ القرضاوي من أنّ الشيعة هم من الفئات المبتدِعة، وأنهم يعتبرون القرآن ناقصاً ومحرّفاً، وإن كان لا ينكر إسلامهم، في الوقت الذي نجد قدامى العلماء من الشيعة، يصرحون بأن هذا هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لم يزد فيه حرف ولم يُنقص منه حرف.
وإذا كان بعض الناس يقولون إن الشيعة يستعملون التقيّة، فإننا نقول إن التقيّة كانت تستعمل في مقابل الحفاظ على الحياة، أو القضايا الحيويّة المهمّة. ونحن نرى أن الشيعة قد نشروا كل كتبهم، سواء منها ما يخالف التقيّة أو ما يوافقها.
وهناك نصّ ورد عن أحد أئمة أهل البيت(ع) يقول فيه: "إن التقية لا تجوز إذا استلزمت فساداً في الدين"، ولاسيما فيما يتصل بالثوابت العقيدية، أما ما يردده بعض الناس، من اتهام العلماء الذين يتحدثون عن القضايا الإسلامية بأن كلامهم يأتي على سبيل التقية، فهو يمثل نوعاً من أنواع الإساءة المتعمدة إلى العلماء الطليعيين المنفتحين الوحدويين العاملين على تأكيد الوحدة الإسلامية بصدق وإخلاص، ومن يتحدث بهذه الطريقة، قد ينطلق من خلفيات مضادة لحركة الوحدة الإسلامية.
ومن جهة أخرى، هناك إجماع من علماء الشيعة، ماضياً وحاضراً، على أن الله تكفّل بحفظ القرآن الكريم، وذلك قوله تعالى: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون} [الحجر:9]. ونحن نقرأ في أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين يعتقد الشيعة بهم وبإمامتهم، أنهم أرشدوا شيعتهم في مسألة تصحيح الأحاديث المرويّة عن النبي(ص) وعنهم(ع) بعرضها على القرآن، وقالوا: «فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار»، أو: «ما خالف كتاب الله فهو زخرف»، ما يدلّ على أن الأئمة(ع) كانوا يريدون للشيعة أن يعتبروا أنّ القرآن هو الكتاب الذي لا نقص فيه، وإلا فكيف يطلبون من شيعتهم أن يعرضوا كل ما يصلهم من أحاديث عن النبي وعنهم على القرآن؟
إن المشكلة في الواقع الإسلامي، أنّه ليس هناك حوار علمي موضوعيّ بين العلماء، بحيث يعيشون الذهنيّة العلميّة الموضوعيّة، ونحن نعيش في عالم حضاري يُتقبَّل فيه الرأي الآخر، ويُعترف فيه بالإنسان الآخر، وحتى إنه ليس هناك شيء لا يقبل الناس الجدال فيه، إلا المسألة اليهوديّة، وذلك لأنّ الصهاينة استطاعوا أن يحصلوا على قرار من الأمم المتحدة بتجريم معاداة الساميّة أو تجريم النقاش حول قضية «الهولوكوست»، وإلا فإن كل شيء في العالم الآن، سواء على المستوى الديني أو الفلسفي أو السياسي أو الاقتصادي، قابل للنقاش.
وقد أعلنت في محاضرة ألقيتها في الجامعة الأميركية في بيروت، قبل سنين، أنه ليس هناك مقدّسات في الحوار، لأن الله سبحانه وتعالى حاور إبليس وحاور الملائكة، والقرآن حاور الجميع، حاور الملحدين والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين... لذلك، أعتقد أن مؤتمرات التقريب ينبغي أن تختصر هذه الاحتفالات، وأن يجتمع مجموعة من العلماء المتخصّصين في جلسات مغلقة، ويطرحوا الخلافات الفقهيّة والكلاميّة، ليدرسوها دراسةً موضوعيّةً بالطريقة التي يمكن أن يتوحّدوا فيها على قاعدة إسلاميّة واحدة، أو يتقاربوا فيها على أساس التركيز على مواقع اللقاء، والتفاهم حول مواقع الخلاف.

لقد كنا نتمنى من الشيخ القرضاوي الذي يتحدث عن الغزو الشيعي، أن يتحدث عن خطر التنصير والإلحاد على الواقع الإسلامي كله، حيث كان عليه أن يثير الحديث عن ذلك إلى جانب ما يعتبره اختراقاً للمجتمع الإسلامي السني.
ونحن نعتبر أن الاختلافات بين المذاهب الإسلامية في بعض الآراء، لا ينبغي أن يُنظر إلى الحوار حولها بأنّه غزو من هذه الجهة لتلك. إننا في عصر يعيش فيه العالم الحوار في كل شيء، ولكننا نؤكد أن يكون الحوار علمياً وموضوعياً لا يعتمد على الإساءة إلى هذا الفريق أو ذاك. ونريد لدعاة الوحدة الإسلامية ميدانياً، أن لا تكون كلماتهم مصدراً للإثارة التي قد تؤدي إلى الفتنة، مع احترامنا لسماحة الشيخ القرضاوي في دعواته الوحدوية في كثير من التصريحات والمواقف.

العلاقات الإيرانية ـ العربية
* الملاحظ أن دور إيران المتعاظم كان ولا يزال منذ انتصار ثورتها يثير مخاوف جيرانها من دول عربية وغير عربية، والبعض يجد فيها «بعبعاً» لا يمكن الركون إليه. إلى أي مدى يمكن أن نشهد مستقبلاً ذوبان هذا الوضع بما يجعل إيران منسجمةً في إطار واقع إسلامي موحَّد؟

ـ إنّني أتصوّر أن المسألة بين إيران والعالم العربي ليست مسألةً مذهبيّةً، وإن كان البعض يحاول أن يستغلّ الاختلاف المذهبي، ولاسيما من خلال بعض السلبيّات التي قد تصدر في إيران مثلاً، كما قد تصدر في العالم العربي من خلال بعض فتاوى التكفير وما إلى ذلك. والمسألة هي من المسائل السياسيّة، وخصوصاً في ظلّ الصراع بين أميركا وإيران. ونحن نلاحظ أن إيران تحاول أن تتقرّب من دول الخليج، حتى إنها حضرت أحد مؤتمرات مجلس التعاون الخليجي، والزيارات بين مسؤولي دول الخليج ومسؤولي إيران متتابعة، وهناك عرض إيراني على دول الخليج في شأن العلاقات الاقتصادية والسياسيّة وما إلى ذلك، ولكن أميركا هي التي تخلق المشكلة، نتيجة صراعها مع إيران والتزامها بإسرائيل، وخصوصاً بالنسبة إلى قضية المشروع النووي الذي تؤكّد إيران أنه مشروع سلمي، وتتهمها أميركا والاتحاد الأوروبي بأنه مشروع عسكري، ولذلك، تقوم وزيرة الخارجية الأمريكية (رايس) ونائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، بزيارات إلى هيئات الاعتدال العربي، لمحاولة الإيحاء بأن إسرائيل صديقة وإيران عدوّة.
ونحن نعرف أن إسرائيل تملك ترسانة نوويّة ذريّة، بحيث إنها تستطيع أن تهدّد المنطقة كلها، وهي لم توقّع على معاهدة حظر الأسلحة النوويّة، بينما وقّعت إيران عليها، مع وجود بعض التعقيدات بينها وبين الوكالة من وقت لآخر. لذلك، فإن أميركا تحاول الإيحاء إلى بعض الدول العربية، بأن إيران هي الخطر وهي المشكلة، ولكننا لم نلاحظ أي خطر. هم يتحدّثون عن تدخّل إيران في العراق، لكننا نتساءل: إن تدخّل إيران في العراق هو من أجل مواجهة الاحتلال الأميركي، فهل إن الاحتلال الأميركي يمثل، عند العرب، الصديق الذي يملك شرعيّة الوجود في العراق؟!

* لماذا لا يتحدّثون عن التدخل الأميركي في العراق، أو التدخّل البريطاني في العراق؟

ـ إن الحديث عن التدخّل الإيراني في العراق، سواء كان يشتمل على بعض السلبيّات أو لا، معناه أنّ من يتحدّث بذلك، وإنما يسجّل نقاطاً سلبيّةً على هذا التدخّل، لكونه يسيء إلى الوجود الأميركي.
أنا أعتقد أن إيران لا تمثّل خطراً على أي بلد عربي، لكن العلاقات المتوترة بينها وبين أميركا، هي التي أصبحت تعقّد علاقاتها مع أكثر من بلد عربي، علماً أن إيران كانت أسبق من الدول العربية في الاعتراف بالوضع الجديد في العراق، وهي كانت قد عانت ما عانته من خلال الحرب العراقيّة الإيرانيّة التي فرضت عليها.
لذلك، أنا أتصوّر أن المسألة ليست مذهبيّة، وإن كانت القضايا المذهبيّة أحد الأسلحة التي تحارَب بها إيران في العالم العربي، لتعقيد الشعوب العربية منها، ولكنّ المسألة سياسيّة بامتياز. وأنا أتصوّر أنه سيتغيّر كل هذا الوضع، إذا انطلقت العلاقات الأميركية ـ الإيرانيّة في الاتجاه السلمي.

المشروع الشيعي
* البعض يقول إن ما يحصل في المنطقة هو حرب بين مشروعين: المشروع الأميركي الإسرائيلي، والمشروع الشيعي. هل هناك فعلاً مشروع شيعي في المنطقة؟

ـ أنا أقول: ماذا يمثّل الشيعة في العالم العربي والإسلامي؟ إنهم يمثلون أقليّةً، ولذلك فإن الحديث عن مشروع شيعي يمثل نكتة سياسيّةً سخيفةً، لأنه ليست هناك أي ظروف في أي منطقة يسكنها الشيعة، سواء في العراق أو في لبنان أو إيران، يملك الشيعة من خلالها أن يصادروا الواقع السياسي والاقتصادي في المنطقة، على أساس دولي لا على أساس إقليمي أو على أساس محلي.
ولذا، فإن الحديث عن هلال شيعي، أو عن سيطرة شيعية، هو حديث غير واقعي. نعم، إن أميركا تحاول، من خلال احتلالها العراق وأفغانستان، وحتى من خلال تحرّكها في لبنان وسوريا، أن تنطلق في استراتيجيتها للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنيّة والسياسيّة. وإلا، لو قلنا إنّ العراق فيه غالبية شيعيّة، فهل هناك غالبيّة شيعيّة في أفغانستان؟! إن أميركا تحارب السنّة والشيعة لمصلحة استراتيجيتها في المنطقة، والمسألة ليست أن هناك صراعاً شيعيّاً عربياً، بل إنّ الشيعة ـ وليس كلهم ـ يرفضون الاحتلال الأميركي لأي بلد مسلم وعربي، ويرفضون السياسة الأميركية في البلدان الإسلامية والعربية، كما هناك سنّة يرفضون هذا الاحتلال، وأنا أزعم أن شعوبنا ترفض الاحتلال بشكل حاسم وعلى اختلاف مذاهبها وألوانها وانتماءاتها.

المواطنة قبل المذهب
* نلاحظ أن هناك إقبالاً إعلامياً كويتيّاً عليكم، ما سرُّ كل هذا الحب؟ وماذا تقول للكويت بسُنتها وشيعتها وأحزابها وشعبها؟

ـ أعتقد أن هناك نوعاً من الحكمة في إدارة المسألة السياسيّة في الكويت، وأن القائمين على شؤون الكويت يعملون على أساس إيجاد وحدة بين المسلمين في دولتهم. ولذلك، لقد كان شعاري مع كل أصدقائنا في الكويت هو: "لا تطالبوا بحقوق الشيعة أو حقوق السُنة، ولكن طالبوا بحقوق المواطَنة الكويتيّة..."، ودعوتي الدائمة للمسلمين السنّة والشيعة في الكويت، كما في خارجها، أن يتحركوا من خلال الوحدة الإسلامية، ليحفظوا أوطانهم ومجتمعاتهم، ويصونوا أنفسهم، وليكونوا يداً واحدة على أعداء الأمة والدين، وليعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا، وأن يعملوا على حل كل الخلافات بالطريقة العلمية الموضوعية بعيداً عن التشنج والاتهامات السلبية.

بيروت ـ طارق ترشيشي

ليست هناك تعليقات: