16 أغسطس 2009


أثنى العلامة السيد محمد حسين فضل الله، على المواقف الأخيرة لمفتي الديار المصرية، الشيخ علي جمعة، مؤكداً أنها تعبّر عن روح وحدوية عالية، مشيراً إلى أن الأمة لا تزال بخير ما دامت هناك شخصيات في مواقعها العلمية تحمل همومها وتحرص على وحدة المسلمين، موضحاً أن مشروع التقريب في الأمة هو مشروع قابل للحياة على الرغم من أن مشاريع التمزيق هي التي تطفو على السطح،

واستغرب سعي بعض الجهات للتطبيع مع العدو واستعدادها لذلك على المستويات السياسية وغيرها، وتصدي هذه الجهات لمساعي التطبيع والوحدة بين فئات الأمة.
استقبل العلامة فضل الله وفداً من مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية الذي يرأسه الأمين العام للمجمع، آية الله الشيخ محمد علي التسخيري، والذي ضمّ أساتذة حوزات علمية ووجوه جامعية وشخصيات إسلامية.
وجرى في خلال اللقاء عرضٌ لمساعي التقريب بين المذاهب الإسلامية، والتحديات التي تواجهها عملية التقريب في ظلّ السعي الاستكباري والصهيوني للإيقاع بين المسلمين، ووجود شخصيات وجهات من داخل الأمة تعين هؤلاء في مسعاهم للفتنة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتحدث ممثل المجتمع في لبنان، الشيخ حسن بغدادي، باسم الوفد.
وألقى السيد فضل الله كلمة في الوفد جاء فيها:
إن مشكلة الأمة فيما تعانيه من تمزقات وتحاقد، لا تنطلق من وجود جماعات وفئات متعصبة وجاهلة على مستوى القواعد فحسب، بل من ممالأة بعض من هم في نطاق السلك الديني لهؤلاء، وشعورهم بأن أقصر السبل للتزعّم، والوصول إلى المواقع القيادية يتمثل بالحصول على رضا هذه القواعد التي تميل بطبعها إلى محاكاة حساسيات الماضي بالتزام تعقيدات الحاضر التي قد تنشأ من معطيات سياسية لا دخل للتسنن وللتشيع بها لا من قريب ولا من بعيد.
وقد لاحظنا أن بعض الذهنيات التي تسللت إلى مواقع علمية وعلمائية في الأمة، أخذت في الاعتبار ردود فعل العامة أكثر من أخذها للموقف الشرعي والعلمي الخالص، وتوقفت عند ما ترضاه وترغب به جهات شعبية هنا وهناك بدلاً من أن تتحلى بالجرأة وبالروح العلمية التي ينطلق من خلالها هذا العالم أو هذه المرجعية لتوجيه النقد الحاسم لكل أنواع التخلف وأساليب الخرافة والجهل التي يتبنّاها فريق هنا، أو تتحرك بها جماعات هناك، وهي بعيدة كل البعد من أصالة الإسلام وحتى من القواعد الشرعية والعقدية التي يعتمدها هذا المذهب أو ذاك.
ولذلك، فإنني أعتقد أن من أوجب الواجبات على أهل العلم والعلماء أن يبدأوا بعمليات التصحيح من داخل الذهنية التي تحجّرت وتكلّست في كثير من المواقع، وأن ينطلق كلٌ من موقعه لتغيير هذه الذهنية، والحديث بصراحة ووضوح مع القواعد من أن ما تتحرك به هذه القواعد قد ينطلق من عادات وتقاليد في كثير من الأحيان، ولا يتصل بحقيقة ما يريده الإسلام، أو ما توخّاه أئمة المذاهب وعلماء الأمة الأعلام.
وقد قرأت قبل أيام كلاماً جميلاً ودقيقاً وحكيماً لمفتي الديار المصرية، سماحة الشيخ الدكتور علي جمعة، يتحدث فيه بصراحة ووضوح عن ضرورة الإضاءة على المواقف الإيجابية والوحدوية في الأمة بدلاً من أن يسعى البعض للتنقيب في الكتب الشيعية القديمة بهدف تدمير العلاقات بين السنة والشيعة لأغراض أخرى هدفها تفتيت وحدة المسلمين لتسهيل تنفيذ المخطط الذي تمّ الإعداد له منذ فترة طويلة، وأشار إلى مواقف عدد من علماء الشيعة الذين حرّموا سبّ الصحابة والإساءة لأمهات المؤمنين، ثم أكد أن الأمة جسد واحد وأنه لا فرق بين سني وشيعي، وأنه لا يمانع من الاستعانة بآراء فقهية شيعية لصالح الأمة...
إن هذه المواقف التي تتّسم بالمسؤولية تعبر عن روح وحدوية عالية، وتؤكد أن الأمة لا تزال بخير وأن في مواقعها العلمية المعتبرة كما في الأزهر الشريف أو في النجف الأشرف وقم والحجاز ولبنان من يحمل هموم الأمة ويحرص على وحدة المسلمين، ولذلك فهو ينطق بكلمة الحق وإن تنكّر لها المتنكّرون، وجحد بها الجاحدون، ويحرص على إثارة الإيجابيات بدلاً من الخوض في السلبيات التي تثير الحساسيات في المواقع الشعبية، وتقدم مادة مشتعلة لأعداء الأمة لكي يستفيدوا منها في إذكاء نيران الفتنة المذهبية التي تحرق الأخضر واليابس في المواقع العربية والإسلامية خدمةً لأمريكا وإسرائيل وأعداء الإسلام.
وإنني أعتقد أن مشروع التقريب في الأمة هو مشروع قابل للحياة وللاستمرارية والنجاح، على الرغم من أن الإمكانيات بمعظمها مسخرة لمشاريع التفتيت والتجزئة، وبالرغم من أن الذي يطفو على السطح هو مشاريع التمزيق، لأن الناس طيبون ما لم تلوثهم المكائد ولعبة التحاقد الذي تتحرك بها جهات سياسية ودينية من داخل الأمة، ولأن في الأمة عقلاء وحكماء ـ على قلتهم ومحدودية إمكاناتهم ـ إلا أن اجتماع كلمة هؤلاء من شأنه كشف الجهات والدول والمحاور الساعية لإذكاء نيران المذهبية العشائرية ومنع الأمة من الاغتناء بالمذهبية العلمية المنفتحة على الآخر داخل قواعد الأمة ومواقعها القيادية.
واستغرب العلامة فضل الله سعي بعض الجهات داخل الأمة للتطبيع مع العدو، واستعدادها لذلك على المستويات السياسية وغيرها، وتصدي هذه الجهات لمساعي التطبيع بين فئات الأمة ومذاهبها، لأن هؤلاء يحرصون على أن ترضى أمريكا وإن أسخطوا رب العالمين.
وختم سماحته داعياً علماء الأمة من السنة والشيعة إلى الكفّ عن التراشق من بعيد بمفردات الغزو أو السبّ واللعن، أو ما إلى ذلك، والدخول في أجواء التقريب من خلال ندوات علمية صريحة تركّز على القواسم المشتركة الكبيرة والكثيرة، وتتوقف عند التاريخ وقفة تأمل واعتبار ولا تنقّب عن الأخطاء والتراكمات السلبية في بطون الكتب القديمة لإظهار المساوئ واستحضار المشاحنات، بل تنطلق بروح علمية وحدوية لنبذ التخلف والخرافة والغلوّ، وتنكبّ على البحث بأصالة إسلامية معتمدة على كتاب الله وسنّة نبيه، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الفتنة هي السفلى، ولتكون الوحدة الإسلامية أولوية ثابتة راسخة لا يُسمح لأحد بالإساءة إليها أو تخطيها وتجاوزها تحت أي اعتبار سياسي أو عشائري أو شخصاني وما إلى ذلك.


ليست هناك تعليقات: