31 أغسطس 2008

دعا إلى رسم استراتيجية دفاعية داخلية ضد مرتكبي الجرائمإلى جانب الاستراتيجية الدفاعية لمواجهة العدو
فضل الله: مصالح متداخلة بشكل معقّد بين جهات استكبارية وأخرى متطرفة لضرب الجيش وتفجير البلد


أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه تطورات الأحداث الأخيرة في لبنان، وخصوصاً جريمة طرابلس الأخيرة، وجاء فيه:
إذا كان من العجالة بمكان أن نعمد أو يعمد بعضنا إلى تسمية الجهة التي قامت بهذا الاعتداء الآثم على الجيش اللبناني، وعلى اللبنانيين جميعاً، فإننا نستطيع ـ في المقابل ـ أن نجزم بأن هذه الجريمة قد استطاعت أن تدخل على خط الخلافات اللبنانية الداخلية وأن تعبث بالوضع الداخلي، مستفيدةً من التوترات المتفاقمة داخلياً، والسجالات الأخيرة التي فاقت حدود التصور في هذا الانزلاق بالخطاب السياسي الداخلي إلى أدنى المستويات.
إن ذلك يؤكّد أن الأطراف التي تصنع الجريمة في لبنان تعرف كيف تتعامل مع مجريات الأحداث الداخلية، كما تعرف كيف تستغل التوقيت السياسي الذي تجده مناسباً لاستغلال السطحية التي تتحرك فيها الطبقة السياسية اللبنانية في شكل عام، وكل ذلك في سبيل تعميق الخلافات الداخلية ومنع اللبنانيين من اجتراح الحلول اللازمة لمشاكلهم، أو إخماد الحرائق السياسية التي توفر المناخات الملائمة لحرائق أمنية متنقلة على هذه الشاكلة وغيرها.
إننا نعتقد أن هناك الكثير من الجهات التي لا تريد للبنان أن ينطلق بجيشه ومقاومته وشعبه من موقع واحد، وأن لا يكون على أهبّة الاستعداد لمواجهة أي عدوان إسرائيلي قادم، وخصوصاً في ظلّ التهديدات الإسرائيلية الأخيرة، لأن هذه الجهات تريد للبلد أن يبقى مضطرباً من الناحية الأمنية، ومهتزاً على المستوى الاقتصادي، ومتوتراً وغير مستقر من الناحية السياسية، ما يفسح لها في المجال أكثر للعبث بالأوراق الداخلية والإمعان في ربط البلد بمشاكل المنطقة وتعقيداتها، وخصوصاً الأمنية منها.
إننا في الوقت الذي نأمل أن لا يتم وضع ما حدث (الاعتداء في طرابلس) في خانة السجال السياسي الداخلي المتفاقم من باب تسجيل هذا الطرف أو ذاك النقاط على الأطراف الآخرين، إلا أننا ندرك جيداً أن هذا السجال يؤمّن المادة الخام السياسية التي ينفذ من خلالها المجرمون للاعتداء على الجيش والشعب والمؤسسات، كما ندرك أنّ ثمة مصالح متداخلة بطريقة معقدة بين جهات دولية استكبارية وجهات متطرفة، حيث تسعى تلك الجهات لتغيير عقيدة الجيش اللبناني وجعله ينخرط في صراعات داخلية تصرف توجهه عن الحفاظ على وحدة الموقف في مواجهة العدو الإسرائيلي، كما تسعى جهات أخرى لجعله يفقد توازنه الأمني والعسكري ويسقط كمؤسسة راعية للسلم الأهلي الداخلي، فتسقط معها الآمال بحلحلة المشاكل الداخلية المتراكمة، وتنطلق مناخات الفتنة التي تريد هذه الجهات أن تنمو وتتمدد من خلالها لتواصل مسلسلها الإجرامي.
إننا، وأمام هذه الجريمة المروّعة، نقول للبنانيين بكل أطيافهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية والمذهبية، لقد أثبت الآخرون أنهم قادرون على التعامل بحقد وحرفنة مع مشاكلكم وتعقيداتكم، فعمدوا إلى صبّ الزيت على النار وإلى نكأ الجراح بهذه الطريقة الوحشية، فهل أنتم في صدد الردّ على هؤلاء من خلال السعي الجاد للحفاظ على هذه الوحدة بالإقلاع عن تلك السجالات التي أنهكت اللبنانيين وفاقمت من أزماتهم، وبالإسراع في معالجة الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يدخل المعتدون من نوافذها للعبث بالداخل، وبالعمل على نزع الألغام السياسية الكثيرة وتفكيك الملفات الأمنية المعقدة قبل أن يخترقها هؤلاء فيعملوا على تفجير البلد في مواقع ومناطق جديدة.
إننا ندعو الجميع إلى رسم الأسس الحقيقية لاستراتيجية دفاعية، وربما هجومية داخلية ضد مثيري الفتن ومرتكبي الجرائم، إلى جانب الإعداد الجاري لرسم استراتيجية دفاعية في مواجهة العدو، لأن لبنان يحتاج إلى عناصر أساسية تحمي وحدته من الداخل كما يحتاج إلى قواعد متينة للحفاظ على قلاعه حصينةً ومنيعةً في وجه العدو الإسرائيلي الحاقد والساعي لتكرار عدوانه.
كما ندعو أحبّتنا ومواطنينا في طرابلس والشمال إلى أن ينطلقوا ليكون كل واحد منهم خفيراً لمواجهة كل هؤلاء الذين يتحركون كخفافيش الليل ليزرعوا الجريمة في واقع هذا البلد الآمن الذي لم يتعوّد على مثل هذه الفتن الدامية التي يُراد من خلالها أن يحترق الشمال ومعه الوطن كله.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
التاريخ: 12-8-1429 هـ الموافق: 14/08/2008 م

ليست هناك تعليقات: