31 أغسطس 2008

دعا للخروج من عقدة الذنب وبناء استراتيجية دفاعية صلبة تواجه استراتيجية العدو الهجومية العدوانية
فضل الله: لا أحد في العالم يضمن لنا أن العدو لن يعتدي مجدداً على لبنان


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه التطورات الأخيرة في القوقاز، جاء فيه:
إنّ التطورات الأخيرة التي طفت على سطح الأزمات السياسية العالمية، وخصوصاً ما يجري في القوقاز، فيما يشبه الحرب الباردة بأوجه وشعارات ومعطيات جديدة، وتحفز أقطاب دولية للعودة إلى الواجهة، واحتدام الصراع الدولي ووصول المسألة إلى مستويات الصراع المباشر أمنياً وعسكرياً، بعد التصعيد على الجبهات الاقتصادية والسياسية... إن ذلك كله يدفعنا كشعوب، وخصوصاً الشعوب العربية والإسلامية إلى التفكير ملياً في الأسس والوسائل والأساليب التي ينبغي اعتمادها للخروج من دائرة التجاذب، وصوغ استراتيجية جديدة تجعلنا نخرج من دائرة الاستخدام التي أبقتنا لعقود خلت كأحجار شطرنج يُحركّها الكبار على طريقتهم، ليستخدموا الشعوب كأدوات في صراعهم.
ولا يعني ذلك أن تبتعد الشعوب وقوى الممانعة وحركات المقاومة عن إمكانية الاستفادة من عودة التجاذب في المواقع الدولية الكبرى وتراجع الدور الأميركي حيال ما يسمى "قيادة العالم"، ولكن على أساس أن يتم ذلك من خلال دراسة دقيقة لساحاتنا وللتوازنات الدولية والإقليمية، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن عودة التفاهم بين من يسمّون بـ"الكبار" سوف تعني أن الشعوب المستضعفة هي التي ستدفع الثمن، ومن هنا وجب علينا التدقيق في معطيات الأحداث الدولية الأخيرة والنتائج التي قد تتمخض عنها.
ومن هذا المنطلق ندعو إلى مقاربة جديدة لمسألة الاستراتيجية الدفاعية في لبنان، سيما وأننا نشهد حالة تسلح عالمية جديدة، ونلمح إصراراً من كثير من الدول على جعل نطاقها الأمني يتعدى حدودها الجغرافية وحتى القارية، ونرصد رؤية إسرائيلية تنظر إلى أن الأمن الإسرائيلي يصل إلى حدود روسيا، ونشهد معاهدات دولية وتوزيع للصواريخ الأميركية في أوروبا تحت عنوان التهديد الإيراني بما يشير إلى حركة استعداد عالمية غير مسبوقة للانخراط في مناخ من الاضطراب السياسي الذي يصاحبه تلويح مستمر باستخدام القوة.
إن هذه الأجواء وما يرافقها من تهديد إسرائيلي جدي بشن حرب جديدة على لبنان وعلى بنيته التحتية واعتبار "كل الدولة اللبنانية هدفاً" يدفعنا إلى الدعوة للبحث عن أسس صلبة للاستراتيجية الدفاعية التي قد ينطلق الحوار حولها قريباً، وعدم النظرة إلى السلاح المقاوم كعبء ينبغي التفريط فيه أو التخلص منه، إلى جانب التدقيق ملياً في التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة كونها تمثّل من جهة دخولاً على خط الحوار الداخلي وإثارة للوضع اللبناني الداخلي ومحاولة للضغط عليه، ومن جهة أخرى كونها تتصل بحركة العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، وتطلع العدو إلى احتفاظه بحرية الحركة في الأجواء اللبنانية وحتى في البر والبحر، حيث يستمر في احتلاله لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا ويرفض الانسحاب من الغجر، ويحاول الدخول إلى قلب طاولة الحوار اللبناني الداخلي كعامل ضاغط بأكثر من اتجاه.
إنّنا نقول للبنانيين بأنه لا يوجد في طول هذا العالم وعرضه أحد يستطيع أن يُقدّم ضمانة للبنانيين بأنّ العدو لن يجتاح لبنان أو يعاود عدوانه من جديد، خصوصاً وأن هذا العالم وقف مع العدو في عدوانه في تموز 2006، وحاول تبرير كل المجازر التي ارتكبها ضد المدنيين كما برر تدمير البنية التحتية اللبنانية، وساهم في منع الوصول إلى وقف إطلاق نار حقيقي ليترك الأمور مشرعة أمام العدو فيختار ما يراه مناسباً لاستراتيجيته العدوانية، وقد سمعنا من بعض الدول التي ساهمت في "اليونيفيل" كلاماً واضحاً عن أنّ هذه المساهمة هي لحماية إسرائيل، كما صرّحت بذلك المستشارة الألمانية "ميركل"، ونحن في هذه الأيام لا نسمع كلمة استنكار واحدة حيال الخروقات الإسرائيلية الجوية شبه اليومية... إنّ هذا الواقع يدفعنا للتأكيد على بناء القوة اللبنانية الدفاعية بشكل فعّال لردع العدو ومنعه من اقتراف حماقات جديدة، فإذا كان العالم يبرر لإسرائيل استراتيجية هجومية عدوانية ضدنا، فلماذا تحكمنا عقدة الذنب في أن نبني استراتيجية دفاعية صلبة وقوية لا يدور الحديث فيها حول السلاح، بل حول الطريقة التي يُستخدم فيها ضمن الحسابات الوطنية الأساسية؟
إنّنا لا نريد للبنان أن يتحوّل إلى محزن لسلاح المنطقة، ولا أن يكون البؤرة المتفجرة في حمّى صراعاتها، ولكنّنا نرفض أن يكون ممراً ومستقراً ومطمعاً للمحتل يغزوه ساعة يشاء، أو أن يكون مستودعاً لمشاريع وتحالفات تناقض مشروع الدولة وقضايا الأمة، بل نريده أن يظل مرهوب الجانب، ليصنع سلامه من خلال قوته الذاتية ووحدته الداخلية، خصوصاً وأننا رأينا من خلال التجارب السابقة أن العرب هم أضعف بكثير من أن يصنعوا سلام لبنان ـ وإن ساهم بعضهم بتبريد أزمته ـ أو أن يعملوا لإخراجه من مشاكله الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لأن بعضهم ساهم في تفاقم هذه المشاكل وتعقيدها، ولذلك فإننا مضطرون للعمل على أساس أن نقلّع شوكنا بأظافرنا.
أمّا الذين يتحدثون عن المجتمع الدولي فنسألهم: هل يمكن أن يقوم هذا المجتمع بتزويد الجيش اللبناني بالسلاح المتقدم المتطور الذي يستطيع أن يدافع فيه عن وطنه؛ وأن يردع العدو ويمنعه من التفكير مجدداً بغزو لبنان؟. فإذا كان الجواب سلبياً، وهو ما تؤكّده الوقائع والتجارب، فإنّ المسألة تقتضي إعداداً لبنانياً شاملاً، ودقيقاً، وحاسماً على كافة المستويات.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 22-8-1429 هـ الموافق: 24/08/2008 م

ليست هناك تعليقات: